المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فصول مختاره من مؤلفات سيد قطب ..



أمواج الشرقية
27 Aug 2006, 05:26 AM
http://www.flashfp.net/uploader/modules/up-pic/pic/uploads/ddf90ae0bc.gif

http://www.flashfp.net/uploader/modules/up-pic/pic/uploads/8e9a05db8e.gif

الحقيقة هذه فصول مختارة من مؤلفات سيد قطب .. كتبتها بنفسي عسى أن أكون ساهمت بنشر ولو شيء بسيط من أفكاره رحمه الله ..

الحريم !!! : هنالك شبهة قوية لصقت بهذا الدين ، وهي بعيدة عن روحه وتعاليمه ، بعدها عن الواقع التاريخي فيه .. شبهة ( الحريم ) ! .
إن ( الحرملك ) أو ( السلاملك ) لفظان تركيان يشيران إلى نشأة ذلك النظام في العالم الإسلامي .. ولا أظن أحدا يتهم الأتراك بأنهم فهمة الدين ولا كانوا من الصحابة ولا التابعين ! ..
لقد كانت وثبة الإسلام بالمرأة وثبة ثورية بالقياس إلى العصر ، و ماتزال إلى اليوم خطوة إنسانية كريمة ، لم تزد عليها الحضارة الغربية إلا الاستهتار .
إن الكثيرات يخشين لو عاد الإسلام إلى الحكم أن يردهن رقيقا ، أو أن يحبسهن في الحريم .. وهي خشية لا أساس لها ولا يعرف الإسلام منشأها ، و الذي نعلمه ونؤكده أن المرأة الفاضلة ليس لها أن تخشى من الإسلام وحكمه شيئا ، فقد منحها الإسلام من الحرية الواسعة الكريمة ما هو حسب أي إنسان فاضل شريف للعمل المثمر في حياة المجتمع .
منحها حق الملك والكسب بالطرق مشروعة ومنحها حرية تزويج نفسها ممن تشاء بلا ضغط ولا إرغام ، ومنحها حق الخروج والدخول في ثياب محتشمة ، لا تشير الشهوات ولا تجعلها نهبا للنزوات .
نعم ، إنه منعها أن تخرج للناس بثياب السهرة ، وأن توزع النظرات الغزلة ، والضحكات الفاجرة ... فمن كانت لا تعرف الحرية إلا هكذا ، فلتخش الإسلام وحكم الإسلام .
فأما الذين يتحككون بحرية المرأة ليحتكوا بالمرأة ، من أصحاب الأقلام المائعة ، فأولئك يعرفون أهدافهم كما تعرفها أوكار النساء التي ترحب بهم ، وتدعوهم إلى حفلاتها الداعرة ، التي يتجرد فيها الإنسان من كل مقومات الإنسانية ليرتد حيوانا في غابة وينقلب الجنسان الذكر والأنثى .. وهذه الحفلات الداعرة لا يعرفها الإسلام .
لقد كن النساء في عهد محمد صاحب هذا الدين ، يذهبن إلى المسجد للصلاة ، ويذهبن للسوق للتجارة ، ويخرجن في الغزوات لتشجيع الرجال ، فإذا جاء عصر من عصور الظلم و الاستبداد فأحال المرأة سلعة ، وقد أحال ذلك العصر نفسه الرجال إلى أرقاء .
إنه ليس الإسلام الذي كان يأمر السلاطين بإلقاء الرجال في جب الحيات ، وكذلك لم يكن هو الذي يأمر الرجال بإلقاء النساء في ( الحريم ) إنما كان ذلك ظلما شائعا ذهب ضحيته الرجال والنساء سواء .
كذلك ليست ( الحرية ) التي تكشف الأفخاذ والنهود في الحفلات الساهرة اليوم ، إنما هي الدعارة الروحية تتزيا بزي الأرستقراطية ، والعبودية للجسد تتزيا بزي الحرية .
فإذا جاء حكم الإسلام ، فسيرد للمرأة حريتها الكريمة التي تنقذها من الرجعية التي لا تزال تسيطر في بعض الأوساط ، والتي تنقذها كذلك من الإباحية التي خرجت من وسط الأرستقراطية .
إنه سينقذ روح الإنسانية المهينة في ( الحريم ) وفي ( الصالون ) سواء ، فهي في الأولى مهينة بالكبت والظلم و هي في الثانية مهينة بالرخص والابتذال .
إنه لا خوف من الإسلام على امرأة فاضلة تزاول نشاطها الإنساني في حدود الشرف و الكرامة ، فأما اللواتي لا يسعهن هذا المجال فلهن أن يخشين كل الخشية من حكم الإسلام .

عداوات حول حكم الإسلام :
عداوات المحترفين من رجال الدين : لعل أغرب العداوات لحكم الإسلام هي عداوة المحترفين من رجال الدين ، المحترفين على اختلاف مللهم و نحلهم وفرقهم و طرائقهم . ولكنها في الواقع ليست غريبة إلا في ظاهر الأشياء ، إن هؤلاء جميعا إنما يعرفون أن ليس في الإسلام ( رجال دين ) ، يرتزقون باسم الدين وحده ولا يؤدون عملا منه يأكلون .
إن الدين ليس حرفة في الإسلام ، إلا أن يكون اشتغالا بتعليم الناس شأنه شأن أي مادة من مواد المعرفة الإنسانية الأخرى ، أو قضاء في أحوالهم شأنه شأن أي تخصص في عمل من الأعمال .
وإن هؤلاء جميعا ليعرفون أن الإسلام يطارد الدجالين الذين يجمعون حوله الترهات والخرافات ، فالإسلام عقيدة بسيطة واضحة لا تعتمد على المعجزات والكرامات والشفاعات و الدعوات ، إنما تعتمد على العقيدة المستقيمة و السلوك النظيف و العمل الصالح و الجد و الإنتاج .
ولو حكم الإسلام فسيكون أول عمل له أن يطارد الباطلين الذين لا يعملون شيئا ويعيشون باسم الدين ، والدجالين الذين يلبسون وضوح الإسلام بغموض الأساطير ويستغفلون باسمه عقول الجماهير و الدراويش الذين لا يعرف لهم الإسلام مكانا في ساحته ولا عملا في دولته – وهم في مصر كثير جدا - .
و المحترفون من رجال الدين يعرفون أن لهم وظيفة أساسية في المجتمعات الإقطاعية و الرأسمالية ، وظيفة ترزقهم عليها الدولة و تيسر لهم مزاولتها والكسب منها في المجتمع ، تلك وظيفة التخدير و التغرير بالجماهير الكادحة العاملة المستغلة المحرومة .
فأما حين يحكم الإسلام ، فيعطي هذه الجماهير حقها ويكف المستغلين و المستبدين عنها ، ويحدد الثراء الفاحش الذي يؤذي بمجرد وجوده نفوس المحرومين الممنوعين ، حين يتم هذا فما وظيفة هؤلاء المحترفين في المجتمع ؟ وما مكانهم في الدولة ؟ وما عملهم مع الجماهير ؟.
إن حرفة الدين جزء من النظم الاجتماعية المختلة ، وقطعة أصيلة من أجهزة الحكم فيها ، فإذا صحت تلك الأوضاع و سلمت تلك الأجهزة ، فحرفة الدين تصبح بلا طلب ولا ضرورة ، لأن الدين ذاته سيستحيل عملا وسلوكا ، نظاما ومجتمعا ، ولا يظل أقوالا وشعائر وتمتمة وتراتيل .
وتلك حقيقة واضحة لا يدركها أولئك المحترفين بأفكارهم وعقولهم ، فهم يدركونها بحسهم وفطرتهم .. وما ينبغي أن نشك في ذكاء هذا الفريق من الناس ، فإن في الكثيرين منهم طاقة كبيرة من الذكاء و المهارة و البراعة يستغلونها استغلال الحواة ، ويستخدمونها استخدام السحرة ، ولو عاشوا في ظل نظام صالح يستغل هذه الطاقة استغلالا سليما فربما كسب المجتمع منها كسبا عظيما ، أما الآن فهم مجرد تروس في جهاز الاستغلال ، وهم مستنفعون مستغلون بدورهم ، وهم يدركون أخطار الحكم الإسلامي وأقل هذه الأخطار الاستغناء عن خدمتهم التي لا يعرفها الإسلام .

عداوات المستهترين و المنحلين : لقد انتهينا في مصر إلى مجتمع منحل مستهتر مريض ، بفعل جميع العوامل السيئة الناشئة من الاختلال الاجتماعي الذي وصفنا أعراضه فيما سبق ، والناشئة كذلك من التيار العالمي المنحدر بين الحربين العالميتين الكبيرتين ، والحروب بطبيعتها تخلخل بناء المجتمع وتجرف معها الاستهتار و الانحلال على الأقل بحكم التعرض للخطر والموت ، الذي يجعل انتهاب اللذائذ المتاحة أمرا تدفع إليه دوافع الفطرة و الضرورة .
وأيا ما كانت الأسباب ، فقد انتهينا إلى مجتمع تشيع فيه الفاحشة ، ويطفو على سطحه الاستهتار ويبدو الانحلال في كل جوانبه ، سواء ما يتعلق بالجنس ، وما يتعلق بالمخدرات ، وما يتعلق بالذمة و الضمير ، و الخلق في العمل و السلوك . هذه الجموع المستهترة المنحلة من الرجال و النساء يهولها – من غير شك – أن تسمع شيئا عن حدود الإسلام التي تفزع الفاحشين والفاحشات بل عن أوامره ونواهيه التي تكبح النفوس وتزجر الجناة ، وتمنعهم بحكم العرف وحكم القانون من التبجح والاستهتار .
وتدخل الأوكار النسوية المتناثرة هنا وهناك في هذا المجال ـ تلك الأوكار التي تشتغل بتفاهاتها الفارغات من النسوة و الفتيات على سنة الفراغ والبطالة الموحي بكل تافه من الأفكار و الأعمال . ولقد أسلفت أن لا خوف من الإسلام على امرأة فاضلة ، تزاول نشاطها الإنساني في حدود الشرف و الكرامة . ولكن هذه الأوكار التي اعنيها تعرف أن هذا الشرط لا ينطبق على نشاطها و أن الحرية الواسعة الكريمة التي يمنحها الإسلام للمرأة لا تسع ذلك اللون من النشاط ! .
هذه الجموع من الرجال و النساء ، ومن الشبان والفتيات ، هذه الجموع التي لا تجد في الحرية الواسعة الكريمة التي يتيحها الإسلام للشرفاء والشريفات كفاية لنشاطها .. تفزع من حكم الإسلام بحاسة الخوف على الذات وحب السلامة ، والأمن الذي تيسره لها الأوضاع الاجتماعية القائمة بما فيها من انحلال و اختلال ، فهي إذا بطبيعتها عدوة لحكم الإسلام الذي ليس فيه أمان لها .
وتملك هذه الجموع نوادي وصحفا ، كما تملك نفوذا في جهاز الحكم ومرافق البلاد ، بل إن نفوذها ليفوق كل نفوذ آخر في هذه البلاد ! ، إنه النفوذ الذي يرتكن إلى شهوات الجسم ونزوات الجسد ، وإلى المال ، وإلى الحكم ، ويستخدم هذه القوى في مقاومة كل نظام يمكن أن يحد من هذه الفوضى وذلك الفساد .
وما زلت أذكر منذ سنوات كلمة أحد الوزراء في ذلك العهد ، في رواق من أروقة مجلس النواب وقد خرج أثناء مناقشة حادة حول ( إلغاء بيوت الدعارة العلنية و مكافحة بيوتها السرية ) قال – لا بارك الله له في بدن ولا عافية - : ( نحن إذن أين نذهب ؟! ) وأتبعها بقهقهة غليظة تابعه فيها الذيول و الأذناب ! ، مثل هذا الوزير كثيرون في مصر .. وكثيرات ! ، يسمون الفوضى الحيوانية السائدة في مصر حرية ، ويسميها بعضهم تقدما وحضارة ، ويباهي بالحديث عنها بشعور الحيوان المنطلق الشهوات ، وبعضهم يسميها طلاقة فنية ، لأن الفن في نظرهم لا يكون إلا إباحية قذرة مريضة .. وكأن الفن لا يعمر روح ( إنسان ) ! .
وما أريد أن أخط هنا خطبة منبرية في الوعظ الشريف كالتي صاغتها أقلا الأجلاء من كبار العلماء ، ولكني أريد أن أدل على أن اختلال المجتمع المصري قد آتى كل ثماره الخبيثة العفنة الكريهة ، وأن الحكم الإسلامي سيتولى علاج هذه الثمار باجتثاث الأصل الذي يطلعها ، بل بتطهير التربة التي تنبت فيها . والذي أريد التنبيه إليه هنا أن نصيبا عظيما من الضجة القائمة ضد حكم الإسلام إنما ينبعث من المواخير و الأوكار و الجيف الطافية على وجه ذلك المستنقع الآسن الفسيح . المستنقع الذي لا يخوض فيه اللصوص و السكارى و النخاسون و الرقيق الأبيض فحسب ، بل تخوض فيه رؤوس كبيرة كثيرة في البلاد ، و بيوتات فوق مستوى الشبهات ! .
فإذا سمع الناس هذه الضجة ضد حكم الإسلام ورأوا احتفالا بمثيريها الأقزام فليعرفوا أن الزفة ليست للقزم الذي يلبس الريش ، ولكن للمستنقع الذي تخشى ديدانه من المطهر الفتاك !!.

من كتابه ( معركة الإسلام والرأسمالية ) .

أمواج الشرقية
27 Aug 2006, 05:30 AM
سلام الضمير :
لا سلام لعالم ضمير الفرد فيه لا يستمتع بالسلام .. تلك نظرة الإسلام .. فإذا شاء أن يقيم السلام العالمي على أساس ركين ، فهو يبدؤه هنالك في قرارة الضمير .
وللفرد في النظام الإسلامي قيمة أساسية ، فهو اللبنة الأولى في بناء الجماعة ، وفي ضميره تنبت البذرة الأولى للعقيدة ، وفي سلوكه تستحيل العقيدة المكنونة حقيقة ظاهرة ، بل يستحيل هو ذاته ترجمة حية لهذه العقيدة .
وفي ضمير الفرد يغرس الإسلام بذرة السلام ، السلام الإيجابي الذي يرفع الحياة ويرقيها ، لا السلام السلبي الذي يرضى بكل شيء ، ويدع المبادئ تداس في سبيل العافية و السلامة .
السلام النابع من التناسق و التوافق ، المؤلف من الطلاقة و النظام ، الناشئ من إطلاق القوى و الطاقات الصالحة البانية ، ومن تهذيب النزوات و النزاعات ، لا من الكبت و التنويم والخمود .
السلام الذي يعترف للفرد بوجوده و بنوازعه و بأشواقه ، يعترف في الوقت ذاته بالجماعة و مصالحها و أهدافها ، وبالإنسانية وحاجاتها و أشواقها وبالدين و الخلق والمثل .. كل هذا في توافق و اتساق .



المنطق و العقيدة :يعقد الإسلام السلام بين المنطق الإنساني و العقيدة الدينية منذ الخطوة الأولى . فالإسلام عقيدة بسيطة واضحة لا تعقيد فيها ولا غموض .
الله ليس كمثله شيء ، هو خالق كل شيء ، ومحمد بشر كسائر البشر ، أوحي إليه أن يهدي الناس إلى عبادة هذا الإله الواحد بلا شريك له ، والله ليس ثلاثة في واحد ولا واحدا في ثلاثة ، وليس الله والدا ولا مولودا ، ومحمد ليس بشرا وإلها ، وليس رسولا في الأرض وربا في السماء !.
في الإسلام لا شيء من الألغاز و المعميات ، التي تهرب من الضوء وتدع المنطق الإنساني في حيرة ، والضمير الفردي قلق ، لأنه إما أن يؤمن فيهمل منطقه وإما أن يعتصم بالمنطق فيقوده إلى الكفر والإلحاد ، وإما أن يبقى متأرجحا بينهما ممزقا مضطربا لا يقر على قرار .
وفي الإسلام ليس من العسير تصور بشر يتصل بالقوة الكبرى ففي روح الإنسان تلك الطاقة التي تصله بتلك القوة ، وأفراد عاديون يحسون في تجاربهم العادية تلك الصلة ، لكن أرواحهم لا تثبت لهذا الاتصال إلا لحظات خاطفات أما أرواح كأرواح محمد و عيسى ونوح وإبراهيم – عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليم – فلا يتعذر تصور استمدادها من هذه القوة وتلقيها .
وإذا قيست قضية تصور الوحي على هذا النحو بقضية تصور اللاهوتية و الناسوتية في أقنوم ، وتصور ثلاثة في واحد ، وتصور نزول الإله إلى الأرض في صورة ابنه ليعاني الآلام تخليصا للبشرية من خطيئة آدم ... إلى آخر أوهام الكنيسة و المجامع التي دستها في النصرانية .. إذا قيست تلك القضية إلى هذه القضايا فإنها تبدو يسيرة جدا ! .
لقد دخلت هذه الأساطير إلى النصرانية ، وهي منها بريئة ، فالنصرانية في منابعها الأولى صورة من الدين الواحد الذي أرسل الله به رسله جميعا ، دين التوحيد الذي لا يجعل لله شريكا ، الذي يطلق البشر من عبودية الشريك ، لكن الرومان الذين دخلوا في المسيحية ومعهم آلهتهم المتعددة لم يطيقوا أن يخلصوا سريرتهم لهذا التوحيد في النصرانية ، ومن ثم بدأت تلك الأساطير ، وشيئا فشيئا صارت هي النصرانية كما تعرفها الكنيسة ، أي النصرانية الرسمية التي يشرد من لا يعتنقها و يكتب عليه الحرمان !.
ولكن صيرورة النصرانية إلى هذا الوضع أوقعت المثقفين من النصارى في قلق نفسي و فكري دائم ، فهم إما أن يستجيبوا لمنطقهم فيخرجهم من عداد المؤمنين إلى عداد الملحدين ، وإما أن يلغوا عقولهم ليحتفظوا بعقيدة هذه الأساطير التي تحميها الكنيسة ، وإما أن يكلوا أنفسهم إلى القلق الروحي الدائم بين جوعتهم إلى العقيدة و منطقهم الذي يفر من تلك الأساطير .
وفي الإسلام كاد يحدث ما حدث في النصرانية ، فالرغبة البشرية في الأساطير والتهويل تحاول أن تغشى على وضوح الإسلام وبساطته ، ظلت تصوغ حول محمد بن عبد الله وحول المختارين من آل بيته وخاصة الحسين رضي الله عنه .. ظلت تصوغ الخرافات و الهالات التي تأباها طبيعة الإسلام ، وظلت تجد عند العامة قبولا لا تجده حقائق الإسلام الواضحة البسيطة .
ولكن بناء الإسلام ذاته بقي سليما ، وأصوله بقيت محفوظة فلقد كانت طبيعته من الوضوح والبساطة بحيث بقيت هذه التهاويل والأساطير تتناثر حول هامشه ولا تدخل في بنيته .
في النصرانية قادت الكنيسة ذاتها هذه التهاويل و تبنتها ، لأنها تزيد من سلطانها ونفوذها على نفوس الجماهير ، كان تعقيد العقيدة وإحاطتها بأجواء من الغموض غرضا مقصودا لتكون للكنيسة في حياة الناس وظيفة ، فلو أن العقيدة المسيحية بسيطة كما هي ، واضحة كما هي ، مفهومة كما هي .. فماذا يصنع رجال الدين ؟! .. وما حاجة الناس إليهم إذا استطاعوا هم بأنفسهم أن يفهموا دينهم ، وأن يمارسوا شعائرهم ، وأن يتصلوا مباشرة بخالقهم ؟! .. انه لابد من هذا الغموض ، لابد من هذه الأساطير والرؤى والأحلام كي يلجأ الناس إلى الكنيسة دائما ، تحل لهم رموز العقيدة وتكشف لهم بحساب عن الأسرار . وبذلك يبقى سلطان الكنيسة قائما وتبقى سلطتها كاملة ، ولا يملك الناس أن يخطوا خطوة في حياتهم الدينية وحياتهم الروحية إلا ومعهم قديس أو قسيس ! .

سلام البيت :
الحدود : وإن الإسلام ليكره أن تشيع الفاحشة في المجتمع : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم ) ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) ولشيوع الفاحشة أثره الفاحش في تحطيم أسس المجتمع ولكن الذي يعنينا في هذا الموضع أثره في أمن البيت وسلامه ، وحرص الإسلام على هذا السلام .
إنه يبدأ بأسباب الوقاية على نحو ما أسلفنا : يأمر بالحشمة ويحرم التبرج ويتحرج من الاختلاط ، ويحاول تيسير الإحصان بالزواج قدر الاستطاعة ، حتى إنه ليدعو المسلمين إلى مساعدة من يبتغي الزواج بالمال ، فإذا تعذر فهو يدعو للصوم تلطيفا لفورة الجسم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) .
وهو يحبب الرياضة والفروسية ملاحظا هذا المعنى بجانب غايات الفروسية الأخرى .
وما من شك أن التربية الإسلامية المعتدلة المتناسقة و توقي مواضع الإثارة وأسباب الفتنة بتحريم التبرج و التطري في الحديث : والتحرج من الاختلاط في غير ضرورة قاهرة مع أخذ الجسم بالرياضة و الصوم و التبكير بالزواج بمجرد الاستطاعة .. ما من شك أن هذه كلها عوامل إيجابية في ضبط الجسد والنفس إلى حين .
والببغاوات هنا والشاردون هناك يقولون : إن هذا الضبط لا بد مؤد إلى عقد نفسية ، ذلك أنهم لا يتخيلون صورة للمجتمع غير تلك الصورة القذرة ، صورة الشبان الهائجين محتكين بالفتيات الفائرات ، صورة النهود والأفخاذ عارية ، صورة النظرات جاهره في العيون و الشهوات ناضحة في الشفاه ، تدفعها كلها وتؤججها مناظر الأفلام الداعرة ، وصور الصحف المجرمة ، وأصوات المخنثين والمخنثات في الإذاعة ، والتوجيهات الخبيثة في كل أجهزة التوجيه و الإعلام العامة ، ومن وراء ذلك كله الترف و الفراغ في جانب ، و العوز والانحلال في جانب ، ومن حول ذلك كله تجار الأعراض و مخانيث القوادين !.
إن مجتمعا هذه صورته ليتعذر فيه الضبط ، لأن عوامل الفتنة كلها هائجة صاخبة جامحة طليقة . و إن مجتمعا هذه صورته ليعز فيه على النفوس القرار ، ويعز فيه على البيوت السلام ، ولكن المجتمع الإسلامي شيء مغاير لهذا كله من الأساس ، إنه مجتمع يحارب العوز ويسده ، ويحارب الاختلاط و التبرج ، ويحارب التخنث التأنث ، وتشتغل أجهزة التوجيه و الإعلام فيه بتوجيه الناس إلى الفضيلة و الخير ، والنظافة و العفة ، وتقوى الله ومراقبته ، و تعبيدهم كذلك لله وحده ! . وهو بعد ذلك كله يملأ فراغ الحياة بهموم كبار في سبيل الله وفي سبيل الإنسانية ، يملأ فراغ الوقت بالعمل ، فلا يوجد أولئك الفارغون و الفارغات الذين لا يجدون ما يملئون به حياتهم ويصرفون فيه طاقاتهم ، إلا الشهوات و النزوات ، إلا الترف الفاجر الداعر في الحفلات و السهرات والرحلات و المعسكرات المختلطة و مضايقة طلاب اللذائذ و المتع من السياح والسائحات .
إن الإسلام لا يدع كؤوس الخمر تهيج في العروق ، و نظرات الخليعات الفاجرة تهتف بالرجال ثم يكلف الرجال أن يضبطوا نزواتهم و يكبحوا شهواتهم ! .. كلا.. إنه يأخذ الأمر من أطرافه جميعا ، و يأخذ على أسباب الفتنة الطريق منذ الخطوة الأولى ، ثم يكلف الناس ما في طوقهم حينذاك بدون مشقة وبدون إعنات .
فإذا وقعت الفاحشة بعد ذلك ففي سبيل سلام البيت و في سبيل تماسك المجتمع يأخذ الأمر بعقوبات رادعة يوقعها على الفاحشين والفاحشات : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ... ) وقد عاقب الرسول صلى الله عليه وسلم بالرجم للمحصن و المحصنة وعاقب به الخلفاء من بعده .
و تسمع من الببغاوات هنا والشاردين هناك أنها عقوبة قاسية ، أم تحطيم البيوت و قلق الضمائر و تدليس الأنساب فما هي بقاسية ، قاسية لأن المترفين و المترفات ، والداعرين والداعرات ، يحسون – وهم يصفونها بالقسوة – وقع السياط على جلودهم الناعمة المترهلة ، ونفح الأحجار في أجسادهم اللينة الرخيصة ، إنهم يدافعون عن أنفسهم وهم يتشدقون باسم القوانين المتحضرة و ينعتون حدود الإسلام بالقسوة والهمجية ، وهم الهمج المنتكسون إلى حياة البهيمية الأولى .
والإسلام مع ذلك لا يقضي بهذه العقوبة الرادعة إلا في حالات التأكد المطلق الذي لا شبهة فيه ، وفي حالات الإحصان بالزواج حيث تنتفي الحاجة القاهرة أما غير المحصنين و غير المحصنات فعقوبتهم أخف وليست تجاوز الجلد .
و النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ادرءوا الحدود بالشبهات ) لأن الجريمة التي تقوم عليها شبهة ليست هي الجريمة الواضحة الظاهرة المتبجحة ، وهي أولى بالتخفيف و العطف ، وفي التعزير ما يكفي لغير المجرم المتبجح بجريمته حتى ليراها الشهود – وهم في حالة الزنا أربعة - يتأكدون جميعا من وقوع الفعل بلا شك في نفس واحد منهم ولا مطعن في عدالته ، وإلا فرجم أو جلد .
وإذا عرفنا أن التجسس وتسور الأبواب و اقتحام البيوت الخاصة ممنوع ، فإن ضبط هذه الجريمة ورؤية الشهود لها على الوضع الذي يشترطه الإسلام لإقامة الحد ، لا يكون غالبا إلا في حالة التهتك الفاضحة ، والتبجح بالجريمة في الأماكن العامة . وتلك إشاعة للفحش و استهتار بالكرامة و العرض ، لا توصف العقوبة بالقسوة عند ذوي الفطر المستقيمة و الطباع السليمة .
ومنعا لشيوع الاتهام بالحق وبالباطل ، يعاقب الإسلام بالجلد والحرمان من الثقة و إسقاط الشهادة كل من يرمي امرأة محصنة أو رجلا محصنا بتهمة ولا يأتي بشهود أربعة : ( و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) وذلك كي لا يشيع الاتهام ويشيع القلق في النفوس و البيوت ، وتشيع قالة السوء في المجتمع ، فتفقد الثقة ،ويحل مكانها التشكك و الخوف : ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما ).

من كتابه ( السلام العالمي و الإسلام ) .

أمواج الشرقية
27 Aug 2006, 05:32 AM
سلام العالم :
الجهاد في سبيل الله : و المسلمون إذن مكلفون تبعات إنسانية تجاه هذه البشرية بحكم وصايتهم هذه عليها ووصاية كتابهم على كتبها ، هم مكلفون أن يحققوا في الأرض ذلك السلام الذي أسلفنا خطواته و عرفنا أسسه من إفراد الله سبحانه بالربوبية و بالإلوهية و بالحاكمية ن ومن العدل والمساواة و الحرية ، ومن ضمانات الحياة القانونية و المعيشية ، و من منع البغي و إزالة الظلم و تحقيق أسباب التوازن الاجتماعي و التكافل و التعاون ، وإزالة أسباب الفرقة و الخصام والنزاع بين الأفراد والجماعات ، وسد الذرائع التي تدعو إلى قيام الطبقات وتميزها و صراعها ..
وقد جاءت هذه الأمة وسطا عادلا بين طرفي التفريط و الإفراط في كل اتجاهات الحياة ، كما ترسم لها حدود هذا الدين ومبادئه التي عرضنا طرفا منها في مجال السلام ، فكان عليها أن تنهض بهذا العبء و ألا تنكل به لأنه نصيبها المقدر لها لتكون الحياة من خالق الحياة .
( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر و تؤمنون بالله )
( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) .
ولكن هذا الدين – مع هذا كله – لم يتعسف الأمور ، ولم يكلف المسلمين إكراه غيرهم على اعتناق عقيدتهم ، بسبب أنها الصورة الشاملة الكاملة الصادقة لدين الله الواحد في الأرض : ( لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي ) ، إنما كلفهم أولا حماية المؤمنين حتى لا يفتنوا عن دينهم ، وكف القوة عنهم بالقوة ، لأن الدعوة بالحسنى هنا لا تجدي ، وليس هذا مكانها ، وكلفهم ثانيا كفالة حرية الدعوة وإزالة كل قوة طاغية في الأرض تمنع أن تصل دعوة الإسلام إلى الناس كافة .. وكلفهم ثالثا إقرار سلطان الله في الأرض ، ودفع المعتدين على هذا السلطان ، أولئك الذين يدعون أن لهم حق التشريع للناس من دون الله ، فهم يدعون بهذا حق الإلوهية ، ويقيمون من أنفسهم أربابا من دون الله أو مع الله .. وكلفهم رابعا : إقامة العدالة الكبرى في كل ميادينها ، سواء كانت للأفراد خاصة في المجتمع ، أو بالجماعات في هذه الأمة ، أو بالأمم التي تعيش على هذه الأرض وتتألف منها البشرية العظمى .
ولقد تضمنت مبادئ الإسلام الأساسية ثورة حقيقية كاملة ، تعد أكبر ثورة تحررية عرفتها البشرية ، ثورة على ربوبية العباد للعباد ، وثورة على الظلم بكل صنوفه و أنواعه ، وفي كل ميادينه ومجالاته ، و وثورة على النظم و الحكومات التي تسند هذا الظلم وتستبقيه لحساب فرد على جماعة في صورة حاكم أو مستغل ، أو لحساب طبقة على طبقة في صورة إقطاعيين و رأسماليين وصعاليك ، أو لحساب دولة على دولة في صورة مستعمرين و محتلين .
ولم يكن بد أن يقاومه أفراد ، أو تقاومه طبقات ، وأن تقاومه دول ، ولم يكن بد كذلك أن يمضي الإسلام بثورته الكاملة الشاملة في وجه هذه المقاومة ، ولم يكن بد أن يكتب الجهاد على المسلمين لنصرة هذه الثورة وتحقيق ربوبية الله و حاكميته في الأرض . و استنقاذ البشرية أفراد و جماعات من جور الأرباب الأرضية الممثلة في الأشخاص والحكومات و النظم و الأوضاع ، لكي يقيم السلام العالمي الأكبر على أسسه الأصيلة لا بين الدول فحسب ، ولكن في داخل هذه الدول كذلك فلا يسكت على وقوع الظلم في داخل دولة من الدول ليشتري السلم معها بأي ثمن ، إن النظرة الإسلامية نظرة ربانية محيطها ( العالم ) وموضوعها ( الإنسان ) فليس همه أن يشتري السلم الكاذبة مع دولة من الدول بأن يدع هذه الدولة تقيم لرعاياها أربابا من دون الله يدعون حق الربوبية فيها وتحرمهم العدل القضائي والعدل الإجتماعي .
حيثما كان ظلم فالإسلام منتدب لرفعه ودفعه ، وقع هذا الظلم على المسلمين أم على الذميين – الذين أعطاهم الإسلام ذمته ليحميهم – أو على سواهم ممن لا يربطهم بالمسلمين عهد ولا اتفاق ، وأظلم الظلم تعبيد العباد لغير الله و إقامة أرباب يشرعون لهم ما لم يأذن به الله ، وحيثما واجه الإسلام الفرد الظالم أو الطبقة الظالمة أو الدولة الظالمة ، واجههم على أنهم جماعة من البشر تظلم جماعة من البشر ، لا على أنهم سود وحمر أو بيض أو صفر ، ولا على أنهم مسيحيون أو يهود أو مشركون .
والإسلام يواجه القوى الواقفة في وجهه بواحدة من ثلاث : الإسلام أو الجزية أو القتال .
فأما الإسلام : فلأنه الصورة الأخيرة لدين الله الخالد ، لأنه الهدى للبشرية جميعا ، ولأنه الناموس الذي يحقق العدالة الإنسانية للجميع .
وأما الجزية : فلأنها دليل الكف عن المقاومة ، وتحقيق حرية الدعوة ، وغزالة القوة المادية التي تصد الناس عنها .
وأما القتال : فلأنه في هذه الحالة هو الرد الباقي على مقاومة كلمة الله عن إصرار وعناد ، وحرمان البشرية من الاستمتاع بما تحمله لها هذه الكلمة من نور وعدل و من سلام شامل كامل لبني الإنسان .
فإذا استسلم من يطلب السلام ، فهؤلاء هم الذميون وهؤلاء لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين بنص الإسلام الصريح .

من كتابه ( السلام العالمي و الإسلام ) .

أمواج الشرقية
27 Aug 2006, 05:33 AM
الفصام النكد :ليس من طبيعة الدين أن ينفصل عن الدنيا وليس من طبيعة المنهج الإلهي أن ينحصر في المشاعر الوجدانية و الشعائر التعبدية و الأخلاقيات التهذيبية ، أو في ركن ضيق من أركان الحياة البشرية .. ركن ما يسمونه ( الأحوال الشخصية ) .
ليس من طبيعة الدين أن يفرد لله سبحانه قطاعا ضيقا في ركن ضئيل – أو سلبي – في الحياة البشرية ، ثم يسلم سائر قطاعات الحياة الإيجابية العملية الواقعية لآلهة أخرى وأرباب متفرقون ، يضعون القواعد و المذاهب والأنظمة و الأوضاع و القوانين والتشكيلات على أهوائهم دون رجوع إلى الله ! .
ليس من طبيعة الدين أن يشرع طريقا للآخرة لا يمر بالحياة الدنيا ! ، طريقا ينتظر الناس في نهايته فردوس الآخرة عن غير طريق العمل في الأرض ، وعمارتها والخلافة فيها عن الله وفق منهجه الذي ارتضاه ! . ليس من طبيعة الدين أن يكون هذا المسخ المشوه الهزيل ! ، ولا هذه الألعوبة المزوقة التي يلهو بها الأطفال ! ولا هذه المراسم التقليدية التي لا علاقة لها بنظم الحياة العملية ! .
ليس من طبيعة الدين – أي دين فضلا عن أن يكون دين الله – أن يكون هذا العبث الممسوخ .. فمن أين إذا جاءته هذه السلبية الهازلة ؟ وكيف إذا وقع ذلك الفصام النكد بين الدين و الحياة ؟
لقد تم ذلك الفصام النكد في ظروف نكده ! كانت له آثاره المدمرة في أوروبا .. ثم في الأرض كلها ، حين طغت التصورات الغربية و الأنظمة الغربية و الأوضاع الغربية على البشرية كلها في مشارق الأرض ومغاربها .. ولم يكن بد – وقد انفصمت حياة المخلوقات عن منهج الخالق – أن تسير في هذا الطريق البائس و أن تنتهي إلى هذه النهاية التعيسة ، وان تحيط بالبشر الدائرة التي يتعذبون الآن في داخلها ، ويذوق بعضهم بأس بعض ، بينما هم عاجزون عن معرفة طريق الخلاص فيها ! .


المستقبل .. لهذا الدين :إلا أن الحرب المشبوبة على الإسلام لا تفقدنا الثقة المطلقة في أن المستقبل سيكون لهذا الدين .
لقد صمد الإسلام في حياته المديدة لما هو أعنف وأقسى من هذه الضربات الوحشية التي توجه اليوم إلى طلائع البعث الإسلامي في كل مكان ، وكافح – وهو مجرد من كل قوة غير قوته الذاتية – وانتصر وبقى .. و أبقى على شخصية الجماعات والأوطان التي يحميها السلاح ، إن الإسلام هو الذي حمى الوطن الإسلامي في الشرق من هجمات التتار كما حماه من هجمات الصليبيين على السواء ، ولو انتصر الصليبيون في الشرق كما انتصروا في الأندلس قديما ، أو كما انتصر الصهيونيين في فلسطين حديثا ، ما بقيت قومية عربية ، ولا جنس عربي ، ولا وطن عربي .. و الأندلس قديما و فلسطين حديثا كلاهما شاهد على أنه حين يطرد الإسلام من أرض فإنه لا تبقى فيه لغة ولا قومية بعد اقتلاع الجذر الأصيل ! .
المماليك الذين حموا هذه البقعة من التتار ، لم يكونوا من جنس العرب ، إنما كانوا من جنس التتار ! ، ولكنهم صمدوا في وجه عدوان بني جنسهم من المهاجمين حمية للإسلام لأنهم كانوا مسلمين ! .. صمدوا بإيحاء من العقيدة الإسلامية ، وبقيادة روحية إسلامية من الإمام المسلم ( ابن تيمية ) الذي قاد التعبئة الروحية وقاتل في مقدمة الصفوف ! .
ولقد حمى صلاح الدين هذه البقعة من اندثار العروبة منها والعرب واللغة العربية ، وهو كردي لا عربي ولكنه حفظ لها عروبتها ولغتها حين حفظ لها إسلامها من غارات الصليبيين ، وكان الإسلام في ضميره هو من حارب الصليبيين كما كان الإسلام في ضمير الظاهر بيبرس و المظفر قطز و الملك الناصر .. هو الذي كافح التتار .
لقد كافح الإسلام وهو أعزل لأن عنصر القوة كامن في طبيعته ، كامن في بساطته ووضوحه وشموله ، وملائم للفطرة البشرية ، وتلبية لحاجاتها الحقيقية .. كامن في الاستعلاء عن العبودية للعباد بالعبودية لله رب العباد ، ومن أجل هذا يطلقون عليه حملات القمع والإبادة كما يطلقون عليه حملات التشويه و الخداع و التضليل !
ومن أجل هذا يريدون أن يستبدلوا به قيما أخرى ، تصورات أخرى ، لا تمت لهذا المناضل العنيد ، لتستريح الصهيونية العالمية و الصليبية العالمية ، والاستعمار العالمي من هذا المناضل العنيد ، إن خصائص الإسلام الذاتية هي التي تحنق عليه أعداءه الطامعين في أسلاب الوطن الإسلامي ، هذا هو دافعها الأصيل ..

من كتابه ( المستقبل لهذا الدين )

أمواج الشرقية
27 Aug 2006, 05:36 AM
ذوق الأمريكيين :

سيد قطب يتفكّه على الأمريكان : كنا على المائدة في مطعم ملحق بالجامعة ، حينما رأيت بعض الأمريكان يضعون الملح على البطيخ ، وكنت قد اعتدت على رؤية مثل هذه التقاليع واعتدت كذلك أن أتفكه عليهم في بعض الأحيان ، قلت متجاهلا : أراكم ترشون الملح على البطيخ ؟
قال أحدهم : أجل ! ألا تصنعون ذلك في مصر ؟
قلت : كل ! إنما نرش نحن الفلفل ! ..
قالت واحدة في دهشة واستفسار : أو يكون ذلك مستساغا ؟!
قلت : يمكن أن تجربي !
وجربت .. وذاقت ... ثم قالت في استحسان : كم هو لذيذ ! .. وكذلك فعل الآخرون .
وفي يوم آخر جاء فيه البطيخ ومعظم من يأكلون على المائدة هم هم ، قلت : وبعضنا في مصر يستخدم أحيانا السكر لا الفلفل ! ..
وبدأ أحدهم ففعل وقال : كم هو لذيذ ! وكذلك فعل الآخرون !.
إن ذلك لا يعني أن الأمريكان شعب بلا فضائل ، وإلا لما أمكنه أن يعيش ، ولكنه يعني أن فضائله في فضائل الإنتاج و النظام ، لا فضائل القيادة الإنسانية والاجتماعية ، فضائل الذهن واليد ، لا فضائل الذوق والشعور .

من كتاب ( أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب )


انتهى ..
http://www.flashfp.net/uploader/modules/up-pic/pic/uploads/718d4ecbd6.gif

ليث
27 Aug 2006, 06:18 AM
الفصام النكد :ليس من طبيعة الدين أن ينفصل عن الدنيا وليس من طبيعة المنهج الإلهي أن ينحصر في المشاعر الوجدانية و الشعائر التعبدية و الأخلاقيات التهذيبية ، أو في ركن ضيق من أركان الحياة البشرية .. ركن ما يسمونه ( الأحوال الشخصية ) .
ليس من طبيعة الدين أن يفرد لله سبحانه قطاعا ضيقا في ركن ضئيل – أو سلبي – في الحياة البشرية ، ثم يسلم سائر قطاعات الحياة الإيجابية العملية الواقعية لآلهة أخرى وأرباب متفرقون ، يضعون القواعد و المذاهب والأنظمة و الأوضاع و القوانين والتشكيلات على أهوائهم دون رجوع إلى الله ! .
ليس من طبيعة الدين أن يشرع طريقا للآخرة لا يمر بالحياة الدنيا ! ، طريقا ينتظر الناس في نهايته فردوس الآخرة عن غير طريق العمل في الأرض ، وعمارتها والخلافة فيها عن الله وفق منهجه الذي ارتضاه ! . ليس من طبيعة الدين أن يكون هذا المسخ المشوه الهزيل ! ، ولا هذه الألعوبة المزوقة التي يلهو بها الأطفال ! ولا هذه المراسم التقليدية التي لا علاقة لها بنظم الحياة العملية ! .
ليس من طبيعة الدين – أي دين فضلا عن أن يكون دين الله – أن يكون هذا العبث الممسوخ .. فمن أين إذا جاءته هذه السلبية الهازلة ؟ وكيف إذا وقع ذلك الفصام النكد بين الدين و الحياة ؟
لقد تم ذلك الفصام النكد في ظروف نكده ! كانت له آثاره المدمرة في أوروبا .. ثم في الأرض كلها ، حين طغت التصورات الغربية و الأنظمة الغربية و الأوضاع الغربية على البشرية كلها في مشارق الأرض ومغاربها .. ولم يكن بد – وقد انفصمت حياة المخلوقات عن منهج الخالق – أن تسير في هذا الطريق البائس و أن تنتهي إلى هذه النهاية التعيسة ، وان تحيط بالبشر الدائرة التي يتعذبون الآن في داخلها ، ويذوق بعضهم بأس بعض ، بينما هم عاجزون عن معرفة طريق الخلاص فيها ! .




يعطيك العااااااافيه على الاختيار الموفق

أبو هيا
27 Aug 2006, 07:34 AM
جزاك الله خير..جهد تشكرين عليه وقليل اللي يفرغ نفسه لعمل سامي مثل هذا..

الف شكر

أمواج الشرقية
28 Aug 2006, 03:18 AM
العفو الله يعافيكم .. آمل أن يكون كل من قرأ الموضوع قد استفاد

ابو مشعل
28 Aug 2006, 05:38 AM
رحم الله السيد قطب وجزاك
عنه خير الجزاء