سامر
29 Oct 2006, 12:21 AM
استشراف المستقبل ( السنوات العشر العجاف القادمة ) !!
صدقوني إنني حزين جداً ، ومهموم جداً عندما أفكر في الأيام القادمة ، وماذا تخبئ لنا ، ويرجعني ، بل ويقلل من يأسي " الفأل " ، و " إحسان الظن بالله " ، ومع هذا يظل جاثما على قلبي هم كبير ، لا أدري هل ما أتوقعه هو الذي يثقلني ، أم أن هناك أسباب أخرى ؟
الفترة الزمنية التي نعيش فيها فنرة " استثنائية " بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، دقت ناقوس خطرها ضربات " الحادي عشر من سبتمبر " ، ولا زلنا لم نعش إلى الآن تضاعيف تلك الأحداث ، بل لم تنعكس علينا بشكل كبير ، ولم نرمنها إلا طرف الجزر الشديد ، والذي ستعقبه أحداث جسام في مستقبل الأيام ..!
إن النظر إلى أحداث الواقع بنوع من التبسيط لهو في غاية السذاجة ، بل والمخادعة للنفس وللأمة ، فنحن أمام مفترق طرق كبيرة ، وخاصة إن " المملكة " تشكل مرتكزا لمطامع كبيرة ، ومخططات رهيبة ، وهي جزء من " الشرق أوسط الكبير " الذي يخطط له الغرب ، بل تعدى الأمر التخطيط إلى التنفيذ ، وما " العراق " ومشكلاتها ، وغزو أمريكا لها إلا بداية للأحداث الجسام التي ستشهدها المنطقة في مستقبل الأيام ، وقد صادف هذا المخطط " استخذاء " الامة ، وتقبلها للواقع التي تعيشه ، بل والبطء في " الإصلاح " الذي هو صمام الأمان في وجه العاديات المدلهمات .. والله المستعان !
لقد كنت كتبت في بداية الأحداث مقالا بعنوان " دعم المقامة في العراق .. الانعتاق من الهيمنة الأمريكية " ، وركزت فيه على أهمية الدعم لإفشال مشروع أمريكا في العراق ، لأنني أدرك أن " العراق أولا " هو الانطلاقة الحقيقية للمشروع الغربي الكبير في منطقة الشرق الأوسط ، وأن استقرار الوضع في العراق لصالح أمريكا سيجعل من " العراق " عصا غليظة تضرب بها الامة كلها ، شعوبا وحكومات ، وما صورة " صدام حسين " التي تعرض في الإعلام ، وإطالة أمد المحاكمة وهو خلف " القضبان " إلا صورة ذهنية مرعبة لمن لا يستجيب لأمريكا ، والرسالة مفادها : استجب .. وإلا سيكون هذا مصيرك !
وقد عتب علي بعض الإخوة حين كتبت مقال نقد " الزرقاوي " وطريقة المقاومة في العراق ، وقلت لهم بأني ارى أن فكر " القاعدة " في العراق افسد المشروع النضالي كله ، بل وجعل المقاومة في خانة " الإرهاب والحرب عليه " ، وقد كانت الصورة تختلف جذريا لو توجهت المقاومة إلى المتفق عليه ( الامريكان ) وترك المختلف فيه كله ، لأن حق المقامة قد كفلته قوانين الارض والسماء ، واقرته الأمم المتحدة ، ولم يشكك في مشروعيته أحد ..
لقد كان " برنارد لويس " وهو مهندس المشروع الأمريكي مؤثرا على القرار الامريكي في كل خطواتها ، وهو الذي درس العالم الاسلامي كله ، وعاش طوال السبعين سنة الماضية يجول فيه ، ويرصد تحركاته الثقافية والاجتماعية ، حتى توصل هو والصهاينة الجدد إلى ضرورة التغيير في الشرق الأوسط بالقهر او بالطوع ، ولعل هذا يعزز التحليل القائل بأن " 11 سبتمبر " هي جزء من المشروع الأمريكي الذي هيأ الجو للبداية بهذا المشروع الكبير الخطير ، والذي يرى أن العالم الاسلامي مقبل على انفجار اجتماعي كبير ، سينقله إلى عصر " النهضة " على غرار النهضة الأوروبية ، وأن ترك العالم الاسلامي ينفجر من تلقاء نفسه سيهدد المصالح الغربية التي ترى " الخليج " بوابة النفط الكبيرة التي لا يسع تركها في مثل هذه الاجواء الملتهبة ، وهذا يحتم نقل العالم الاسلامي من مرحلة التخلف والاستبداد ، إلى مرحلة النهضة والديمقراطية من خلال تعجيل حركة التاريخ ، وطي صفحات الوقت حتى ينتقل الناس بالارادة إلى الواقع الجديد ، والذي سيفرض النمط الغربي " الليبرالي الرأسمالي " على المنطقة ، وسوف يرشح " إسرائيل " كدولة نموذجية ويمد ذراعها الثقافي والعسكري والسياسي في المنطقة إضافة إلى العراق والهند وتركيا ..!
إن هذا المخطط في بعده " النظري " ، وبداياته العملية سيجعلنا على " المحك " الشديد ، بل وسينبئ عن مدى تصورنا لطبيعة المرحلة القادمة ، فإن لخبطة الأوضاع في المنطقة يعني مزيدا من الحروب ، والقلائل ، والتفكك الاجتماعي ، والانهيار السياسي ، والرجوع بالمنطقة إلى الوراء عشرات السنوات ، بل وسلب الثروات ، ومحاولة الضرب على وتر التغيير الشمولي بالقوة والقسر ، وهو الأمر الذي يهيأ له الواقع ، من خلال تصعيد الصراع مع المنطقة كلها ، وعودة زمن " الاستعمار " المكشوف ، وإرجاع المنطقة إلى ما قبل الثورة النفطية ، وخاصة حين تتسرب المشروعات الغربية حول تقسيم " العراق " و " السعودية " ، وإعادة صياغة المنطقة من جديد ، وهذا سيكلف الأمة كثيرا ، بل وسيقود إلى صراع لا يعلم خطورته إلا الله .
إننا نعيش بين مشروعين خطيرين ، المشروع " الصهيوأمريكي " ، والمشروع " الصفوي الرافضي " ، وهاذان المشروعان يحتاجان إلى دراسة عميقة لانعكاساتهما المستقبلية علينا ، فالأول يشكل عمقا تاريخيا وسياسيا وصراعا يتبع الصراع الاسلامي النصراني إبان الحروب الصليبيبة ، والثاني يشكل مطامع لتصدير ثورة تحلم بهلال شيعي يحاول اختراق الأمة ، ويحمل مشروعا عقديا ومهدويا واضحا ، وله مطامح مثل مطامح اليهود في المنطقة ، وتخدمه العوامل السياسية الحاضرة ، حين قدمت أمريكا " العراق " على طبق من ذهب للرافضة ، وبدأت الرافضة تستقوي على هذا الوضع ، وتحاول اهتبال كل فرصة سانحة لتحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية والنفسية في المنقطة ..
وإزاء هذه المشروعات الخطيرة والتي يحتاج التفصيل فيها إلى مؤلفات ومؤتمرات وندوات ونقاشات جادة نحتاج إلى محاولة تحديد بعض النقاط لمواجهة الواقع الجديد باختصار :
أولا : الدراسات العميقة الجادة الأهلية والرسمية للواقع واستشراف المستقبل ، من خلال مراكز دراسات ترسم لها خططا ودعوما كبيرة لوضع الحلول الناجزة التي تقلل الأخطار ، وتصوغ الرؤية للمرحلة القادمة .
الثاني : التعجيل بالاصلاح الشمولي في كل الجوانب ، وخاصة فيما يتعلق بالقضاء ، وتقلل المشكلات الداخلية ، حيث إن التماسك الداخلي مهم في مراحل الأمن ، فما بالك بمراحل الضروررات والمخططات الكبيرة ، وصرف ثروات الأمة لمواجهة المشروع الخطير في المنطقة !
الثالث : إعادة الاعتبار للمثقفين وأهل العقول والرأي ليسهموا في استشراف الحلول ، واعطاؤهم مزيدا من الحرية لكتابة جوانب الخلل في الداخل والخارج ، مع الشفافية والمكاشفة في الأخطاء لأن الواقع لايصلح إلا بالصدق في الاصلاح والرغبة فيه ، والقناعة بامكانيته ..
رابعا : جعل " الوحدة " والتلاحم بين الحاكم والمحكوم ثقافة عامة في مقابل المطامع القادمة ، ومحاولة ترسيخ ثقافة الحوار وآدابه ، فان حالة الشحناء والبغضاء تضيع فيها الأفكار الناضجة ، والرؤية الصائبة ، وتلهي الناس عن مناقشة الافكار المضوعية بعيدا عن الخصومات الذاتية ، والمكاسب الخاصة .
خامسا : ضرورة اجتماع العلماء لمناقشة مسائل الواقع ، ووضعهم بالصورة ، ومناقشة طبيعة الخطاب الشرعي والدعوي بما يتوافق مع المستجدات المعاصرة ، من خلال لجان تشكل لهذا الغرض ، لتفعيل دور العالم في الواقع ، فان البلد يقوم على عمق ديني ، والعالم له حضوره الكبيرة في هذا الصدد ..!
سادسا : تفعيل دور الإعلام وإنشاء وسائل المتنوعة بما يحقق الحفاظ على " الهوية " للأمة ، فان الاختراق للأمة لا يأتي إلا من خلال إذابة " هويتها " التي يشكلها( التاريخ ، واللغة ، والدين ) ، والوقوف أمام كل من يريد خلخلة هذه القضايا وتشويهها ، فإن تشويه أي من هذه القضايا يعني ضرب " هوية " الأمة بالصميم ، ويعني هذا اختراقها من داخلها ، وتقبلها للاستعمار ، بل وتوطئة الجو للمستعمر ( قابلية الاستعمار ) !
سابعا : دراسة الامتدادات الداخلية والخارجية للمستعمر ، فكريا وثقافيا وسياسيا ، وتحصين الجيل من الافكار التي تعتبر امتدادا وترويجا للمشروع الأمريكي ، ومناقشتها بعمق ، بعيدا عن التوهيمات ، والبذاءات ، والتظالم ، وتفنيد اسسها الفكرية والمعرفية من خلال مراكز بحثية جادة ، تأخذ بعين اعتبارها فرز الافكار ، والنظر في الصالح والطالح منها ، وقيام مبدأ " العدل " في التعامل مع الخصوم !
ثامنا : التشجيع على " النقد " ، فان النقد سبيل الاصلاح ، وهو " النصحية " التي هي جزء من الشريعة ، ولا اقصد بالنقد " بيان المثالب " فقط ، بل النقد الذي يقوم على ميزان العدل ، وبيان الصواب والخطأ ، باسلوب المشفق المصلح ، فان نقد الذات وليس ( جلدها ) سبيل إلى تحقيق التحصين ، والاسراع في الاصلاح المنشود ، من دون حصانة لأحد ، إذ لا أحد فوق النقد إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..!
تاسعا : تفعيل حركة " الترجمة " للمنتج الغربي ، ورصد الحراك الفكري والثقافي الغربي ، فان حركة " الترجمة " تتسق دائما مع الرقي الحضاري للأمة ، وتضعف مع الضعف الحضاري للأمة ، فالترجمة بوابة كبيرة لمعرفة العدو و ( استبانة سبيل المجرمين ) ، وهي لا شك تحتاج لانفاق كبير ، وهم يحمله فئام من ابناء المسلمين صيانة للأمة ونصيحة لها .
عاشرا : تفعيل دور المشروعات الوقفية والخيرية بما يتوافق مع طبيعة المرحلة ، وجعل الدراسات والابحاث النافعة وحركة الترجمة ، وترسيخ جوانب الاصلاح ، و " إصلاح التفكير " جزء لا يتجزأ من العمل الخيري ، بدلا من قصر مشروعات الخير على صورا محددة لا تطور ولا تبدل !
حادي عشر : تكثيف الخطاب الدعوي لزرع الوئام الاجتماعي ، ونزع فتيل " القبلية " بصورتها الجاهلية ، وتحقيق الإخوة نظريا وعمليا ، ومحاربة أي دعوة إلى الدعاوى الجاهلية داخل المجتمع المسلم ..فان التحزبات ايا كان نوعها هي مدخل شيطاني كبير إلى التشرذم في زمن الملمات ، وتأزيم أي مشكلة ( العراق نموذجا ) !
ثاني عشر : محاربة " الغلو " في كل انواعه العلمية والعملية ، واشاعة روح الوسطية الموافقة للكتاب والسنة ، وحسم المسائل العالقة فقهيا وفكريا ، ودراسة اسباب الجنوح الفكري والتفكك الاجتماعي وصولا إلى حالة الاستقرار الذي يهيئ لمواجهة الخطوب القادمة .
هذه توطئة للموضوع ، ولعل الاخوة يسهمون في مناقشة افكاره ، تصويبا وتأييدا ومعارضة .. فاننا في سفينة واحدة ، وهمنا واحد ، فلا تبخلوا علينا في اثراء الموضوع .. ومناقشته .. والله الموفق !
***منقول من الساحات (( دكتور استفهام))
صدقوني إنني حزين جداً ، ومهموم جداً عندما أفكر في الأيام القادمة ، وماذا تخبئ لنا ، ويرجعني ، بل ويقلل من يأسي " الفأل " ، و " إحسان الظن بالله " ، ومع هذا يظل جاثما على قلبي هم كبير ، لا أدري هل ما أتوقعه هو الذي يثقلني ، أم أن هناك أسباب أخرى ؟
الفترة الزمنية التي نعيش فيها فنرة " استثنائية " بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، دقت ناقوس خطرها ضربات " الحادي عشر من سبتمبر " ، ولا زلنا لم نعش إلى الآن تضاعيف تلك الأحداث ، بل لم تنعكس علينا بشكل كبير ، ولم نرمنها إلا طرف الجزر الشديد ، والذي ستعقبه أحداث جسام في مستقبل الأيام ..!
إن النظر إلى أحداث الواقع بنوع من التبسيط لهو في غاية السذاجة ، بل والمخادعة للنفس وللأمة ، فنحن أمام مفترق طرق كبيرة ، وخاصة إن " المملكة " تشكل مرتكزا لمطامع كبيرة ، ومخططات رهيبة ، وهي جزء من " الشرق أوسط الكبير " الذي يخطط له الغرب ، بل تعدى الأمر التخطيط إلى التنفيذ ، وما " العراق " ومشكلاتها ، وغزو أمريكا لها إلا بداية للأحداث الجسام التي ستشهدها المنطقة في مستقبل الأيام ، وقد صادف هذا المخطط " استخذاء " الامة ، وتقبلها للواقع التي تعيشه ، بل والبطء في " الإصلاح " الذي هو صمام الأمان في وجه العاديات المدلهمات .. والله المستعان !
لقد كنت كتبت في بداية الأحداث مقالا بعنوان " دعم المقامة في العراق .. الانعتاق من الهيمنة الأمريكية " ، وركزت فيه على أهمية الدعم لإفشال مشروع أمريكا في العراق ، لأنني أدرك أن " العراق أولا " هو الانطلاقة الحقيقية للمشروع الغربي الكبير في منطقة الشرق الأوسط ، وأن استقرار الوضع في العراق لصالح أمريكا سيجعل من " العراق " عصا غليظة تضرب بها الامة كلها ، شعوبا وحكومات ، وما صورة " صدام حسين " التي تعرض في الإعلام ، وإطالة أمد المحاكمة وهو خلف " القضبان " إلا صورة ذهنية مرعبة لمن لا يستجيب لأمريكا ، والرسالة مفادها : استجب .. وإلا سيكون هذا مصيرك !
وقد عتب علي بعض الإخوة حين كتبت مقال نقد " الزرقاوي " وطريقة المقاومة في العراق ، وقلت لهم بأني ارى أن فكر " القاعدة " في العراق افسد المشروع النضالي كله ، بل وجعل المقاومة في خانة " الإرهاب والحرب عليه " ، وقد كانت الصورة تختلف جذريا لو توجهت المقاومة إلى المتفق عليه ( الامريكان ) وترك المختلف فيه كله ، لأن حق المقامة قد كفلته قوانين الارض والسماء ، واقرته الأمم المتحدة ، ولم يشكك في مشروعيته أحد ..
لقد كان " برنارد لويس " وهو مهندس المشروع الأمريكي مؤثرا على القرار الامريكي في كل خطواتها ، وهو الذي درس العالم الاسلامي كله ، وعاش طوال السبعين سنة الماضية يجول فيه ، ويرصد تحركاته الثقافية والاجتماعية ، حتى توصل هو والصهاينة الجدد إلى ضرورة التغيير في الشرق الأوسط بالقهر او بالطوع ، ولعل هذا يعزز التحليل القائل بأن " 11 سبتمبر " هي جزء من المشروع الأمريكي الذي هيأ الجو للبداية بهذا المشروع الكبير الخطير ، والذي يرى أن العالم الاسلامي مقبل على انفجار اجتماعي كبير ، سينقله إلى عصر " النهضة " على غرار النهضة الأوروبية ، وأن ترك العالم الاسلامي ينفجر من تلقاء نفسه سيهدد المصالح الغربية التي ترى " الخليج " بوابة النفط الكبيرة التي لا يسع تركها في مثل هذه الاجواء الملتهبة ، وهذا يحتم نقل العالم الاسلامي من مرحلة التخلف والاستبداد ، إلى مرحلة النهضة والديمقراطية من خلال تعجيل حركة التاريخ ، وطي صفحات الوقت حتى ينتقل الناس بالارادة إلى الواقع الجديد ، والذي سيفرض النمط الغربي " الليبرالي الرأسمالي " على المنطقة ، وسوف يرشح " إسرائيل " كدولة نموذجية ويمد ذراعها الثقافي والعسكري والسياسي في المنطقة إضافة إلى العراق والهند وتركيا ..!
إن هذا المخطط في بعده " النظري " ، وبداياته العملية سيجعلنا على " المحك " الشديد ، بل وسينبئ عن مدى تصورنا لطبيعة المرحلة القادمة ، فإن لخبطة الأوضاع في المنطقة يعني مزيدا من الحروب ، والقلائل ، والتفكك الاجتماعي ، والانهيار السياسي ، والرجوع بالمنطقة إلى الوراء عشرات السنوات ، بل وسلب الثروات ، ومحاولة الضرب على وتر التغيير الشمولي بالقوة والقسر ، وهو الأمر الذي يهيأ له الواقع ، من خلال تصعيد الصراع مع المنطقة كلها ، وعودة زمن " الاستعمار " المكشوف ، وإرجاع المنطقة إلى ما قبل الثورة النفطية ، وخاصة حين تتسرب المشروعات الغربية حول تقسيم " العراق " و " السعودية " ، وإعادة صياغة المنطقة من جديد ، وهذا سيكلف الأمة كثيرا ، بل وسيقود إلى صراع لا يعلم خطورته إلا الله .
إننا نعيش بين مشروعين خطيرين ، المشروع " الصهيوأمريكي " ، والمشروع " الصفوي الرافضي " ، وهاذان المشروعان يحتاجان إلى دراسة عميقة لانعكاساتهما المستقبلية علينا ، فالأول يشكل عمقا تاريخيا وسياسيا وصراعا يتبع الصراع الاسلامي النصراني إبان الحروب الصليبيبة ، والثاني يشكل مطامع لتصدير ثورة تحلم بهلال شيعي يحاول اختراق الأمة ، ويحمل مشروعا عقديا ومهدويا واضحا ، وله مطامح مثل مطامح اليهود في المنطقة ، وتخدمه العوامل السياسية الحاضرة ، حين قدمت أمريكا " العراق " على طبق من ذهب للرافضة ، وبدأت الرافضة تستقوي على هذا الوضع ، وتحاول اهتبال كل فرصة سانحة لتحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية والنفسية في المنقطة ..
وإزاء هذه المشروعات الخطيرة والتي يحتاج التفصيل فيها إلى مؤلفات ومؤتمرات وندوات ونقاشات جادة نحتاج إلى محاولة تحديد بعض النقاط لمواجهة الواقع الجديد باختصار :
أولا : الدراسات العميقة الجادة الأهلية والرسمية للواقع واستشراف المستقبل ، من خلال مراكز دراسات ترسم لها خططا ودعوما كبيرة لوضع الحلول الناجزة التي تقلل الأخطار ، وتصوغ الرؤية للمرحلة القادمة .
الثاني : التعجيل بالاصلاح الشمولي في كل الجوانب ، وخاصة فيما يتعلق بالقضاء ، وتقلل المشكلات الداخلية ، حيث إن التماسك الداخلي مهم في مراحل الأمن ، فما بالك بمراحل الضروررات والمخططات الكبيرة ، وصرف ثروات الأمة لمواجهة المشروع الخطير في المنطقة !
الثالث : إعادة الاعتبار للمثقفين وأهل العقول والرأي ليسهموا في استشراف الحلول ، واعطاؤهم مزيدا من الحرية لكتابة جوانب الخلل في الداخل والخارج ، مع الشفافية والمكاشفة في الأخطاء لأن الواقع لايصلح إلا بالصدق في الاصلاح والرغبة فيه ، والقناعة بامكانيته ..
رابعا : جعل " الوحدة " والتلاحم بين الحاكم والمحكوم ثقافة عامة في مقابل المطامع القادمة ، ومحاولة ترسيخ ثقافة الحوار وآدابه ، فان حالة الشحناء والبغضاء تضيع فيها الأفكار الناضجة ، والرؤية الصائبة ، وتلهي الناس عن مناقشة الافكار المضوعية بعيدا عن الخصومات الذاتية ، والمكاسب الخاصة .
خامسا : ضرورة اجتماع العلماء لمناقشة مسائل الواقع ، ووضعهم بالصورة ، ومناقشة طبيعة الخطاب الشرعي والدعوي بما يتوافق مع المستجدات المعاصرة ، من خلال لجان تشكل لهذا الغرض ، لتفعيل دور العالم في الواقع ، فان البلد يقوم على عمق ديني ، والعالم له حضوره الكبيرة في هذا الصدد ..!
سادسا : تفعيل دور الإعلام وإنشاء وسائل المتنوعة بما يحقق الحفاظ على " الهوية " للأمة ، فان الاختراق للأمة لا يأتي إلا من خلال إذابة " هويتها " التي يشكلها( التاريخ ، واللغة ، والدين ) ، والوقوف أمام كل من يريد خلخلة هذه القضايا وتشويهها ، فإن تشويه أي من هذه القضايا يعني ضرب " هوية " الأمة بالصميم ، ويعني هذا اختراقها من داخلها ، وتقبلها للاستعمار ، بل وتوطئة الجو للمستعمر ( قابلية الاستعمار ) !
سابعا : دراسة الامتدادات الداخلية والخارجية للمستعمر ، فكريا وثقافيا وسياسيا ، وتحصين الجيل من الافكار التي تعتبر امتدادا وترويجا للمشروع الأمريكي ، ومناقشتها بعمق ، بعيدا عن التوهيمات ، والبذاءات ، والتظالم ، وتفنيد اسسها الفكرية والمعرفية من خلال مراكز بحثية جادة ، تأخذ بعين اعتبارها فرز الافكار ، والنظر في الصالح والطالح منها ، وقيام مبدأ " العدل " في التعامل مع الخصوم !
ثامنا : التشجيع على " النقد " ، فان النقد سبيل الاصلاح ، وهو " النصحية " التي هي جزء من الشريعة ، ولا اقصد بالنقد " بيان المثالب " فقط ، بل النقد الذي يقوم على ميزان العدل ، وبيان الصواب والخطأ ، باسلوب المشفق المصلح ، فان نقد الذات وليس ( جلدها ) سبيل إلى تحقيق التحصين ، والاسراع في الاصلاح المنشود ، من دون حصانة لأحد ، إذ لا أحد فوق النقد إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..!
تاسعا : تفعيل حركة " الترجمة " للمنتج الغربي ، ورصد الحراك الفكري والثقافي الغربي ، فان حركة " الترجمة " تتسق دائما مع الرقي الحضاري للأمة ، وتضعف مع الضعف الحضاري للأمة ، فالترجمة بوابة كبيرة لمعرفة العدو و ( استبانة سبيل المجرمين ) ، وهي لا شك تحتاج لانفاق كبير ، وهم يحمله فئام من ابناء المسلمين صيانة للأمة ونصيحة لها .
عاشرا : تفعيل دور المشروعات الوقفية والخيرية بما يتوافق مع طبيعة المرحلة ، وجعل الدراسات والابحاث النافعة وحركة الترجمة ، وترسيخ جوانب الاصلاح ، و " إصلاح التفكير " جزء لا يتجزأ من العمل الخيري ، بدلا من قصر مشروعات الخير على صورا محددة لا تطور ولا تبدل !
حادي عشر : تكثيف الخطاب الدعوي لزرع الوئام الاجتماعي ، ونزع فتيل " القبلية " بصورتها الجاهلية ، وتحقيق الإخوة نظريا وعمليا ، ومحاربة أي دعوة إلى الدعاوى الجاهلية داخل المجتمع المسلم ..فان التحزبات ايا كان نوعها هي مدخل شيطاني كبير إلى التشرذم في زمن الملمات ، وتأزيم أي مشكلة ( العراق نموذجا ) !
ثاني عشر : محاربة " الغلو " في كل انواعه العلمية والعملية ، واشاعة روح الوسطية الموافقة للكتاب والسنة ، وحسم المسائل العالقة فقهيا وفكريا ، ودراسة اسباب الجنوح الفكري والتفكك الاجتماعي وصولا إلى حالة الاستقرار الذي يهيئ لمواجهة الخطوب القادمة .
هذه توطئة للموضوع ، ولعل الاخوة يسهمون في مناقشة افكاره ، تصويبا وتأييدا ومعارضة .. فاننا في سفينة واحدة ، وهمنا واحد ، فلا تبخلوا علينا في اثراء الموضوع .. ومناقشته .. والله الموفق !
***منقول من الساحات (( دكتور استفهام))