الزعيم
07 Aug 2005, 05:30 AM
اليوم الذي اذهل إعلام الغرب: الـبحـث عن قبـر (الـمـلك)
جريدة عكاظ . كتبه (خالد دراج)
وسط الفاجعة الكبرى التي حلت بالوطن .. واهله .. برحيل الامام .. والقائد والملك فهد بن عبدالعزيز ... وبكل ما شهده هذا الحدث الجلل من ردود فعل عالمية واسلامية .. وعربية غير مسبوقة في التاريخ الحديث .. او على مستوى المبايعة التاريخية التي قدمها شعب المملكة لمليكهم الجديد (عبدالله بن عبدالعزيز) .. وسمو ولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز ..
الا ان مشهداً ما .. ولحظات ما .. ظلت ترتسم امام عيني وداخل مخيلتي طوال الايام الماضية .. لم تغادرني اطلاقاً !!
انها ..جوانب مراسم تشييع (فقيد الامة) من جامع الامام تركي بن عبدالله الى مثواه بمقبرة العود ..
لقد كانت مشاهد تبعث على (القشعريرة) .. والذهول والوصول الى روحانية الايمان .. والى اجواء الشريعة .. والسنة المطهرة كما كنا نقرأ ..ونسمع !!
أعود بكم الى بداية يوم الاثنين (الحزين) حيث كنت ضمن الوفود الاعلامية المحلية .. والدولية التي قامت بتغطية الحدث .. وكان بجواري في الحافلة التي اقلتنا الى مقبرة العود مذيع قناة الـ(سي. ان ان) الاخبارية الامريكية (نك روبرتسون) ..
ومنذ ان تحركنا من الفندق وحتى وصولنا للمقبرة ..ولا سؤال ولا حديث له الا عن مراسم الجنازة .. متى ستتم .. وكيف .. وعلى اي نحو .. وكيف سيحمل الجثمان .. وما الفرق العسكرية التي ستتقدم الموكب .. وكيف سينضم الزعماء والرؤساء (غير المسلمين) الى تشييع الجثمان مع اقرانهم من المسلمين .. وما هي القطع السوداء التي سيرتديها افراد الاسرة المالكة اثناء التشييع .. وبعد ان أُنهكت من اسئلته .. اضافة الى اجواء الحدث كانت تقيد تفكيرنا وتشمل ذاكرتنا .. اشعرته بالانشغال بكتابة بعض الاسطر .. واطبق الصمت حتى دخلنا من بوابة مقبرة العود .. وعندها عاد (روبرتسون) وبجواره مجموعة من مراسلي وكالات الانباء العالمية الذين تمركزوا على نوافذ الحافلة حيث بدت نظراتهم تجوب ارجاء المقبرة بحثا عن (قبر الملك) .. وممراته .. وبنائه .. والسجاد الاحمر .. والحواجز النحاسية التي تقود الى مدخله .!!
كانت درجة الحرارة تصل الى قرابة الخمسين .. وكان التحرك في ارجاء المقبرة غاية في الصعوبة والارهاق ..
اخترنا مواقعنا مستظلين بفي السدر .. وشاحنات المياه المبردة التي هيئت لسد ظمأ المشيعين ..
واشرت لمراسل الـ(سي. ان. ان) لموقع القبر بعد ان تعرفت عليه من خلال احد منسوبي امانة مدينة الرياض ووقتها حاولت وانا اجيبه على السؤال ان ابدو (عاديا) في طرح الاجابة .. واكظم ذهولي .. واندهاشي للمنظر الذي كنت أراه امامي!!
قبر محفور بجوار السور الجنوبي الغربي للمقبرة .. لا يفصله عن الجدار سوى 3 امتار .. تطل عليه ثلاث عمائر سكنية شعبية لا تبعد سوى امتار عن موقع القبر.
وبجوار القبر .. كان هناك كوم من الحصى .. وكوم من تراب الطين وخزان مياه صغير متنقل كتلك التي تعلو اسطح المنازل ..
كل هذا كان في مساحة محدودة صغيرة لاتتجاوز مساحة موقف سيارة بعد ان احاطت القبور بقبر الملك من الجهة الشرقية والسور من الجنوبية ..
لمست من ردة فعل (روبرتسون) انه لم يأبه باجابتي .. ومن باب المجاملة اقفل حواره معي ظنا منه بأني أموّه عليه بالمعلومات.. أو ان الجهات الامنية وضعت ذلك القبر للتمويه فيما سيكون هناك موقع آخر للقبر الحقيقي يليق بالملك ويميزه عن غيره.
وساعده في ذلك التفكير.. تلك البساطة المتناهية التي قد تكون حتى دون مستوى دفن شيخ قبيلة أو حتى انسان عادي.. فلا ظل ولا شجر ولا سجاد.. ولا كراسي.. ولا هواء بارد.
ووصل الاعلامي الامريكي الى حالة التأكد من اعتقاده ذلك عندما وجد قبرا آخر بجوار الملك.. وعند سؤاله علم بأن هناك شخصاً آخر سيدفن في نفس الوقت واللحظة وعندها فقط ايقن بانه لا يمكن ان يتم ذلك اطلاقا.
انتقلت الى موقع اقرب للقبر مع جموع الاعلاميين بعد ان اقترب وصول الجثمان.. واذا بسيارة تقف بجوارنا ويخرج منها الامير نايف بن عبدالعزيز تاركا (بشته) في السيارة واتجه مباشرة الى القبر ووقف عليه تماما.. وسط مشاعر لا تكاد توصف انعكست على وجه الامير نايف.. وصوته.. وتحركه.
وعقب ربع ساعة تقريبا.. وصل (الملك) في موكبه الاخير.. في سيارة اسعاف تابعة للخطوط السعودية عادة ما تنقل الجثامين من المطار واليه.
وكان الى جوار سائق الاسعاف.. الامير سلمان بن عبدالعزيز وتوقف الاسعاف وخرج الامير سلمان وخرج من الاسعاف عدد من اخوة فقيد الامة.. وابنائه.. واحفاده..
وحمل (فهد بن عبدالعزيز) على نعش خشبي عادي.. يحمل عليه عادة موتى المستشفى التخصصي وظهر على جنبات النعش اسم المستشفى.. ورقم الهاتف.. وكان يعلو النعش سجادة مطوية.. كان واضحا انها لم تكن مجهزة.. او مفصلة على مساحة النعش.. وضع عليها الجثمان الطاهر لفقيد الامة.. وقد التف بآخر (بشت) لبسه.. وشيع الى القبر.. حيث انزل -غفر الله له- الى القبر ومعه ابناؤه الذين لحدوه.. ووضعوه على جنبه الايمن صوب القبلة وفق هدى السنة المطهرة.. ثم صعدوا من القبر.
وهنا احسسنا بان حركة ما تتم من جانب آخر من القبر.. فاذا بنا وبالحرس ورجال الامن والحضور نفاجأ بمن يصيح.. افسحوا الطريق.. افسحوا الطريق.. عندها التفت خلفي مباشرة واذا بالملك عبدالله والامير سلطان والامير مشعل.. ترجلوا من سيارة واحدة وخرجوا في اتجاه القبر.. ووقف (عبدالله) يطل على أخيه من اعلى القبر.. وكذلك كان بقية اخوته.. ثم اطبق القبر.. واهالوا عليه التراب.. ثم رشوه بالماء.. ووضعوا عليه الحصى.. ورفع الملك عبدالله يديه الى السماء.. يدعو لاخيه وحبيبه ورفيق دربه.. بالرحمة والثبات.
ولم يتمكن الملك عبدالله حينها من كفكفة دموعه.. ومد يده الى جيبه واخرج (منديلا ابيض) ظل يمسح به دموعه من عند القبر الى ان وصل الى سيارته.. وعندها تحامل عبدالعزيز بن فهد على نفسه.. واتجه الى سيارة والده (عبدالله بن عبدالعزيز) وفتح باب السائق حيث كان الملك يجلس في مقعده وارتمى على يديه وقبلهما في منظر ابكى الحضور.. وغادر الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. وولي عهده.. وبقية افراد الاسرة.. واستقر الملك فهد تحت الثرى.
فيما عجز الناس في الخارج من الانتظار فتسلقوا الاسوار وفتحت الابواب وزحفوا بالالاف في منظر غير مسبوق واحاطوا بقبر الملك شيوخا وشبابا وكان هناك الاف النساء منعتهم تعاليم الدين عن دخول المقابر والا لفعلوا.
رحم الله فقيد الامة.. والاسلام.. الملك فهد بن عبدالعزيز واعان الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز واعزه بنصره.. وسدد خطاه.
جريدة عكاظ . كتبه (خالد دراج)
وسط الفاجعة الكبرى التي حلت بالوطن .. واهله .. برحيل الامام .. والقائد والملك فهد بن عبدالعزيز ... وبكل ما شهده هذا الحدث الجلل من ردود فعل عالمية واسلامية .. وعربية غير مسبوقة في التاريخ الحديث .. او على مستوى المبايعة التاريخية التي قدمها شعب المملكة لمليكهم الجديد (عبدالله بن عبدالعزيز) .. وسمو ولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز ..
الا ان مشهداً ما .. ولحظات ما .. ظلت ترتسم امام عيني وداخل مخيلتي طوال الايام الماضية .. لم تغادرني اطلاقاً !!
انها ..جوانب مراسم تشييع (فقيد الامة) من جامع الامام تركي بن عبدالله الى مثواه بمقبرة العود ..
لقد كانت مشاهد تبعث على (القشعريرة) .. والذهول والوصول الى روحانية الايمان .. والى اجواء الشريعة .. والسنة المطهرة كما كنا نقرأ ..ونسمع !!
أعود بكم الى بداية يوم الاثنين (الحزين) حيث كنت ضمن الوفود الاعلامية المحلية .. والدولية التي قامت بتغطية الحدث .. وكان بجواري في الحافلة التي اقلتنا الى مقبرة العود مذيع قناة الـ(سي. ان ان) الاخبارية الامريكية (نك روبرتسون) ..
ومنذ ان تحركنا من الفندق وحتى وصولنا للمقبرة ..ولا سؤال ولا حديث له الا عن مراسم الجنازة .. متى ستتم .. وكيف .. وعلى اي نحو .. وكيف سيحمل الجثمان .. وما الفرق العسكرية التي ستتقدم الموكب .. وكيف سينضم الزعماء والرؤساء (غير المسلمين) الى تشييع الجثمان مع اقرانهم من المسلمين .. وما هي القطع السوداء التي سيرتديها افراد الاسرة المالكة اثناء التشييع .. وبعد ان أُنهكت من اسئلته .. اضافة الى اجواء الحدث كانت تقيد تفكيرنا وتشمل ذاكرتنا .. اشعرته بالانشغال بكتابة بعض الاسطر .. واطبق الصمت حتى دخلنا من بوابة مقبرة العود .. وعندها عاد (روبرتسون) وبجواره مجموعة من مراسلي وكالات الانباء العالمية الذين تمركزوا على نوافذ الحافلة حيث بدت نظراتهم تجوب ارجاء المقبرة بحثا عن (قبر الملك) .. وممراته .. وبنائه .. والسجاد الاحمر .. والحواجز النحاسية التي تقود الى مدخله .!!
كانت درجة الحرارة تصل الى قرابة الخمسين .. وكان التحرك في ارجاء المقبرة غاية في الصعوبة والارهاق ..
اخترنا مواقعنا مستظلين بفي السدر .. وشاحنات المياه المبردة التي هيئت لسد ظمأ المشيعين ..
واشرت لمراسل الـ(سي. ان. ان) لموقع القبر بعد ان تعرفت عليه من خلال احد منسوبي امانة مدينة الرياض ووقتها حاولت وانا اجيبه على السؤال ان ابدو (عاديا) في طرح الاجابة .. واكظم ذهولي .. واندهاشي للمنظر الذي كنت أراه امامي!!
قبر محفور بجوار السور الجنوبي الغربي للمقبرة .. لا يفصله عن الجدار سوى 3 امتار .. تطل عليه ثلاث عمائر سكنية شعبية لا تبعد سوى امتار عن موقع القبر.
وبجوار القبر .. كان هناك كوم من الحصى .. وكوم من تراب الطين وخزان مياه صغير متنقل كتلك التي تعلو اسطح المنازل ..
كل هذا كان في مساحة محدودة صغيرة لاتتجاوز مساحة موقف سيارة بعد ان احاطت القبور بقبر الملك من الجهة الشرقية والسور من الجنوبية ..
لمست من ردة فعل (روبرتسون) انه لم يأبه باجابتي .. ومن باب المجاملة اقفل حواره معي ظنا منه بأني أموّه عليه بالمعلومات.. أو ان الجهات الامنية وضعت ذلك القبر للتمويه فيما سيكون هناك موقع آخر للقبر الحقيقي يليق بالملك ويميزه عن غيره.
وساعده في ذلك التفكير.. تلك البساطة المتناهية التي قد تكون حتى دون مستوى دفن شيخ قبيلة أو حتى انسان عادي.. فلا ظل ولا شجر ولا سجاد.. ولا كراسي.. ولا هواء بارد.
ووصل الاعلامي الامريكي الى حالة التأكد من اعتقاده ذلك عندما وجد قبرا آخر بجوار الملك.. وعند سؤاله علم بأن هناك شخصاً آخر سيدفن في نفس الوقت واللحظة وعندها فقط ايقن بانه لا يمكن ان يتم ذلك اطلاقا.
انتقلت الى موقع اقرب للقبر مع جموع الاعلاميين بعد ان اقترب وصول الجثمان.. واذا بسيارة تقف بجوارنا ويخرج منها الامير نايف بن عبدالعزيز تاركا (بشته) في السيارة واتجه مباشرة الى القبر ووقف عليه تماما.. وسط مشاعر لا تكاد توصف انعكست على وجه الامير نايف.. وصوته.. وتحركه.
وعقب ربع ساعة تقريبا.. وصل (الملك) في موكبه الاخير.. في سيارة اسعاف تابعة للخطوط السعودية عادة ما تنقل الجثامين من المطار واليه.
وكان الى جوار سائق الاسعاف.. الامير سلمان بن عبدالعزيز وتوقف الاسعاف وخرج الامير سلمان وخرج من الاسعاف عدد من اخوة فقيد الامة.. وابنائه.. واحفاده..
وحمل (فهد بن عبدالعزيز) على نعش خشبي عادي.. يحمل عليه عادة موتى المستشفى التخصصي وظهر على جنبات النعش اسم المستشفى.. ورقم الهاتف.. وكان يعلو النعش سجادة مطوية.. كان واضحا انها لم تكن مجهزة.. او مفصلة على مساحة النعش.. وضع عليها الجثمان الطاهر لفقيد الامة.. وقد التف بآخر (بشت) لبسه.. وشيع الى القبر.. حيث انزل -غفر الله له- الى القبر ومعه ابناؤه الذين لحدوه.. ووضعوه على جنبه الايمن صوب القبلة وفق هدى السنة المطهرة.. ثم صعدوا من القبر.
وهنا احسسنا بان حركة ما تتم من جانب آخر من القبر.. فاذا بنا وبالحرس ورجال الامن والحضور نفاجأ بمن يصيح.. افسحوا الطريق.. افسحوا الطريق.. عندها التفت خلفي مباشرة واذا بالملك عبدالله والامير سلطان والامير مشعل.. ترجلوا من سيارة واحدة وخرجوا في اتجاه القبر.. ووقف (عبدالله) يطل على أخيه من اعلى القبر.. وكذلك كان بقية اخوته.. ثم اطبق القبر.. واهالوا عليه التراب.. ثم رشوه بالماء.. ووضعوا عليه الحصى.. ورفع الملك عبدالله يديه الى السماء.. يدعو لاخيه وحبيبه ورفيق دربه.. بالرحمة والثبات.
ولم يتمكن الملك عبدالله حينها من كفكفة دموعه.. ومد يده الى جيبه واخرج (منديلا ابيض) ظل يمسح به دموعه من عند القبر الى ان وصل الى سيارته.. وعندها تحامل عبدالعزيز بن فهد على نفسه.. واتجه الى سيارة والده (عبدالله بن عبدالعزيز) وفتح باب السائق حيث كان الملك يجلس في مقعده وارتمى على يديه وقبلهما في منظر ابكى الحضور.. وغادر الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. وولي عهده.. وبقية افراد الاسرة.. واستقر الملك فهد تحت الثرى.
فيما عجز الناس في الخارج من الانتظار فتسلقوا الاسوار وفتحت الابواب وزحفوا بالالاف في منظر غير مسبوق واحاطوا بقبر الملك شيوخا وشبابا وكان هناك الاف النساء منعتهم تعاليم الدين عن دخول المقابر والا لفعلوا.
رحم الله فقيد الامة.. والاسلام.. الملك فهد بن عبدالعزيز واعان الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز واعزه بنصره.. وسدد خطاه.