أمواج الشرقية
27 Aug 2006, 05:26 AM
http://www.flashfp.net/uploader/modules/up-pic/pic/uploads/ddf90ae0bc.gif
http://www.flashfp.net/uploader/modules/up-pic/pic/uploads/8e9a05db8e.gif
الحقيقة هذه فصول مختارة من مؤلفات سيد قطب .. كتبتها بنفسي عسى أن أكون ساهمت بنشر ولو شيء بسيط من أفكاره رحمه الله ..
الحريم !!! : هنالك شبهة قوية لصقت بهذا الدين ، وهي بعيدة عن روحه وتعاليمه ، بعدها عن الواقع التاريخي فيه .. شبهة ( الحريم ) ! .
إن ( الحرملك ) أو ( السلاملك ) لفظان تركيان يشيران إلى نشأة ذلك النظام في العالم الإسلامي .. ولا أظن أحدا يتهم الأتراك بأنهم فهمة الدين ولا كانوا من الصحابة ولا التابعين ! ..
لقد كانت وثبة الإسلام بالمرأة وثبة ثورية بالقياس إلى العصر ، و ماتزال إلى اليوم خطوة إنسانية كريمة ، لم تزد عليها الحضارة الغربية إلا الاستهتار .
إن الكثيرات يخشين لو عاد الإسلام إلى الحكم أن يردهن رقيقا ، أو أن يحبسهن في الحريم .. وهي خشية لا أساس لها ولا يعرف الإسلام منشأها ، و الذي نعلمه ونؤكده أن المرأة الفاضلة ليس لها أن تخشى من الإسلام وحكمه شيئا ، فقد منحها الإسلام من الحرية الواسعة الكريمة ما هو حسب أي إنسان فاضل شريف للعمل المثمر في حياة المجتمع .
منحها حق الملك والكسب بالطرق مشروعة ومنحها حرية تزويج نفسها ممن تشاء بلا ضغط ولا إرغام ، ومنحها حق الخروج والدخول في ثياب محتشمة ، لا تشير الشهوات ولا تجعلها نهبا للنزوات .
نعم ، إنه منعها أن تخرج للناس بثياب السهرة ، وأن توزع النظرات الغزلة ، والضحكات الفاجرة ... فمن كانت لا تعرف الحرية إلا هكذا ، فلتخش الإسلام وحكم الإسلام .
فأما الذين يتحككون بحرية المرأة ليحتكوا بالمرأة ، من أصحاب الأقلام المائعة ، فأولئك يعرفون أهدافهم كما تعرفها أوكار النساء التي ترحب بهم ، وتدعوهم إلى حفلاتها الداعرة ، التي يتجرد فيها الإنسان من كل مقومات الإنسانية ليرتد حيوانا في غابة وينقلب الجنسان الذكر والأنثى .. وهذه الحفلات الداعرة لا يعرفها الإسلام .
لقد كن النساء في عهد محمد صاحب هذا الدين ، يذهبن إلى المسجد للصلاة ، ويذهبن للسوق للتجارة ، ويخرجن في الغزوات لتشجيع الرجال ، فإذا جاء عصر من عصور الظلم و الاستبداد فأحال المرأة سلعة ، وقد أحال ذلك العصر نفسه الرجال إلى أرقاء .
إنه ليس الإسلام الذي كان يأمر السلاطين بإلقاء الرجال في جب الحيات ، وكذلك لم يكن هو الذي يأمر الرجال بإلقاء النساء في ( الحريم ) إنما كان ذلك ظلما شائعا ذهب ضحيته الرجال والنساء سواء .
كذلك ليست ( الحرية ) التي تكشف الأفخاذ والنهود في الحفلات الساهرة اليوم ، إنما هي الدعارة الروحية تتزيا بزي الأرستقراطية ، والعبودية للجسد تتزيا بزي الحرية .
فإذا جاء حكم الإسلام ، فسيرد للمرأة حريتها الكريمة التي تنقذها من الرجعية التي لا تزال تسيطر في بعض الأوساط ، والتي تنقذها كذلك من الإباحية التي خرجت من وسط الأرستقراطية .
إنه سينقذ روح الإنسانية المهينة في ( الحريم ) وفي ( الصالون ) سواء ، فهي في الأولى مهينة بالكبت والظلم و هي في الثانية مهينة بالرخص والابتذال .
إنه لا خوف من الإسلام على امرأة فاضلة تزاول نشاطها الإنساني في حدود الشرف و الكرامة ، فأما اللواتي لا يسعهن هذا المجال فلهن أن يخشين كل الخشية من حكم الإسلام .
عداوات حول حكم الإسلام :
عداوات المحترفين من رجال الدين : لعل أغرب العداوات لحكم الإسلام هي عداوة المحترفين من رجال الدين ، المحترفين على اختلاف مللهم و نحلهم وفرقهم و طرائقهم . ولكنها في الواقع ليست غريبة إلا في ظاهر الأشياء ، إن هؤلاء جميعا إنما يعرفون أن ليس في الإسلام ( رجال دين ) ، يرتزقون باسم الدين وحده ولا يؤدون عملا منه يأكلون .
إن الدين ليس حرفة في الإسلام ، إلا أن يكون اشتغالا بتعليم الناس شأنه شأن أي مادة من مواد المعرفة الإنسانية الأخرى ، أو قضاء في أحوالهم شأنه شأن أي تخصص في عمل من الأعمال .
وإن هؤلاء جميعا ليعرفون أن الإسلام يطارد الدجالين الذين يجمعون حوله الترهات والخرافات ، فالإسلام عقيدة بسيطة واضحة لا تعتمد على المعجزات والكرامات والشفاعات و الدعوات ، إنما تعتمد على العقيدة المستقيمة و السلوك النظيف و العمل الصالح و الجد و الإنتاج .
ولو حكم الإسلام فسيكون أول عمل له أن يطارد الباطلين الذين لا يعملون شيئا ويعيشون باسم الدين ، والدجالين الذين يلبسون وضوح الإسلام بغموض الأساطير ويستغفلون باسمه عقول الجماهير و الدراويش الذين لا يعرف لهم الإسلام مكانا في ساحته ولا عملا في دولته – وهم في مصر كثير جدا - .
و المحترفون من رجال الدين يعرفون أن لهم وظيفة أساسية في المجتمعات الإقطاعية و الرأسمالية ، وظيفة ترزقهم عليها الدولة و تيسر لهم مزاولتها والكسب منها في المجتمع ، تلك وظيفة التخدير و التغرير بالجماهير الكادحة العاملة المستغلة المحرومة .
فأما حين يحكم الإسلام ، فيعطي هذه الجماهير حقها ويكف المستغلين و المستبدين عنها ، ويحدد الثراء الفاحش الذي يؤذي بمجرد وجوده نفوس المحرومين الممنوعين ، حين يتم هذا فما وظيفة هؤلاء المحترفين في المجتمع ؟ وما مكانهم في الدولة ؟ وما عملهم مع الجماهير ؟.
إن حرفة الدين جزء من النظم الاجتماعية المختلة ، وقطعة أصيلة من أجهزة الحكم فيها ، فإذا صحت تلك الأوضاع و سلمت تلك الأجهزة ، فحرفة الدين تصبح بلا طلب ولا ضرورة ، لأن الدين ذاته سيستحيل عملا وسلوكا ، نظاما ومجتمعا ، ولا يظل أقوالا وشعائر وتمتمة وتراتيل .
وتلك حقيقة واضحة لا يدركها أولئك المحترفين بأفكارهم وعقولهم ، فهم يدركونها بحسهم وفطرتهم .. وما ينبغي أن نشك في ذكاء هذا الفريق من الناس ، فإن في الكثيرين منهم طاقة كبيرة من الذكاء و المهارة و البراعة يستغلونها استغلال الحواة ، ويستخدمونها استخدام السحرة ، ولو عاشوا في ظل نظام صالح يستغل هذه الطاقة استغلالا سليما فربما كسب المجتمع منها كسبا عظيما ، أما الآن فهم مجرد تروس في جهاز الاستغلال ، وهم مستنفعون مستغلون بدورهم ، وهم يدركون أخطار الحكم الإسلامي وأقل هذه الأخطار الاستغناء عن خدمتهم التي لا يعرفها الإسلام .
عداوات المستهترين و المنحلين : لقد انتهينا في مصر إلى مجتمع منحل مستهتر مريض ، بفعل جميع العوامل السيئة الناشئة من الاختلال الاجتماعي الذي وصفنا أعراضه فيما سبق ، والناشئة كذلك من التيار العالمي المنحدر بين الحربين العالميتين الكبيرتين ، والحروب بطبيعتها تخلخل بناء المجتمع وتجرف معها الاستهتار و الانحلال على الأقل بحكم التعرض للخطر والموت ، الذي يجعل انتهاب اللذائذ المتاحة أمرا تدفع إليه دوافع الفطرة و الضرورة .
وأيا ما كانت الأسباب ، فقد انتهينا إلى مجتمع تشيع فيه الفاحشة ، ويطفو على سطحه الاستهتار ويبدو الانحلال في كل جوانبه ، سواء ما يتعلق بالجنس ، وما يتعلق بالمخدرات ، وما يتعلق بالذمة و الضمير ، و الخلق في العمل و السلوك . هذه الجموع المستهترة المنحلة من الرجال و النساء يهولها – من غير شك – أن تسمع شيئا عن حدود الإسلام التي تفزع الفاحشين والفاحشات بل عن أوامره ونواهيه التي تكبح النفوس وتزجر الجناة ، وتمنعهم بحكم العرف وحكم القانون من التبجح والاستهتار .
وتدخل الأوكار النسوية المتناثرة هنا وهناك في هذا المجال ـ تلك الأوكار التي تشتغل بتفاهاتها الفارغات من النسوة و الفتيات على سنة الفراغ والبطالة الموحي بكل تافه من الأفكار و الأعمال . ولقد أسلفت أن لا خوف من الإسلام على امرأة فاضلة ، تزاول نشاطها الإنساني في حدود الشرف و الكرامة . ولكن هذه الأوكار التي اعنيها تعرف أن هذا الشرط لا ينطبق على نشاطها و أن الحرية الواسعة الكريمة التي يمنحها الإسلام للمرأة لا تسع ذلك اللون من النشاط ! .
هذه الجموع من الرجال و النساء ، ومن الشبان والفتيات ، هذه الجموع التي لا تجد في الحرية الواسعة الكريمة التي يتيحها الإسلام للشرفاء والشريفات كفاية لنشاطها .. تفزع من حكم الإسلام بحاسة الخوف على الذات وحب السلامة ، والأمن الذي تيسره لها الأوضاع الاجتماعية القائمة بما فيها من انحلال و اختلال ، فهي إذا بطبيعتها عدوة لحكم الإسلام الذي ليس فيه أمان لها .
وتملك هذه الجموع نوادي وصحفا ، كما تملك نفوذا في جهاز الحكم ومرافق البلاد ، بل إن نفوذها ليفوق كل نفوذ آخر في هذه البلاد ! ، إنه النفوذ الذي يرتكن إلى شهوات الجسم ونزوات الجسد ، وإلى المال ، وإلى الحكم ، ويستخدم هذه القوى في مقاومة كل نظام يمكن أن يحد من هذه الفوضى وذلك الفساد .
وما زلت أذكر منذ سنوات كلمة أحد الوزراء في ذلك العهد ، في رواق من أروقة مجلس النواب وقد خرج أثناء مناقشة حادة حول ( إلغاء بيوت الدعارة العلنية و مكافحة بيوتها السرية ) قال – لا بارك الله له في بدن ولا عافية - : ( نحن إذن أين نذهب ؟! ) وأتبعها بقهقهة غليظة تابعه فيها الذيول و الأذناب ! ، مثل هذا الوزير كثيرون في مصر .. وكثيرات ! ، يسمون الفوضى الحيوانية السائدة في مصر حرية ، ويسميها بعضهم تقدما وحضارة ، ويباهي بالحديث عنها بشعور الحيوان المنطلق الشهوات ، وبعضهم يسميها طلاقة فنية ، لأن الفن في نظرهم لا يكون إلا إباحية قذرة مريضة .. وكأن الفن لا يعمر روح ( إنسان ) ! .
وما أريد أن أخط هنا خطبة منبرية في الوعظ الشريف كالتي صاغتها أقلا الأجلاء من كبار العلماء ، ولكني أريد أن أدل على أن اختلال المجتمع المصري قد آتى كل ثماره الخبيثة العفنة الكريهة ، وأن الحكم الإسلامي سيتولى علاج هذه الثمار باجتثاث الأصل الذي يطلعها ، بل بتطهير التربة التي تنبت فيها . والذي أريد التنبيه إليه هنا أن نصيبا عظيما من الضجة القائمة ضد حكم الإسلام إنما ينبعث من المواخير و الأوكار و الجيف الطافية على وجه ذلك المستنقع الآسن الفسيح . المستنقع الذي لا يخوض فيه اللصوص و السكارى و النخاسون و الرقيق الأبيض فحسب ، بل تخوض فيه رؤوس كبيرة كثيرة في البلاد ، و بيوتات فوق مستوى الشبهات ! .
فإذا سمع الناس هذه الضجة ضد حكم الإسلام ورأوا احتفالا بمثيريها الأقزام فليعرفوا أن الزفة ليست للقزم الذي يلبس الريش ، ولكن للمستنقع الذي تخشى ديدانه من المطهر الفتاك !!.
من كتابه ( معركة الإسلام والرأسمالية ) .
http://www.flashfp.net/uploader/modules/up-pic/pic/uploads/8e9a05db8e.gif
الحقيقة هذه فصول مختارة من مؤلفات سيد قطب .. كتبتها بنفسي عسى أن أكون ساهمت بنشر ولو شيء بسيط من أفكاره رحمه الله ..
الحريم !!! : هنالك شبهة قوية لصقت بهذا الدين ، وهي بعيدة عن روحه وتعاليمه ، بعدها عن الواقع التاريخي فيه .. شبهة ( الحريم ) ! .
إن ( الحرملك ) أو ( السلاملك ) لفظان تركيان يشيران إلى نشأة ذلك النظام في العالم الإسلامي .. ولا أظن أحدا يتهم الأتراك بأنهم فهمة الدين ولا كانوا من الصحابة ولا التابعين ! ..
لقد كانت وثبة الإسلام بالمرأة وثبة ثورية بالقياس إلى العصر ، و ماتزال إلى اليوم خطوة إنسانية كريمة ، لم تزد عليها الحضارة الغربية إلا الاستهتار .
إن الكثيرات يخشين لو عاد الإسلام إلى الحكم أن يردهن رقيقا ، أو أن يحبسهن في الحريم .. وهي خشية لا أساس لها ولا يعرف الإسلام منشأها ، و الذي نعلمه ونؤكده أن المرأة الفاضلة ليس لها أن تخشى من الإسلام وحكمه شيئا ، فقد منحها الإسلام من الحرية الواسعة الكريمة ما هو حسب أي إنسان فاضل شريف للعمل المثمر في حياة المجتمع .
منحها حق الملك والكسب بالطرق مشروعة ومنحها حرية تزويج نفسها ممن تشاء بلا ضغط ولا إرغام ، ومنحها حق الخروج والدخول في ثياب محتشمة ، لا تشير الشهوات ولا تجعلها نهبا للنزوات .
نعم ، إنه منعها أن تخرج للناس بثياب السهرة ، وأن توزع النظرات الغزلة ، والضحكات الفاجرة ... فمن كانت لا تعرف الحرية إلا هكذا ، فلتخش الإسلام وحكم الإسلام .
فأما الذين يتحككون بحرية المرأة ليحتكوا بالمرأة ، من أصحاب الأقلام المائعة ، فأولئك يعرفون أهدافهم كما تعرفها أوكار النساء التي ترحب بهم ، وتدعوهم إلى حفلاتها الداعرة ، التي يتجرد فيها الإنسان من كل مقومات الإنسانية ليرتد حيوانا في غابة وينقلب الجنسان الذكر والأنثى .. وهذه الحفلات الداعرة لا يعرفها الإسلام .
لقد كن النساء في عهد محمد صاحب هذا الدين ، يذهبن إلى المسجد للصلاة ، ويذهبن للسوق للتجارة ، ويخرجن في الغزوات لتشجيع الرجال ، فإذا جاء عصر من عصور الظلم و الاستبداد فأحال المرأة سلعة ، وقد أحال ذلك العصر نفسه الرجال إلى أرقاء .
إنه ليس الإسلام الذي كان يأمر السلاطين بإلقاء الرجال في جب الحيات ، وكذلك لم يكن هو الذي يأمر الرجال بإلقاء النساء في ( الحريم ) إنما كان ذلك ظلما شائعا ذهب ضحيته الرجال والنساء سواء .
كذلك ليست ( الحرية ) التي تكشف الأفخاذ والنهود في الحفلات الساهرة اليوم ، إنما هي الدعارة الروحية تتزيا بزي الأرستقراطية ، والعبودية للجسد تتزيا بزي الحرية .
فإذا جاء حكم الإسلام ، فسيرد للمرأة حريتها الكريمة التي تنقذها من الرجعية التي لا تزال تسيطر في بعض الأوساط ، والتي تنقذها كذلك من الإباحية التي خرجت من وسط الأرستقراطية .
إنه سينقذ روح الإنسانية المهينة في ( الحريم ) وفي ( الصالون ) سواء ، فهي في الأولى مهينة بالكبت والظلم و هي في الثانية مهينة بالرخص والابتذال .
إنه لا خوف من الإسلام على امرأة فاضلة تزاول نشاطها الإنساني في حدود الشرف و الكرامة ، فأما اللواتي لا يسعهن هذا المجال فلهن أن يخشين كل الخشية من حكم الإسلام .
عداوات حول حكم الإسلام :
عداوات المحترفين من رجال الدين : لعل أغرب العداوات لحكم الإسلام هي عداوة المحترفين من رجال الدين ، المحترفين على اختلاف مللهم و نحلهم وفرقهم و طرائقهم . ولكنها في الواقع ليست غريبة إلا في ظاهر الأشياء ، إن هؤلاء جميعا إنما يعرفون أن ليس في الإسلام ( رجال دين ) ، يرتزقون باسم الدين وحده ولا يؤدون عملا منه يأكلون .
إن الدين ليس حرفة في الإسلام ، إلا أن يكون اشتغالا بتعليم الناس شأنه شأن أي مادة من مواد المعرفة الإنسانية الأخرى ، أو قضاء في أحوالهم شأنه شأن أي تخصص في عمل من الأعمال .
وإن هؤلاء جميعا ليعرفون أن الإسلام يطارد الدجالين الذين يجمعون حوله الترهات والخرافات ، فالإسلام عقيدة بسيطة واضحة لا تعتمد على المعجزات والكرامات والشفاعات و الدعوات ، إنما تعتمد على العقيدة المستقيمة و السلوك النظيف و العمل الصالح و الجد و الإنتاج .
ولو حكم الإسلام فسيكون أول عمل له أن يطارد الباطلين الذين لا يعملون شيئا ويعيشون باسم الدين ، والدجالين الذين يلبسون وضوح الإسلام بغموض الأساطير ويستغفلون باسمه عقول الجماهير و الدراويش الذين لا يعرف لهم الإسلام مكانا في ساحته ولا عملا في دولته – وهم في مصر كثير جدا - .
و المحترفون من رجال الدين يعرفون أن لهم وظيفة أساسية في المجتمعات الإقطاعية و الرأسمالية ، وظيفة ترزقهم عليها الدولة و تيسر لهم مزاولتها والكسب منها في المجتمع ، تلك وظيفة التخدير و التغرير بالجماهير الكادحة العاملة المستغلة المحرومة .
فأما حين يحكم الإسلام ، فيعطي هذه الجماهير حقها ويكف المستغلين و المستبدين عنها ، ويحدد الثراء الفاحش الذي يؤذي بمجرد وجوده نفوس المحرومين الممنوعين ، حين يتم هذا فما وظيفة هؤلاء المحترفين في المجتمع ؟ وما مكانهم في الدولة ؟ وما عملهم مع الجماهير ؟.
إن حرفة الدين جزء من النظم الاجتماعية المختلة ، وقطعة أصيلة من أجهزة الحكم فيها ، فإذا صحت تلك الأوضاع و سلمت تلك الأجهزة ، فحرفة الدين تصبح بلا طلب ولا ضرورة ، لأن الدين ذاته سيستحيل عملا وسلوكا ، نظاما ومجتمعا ، ولا يظل أقوالا وشعائر وتمتمة وتراتيل .
وتلك حقيقة واضحة لا يدركها أولئك المحترفين بأفكارهم وعقولهم ، فهم يدركونها بحسهم وفطرتهم .. وما ينبغي أن نشك في ذكاء هذا الفريق من الناس ، فإن في الكثيرين منهم طاقة كبيرة من الذكاء و المهارة و البراعة يستغلونها استغلال الحواة ، ويستخدمونها استخدام السحرة ، ولو عاشوا في ظل نظام صالح يستغل هذه الطاقة استغلالا سليما فربما كسب المجتمع منها كسبا عظيما ، أما الآن فهم مجرد تروس في جهاز الاستغلال ، وهم مستنفعون مستغلون بدورهم ، وهم يدركون أخطار الحكم الإسلامي وأقل هذه الأخطار الاستغناء عن خدمتهم التي لا يعرفها الإسلام .
عداوات المستهترين و المنحلين : لقد انتهينا في مصر إلى مجتمع منحل مستهتر مريض ، بفعل جميع العوامل السيئة الناشئة من الاختلال الاجتماعي الذي وصفنا أعراضه فيما سبق ، والناشئة كذلك من التيار العالمي المنحدر بين الحربين العالميتين الكبيرتين ، والحروب بطبيعتها تخلخل بناء المجتمع وتجرف معها الاستهتار و الانحلال على الأقل بحكم التعرض للخطر والموت ، الذي يجعل انتهاب اللذائذ المتاحة أمرا تدفع إليه دوافع الفطرة و الضرورة .
وأيا ما كانت الأسباب ، فقد انتهينا إلى مجتمع تشيع فيه الفاحشة ، ويطفو على سطحه الاستهتار ويبدو الانحلال في كل جوانبه ، سواء ما يتعلق بالجنس ، وما يتعلق بالمخدرات ، وما يتعلق بالذمة و الضمير ، و الخلق في العمل و السلوك . هذه الجموع المستهترة المنحلة من الرجال و النساء يهولها – من غير شك – أن تسمع شيئا عن حدود الإسلام التي تفزع الفاحشين والفاحشات بل عن أوامره ونواهيه التي تكبح النفوس وتزجر الجناة ، وتمنعهم بحكم العرف وحكم القانون من التبجح والاستهتار .
وتدخل الأوكار النسوية المتناثرة هنا وهناك في هذا المجال ـ تلك الأوكار التي تشتغل بتفاهاتها الفارغات من النسوة و الفتيات على سنة الفراغ والبطالة الموحي بكل تافه من الأفكار و الأعمال . ولقد أسلفت أن لا خوف من الإسلام على امرأة فاضلة ، تزاول نشاطها الإنساني في حدود الشرف و الكرامة . ولكن هذه الأوكار التي اعنيها تعرف أن هذا الشرط لا ينطبق على نشاطها و أن الحرية الواسعة الكريمة التي يمنحها الإسلام للمرأة لا تسع ذلك اللون من النشاط ! .
هذه الجموع من الرجال و النساء ، ومن الشبان والفتيات ، هذه الجموع التي لا تجد في الحرية الواسعة الكريمة التي يتيحها الإسلام للشرفاء والشريفات كفاية لنشاطها .. تفزع من حكم الإسلام بحاسة الخوف على الذات وحب السلامة ، والأمن الذي تيسره لها الأوضاع الاجتماعية القائمة بما فيها من انحلال و اختلال ، فهي إذا بطبيعتها عدوة لحكم الإسلام الذي ليس فيه أمان لها .
وتملك هذه الجموع نوادي وصحفا ، كما تملك نفوذا في جهاز الحكم ومرافق البلاد ، بل إن نفوذها ليفوق كل نفوذ آخر في هذه البلاد ! ، إنه النفوذ الذي يرتكن إلى شهوات الجسم ونزوات الجسد ، وإلى المال ، وإلى الحكم ، ويستخدم هذه القوى في مقاومة كل نظام يمكن أن يحد من هذه الفوضى وذلك الفساد .
وما زلت أذكر منذ سنوات كلمة أحد الوزراء في ذلك العهد ، في رواق من أروقة مجلس النواب وقد خرج أثناء مناقشة حادة حول ( إلغاء بيوت الدعارة العلنية و مكافحة بيوتها السرية ) قال – لا بارك الله له في بدن ولا عافية - : ( نحن إذن أين نذهب ؟! ) وأتبعها بقهقهة غليظة تابعه فيها الذيول و الأذناب ! ، مثل هذا الوزير كثيرون في مصر .. وكثيرات ! ، يسمون الفوضى الحيوانية السائدة في مصر حرية ، ويسميها بعضهم تقدما وحضارة ، ويباهي بالحديث عنها بشعور الحيوان المنطلق الشهوات ، وبعضهم يسميها طلاقة فنية ، لأن الفن في نظرهم لا يكون إلا إباحية قذرة مريضة .. وكأن الفن لا يعمر روح ( إنسان ) ! .
وما أريد أن أخط هنا خطبة منبرية في الوعظ الشريف كالتي صاغتها أقلا الأجلاء من كبار العلماء ، ولكني أريد أن أدل على أن اختلال المجتمع المصري قد آتى كل ثماره الخبيثة العفنة الكريهة ، وأن الحكم الإسلامي سيتولى علاج هذه الثمار باجتثاث الأصل الذي يطلعها ، بل بتطهير التربة التي تنبت فيها . والذي أريد التنبيه إليه هنا أن نصيبا عظيما من الضجة القائمة ضد حكم الإسلام إنما ينبعث من المواخير و الأوكار و الجيف الطافية على وجه ذلك المستنقع الآسن الفسيح . المستنقع الذي لا يخوض فيه اللصوص و السكارى و النخاسون و الرقيق الأبيض فحسب ، بل تخوض فيه رؤوس كبيرة كثيرة في البلاد ، و بيوتات فوق مستوى الشبهات ! .
فإذا سمع الناس هذه الضجة ضد حكم الإسلام ورأوا احتفالا بمثيريها الأقزام فليعرفوا أن الزفة ليست للقزم الذي يلبس الريش ، ولكن للمستنقع الذي تخشى ديدانه من المطهر الفتاك !!.
من كتابه ( معركة الإسلام والرأسمالية ) .