المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إقلاع..........مع الحب



القنديل
22 Aug 2005, 05:59 PM
ومن حرم الكلام في الحب؟ (والله الذي أمال الزهرة على الزهرة حتى تكون الثمرة ، وعطف الحمامة على الحمامة حتى تنشأ البيضة، وأدنى الجبل من الجبل حتى يولد الوادي ، ولوى الأرض في مسراها على الشمس حتى يتعاقب الليل والنهار ، وهو الذي ربط بالحب القلب بالقلب حتى يولد الولد.


ولولا الحب مالتف الغصن على الغصن في الغابة النائبة، ولا عطف الظبي على الظبية في الكناس البعيد، ولا حتى الجبل على الرابية الوادعة، ولا أمد الينبوع الجدول الساعي نحو الماء


ولولا الحب ما بكى الغمام لجدب الأرض ، ولا ضحكت الأرض بزهر الربيع ، ولا كانت الحياة)



مافي الحب شيء ، ولا على المحبين سبيل ، إنما السبيل على من ينسى في الحب دينه ، أو يضيع خلقه ، أو يهدم رجولته أو يشتري بلذة لحظة في الدنيا عذاب ألف سنة في جهنم .


وياليت الشبان يعودون إلى الحب فتقل هذه الشرور ، ويخف هذا الفساد ، ولكن أنى يكون الحب ، مع هذه الشهوات المتسعرة؟


إنها إذا لم تطمر الفحمة في بطن الأرض دهراً، لا تصير ألماساً ، وإذا لم تدفن الشهوة في جوف القلب عمراً ، لا تكون حباً.

ولكن كيف أكتب عن الحب؟

وهل تسع هذه المقالة حديث الحب؟


هل يوضع القمر في كف غلام؟ هل يصب البحر في كأس مدام؟ وأين لعمري الألفاظ التي أحملها معاني الحب ؟ أين التعبير الذي يترجم عن العاطفة؟
إن البشر لا يزالون أطفالاً ما تعلموا الكلام ، إنهم خرس يتكلمون بالإشارات وما هذه اللغات البشرية إلا إشارات الخرسان، وإلا فأين الألفاظ التي تصف ألوان الغروب ورجفات الأنغام ، وهواجس القلوب؟


الحب عالم من العواطف ، ودنيا من الشعور، فيها كل عجيب وغريب وليس لنا إليه إلا هذه الكوة الضيقة ، الكلمة القصيرة ذات الحرفين : الحاء والباء ، الحاء التي تمثل الحنان ، والباء التي تجعل الفم وهو ينطق بها ، كأنه متهيىء لقبلة، كلمة (الحب) . ولكن كم بين حب وحب

بين (حب) التلميذ مدرسته و (حب) الوالد ولده، و(حب)الصديق صديقه ، و(حب) المتشائم الوحدة و(حب)أكلة من الأكلات ، و(حب) منظر من المناظر و (حب) كتاب من الكتب ............ وبين (حب) المجنون ليلاه؟


وحب العاشقين أنواع وأنواع

ففي أي أنواع الحب أتحدث؟ وكيف أجمع أطراف الكلام حتى أحشره في هذه الصفحات ولو لبثت شهراً أكتب كل يوم فصلاً ما أتيت على ما في نفسي ولما وفيت حقه الموضوع؟


ولكن هل سيتركني العشاق ؟ هذي كتبهم بين يدي، يستنجون بها الوعد، ويطلبون مني أن أكتب لهم في الحب، كأننا لسنا في حرب مع اليهود، وليس في الدنيا غلاء ولا بلاء ، ولا مفاسد ولا عيوب ، ما بقي علينا إلا الكلام في الحب


ومتى كان المحبون يحلفون في الدنيا ، بغير المحبوب؟ لا يعرف المحب إلا ليلاه ، يحيا لها ، ويموت فيها ، أكبر همه من العيش أن تعطف عليه بنظرة، أو تجود له ببسمة، أو أن تمس بيدها يده فتمشي في أعصابه مثل هزة الكهرياء ، ويسكر منها بلا دن ولا قدح ، ويطرب بلا حنجرة ولا وتر، وغاية أمانية من الدنيا أن يلقي برأسه على صدرها ، أو يجمع فاه إلى فيها ، في ذهلة لذة عميقة تحمله إلى عالم مسحور، يجتمع فيه الزمان كله وتختصر فيه الأمكنة جميعاً فتكون هذه اللحظة هي الأزل وهي الأبد ، وهي الماضي وهي المستقبل ، ويكون المحبان هما وحدهما الناس..............

أولئك هم العاشقون.

وأولئك هم (عند أنفسهم) أرباب القلوب، وهل يكون ذا قلب من لم يلامس قلبه الحب؟

وأولئك هم أولوا الأبصار . وهل تبصر عين جمال الوجود إن لم تفتحها يد الهوى؟

وأولئك هم المعذبون الصابرون . يعيشون فلا يدري بآلامهم أحد، ويموتون فلا يقام لشهيدهم قبر، لا يهدأون ولا يهنأون . إن اشتهى الناس المسرة استمتعوا هم بالالآم . وإن أطمأن الناس بالحقائق طاروا هم إلى وراء الأوهام . وإن أنسوا بالضحك اشتراحوا هم إلى البكاء ، يبكون في الفراق من لوعة الأشتياق، ويبكون في الوصال من خوف الفراق، يريدون أن يطفئوا بالدمع حرق القلب، وما يزيدها الدمع إلا شرة وضراماً.


يبكون لأنهم يطلبون ما لا يكون فلا يصلون إليه أبداً.

يترك العاشق النساء جميعاً ، ويهتم بها وحدها، فهو يريد أن تترك الرجال وتنظر إليه وحده، وأن تدع لأجله الدنيا وما فيها، وتغمض عينيها فلا ترى فيها غيره ، وتوصد أذنيها فلا تصغي إلى سواه فهو يغر عليها من القريب والبعيد ومن أمها ومن أبيها ، ومن الشمس أن تبصرها عين الشمس، ومن الكأس أن تقبل ثغرها شفة الكأس.

ماذا يريد العاشقون؟

سلوا الشعراء يحلفوا لكم ، إنهم لا يطلبون إلا نظرة تروي الغليل ، وبسمة تطفي الجوى ، وأن يندمج بها ، ويفنى فيها، فهو يعانقها (والنفس بعد مشوقة) إليها ، ويضمها وهو يحس أنه لا يزال بعيداً عنها وهو لو استطاع لعصرها مصاً ، ولأكلها عضاً......


إن تكلم لم ينطق بغير حديثها، وإن سكت لم يفكر إلا فيها، قد جهل كل طريق كان يعرفه إلا طريقها ، فما يمشي إلا توجه إليها، يحوم حولها عله يرى البيت الذي تسكنه، أو ينشق الهواء الذي تنشقه، ينام الناس ويسهر ليله ، يساير النجوم في مسالكها ، ويعد الدقائق في مجراها ، لا يرى حيثما نظر غيرها ، ولا يبصر سواها، يراها بين سطور الكتاب إن نظر في صفحات الكتاب، وفي وجه البدر إن نظر طلعة البدر، وبين النجوم إن قلب نظره في النجوم ، يراها في كل شيء تفتح عليه العيون، فإن أغمضهما رأى طيفها في ثنايا الأحلام.

يحب لأجلها كل ما كان منها وما اتصل بها، الرضاب الذن تنفر منه النفوس إن كان رضابها فهو خمر ، وريح العرق التي تأنف منها الطباع إن كانت ريحها فهي عطر، والألم إن جاء منها كان لذة ، والذم إن جرى على لسانها كان ثناء ، والظلم إن وقع منها أشهى إلى قلبه من نيل الحقوق من أيدي الغاصبين ، والأهل أهلها أحباؤه وأصدقاؤه ولو عدوا عليه وأساؤوا إليه.

يرضى منها بالقليل الذي لا يرضى ، إن بسمت له بسمة فكأن قد بسم له الدهر، وواتته الأماني ، وإن كلمته كلمة ، فكأن قد صبت في روحة الحياة ، وإن وعدته بقبلة ، عاش دهره يذكر الوعد ويتعلل بذكراه.


تؤرقه ويرجو لها طيب المنام، وتسقمه ويسأل لها العد عن الأسقام، يعتذر من ذنبها وهي المذنبة ، ويبكي من حبها وهو القتيل ، فهي شفاؤه وهي داؤه، وهي نعيمه وهي شفاؤه، وهي جنته وهي ناره، يطلب أن تلتقي الروحان، ويتوحد الاثنان ، وهذا ما لا يكون أبداً ، لذلك يترك حاضره ، ويحن إلى الماضي، يعود بالذكرى إليه يفتش في زواياه عن هذه الأمنية ، أو يتطلع إلى المستقبل ، يستشف بالخيال ما فيه ، فلا يرجع له ماض ، ولا ينجلي له آت، ولا يثبت له حاضر.


هذا أبداً دأب العاشقين.


والحب العذري ، أي الحب الشريف الذي ليس فيه مطلب جنسي هو في نظر العلم كذبة حمراء ، وفرية ليس لها أصل ، وإنما هما عريزتان ، حفظ الذات بالطعام، وحفظ الجنس بالاتصال ، فهل تصدق الجائع غذا حلف لك أنه لا يريد من المائدة إلا أن ينظر إليها ، ويشم على البعد ريحها؟؟!!

كلا. كل حب مصيره إلى النكاح أو السفاح.


هذا هو الحب فصدق ما يقوله فيه المحبون، أو صدق ما يقوله المفكرون العالمون.

هو عند الأدباء والشعراء وعند المحبين والعشاق، سلطان عنت له القلوب ، وذلت له الملوك ، فباعوا في سبيله التيجان من لدن أنطونيوس وكليوباترة إلى وسمبسون.




الشيخ: علي الطنطاوي رحمه الله من كتاب صور وخواطر بتصرف.

الدب الداشر
22 Aug 2005, 08:19 PM
القنديل .. الحب مشكلة عويصة ..

لا يمكن الحديث .. لأن فيه وجهاات نظر كثيرة وأشيااءه غيـر ملـموووووسة .. ولكل أحد تجــربـــته .. على صعـيدية الشرعي والآخر ..


قد لا أتفق معك في كل مقااالك ...


ولكن الأكيد أنه عن الحـب ..



ويجب أن أقووول لكـ أني أحببتك من خـلال مــووووووواضـيعك ..


وشـهادة حــق أنــك مــبـدعـ ذوو عــقــل نيّـــر ..



سلمت سمو أنآملك ..

القنديل
22 Aug 2005, 10:12 PM
ألف شكر لك أخوي الدب الداشر ، وأشكرك أكثر على عرض وجهة نظرك التي أتوقع أنها وجهة نظر الكثير

وفي الحقيقة أخوي الدب أني تردد كثير في كتابة هذا الموضوع ولكني قبل أن أكتبه سألت نفسي ثلاثة أسألة ووجدت لكل سؤال إجابة مقنعة بالنسبة لي الأمر الذي جعلني أكتب هذا الموضوع ، وهذه الأسئلة الثلاث هي:

السؤال الأول : ماهي وجهة الشرع حول هذه المواضيع؟
الإجابة:
أ. أعلم أن كثير من الإخوة يتخوف من طرح المواضيع التي يظن أنها تخالف الشرع؟ وهي وجهة نظر صحيحة من ناحية وخاطئة من ناحية أخرى!
فمن ناحية كونها صحيحة أن لدية محبة لهذا الدين ، ويعلم أن كلام الله سبحانه وتعالى ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم ، هما الفصل والحق، ويتبع قول السلف الصالح .

ومن ناحية كونها خاطئة أنه يوجد في نفسه شيء ولا يعلم رأي الشرع حوله ويخاف إن طرحه أن يواجه بموجه نقدية كبيرة وربما ( إخراج من الملة) هكذا يظن فهو لا يعلم رأي الشرع ولكنه يوجس في نفسه خيفة (طبعاً هناك أمور مجمع عليها من ناحية الشرع يجب اتباع الشرع حيالها)

وأنا نظرة إلى قضية الحب في الشرع واقنعني عدة أمور أن الكلام في الحب جائز ودليلي

كعب بن زهير الصحابي والشاعر المعروف دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وفي المسجد وقال قصيدته الإعتذارية التي مطلعها كلام عن الحب

بانت سعاد فقلب اليوم متبول * متيـــــــــــم أثــــرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول

لاحظ أمام النبي صلى الله عليه وسلم وفي المسجد ويبدي قصيدته بالحب، ويكافأه النبي صلى الله عليه وسلم ببردته الثمينة
قد يقول قائل : أن فيه تأليف
نقول أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك المحرم إلا ويحذر منه مهما كانت الأسباب.

ثم إن الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله مع ثقتنا الكبيرة به إن شاء الله بدأ كلامه بقوله (من يقول أن الكلام في الحب محرم) فهو كان يعلم أن هنالك من يعارض الحديث عن الحب ولذلك أراد أن يدخل القارىء إلى الموضوع وهو واثق أن الحب ليس فيه شيء بدليل أنه أورد أن الحب موجود في كل شيء

السؤال الثاني: أي حب يقصد الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله

الجواب: أراد الشيخ أن يبين قضية مسلم بها وهي (الحب) بعيداً عن نتائجها
فهو يذكر واقع يعيشه العشاق والمحبون
بمعنى لو وصف واصف الخمر وقال إن فيه لذة وحلاوة بالنسبة لشاربية
بمعنى أن الحب في لذة وحلاوة بالنسبة للعاشق والمحب
ولكن ماهي النتائج
نعلم أن في شرب الخمر سكر وضياع للعقل وخراب وضياع
ونعلم أن في الحب فقد للعقل وجنون
ولكن الحقيقة التي تبقى أن الخمر فيه لذة لشاربيه
والحب في لذة للمحب.


السؤال الثالث: لماذا أذكر هذا الموضوع بالمنتدى؟

الجواب: أعلم أنه هنالك أشخاص أصحاب وعي وإدراك كما هو أخوي الدب الداشر يفهمون المراد من القضية

ثم لا يخفى على الجميع أن الفساد الأخلاقي متوفر وبسهولة في وسائل الإعلام المختلفة وعلى رأساها التلفاز والأنترنت ، ألا تكون مثل هذه المواضيع متنفس يتجنب الشخص من خلالها ذلك العفن وخاصة إذا ما علمنا أن الإنسان فيه ذلك الجانب الذي يحتاج إلى إشباع.

كل تلك الأسئلة ومعها أجوبتها التي اقنعتني هي التي قادتني لكتابة ذلك الموضوع
أعلم أن الأخوة والأخوات يعلمون أن ما قلت هو وجهة نظر فمنهم من يخالفني ومنهم من يأتي معي
وفي النهاية كلنا نبقى إخوة متحابين ولكم مني جزيل الشكر