عروووبة
11 Aug 2006, 10:51 PM
خباب بن مروان الحمد
الحمد لله رب العالمين ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين ، أمَّا بعد :
ـ هل لك أن تتخيَّل أنَّ أهالي مناطق في بلاد التوحيد يعيشون في زمننا الحاضر لا يعرف كثير منهم قراءة سورة الفاتحة ، ويظنُّون أنَّ القرآن أبيات شعريَّة وقصائد مؤلَّفة ؟!
ـ هل تعلم أنَّ مناطق في بلادنا حين سأل بعض الدعاة من يعدُّ نفسه مسلما في تلك المنطقةً:من ربُّك؟ فأجاب :لا أعرف ، فقال له الداعية : من نبيُّك ؟ فأجاب : لا أعرف؟!
ـ هل تصدق أنَّ قرى ومناطق نائية في جنوب الجزيرة العربيَّة لا يورِّث أهلها فيها النساء المال ألبتة ؟
ـ ألا تستغرب أن يقوم أهالي منطقة بالذبح للصخور ، والتقرب إليها من دون الله ، وحين قام بعض الإخوة بإزالة هذه الصخرة ، أصاب عوائل هذه المنطقة الذعر الشديد ، وظنُّوا أنَّه سيأتي لهؤلاء الإخوة الدعاة أمر يضرُّهم من هذه الصخرة !!
إنَّها معلومات عجيبة ، لم أكن أتوقع وجودها بهذا الشكل بين أناس يقطنون في أقاصي جنوب الجزيرة العربيَّة!!
وحقاً إنَّها حقائق مُرَّة ، ومظاهر مؤلمة يندى لها الجبين ، من الجهل الكبير والأميَّة الضخمة والبدائيَّة المستغربة التي يعيشها أناس لا تبعد المسافات بين المدن القريبة منهم وبينهم أكثر من خمس ساعات!
تلك أنباء من قطوف لرحلة دعويَّة قمت بها مع بعض الإخوة الكرام ، لنشاهد تلك المناطق النائية، وننظر في أحوال الناس ، حين سمعنا أن في تلك المناطق شيئاً من تلك العجائب في الجهل السائد بينهم ، فأزمعنا حزم الأمتعة للوصول إليها ، والنظر إليها عياناً ؛ فليس الخبر كالمعاينة.
وقد هالنا ذلك الجهل العجيب ، حين وقفنا على أشياء كثيرة من حال أولئك وجهلهم بدين الإسلام وتعاليمه ، وقلَّة الدعاة القادمين لهم والناظرين في أحوالهم .
وفي بدء الإجازة الصيفيَّة فإنِّي أنتهز هذه الفرصة لمخاطبة حاملي هموم الأمَّة المسلمة وبخاصة العلماء والدعاة ، بأن يتَّقوا الله في تلك المناطق النائية، ويستشعروا أهميَّة السفر والسياحة الدعويَّة في سبيل الله ؛ لتعليم الناس أمور دينهم ودنياهم ، فهم في جهل عجيب ، وبدائيَّة مستغربة، يحتاجون لمن يوجِّههم وينصحهم .
و الله يعلم كيف كان استقبالهم لنا حين قدمنا إلى تلك الجهات ، بفرح منقطع النظير ، ووجوه مستبشرة بلقيانا ، وكَرَمٍ بَادِي الوضوح ، على قلَّة ذات اليد ، والفقر السائد بينهم ، حتَّى إنَّهم يتشاجرون أيُّهم يطعمنا الغداء وأيُّهم يقدِّم لنا العشاء !
* حرارة وضنك في العيش ولكن ....و لاخير فيمن عاقه الحرُّ والبرد !
نعم ... إنَّ تلك المناطق التي ذهبت إليها في جنوب المملكة ذات بيئة تحتاج لصبر وتحمُّل في سبيل الله ، من الرطوبة الشديدة ، مع شدَّة لهيب الشمس ، ويرافق ذلك مصاحبة الأفاعي والحيَّات والعقارب لنا في حلِّنا وترحالنا في تلك المناطق....
وهذا أمر لم أكن أتوقعه بذاك الشكل ، حتَّى إنَّنا كنَّا نأتي بمظليَّة مخرَّمة لننام بداخلها خشية أن يصلنا شيء من تلك الهوام السَّامة ، وحين يستلقي كلُّ واحد منَّا بداخلها يشعر بتعرُّق شديد فلا نسمة هواء جارية ، بل إنَّنا أحياناً كنَّا نلقي بتلك المظلِّيات المخرَّمة ونتوكَّل على الله ، لعلَّنا نستشق هواء يهفهف على وجوهنا !
إنَّني لا أقول هذا الكلام تثبيطاً لأهل الهمم ؛ فهم بهممهم سيكسرون هذه الحواجز النفسيَّة المصطنعة الصَّادة لهم عن الدعوة إلى الله !
ولكنِّي أقول ذلك لتستشعر كلُّ نفس مؤمنة تجري همَّة النشاط فيها بالدعوة إلى الله بتلك الحقائق، وليعلموا أنَّ الدعوة إلى الله ليست كلُّها بأن يَقْدِم إليك الناس وأنت في ظلال وارفة ، وبيئة نظيفة مكيَّفة ، وتدعو حينها إلى الله !
نعم تلك دعوة إلى الله ....ولكن شتَّان شتَّان ما بين الدعوتين ...!
لقد تعلَّمنا حينها أنَّ الدعوة إلى الله تحتاج لصبر ومجاهدة للنفس ، فوساوس الشيطان لن تدعك قائلة لك : وما الذي أتى بك إلى هذه المنطقة النائية ؟
وهل سيستفيد هؤلاء الجهلة من تعليمك لهم ؟
نعم ... إنَّها وساوس لم تكن تفارقنا في تلك الرحلة الدعويَّة ،وأعترف أنَّنا كنَّا جميعاً نشعر بذلك، حتَّى إنَّ أهل تلك المناطق حدَّثونا أنَّ شباباً ودعاة من طلبة العلم أتوا إليهم لكي يعلِّموهم ، لكنَّهم لم يصبروا أكثر من يومين أو ثلاثة أيَّام .
• نصائح مرعيَّة ، وتوجيهات هامَّة لمبتغي السياحة الدعوية :
تحت هذا العنوان أحبُّ أن أسطر عدداً من النصائح والتوجيهات لعلَّها تفيد أهل العزائم والهمم ، للسير على طريق الرحلات الدعويَّة ، وإفادة أهل تلك المناطق النائية في بلادنا :
1ـ أحبِّذ أن تكون الرحلة إلى تلك المناطق تحت إشراف المكاتب التعاونيَّة للدعوة والإرشاد القريبة والمتاخمة لتلك المناطق النائية ، والتنسيق مع أصحابها ؛ لأنَّ الإخوة في تلك المكاتب سيفيدون الدعاة وطلبة العلم بحقائق تلك المناطق ، ويُسْدُون إليهم نصائح طيِّبة في التعامل مع أولئك الجهَّال بدينهم ، وتعريفهم بطبائعهم وعاداتهم وتقاليدهم ، حتَّى لا يصطدم الدعاة بواقع لم يكونوا يعرفونه عن أهل تلك المناطق.
2ـ أظن أنَّ عدداً قليلاً من الأيام مفيد في تعليم أولئك القوم أساسيَّات من أمور دينهم ، ولكنِّي أرى أن عشرة أيام مناسبة لتعليمهم بعضاً مما ينبغي لكلِّ مسلم معرفته ، وهي بإذن الله مفيدة لهم في تعليمهم وتعريفهم بحقائق الإسلام التي لا بدَّ من معرفتها .
3ـ أقترح أن ينقسم الدعاة والموجِّهون لأهالي تلك المناطق إلى ثلاثة أقسام :
قسم : يعلِّم الشيوخ الكبار المسنِّين ، وهؤلاء لا يصلح لهم ـ حقيقة ـ إلاَّ طالب علم صبور طويل البال ، هادئ الطباع ، يتحمَّل بعض انتقاداتهم ، وقلَّة إدراكهم .
والقسم الآخر : يعلِّم الشباب ، وهؤلاء يحتاجون للرجل المرح المقتدر ، قوي الشخصيَّة، مع إمكانيَّة التوجيه التربوي .
والقسم الثالث : يعلِّم البراعم الصغار والفتيان الأحداث ، ويُلْمس في هؤلاء من خلال التجربة والاحتكاك معهم قوَّة إدراكهم ، وحدَّة أذهانهم ، وسرعة تجاوبهم ، وأحبِّذ تدعيم التعليم لهؤلاء بالقصص الحقيقيَّة الواقعيَّة عن براعم الصحابة والتابعين والسلف الصالح .
4ـ تحذير هؤلاء السُّكان من التلوُّث بشوائب الشرك بالله ، والحق أقول : إنَّه يوجد من بينهم من الشرك الأكبر كالذبح لغير الله ، والاستغاثة بغيره ـ سبحانه وتعالى ـ وأمَّا الشرك الأصغر فحدِّث ولا حرج من الحلف بغير الله ، وتعليق التمائم والقلائد والحروز الشركيَّة وإن كان كثير منهم لا يعتقد بها نفعاً ولا ضراً ، ولكنَّه يجعلها سبباً من الأسباب النافعة أو الضارة ، وهذا كما لا يخفى خلل في الاعتقاد ، وحين طلبنا من بعضهم أن يخلعوها ، وبيَّنا لهم خطورة ذلك ، كانوا يستنكرون ما نقوله لهم ،ويخشون إن هم خلعوها أن يحصل لهم ضرر وخطر في أنفسهم وأبدانهم ، ومن المنكرات لديهم رفع القبور والبناء عليها والكتابة عليها وهذا كلُّه أمر نهت عنه الشريعة الإسلاميَّة .
5ـ التركيز على أنَّهم إذا اختلفوا فإنَّ عليهم أن يرجعوا في التحاكم إلى الله ، ويحكِّموا الشرع فيما بينهم ، فقد يكون شيخ قبيلتهم يحكم بأحكام جائرة مضادة للشرع الإسلامي بحسب عاداتهم ومراسيمهم وتقاليدهم ، وقد يكون شيخ قبيلتهم هو أجهلهم بالشرع ، وأكثرهم كبراً وأنفة عن سماع العلم الشرعي ، فلا بدَّ من تألُّفه بالتعامل الحسن ، والصبر على الجفاء الحاصل منه ، وإهداء الهدايا إليه، لتأليف قلبه ، فبصلاحه يستطيع أن يؤثِّر على من تحت يده من عشيرته أو قبيلته .
6ـ من الجيِّد أنَّه إذا وجد الدعاة أحد شبابهم أو بعضاً منهم نابهين وأذكياء، أن يوجِّهوهم للخروج للتعلم إلى أقرب مدينة لديهم على يد الشيوخ وطلبة العلم أو في الجامعات ، لعلَّهم يفيدون أهلهم وأقاربهم.
7 ـ من المهم تحفيز هؤلاء القوم على الاهتمام بتعليم نسائهم كلَّ ما تعلَّموه ،ومتابعتهم في ذلك، فالجهل في النساء أفظع وأكثر ، وهذا يحتاج لخطَّة أخرى ، فيُحتاج للمحتسبات الداعيات ، إلاَّ أنَّ هذا الأمر لا بدَّ أن يدرس مع المكاتب التعاونيَّة ؛ لتهيئة سكن خاص بتلك الداعيات المحتسبات.
8ـ تنبيه أولياء أمور النساء بإعطاء النساء حقوقهن ، والحذر من ظلمهن ، أو عدم توريثهن ، أو منعهنَّ من الزواج ، أو رفع مهور بناتهم ، وقد اطَّلعنا على أحوال الكثير من المتزوجين الذين يموتون ، ولم يؤدُّوا ربع مهورهن ، فالمهور عندهم مرتفعة ، مع الفقر المنتشر بينهم ، بل يصل المهر أحياناً لخمسين من الإبل ، ولا أبالغ إن قلت أكثر من ذلك ، وبعضهم يتزوج بـ:(350) رأس غنم ، أي ما يقارب (130) ألف ريال !!
كما ينبغي تنبيه الرجال إلى خطر انتشار العري بين نسائهم ، أو اختلاطهنَّ بالرجال، ومن العادات القبيحة عند بعضهم أنَّ المرأة العانس أو التي توفِّي عنها زوجها يجوز لها أن تخلو بالرجال الأجانب ، ويجوز للرجال الأجانب أن يخلوا بها ، ويسمون مثل هذه المرأة بـ:(الخالية) لأنَّها خالية من زوج !! وهذا ربَّما أدَّى إلى الوقوع في محاذير شرعيَّة خطيرة.
9ـ من العادات السيئة عندهم ما يسمَّى بـ :(الهود) ، فهم لا يختنون أبناءهم إلاَّ بعد البلوغ، وبعضهم لا يختتن ألبتة ، وحين يختتن بعضهم إذا بلغ ؛ تُولم له وليمة كبيرة يدعى لها أهل القرية والأقارب من غيرها ، وليس هذا محل القبح إذ الخلاف في مشروعيَّة الوليمة للختان قائم ، لكن القبح فيما يصاحب هذا ( الهود) من منكرات منها على سبيل المثال : رقص الرجال مع النساء .
10ـ تنبيه هؤلاء الناس لخطر المعاصي والفواحش ، وأنَّها تفسد القلوب ، وتحذيرهم منها كليَّة وعلى وجه الخصوص : الزنا ، والخلوة بالنساء والاختلاط معهنَّ ، واللواط ، والمخدرات ، فهي بينهم في انتشار ما بين مقل ومكثر.
11ـ تبيين خطر السحر والسحرة والتعلق بالكهَّان والمشعوذين ، وتنبيههم على ردِّ أمورهم كلِّها إلى الله ، والتركيز على قضايا التوكُّل على الله وأنَّه هو الشافي والمعافي .
12 ـ تشجيع أهل تلك المناطق على بناء مسجد صغير في وسط المنطقة ليجتمعوا على الصلاة ، ويتلاقوا على عبادة الله ـ تعالى ـ وإن استطاع الدعاة إلى الله جمع تبرعات وبناء المسجد بالتعاون مع تلك المكاتب التعاونيَّة فهذا أمر جدُّ حسن.
14ـ توزيع الأشرطة الإسلاميَّة من القرآن والمحاضرات المفيدة ، واصطحاب عدد كبير منها ، وتوزيعها على جميع ساكني تلك المنطقة ، وتشجيعهم على مداومة الاستماع لها .
13ـ كن قدوة بفعلك قبل قولك ، وبتعاملك قبل كلامك ، فإنَّهم ينظرون إليك على أنَّك رجل داعية ومعلِّم لهم ، فإيَّاك واحتقارهم ، أو الاستهزاء بهم ، أو معاملتهم معاملة فظَّة سيئة فسينفرون عنك ، ولا يهتمون بمقالك ومنطقك.
•
الحمد لله رب العالمين ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين ، أمَّا بعد :
ـ هل لك أن تتخيَّل أنَّ أهالي مناطق في بلاد التوحيد يعيشون في زمننا الحاضر لا يعرف كثير منهم قراءة سورة الفاتحة ، ويظنُّون أنَّ القرآن أبيات شعريَّة وقصائد مؤلَّفة ؟!
ـ هل تعلم أنَّ مناطق في بلادنا حين سأل بعض الدعاة من يعدُّ نفسه مسلما في تلك المنطقةً:من ربُّك؟ فأجاب :لا أعرف ، فقال له الداعية : من نبيُّك ؟ فأجاب : لا أعرف؟!
ـ هل تصدق أنَّ قرى ومناطق نائية في جنوب الجزيرة العربيَّة لا يورِّث أهلها فيها النساء المال ألبتة ؟
ـ ألا تستغرب أن يقوم أهالي منطقة بالذبح للصخور ، والتقرب إليها من دون الله ، وحين قام بعض الإخوة بإزالة هذه الصخرة ، أصاب عوائل هذه المنطقة الذعر الشديد ، وظنُّوا أنَّه سيأتي لهؤلاء الإخوة الدعاة أمر يضرُّهم من هذه الصخرة !!
إنَّها معلومات عجيبة ، لم أكن أتوقع وجودها بهذا الشكل بين أناس يقطنون في أقاصي جنوب الجزيرة العربيَّة!!
وحقاً إنَّها حقائق مُرَّة ، ومظاهر مؤلمة يندى لها الجبين ، من الجهل الكبير والأميَّة الضخمة والبدائيَّة المستغربة التي يعيشها أناس لا تبعد المسافات بين المدن القريبة منهم وبينهم أكثر من خمس ساعات!
تلك أنباء من قطوف لرحلة دعويَّة قمت بها مع بعض الإخوة الكرام ، لنشاهد تلك المناطق النائية، وننظر في أحوال الناس ، حين سمعنا أن في تلك المناطق شيئاً من تلك العجائب في الجهل السائد بينهم ، فأزمعنا حزم الأمتعة للوصول إليها ، والنظر إليها عياناً ؛ فليس الخبر كالمعاينة.
وقد هالنا ذلك الجهل العجيب ، حين وقفنا على أشياء كثيرة من حال أولئك وجهلهم بدين الإسلام وتعاليمه ، وقلَّة الدعاة القادمين لهم والناظرين في أحوالهم .
وفي بدء الإجازة الصيفيَّة فإنِّي أنتهز هذه الفرصة لمخاطبة حاملي هموم الأمَّة المسلمة وبخاصة العلماء والدعاة ، بأن يتَّقوا الله في تلك المناطق النائية، ويستشعروا أهميَّة السفر والسياحة الدعويَّة في سبيل الله ؛ لتعليم الناس أمور دينهم ودنياهم ، فهم في جهل عجيب ، وبدائيَّة مستغربة، يحتاجون لمن يوجِّههم وينصحهم .
و الله يعلم كيف كان استقبالهم لنا حين قدمنا إلى تلك الجهات ، بفرح منقطع النظير ، ووجوه مستبشرة بلقيانا ، وكَرَمٍ بَادِي الوضوح ، على قلَّة ذات اليد ، والفقر السائد بينهم ، حتَّى إنَّهم يتشاجرون أيُّهم يطعمنا الغداء وأيُّهم يقدِّم لنا العشاء !
* حرارة وضنك في العيش ولكن ....و لاخير فيمن عاقه الحرُّ والبرد !
نعم ... إنَّ تلك المناطق التي ذهبت إليها في جنوب المملكة ذات بيئة تحتاج لصبر وتحمُّل في سبيل الله ، من الرطوبة الشديدة ، مع شدَّة لهيب الشمس ، ويرافق ذلك مصاحبة الأفاعي والحيَّات والعقارب لنا في حلِّنا وترحالنا في تلك المناطق....
وهذا أمر لم أكن أتوقعه بذاك الشكل ، حتَّى إنَّنا كنَّا نأتي بمظليَّة مخرَّمة لننام بداخلها خشية أن يصلنا شيء من تلك الهوام السَّامة ، وحين يستلقي كلُّ واحد منَّا بداخلها يشعر بتعرُّق شديد فلا نسمة هواء جارية ، بل إنَّنا أحياناً كنَّا نلقي بتلك المظلِّيات المخرَّمة ونتوكَّل على الله ، لعلَّنا نستشق هواء يهفهف على وجوهنا !
إنَّني لا أقول هذا الكلام تثبيطاً لأهل الهمم ؛ فهم بهممهم سيكسرون هذه الحواجز النفسيَّة المصطنعة الصَّادة لهم عن الدعوة إلى الله !
ولكنِّي أقول ذلك لتستشعر كلُّ نفس مؤمنة تجري همَّة النشاط فيها بالدعوة إلى الله بتلك الحقائق، وليعلموا أنَّ الدعوة إلى الله ليست كلُّها بأن يَقْدِم إليك الناس وأنت في ظلال وارفة ، وبيئة نظيفة مكيَّفة ، وتدعو حينها إلى الله !
نعم تلك دعوة إلى الله ....ولكن شتَّان شتَّان ما بين الدعوتين ...!
لقد تعلَّمنا حينها أنَّ الدعوة إلى الله تحتاج لصبر ومجاهدة للنفس ، فوساوس الشيطان لن تدعك قائلة لك : وما الذي أتى بك إلى هذه المنطقة النائية ؟
وهل سيستفيد هؤلاء الجهلة من تعليمك لهم ؟
نعم ... إنَّها وساوس لم تكن تفارقنا في تلك الرحلة الدعويَّة ،وأعترف أنَّنا كنَّا جميعاً نشعر بذلك، حتَّى إنَّ أهل تلك المناطق حدَّثونا أنَّ شباباً ودعاة من طلبة العلم أتوا إليهم لكي يعلِّموهم ، لكنَّهم لم يصبروا أكثر من يومين أو ثلاثة أيَّام .
• نصائح مرعيَّة ، وتوجيهات هامَّة لمبتغي السياحة الدعوية :
تحت هذا العنوان أحبُّ أن أسطر عدداً من النصائح والتوجيهات لعلَّها تفيد أهل العزائم والهمم ، للسير على طريق الرحلات الدعويَّة ، وإفادة أهل تلك المناطق النائية في بلادنا :
1ـ أحبِّذ أن تكون الرحلة إلى تلك المناطق تحت إشراف المكاتب التعاونيَّة للدعوة والإرشاد القريبة والمتاخمة لتلك المناطق النائية ، والتنسيق مع أصحابها ؛ لأنَّ الإخوة في تلك المكاتب سيفيدون الدعاة وطلبة العلم بحقائق تلك المناطق ، ويُسْدُون إليهم نصائح طيِّبة في التعامل مع أولئك الجهَّال بدينهم ، وتعريفهم بطبائعهم وعاداتهم وتقاليدهم ، حتَّى لا يصطدم الدعاة بواقع لم يكونوا يعرفونه عن أهل تلك المناطق.
2ـ أظن أنَّ عدداً قليلاً من الأيام مفيد في تعليم أولئك القوم أساسيَّات من أمور دينهم ، ولكنِّي أرى أن عشرة أيام مناسبة لتعليمهم بعضاً مما ينبغي لكلِّ مسلم معرفته ، وهي بإذن الله مفيدة لهم في تعليمهم وتعريفهم بحقائق الإسلام التي لا بدَّ من معرفتها .
3ـ أقترح أن ينقسم الدعاة والموجِّهون لأهالي تلك المناطق إلى ثلاثة أقسام :
قسم : يعلِّم الشيوخ الكبار المسنِّين ، وهؤلاء لا يصلح لهم ـ حقيقة ـ إلاَّ طالب علم صبور طويل البال ، هادئ الطباع ، يتحمَّل بعض انتقاداتهم ، وقلَّة إدراكهم .
والقسم الآخر : يعلِّم الشباب ، وهؤلاء يحتاجون للرجل المرح المقتدر ، قوي الشخصيَّة، مع إمكانيَّة التوجيه التربوي .
والقسم الثالث : يعلِّم البراعم الصغار والفتيان الأحداث ، ويُلْمس في هؤلاء من خلال التجربة والاحتكاك معهم قوَّة إدراكهم ، وحدَّة أذهانهم ، وسرعة تجاوبهم ، وأحبِّذ تدعيم التعليم لهؤلاء بالقصص الحقيقيَّة الواقعيَّة عن براعم الصحابة والتابعين والسلف الصالح .
4ـ تحذير هؤلاء السُّكان من التلوُّث بشوائب الشرك بالله ، والحق أقول : إنَّه يوجد من بينهم من الشرك الأكبر كالذبح لغير الله ، والاستغاثة بغيره ـ سبحانه وتعالى ـ وأمَّا الشرك الأصغر فحدِّث ولا حرج من الحلف بغير الله ، وتعليق التمائم والقلائد والحروز الشركيَّة وإن كان كثير منهم لا يعتقد بها نفعاً ولا ضراً ، ولكنَّه يجعلها سبباً من الأسباب النافعة أو الضارة ، وهذا كما لا يخفى خلل في الاعتقاد ، وحين طلبنا من بعضهم أن يخلعوها ، وبيَّنا لهم خطورة ذلك ، كانوا يستنكرون ما نقوله لهم ،ويخشون إن هم خلعوها أن يحصل لهم ضرر وخطر في أنفسهم وأبدانهم ، ومن المنكرات لديهم رفع القبور والبناء عليها والكتابة عليها وهذا كلُّه أمر نهت عنه الشريعة الإسلاميَّة .
5ـ التركيز على أنَّهم إذا اختلفوا فإنَّ عليهم أن يرجعوا في التحاكم إلى الله ، ويحكِّموا الشرع فيما بينهم ، فقد يكون شيخ قبيلتهم يحكم بأحكام جائرة مضادة للشرع الإسلامي بحسب عاداتهم ومراسيمهم وتقاليدهم ، وقد يكون شيخ قبيلتهم هو أجهلهم بالشرع ، وأكثرهم كبراً وأنفة عن سماع العلم الشرعي ، فلا بدَّ من تألُّفه بالتعامل الحسن ، والصبر على الجفاء الحاصل منه ، وإهداء الهدايا إليه، لتأليف قلبه ، فبصلاحه يستطيع أن يؤثِّر على من تحت يده من عشيرته أو قبيلته .
6ـ من الجيِّد أنَّه إذا وجد الدعاة أحد شبابهم أو بعضاً منهم نابهين وأذكياء، أن يوجِّهوهم للخروج للتعلم إلى أقرب مدينة لديهم على يد الشيوخ وطلبة العلم أو في الجامعات ، لعلَّهم يفيدون أهلهم وأقاربهم.
7 ـ من المهم تحفيز هؤلاء القوم على الاهتمام بتعليم نسائهم كلَّ ما تعلَّموه ،ومتابعتهم في ذلك، فالجهل في النساء أفظع وأكثر ، وهذا يحتاج لخطَّة أخرى ، فيُحتاج للمحتسبات الداعيات ، إلاَّ أنَّ هذا الأمر لا بدَّ أن يدرس مع المكاتب التعاونيَّة ؛ لتهيئة سكن خاص بتلك الداعيات المحتسبات.
8ـ تنبيه أولياء أمور النساء بإعطاء النساء حقوقهن ، والحذر من ظلمهن ، أو عدم توريثهن ، أو منعهنَّ من الزواج ، أو رفع مهور بناتهم ، وقد اطَّلعنا على أحوال الكثير من المتزوجين الذين يموتون ، ولم يؤدُّوا ربع مهورهن ، فالمهور عندهم مرتفعة ، مع الفقر المنتشر بينهم ، بل يصل المهر أحياناً لخمسين من الإبل ، ولا أبالغ إن قلت أكثر من ذلك ، وبعضهم يتزوج بـ:(350) رأس غنم ، أي ما يقارب (130) ألف ريال !!
كما ينبغي تنبيه الرجال إلى خطر انتشار العري بين نسائهم ، أو اختلاطهنَّ بالرجال، ومن العادات القبيحة عند بعضهم أنَّ المرأة العانس أو التي توفِّي عنها زوجها يجوز لها أن تخلو بالرجال الأجانب ، ويجوز للرجال الأجانب أن يخلوا بها ، ويسمون مثل هذه المرأة بـ:(الخالية) لأنَّها خالية من زوج !! وهذا ربَّما أدَّى إلى الوقوع في محاذير شرعيَّة خطيرة.
9ـ من العادات السيئة عندهم ما يسمَّى بـ :(الهود) ، فهم لا يختنون أبناءهم إلاَّ بعد البلوغ، وبعضهم لا يختتن ألبتة ، وحين يختتن بعضهم إذا بلغ ؛ تُولم له وليمة كبيرة يدعى لها أهل القرية والأقارب من غيرها ، وليس هذا محل القبح إذ الخلاف في مشروعيَّة الوليمة للختان قائم ، لكن القبح فيما يصاحب هذا ( الهود) من منكرات منها على سبيل المثال : رقص الرجال مع النساء .
10ـ تنبيه هؤلاء الناس لخطر المعاصي والفواحش ، وأنَّها تفسد القلوب ، وتحذيرهم منها كليَّة وعلى وجه الخصوص : الزنا ، والخلوة بالنساء والاختلاط معهنَّ ، واللواط ، والمخدرات ، فهي بينهم في انتشار ما بين مقل ومكثر.
11ـ تبيين خطر السحر والسحرة والتعلق بالكهَّان والمشعوذين ، وتنبيههم على ردِّ أمورهم كلِّها إلى الله ، والتركيز على قضايا التوكُّل على الله وأنَّه هو الشافي والمعافي .
12 ـ تشجيع أهل تلك المناطق على بناء مسجد صغير في وسط المنطقة ليجتمعوا على الصلاة ، ويتلاقوا على عبادة الله ـ تعالى ـ وإن استطاع الدعاة إلى الله جمع تبرعات وبناء المسجد بالتعاون مع تلك المكاتب التعاونيَّة فهذا أمر جدُّ حسن.
14ـ توزيع الأشرطة الإسلاميَّة من القرآن والمحاضرات المفيدة ، واصطحاب عدد كبير منها ، وتوزيعها على جميع ساكني تلك المنطقة ، وتشجيعهم على مداومة الاستماع لها .
13ـ كن قدوة بفعلك قبل قولك ، وبتعاملك قبل كلامك ، فإنَّهم ينظرون إليك على أنَّك رجل داعية ومعلِّم لهم ، فإيَّاك واحتقارهم ، أو الاستهزاء بهم ، أو معاملتهم معاملة فظَّة سيئة فسينفرون عنك ، ولا يهتمون بمقالك ومنطقك.
•