المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الألوان كما عرفها العرب



salah
25 Jan 2006, 02:46 PM
اخواتي واخواني في رفحاء ومنتداها
تحيات طيّبات وسلام تام عليكم جميعا

اشارككم هنا أجزاء من بحث كنت قد كتبته قبل فترة وجيزة في دولة الأمارات العربية
والبحث في جوهره مخصّص لتناول اسماء الأمكنة في الامارات التي استمدّتها من الألوان .
ولكنني سأكتفي بأجزاء من المقدمة دون ان ادخل في متن البحث .

وآمل ان تغفروا اطالتي .

اللون وحيواته كما عرفه العرب




من المفارقة اننا حين نحاول تعقّب الألوان فيما يحيطنا من اشياء ، فلن نبتعد عن الألوان التي تكرّست خلال القرن الأخير بعد ان أمات استعمالنا لها عشرات الألوان الأخرى التي درج قدامى العرب على استعمالها ومازالت دارجة على السنة البعض كلّما ابتعدنا عن الحواضر وتأثيرات وزحف المدنيّة عليها .

ليس في وسعنا الحديث عن درجات من الأبيض ، ولا الأسود ولا سواهما من الألوان ، في الوقت الذي كان العرب قبل الأسلام وفي صدره يمتلكون امكانية مدهشة على التمييز والتفريق بين درجات اللون الواحد حتى تبلغ احيانا العشرات ، ناهيك عن الجسم الواحد اذا اشتمل على اكثر من لون ، فهل امتنا الوانا جمّة عندما انحزنا الى لأصطلاح اللوني المعاصر ؟
واعني هنا بالأصطلاح ، هو اطلاق تسمية لونية على شيء دون العناية ومحاولة التفريق بين درجاته .

قد يكون كتاب الخيل لأبي عبيدة معمّر بن المثنّى التيميّ اوّل من افرد بابا لألوان الخيل من نحو خمس صفحات كاملة ، فذكر الأدهم ومصدرها الدهمة ثم حاول ان يستوفي غرضه من المادة فقسّم الدهمة في الخيل الى ( أدهم غيهب ، أدهم دجوجي ، ادهم أكهب ) وكذلك الشأن مع الألوان الأخرى ، فمثلا في باب الشقرة قسّم اللون الى :
أشقر أدبس
أشقر مدمّى
أشقر أقهب
أشقر أسفر
أشقر أفضح

اما غرر الخيل فلم يذكرها اصطلاحا كما نفعل الآن بل امعن بصره فيها وميّز بين درجاتها فذكرمنها :
لطم
شادفة
سائلة
شمراخ
منقطعة
شهباء
مغرب

ويستمر ابو عبيدة حتى يأتي على الألوان ودرجاتها على نحو يجعلنا نتساءل ان كان في وسعنا استعادة هذه المسميّات التي تزخر بالثراء لنعيد اليها الحياة ثانية .

واذا تقدمنا على زمن ابي عبيدة رحمه الله فسنقف عند مؤلف الععل المنسوب الى بلينوس الحكيم والذي افرد بابا دعاه ( القول في الألوان ) حاول فيه ان يتحدّث اجتماع الألوان وتكاثفها وتداخلا وغلبة بعضها على بعض وتولّدها .

ثم تستمر مصادرنا بالأشارة الى الألوان ، تارة بتفصيل يقتضيه بيان الفكرة وبأقتضاب شديد تارة اخرى حتى نصل الى ابن سينا والفصل الذي عقده في كتاب الشفاء الذي منح الموضوع بعدا فلسفيا :
( الأتجاه من البياض الى السواد يكون بطرق شتى فيتوجّه الجسم من الغبرة الى العودية ثمّ كذلك حتى يسودّ ويأخذ من البياض الى القتمة ثم الى السواد ويأخذ من البياض الى الخضرة ثم الى النيليّة ثم الى السواد ، ولولا اختلاف ما يتركب من هذه الألوان المتوسطة عنها لا جد الطريق .
ويستمر اب سينا فيتحدث عن امتصاص اللون الأسود للضوء : الضوء لا ينقل السواد تجربة ، اي اذا انعكس الضوء من جسم صقيل اسود الى جسم آخر لم يصر المنعكس اليه اسود فلو لم يكن الا سواد وبياض وجب الا يصير المنعكس عليه احمر واخضر لأن هذه الألوان انما هي لأجل اختلاط لشفاف بالمظلم والأنعكاس انما يكون من الأجزاء الشفافة دون السواد فوجب ان لا ينعك الى البياض الذي هو الضوء وهو باطل قطعا )

وهنا يبلغ ابن سينا في تحديد تولد لالوان من البياض الذي هو الضوء صرفا ما في وسعنا الوصول اليه بيسر في المظان الحديثة وانظريات المعاصرة .

ان المشهد اوسع من ان نحصره في دلالة او ثيمة بعينها ، فلم تقتصر الألوان ودلالاتها في الأشارة الى شيء دون غيره ، بل نجدها تتحرّك في مساحة واسعة من الأنسان والحيوان والنبات وسائر الجمادات ،
ففي كتاب خلق الأنسن لأبي محمد ثابت بن ابي ثابت وهو الكتاب الذي ترك تأثيرا طاغيا على ابن سيده في كتابه المخصّص ، نجده يفرد بابا ممتعا في الوان الشّعر ، وآخر في الوان الحدقة ، ومعروف ان ابا محمد قد وافاه الأجل سنة 224 هـ وهو تاريخ يجعلنا نطمئن الى ريادته في هذا الباب .
واما كتاب الملمّع لأبي عبد الله الحسين بن علي النمري ، فنجده يتوسّع على نحو كبير فيذكر ما عرفه العرب من الألوان ودرجاتها معزّزا بشواهد شعرية من اشعار فحول قبل الأسلام وصدره ، فيذكر مثلا ان ( الخضرة عند العرب : السواد ) ، ومعروف ان العراق عرف بالسواد لأكتظاظ خضرته ، وهناك من يرى ان الأخضر اذا امعن في ريّه فأنه يسودّ .
ومعروف ان هناك مدنا تستمد تسمياتها من الألوان كما في تل احمر وتلعفر والسوادة والرمادي بل وبلادا بأسرها كالسودان ، وهناك بيوتات واسر معروفة كما في : السويدي والسوداني والبيضاني والحمراني والأحمر والأحمري والأزرق والأزرقي والخضراوي والخضر والأخيضر والورد والأسمر والأشقر والأشيقر .....
ومن الطيور نذكر تمثيلا الحمّرة والخضيري والزنكي ( الأسود ) والزريجي ...


كونوا بخير جميعا واسعد الله ايامكم .

ملاحظة : لم يسبق لي ان نشرت هذا البحث من قبل ، واخصّ به اخوتي واصدقائي في رفحاء اوّلا .

صلاح

البندق
25 Jan 2006, 02:55 PM
الله يعطيكي العافيه

$الوميض$
25 Jan 2006, 07:04 PM
أيه الرائع..أديبنا صلاح..

لقلمك رونقه الخاص وأيقاعه الضارب في عمق الحرف

ووالله انك لاتغيب حتى نقول ان هذه الارض لعطشى لغيثك اللذي لايلبث ان ينهمر

ويجدد الحياة في ارواحنا

شكرا لك مني شكرا لك من القلب شكرا لك منا جميعا اخوتك اعضاء ومشرفين في هذه الروضة

اللتي خصها كرمك وجميل عطفك

شكرا موصووووووول لاختصاصك بنشر دررك الثمينه لنا دون غيرنا

وحبك لهذه الباهية رفحاء واهلها اللذين هم اهلك بالطبع ويتشرفون بابن بار لهم هو انت

ليس بمستغرب فالكرم ليس بمستغرب من اهله

دمت بكل الود

على امل التلاقي

نفح الطيب
26 Jan 2006, 06:34 AM
سيدي / صلاح

صباح الخير ومشكور على هذا المقال الماتع

سيدي العزيز ألا ترى أن الناس في هذا الزمن توسعوا في استحداث ألوان جديدة حين بدأوا ينسبون اللون الى الشيء الذي يحمله

كقولهم : ليموني ، فستقي ، عودي ........ الخ ؟؟؟؟

بالنظر الى اصل الألوان ليس هناك تغيير ولا أظن أن بوسع أحد استحداث لون جديد إلا أن تتغير ألوان قوس قزح عندها ربما !!!

التوسع يكون في درجات الألوان فيما يبدو لي لافي أصولها

تقبل تحياتي

هبوب الريح
26 Jan 2006, 07:58 AM
حبيبي .. صلاح ..

أهلا بك ..

بالنسبة للأخضر فإنه سواد إن كانت الخضرة شديدة كما قال تعالى في سورة الرحمن ( مدهامتان ) قال ابن كثير : سوداوان

من شدة الري وقال ابن عباس رضي الله عنهما : قد اسودتا من الخضرة .. نسأل الله من فضله ..

وأوافق أستاذي نفح الطيب .. فالألوان واحدة هي المعروفة بـ ( ألوان الطيف ) .. والاختلاف يكون في درجاتها ..

أما بالنسبة لمسمى ( قوس قزح ) فقد ورد في الحديث أنه عليه السلام نهى عن تسميته بقوس قزح لأن قزح هو الشيطان ..

وقال إنه قوس الله .. من حديث ابن عباس وضعفه البخاري في الأدب المفرد وهو عند أبي نعيم في الحلية والنووي في

الأذكار .. ومن أراد الاستزادة فليراجع معجم المناهي اللفظية لأبي زيد مادة القاف ..

وأذكر من الكتب في مجال الألوان كتاب ( الألوان ) لابن حزم رحمه الله ..

أخي .. صلاح ..

شكرا .. على هذه الفلسفة .. الماتعة ..

ليث
26 Jan 2006, 10:37 AM
هلا وغلا بصلاااااااااح الحمد لله على السلااااااااااامه



يعطيك العااااااااااافيه

salah
27 Jan 2006, 02:51 PM
السلام عليكم وتحيات طيبات

في البدء اعتذر على الأخطاء المطبعية التي قادتني اليها العجالة في متن المقدمة

في الحقيقة لم اكن انتظر تفاعلا كالذي حدث
كانت التعقيبات رائعة ومدهشة على نحو جعلني اؤكد ان هذا المنتدى مصدر فخر لكل رواده ولرفحاء قبل كل شيء
وهذا تماما ما قادني الى طرح موضوع ( فقدان التنوع )
فمثل هذه الأمكانيات والمواهب المخبوءة لا يجب التفريط في طاقاتها بمواضيع مكرورة ولا تسمن او تغني
ممتن ايضا وايضا

salah
27 Jan 2006, 02:52 PM
البندق ممتن لحضورك الكريم اخي العزيز
واشكر لك صبرك في مطالعة المادة

salah
27 Jan 2006, 02:53 PM
الوميض اخي وصديقي
يكفيني ان اكون بينكم لأشعر بمدى ما يمكن ان اخرج منه على المستوى الأجتماعي والثقافي
اشعر اني هنا بين اصدقاء واهل لا يفرّطون بأخيهم ، كما ان هذا المنتدى يزخر بمواهب كامنة وكاملة
وما قرأته من تعقيبات حول هذا الموضوع الشائك جعلني اشعر بمزيج غامر من الفرح والظفر
ممتن لعبوراتك كلها ايها النبيل

salah
27 Jan 2006, 02:54 PM
نفح الطيب
شكرا لحضورك وتعقيبك استاذي واخي العزيز
بالطبع فأن الألوان الأساسية هي دائرة كاملة ، اي ليس في وسعنا استحداث لون عليها او اقصاء آخر منها
فكل الألوان تتولد عن الأبيض وتموت في الأسود ، كا ان الضوء هو الذي يقف خلف اللون
فليس في وسعنا تمييز الأزرق عن الأحمر في الظلام

ولكن الألون التي تم استحداثها فيما يصطلح عليه بـ ( الفاظ الحضارة ) كانت معروفة ومتداولة ولكن بمسمّيات اخرى
وماحدث هو ان المدنية المعاصرة فرضت شرطها وصارت تطلق الأسماء والمصطلحات مما تنتجه او يتوافر فيها .


احييك كما يليق بك

salah
27 Jan 2006, 02:58 PM
هبوب الريح
اهلا بحضورك عزيزي واستاذي الكريم
بالطبع فأنا اكتفيت بأجزاء من المقدمة حتى لا اثقل عليكم وكنت قد تناولت الموضوع على نحو اوسع

كان لتعقيبك اثرا رائعا .
وهنا اريد التأكيد على ان جمع اللغة العربية بدأ مع بداية التدوين وان العين للفراهيدي هو اول ما وصلنا من المعاجم ، وكما لا يخفى عليك يا استاذي الكريم ان اللغة جُمعت من بيئات حاولت كل ما يسعها لتبتعد عن الحواضر بعد ان ضجّت بالموالي واصابت اللسان العربي بالعجمة
فكان لزاما على كل من افرد بابا في اصل المفردات واشتقاقها ان يلوذ الى الأعراب في البوادي ليضمن سلامة السليقة وصحة المفردة ومباشرة الدلالة فيها .
وهذ ما يجعلني افكّر مليّا في الأمر واتساءل : كيف يمكن لقبائل عانقت الصحراء حتى ذابت فيها ان تمنحنا كل هذا النسيج اللغوي المدهش والبالغ الثراء والتنوّع .
نحن هنا امام بيئة لا تزخر بالألوان كما هو الأمر مع الحواضر الكبيرة بعد الفتوح الأسلامية . انها الصحراء
لم نعد نتكلم عن ( واد غير ذي زرع ) ولا عن جبلي شمر (اجا وسلمى ) ولا الدخول او حومل .... بل نتحدث عن بلاد السواد وعاصمة الأكاسرة وبلاد ماوراء النهر والشام .......
هل عجزت كل هذه المدنيات الكبيرة من ان تمنحنا تنوعا كالذي منحتنا اياه الصحراء ؟
هل اللسان العربي الذي اخرج الى العالم هذه اللغة الشريفة عجز عن الأضافة بعد خروجه من الجزيرة واكتفى بنقل تراثه معه الى الثغور والأمكنة التي استوطنها لاحقا ؟

اشعر ان ما وصلنا من ارث يتعلّق بالألوان تحديدا كان من الثراء بحيث لا يجب ان نهمله ، وحري بنا ان لا نميت هذا القاموس واللغة الشريفة .

كما اردت بعجالة كبيرة ان اذكر ( ان المعجم العربي لم يتطور كثيرا خلال عصور التآليف الكبرى ) فلسان العرب وتاج العروس والقاموس المحيط والمحيط في اللغة ومقاييس اللغة والمخصص ..... لا تختلف مع بعضها على نحو واسع ، ربما هناك اختلافات بينة في النهج وطريقة التناول ، ولكن لا امور جوهرية ابعد من هذا الاّ فيما ندر .
لقد ولد المعجم العربي مكتملا تماما كالنحو العربي الذي يعتبره البعض ثورة لا يمكن تكرارها . واهميتها كأهمية خروج الفلسفة من بلاد الأغريق القدامى وانتشارها في هذه الجغرافيا الواسعة .

سعيد بحضورك
اتمنى لأيامكم ان تزخر بالبهاء الذي يليق بكم

salah
27 Jan 2006, 03:00 PM
ليث العزيز
الله يحفظك ويسلمك ويخليك
وممنون من قلب ورب على الترحيب يا غالي

مسرور بشوفتك والله