المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفة على الأطلال !



الباحث عن الحق
19 Sep 2006, 12:29 AM
قال لي أستاذ فاضل : لاتكثر الوقوف على الأطلال . نعم .. لن أكثر الوقوف ، لكني لن أنقطع عنه ، مشاغل الدنيا وهمومها شمس حارقة لجلدك مزعجة لأعصابك مؤذية لعينيك ، والوقوف على أطلال الماضي كالظل من الضاحي كما قال العلامة الطنطاوي رحمه الله تعالى ، وإن كنت - على كل حال - جالسا مع نفسك ، منقطعًا إليها ، فالتغلغل في أودية الماضي ، والتجول في أزقته ، خير لك من السباحة في سراب التمنّي ، والتحليق في فضاءات مثاليّة ، لكنها من صنع الخيال ، وتكوين الأوهام .... مجرّد سراب .

دعني أعيش ياأستاذي في الماضي ، لأني تركت فيه مِزَقا مِن روحِي ، وأشلاءًا من قلبي ، وبقايا صُوَر لأحبّة عايشتهم ، فبدأت تلك الصور تمّحي مع كرّ الأعوام ، وخفت عن مسمعي صدى صوتهم ، صدق في أيامهم وفيهم كذلك قول الأول : ( فكأنها وكأنهم أحلام ) مع كل رمضان يجيء ، نفقد أقواما ونستقبل آخرين ، أقواما كنا نظن يوما أنهم سيبقون جزء دائم في حياتنا ، ثمّ بغمضة عين نفقد الواحد تلو الآخر ، منهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر الموت ليرتاح من عيش أرذل العمر ، ألم تلو ألم ، ومصيبة تلو مصيبة ، وفي المقابل نستقبل أقواما جدد في سير حياتنا ، منهم المستجد في هذه الحياة ، ومنهم من صال فيها وجال ، ثم قابلك في احدى تقاطعات الحياة ، ليصحبك في طريق واحد ، هل سيبقى إلى الفراق الذي لامناص منه ، ام سيقطع مفازة حتى يقضي مصلحته ثم يولي وجهته إلى تلك السبل المتفرقة من حولنا ، أم أنه سيموت ؛ ليس موتا ينتقل عبره إلى الحياة السرمديّة ، وإنما يموت ليحل مكانه إنسان آخر ظالم لنفسه أو مقتصد أو سابق بالخيرات .

دخلت يومًا على أهلي فوجدتهم متسمّرين أمام التلفاز ، وأعينهن تفيض من الدّمع ، ومن التلفاز يخرج صوت ليس بغريب علي ، لكني لم أتبين صاحبه ، فاقتربت وحولت بصري إلى التلفاز ، فأصبت برعشة باردة في عظامي ، وغصة ضيقة في حلقي ؛ إذ أرى في التلفاز ستة من أقاربي آخرهم توفي هذا العام 1427هـ ، وهو عمي ( أخو جدي لأمّي ) ، وقبله أخوه عمّي توفي - رحمه الله تعالى - هذا العام كذلك ، وقبله عمّي ( أخو أبي ) توفي - رحمه الله تعالى - عام 1419هـ ، وقبله جدي ( من أمي ) توفي - رحمه الله تعالى - عام 1418هـ ، وقبله (ابنه) خالي توفي - رحمه الله تعالى - عام 1417هـ ، وقبله عمي ( أخو جدي لأبي ) توفي - رحمه الله تعالى - عام 1416هـ ، كلهم أراهم أمامي في كامل صحتهم وعافيتهم .

جلست متسمرًا أمام الشاشة ، أنظر إلى هذه ( الطلعة ) البريّة التي كانت في عام 1414 أو 1415هـ ، كنت لأول مرّة أرى هذا الشريط ، وماكنت أظن يوما أني سأسمع صوت هؤلاء ، أو أراهم يتسامرون ويضحكون أمامي ، خالي يحتضن ولده الصغير ( هو في الثانوية الآن ) ويلاعبه ، عمي ( اخو أبي وهو من أحب الناس إلي توفي بين أيدينا في عام 1419هـ ) قادم من بعيد ومعه سلاحه وهو يضحك ويتكلم عن شيء لم يقدر على فعله ، كأجمل مارأيته من صحة وقوة ، بقيّة ( الشيبان ) متكئين على الفرش ، وقد سيطر عمي ( أخو جدي لأبي ) على المجلس بحديثه الرائع ، جدي من أمي ينظر إلى الكاميرا ويداعب حاملها ( ابن أخيه ) ، الجو غائم رائع ، لاأذكر هذه النزهة أبدا ، ولم أظهر فيها كما كنت أتمنى ، لكن يكفي أني أرى مثل هذه المشاهد ، يالروعتها ويالشدّة تأثيرها ، عهدي بكل واحد من هؤلاء - رحمة الله عليهم - سنة وفاته ، بيني وبين أحدهم احدى عشرة سنة ، ثم عشر سنوات ثم تسع وهكذا ، في كل عام نفجع بواحد وأكثر ، وفي كل رمضان نحصي من فقدنا من الأحباب والخلان .

إننا جميعا حينما نعيش في الماضي ، إنما نتعلق بجنات كانت بين أيدينا ، ومشاعر كنا نحس بها ، وانتعاش كان يملؤ نفوسنا ، وبراءة كانت لباسنا ، فلما تآكلت السنين ، ومرّت الأيام ، فقدنا ماكنا نملك ، ومع أننا بلغنا سِني الشباب ، وهذه أمنية لنا في الصغر ، ومع أننا أغنى الآن بكثير من تلك الأيام ، إلا أن تلك الأيام أقرب إلى قلوبنا وأحب من هذا الحاضر ، لاعلى مستوى الراحة في عيشنا ، ولا على مستوى أمتنا ، كل عام يرذلون ، وكل سنة شر من التي بعدها ، فتن ترقق بعضها ، ومباديء تتساقط من حولنا ، بعضها ضاع منا قسرا ، والكثير منها نحن قد ضيعناها .

ألا ماأجمل الرّاحة في ظلال الماضي .

غفر الله لهؤلاء الأحبة ، وأفسح لهم في قبورهم ، وأراهم مقعدهم من الجنة ، وآنسهم بخير أعمالهم ، ونقاهم من خطاياهم كما ينقى الثوب من الدنس ، اللهم اغسلهم من خطاياهم ، اللهم واجمعنا بهم في الفردوس الأعلى . آمين

وصلى الله على الحبيب وسلم .

همّام
19 Sep 2006, 01:00 AM
أخي الباحث عن الحق

خيّل إلي أني أعيش لحظاتك وأرى مشاهداتك فقد وصفت ما أجبرنا على العيش معك

رحم الله موتاك وموتى المسلمين

سرداب
19 Sep 2006, 10:35 AM
ياالله
ابداع ورب الكعبه
فن , نعم هذا هو الفن

احسنت ياالباحث وأبدعت
اللهم ارحم جميع موتى المسلمين

بيدبا
19 Sep 2006, 01:11 PM
الله يهديك فظخت قلوبنا حنا يا الشيبان


يا وليدي, رثعت بنا

أويحي واحسافة الشيبات عزالله إن مصيرهن هالتراب ، هذا إذا لقيناه بعد !!

بيدبا الفيلسوف

القروي
20 Sep 2006, 07:53 AM
هلا الباحث عن الحق اوصلك اليه ان شاءالله
رحم الله اموات المسلمين
نعم كم كان معنا في نفس هذه الفتره وهو الآن غائب عنا للأبد
اللهم اغفر لأموات المسلمين وتجاوز عن خطاياهم وجازهم بالحسنات احسانا وبالسيئات عفوا منك وغفرانا ياحي ياقيوم
وجزاك الله الخير اخي الباحث .

الزبرقان
20 Sep 2006, 05:18 PM
ابداع أيها الباحث
ولوحة جمالية مبدعة
تحيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــاتي

هنا الدمام
20 Sep 2006, 09:44 PM
الله يغفر لهم ويرحمهم
ويحسن عاقبتهم
ويتجاوز عن سيئاتهم

لن تجد أحد خالياً من مثل هذا

أنا والليل؟
20 Sep 2006, 11:34 PM
شكرا على هذه الوقفة أخي (( الباحث عن الحق ))).

فقد قل من يجيد إختيار الكلمة المناسبة في مكانها المناسب شكرا على عدم التكلُّف في الأسلوب والتراكيب .

ورحم الله أموات المسلمين .

الباحث عن الحق
21 Sep 2006, 11:30 AM
همّام ’ آمين ، أهلا بك أخي الفاضل ، وشكرا على طيب مرورك .

سرداب ’ اهلا بك أخي ، أشكر لك طيب ثنائك ، وشكرا على طيب مرورك .

بيدبا ’ ماشاء الله ، فيلسوفنا شايب ، عسى الله يعينك ، وشكرا على طيب مرورك .

القروي ’ وإيَّاك أخي ، أهلا بك ، وشكرا على طيب مرورك .

الزبرقان ’ أشكرك على طيب ثنائك ، وشكرا على طيب مرورك .

الفأل الحسن ’ نعم ، كل منا لديه مايفقده ، شكرا على طيب مرورك أخي الفاضل .

أنا والليل؟ ’ أهلا بك أخي العزيز ، أشكر لك طيب ثنائك ، وجميل مرورك .