المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكاية من عبق الماضي "الرفحاوي"



بديع الزمان
05 Nov 2006, 01:52 AM
هذه القصة -المتسلسلة بحلقات - , إهداء لكل شخص,

مشى على تراب رفحاء الحبيبة , وتنفس هواءها , و عاش تحت سماءها ,

مع الشكر الجزيل لكاتب القصة د/ إبداع ابن بديع الزمان..

......................


حكاية من عبق الماضي "الرفحاوي"


-الحلقة الأولى-



في لحظة من لحظات الصمت الهادئ والسكون العميق, أمسكتُ بألبوم الصور المحفوظ داخل درج المكتب-بمفتاح- والذي اعتبره من أثمن ما أملك ,

لأطيع روحي العطشى إلى ما يروي ظمأها من سلسبيل الحياة الذي جَعَلَ عجلة الذكريات في ذهني تدور إلى الوراء بسرعة لا توصف ,لتصل بي

إلى ذلك الزمان (الثمانيني الهجري) في تلك المدينة الصغيرة الواقعة على حدود المملكة مع العراق,

عندما كان اسم (رفحاء) يقترن بمعاني عدة, مازال صداها يتردد في أفئدة أناس عاشوا ومازالوا يعيشون فيها ,

ليوقظ بداخله الحنين إلى تلك الحقبة المميزة من تاريخ مدينتهم الصغيرة,

كانت عيني تنتقل بسرعة من صورة لأخرى , وكأنها تبحث عن شيء ما , عن صورة تحمل عمقاً أكبر بكثير مما تحمله باقي الصور,

وهنا بين الصور, وجَدَتْ عيني ضالتها, فطرب الفؤاد فرحاً, وابتسمت النفسُ سروراً,

هاهي صورته تقبع هنا في هذا المكان والتي- مازالت- تجعلني أُخفق في إخفاء ضحكتي المنطلقة من الأعماق في كل مرة أفتح ألبوم الصور لأطُرب الفؤاد بذكريات

الماضي الجميل التي كان فيها (مساعد) صاحب هذه الصورة ,

بطلاً لكل فصل من فصول حياتنا الزاخرة بالإثارة التي كانت تصنعها لنا روح (مساعد) في قوالب السذاجة الممزوجة بالفكاهة أحياناً,

وبالحزن والألم أحايين أخرى .

ما أسرع الأيام تمضي حتى تنطوي السنة بعد الأخرى, وكأنني ما بعدتُ عن ذلك الزمن طويلاً,

ليس هناك ما أحن إليه بلهفة شديدة أكثر من لهفتي الآن لرؤية ( مساعد) بعد هذا الزمن الطويل,

ما هو حاله وكيف أصبح؟ بعد أن طبع على أرض رفحاء ذكرى حكايته الثرية بعمقها, الفريدة من نوعها.


كم شدتني صورتك يا( مساعد) , وكم سحبتني معها وتغلغلت بي ,حتى استلّتْ المزيد والمزيد من زمان الطفولة والصبا ,

حتى بتُ أعيش لحظاتها بأدق تفاصيلها ,


فما أجمل خيوط الشمس تتلألأ في الأفق في صباحٍ مشرق, فتلامس أسطح بيوتنا القليلة المنثورة في مدينتنا الهادئة.

كانت بيوتاً طينية تقطعها شوارع مرصوفة وغير مسفلتة, بيوتاً متجاورة متناسقة ,وكأنها قد خُططت هندسياً بالمسطرة,

قريبة من بعضها البعض تماماً مثل قلوب ساكنيها, الذين اشتهروا وبلا أدنى شك, بكل الصفات الأصيلة ,


بأنفس محبة للخير, وأرواح بسيطة جميلة خالية من التعقيدات المزعجة التي انتشرت بقوة الآن في عصرنا الحاضر,

تحت تأثير من تصريفات الحياة المتطورة,

التي فرضت على بعض العقول أن تنسلخ انسلاخاً من جمال ماضيها العريق, إلى مرض (التمدن) القاتل.


كان في وسط المدينة جامع واحد كبير (جامع المطوع) في وسط البلد, وسوق شعبي نسميه (سوق العراقيين) نسبة إلى الباعة أصحاب البضائع,


وفي شمال المنطقة, خلف البيوت الطينية, تناثرت بيوت الشَعَر, وسط الصحراء الشمالية على الحدود.



لم تكن بيوتنا الطينية هي البيوت الوحيدة فإلى الغرب منها, كانت بيوت شركة (التابلاين) داخل السور المخصص للشركة,

حيث أنه لا يمكننا العبور إليها إلا عن طريق (الدِروازة),

وهناك يتغير المكان, وكأننا قد أصبحنا في منطقة أخرى,

كانت ستة بيوت مصففة, ثلاثة في جهة وثلاثة في الجهة المقابلة, بينهم شارع مسفلت, وقد كان الشارع الوحيد المسفلت ,

وشوارع قد خُططت بين هذه البيوت ذات الطابع الأمريكي المعروف,

كانت بيوتاً لكلٍ من رئيس المحطة ونائبه وممثل العلاقات للشركة ومدير المستشفى وبيتين للضيافة,

وهناك , إلى الجهة الجنوبية الشرقية من هذه البيوت كانت محطة (مكائن) ضخ البترول التي اعتدنا الاستيقاظ في الصباح الباكر على صوتها المدوي

وصوت "الصْيْت" المزعج.

وعلى بعد أمتارٍ من المكائن إلى الشمال قليلاً,كان النادي, ملعب (الغولف) , المطعم, السينما و مستشفى التابلاين الذي كان سكان رفحاء

يطلقون عليه اسم (الهوسبيتال) كما يُنطق تماماً باللغة الإنجليزية.



لم يكن في نفوسنا شغف لمعرفة العالم خارج مدينتنا الصغيرة, لأننا كنا نشعر بأن العالم بأكمله اجتمع ليتمثل بهوية (التابلاين),

والأكثر من ذلك أننا كنا نعيش بطريقة مختلفة تماماً عما نحن عليه الآن وكأننا لم نكن نحن ذلكم الأشخاص.

كنا نرى في آبائنا مثابرة ونشاط وجدية , ما حظينا بمثلها الآن, كان النظام أساساً لكل شيء في العمل وخارج العمل,


هكذا عشنا حياتنا التي كنا نصفها بالبساطة, والتي فهمنا بعد أن وصلنا إلى عميق ذكرياتها, أنها أدارتنا معها في تياراتٍ من أحداثٍ كانت غاية في الصعوبة والتعقيد.



بقيتُ حوالي النصف ساعة أسبح في أفق الماضي, حتى تنبهتُ لصوت خطوات سريعة تمشي من ورائي, كانت خطوات ابني ذو الأربعة عشر عاماً, يقترب ليشاهد

معي الصور,وبسرعة وبدون انتظار سألني:

-أين صورة(مساعد) يا أبي؟

- وهل تعرف (مساعد)؟

- سمعتك مرة تقول لي أنك تبحثُ عن صورة (مساعد) حتى تُريني صورة الشخص (المقرود في زمانه) , لكنك استلمت اتصال هاتفي , فانشغلتَ قليلاً.

والآن أنا متحمس لأن أرى صورته وأعرف قصته..

-إذن اسمع القصة..




-يتبع-

....................
ملحوظة:

"الحقوق الأدبية لهذه القصة محفوظة مسبقاً,

لكنها تُعرض حالياً في منتديات رفحاء حصرياً"

-بإنتظار ردودكم التي سنستفيد منها حتماً بإذن الله وبانتظار تفاعلكم مع القصة-

أخوكم / بديع الزمان

الزعيم
05 Nov 2006, 02:12 AM
يشرفني أن أكون أول من يرد عليك

تصدق يابديع الزمان أنني مساء البارحة شاهدت صورة قديمة لموظفي التابلاين ... وتذكرت مواضيعك الرائعة .... فسبحان الله أدخل المنتدى وأجد بديع الزمان أمامي وقد بدأ الحكاية ... (( حكاية الماضي الرفحاوي ))


مع الشكر الجزيل لكاتب القصة د/ إبداع ابن بديع الزمان..

شمال111
05 Nov 2006, 07:42 AM
من المتابعين لكتاباتك


لمعرفتي بك وبإبداعك خاصة لما مضى

رفحاوي
05 Nov 2006, 09:10 AM
هلا وغلا بجميل المحيى

منور المنتدى واهله

مشكور على العودة الحلوة الدافئة

ابي اسالك عدة اسالة

كم تتوقع عمر اقدم بيت طين برفحاء ؟!!

رفيقك مساعد والا ابنه ؟!!

أخبار رفحاء
06 Nov 2006, 12:54 PM
منور المنتدى ومرحبا بعودتك


ننتظر بشوق بقية قصة مساعد وذكريات رفحاء الغالية

تحية لشخصكم الكريم ولابنكم الكريم

بديع الزمان
08 Dec 2006, 11:59 PM
الأحبة:

الزعيم

شمال111

رفحاوي

أخبار رفحاء

أشكر لكم المرور الكريم والمُسعد ,

أعتذر عن التأخير في إضافة بقية الحلقات,

سأضيف الحلقة الثانية والثالثة أيضاً

متابعين؟؟

رفحاوي
09 Dec 2006, 12:04 AM
حياك الله يا عمدة ...

متابعين ....

البندق
09 Dec 2006, 12:08 AM
مرحبا بك يا بديع الحاظر

بديع الزمان
09 Dec 2006, 12:25 AM
رفحاوي

البندق

حياكم الله

باسم الله نبدأ .

بديع الزمان
09 Dec 2006, 12:36 AM
حكاية من عبق الماضي "الرفحاوي"


-الحلقة الثانية-


لم يكن مساعد طفل يختلف كثيراً عن بقية الأطفال لا بسلوكه العام ولا في شكله,فهو كغيره ,

حنطي البشرة, نحيل الجسم,

يرتدي الثوب القديم (القصير)الذي قد يصل إلى ما دون الركبتين !!

كان هادئاً, مسالماً, محباً للجميع, مجتهداً و محافظاً على الصلاة ..

قد تربى مصاحباً لوالده في كل مكان يذهب إليه ,في المسجد, في العمل,

في نادي التابلاين (الريكييشن) , في الزيارات وغيره.

كان يحب أن يصاحب والده إلى (الريكييشن)كأكثر مكان يستمتع به, ويمضي فيه وقتاً طويلاً,

وأحياناً يظل مع والده حتى التاسعة مساءً,

وعندما يأتي إلى المدرسة في الصباح, فإنه يتباطأ في مشيته ويتثاءب كثيراً,

حتى أنني أذكر له حواراً مع المراقب (صاحب العصا الطويلة) عندما مر بجانبه وشاهده يتثاءب فصاح بغضب شديد:

- مســاعد !!! نايم ؟؟ صحصح ولا شفت هذي العصا ترتفع فوق وتهف على إيدك علشان تصحى مضبوط ..

- بس أنا صاحي..

- وليه تتثاوب وعيونك حمرا؟؟؟ شي طبيعي إنك تجي للمدرسه نايم , وإنت طول يومك قاعد في الريكييشن إلى آخر الليل..

- أنا أحب أروح للنادي, هناك أتعلم إنجليزي, وأنا أكثر واحد يعرف إنجليزي في المدرسة,
حتى أكثر من أستاد (ويليام) مدرس الإنجليزي في المدرسة المتوسطة..

- طيب اسكت اسكت, ولو تجيني شكوى من أي مدرس يقولي إنك مقصر في دروسك عقابك عسير,
ولي كلام ثاني مع أبوك..

- بس أنا ماني بقصر بدروسي اسأل المدرسين عني..

- نشوف..


كان مساعد كسولاً في طابور الصباح فقط , أما في الفصل فهو مجتهد مشارك,

وإذا سأله المُدرس فإنه يجيب بنباهة ويحصل على درجات ممتازة,

له صديقُ مقربُ اسمه (علي), تجدهما لا يفترقان داخل المدرسة إلا نادراً,

وخارج المدرسة يحاول كلاً منهما أن يبقى مدة طويلة قدر الإمكان مع صاحبه..

كنت استغرب كثيراً كيف ينسجم الاثنان مع بعضهما, ف(علي) يختلف تماماً عن مساعد,

و (علي) طفل مشاكس, كثير الضحك , لا تكاد تنطق بحرف حتى تتأجج عيناه بريقاً, وذهولاً واستعداداً لإطلاق قهقهات متواصلة,

كتعبير عن تأييده لكَ أحياناً, وأحياناً أخرى كتعبير عن سخريته مما تقول.

في أحد الأيام وأنا في طريقي إلى المدرسة في الصباح, رأيت مساعد يمشي أمامي في طريقه إلى المدرسة ,


فرأيته يُزيل أي حجارة تُصادفه في الطريق, ويضعها جانباً, استغربت لذلك كثيراً,


و أشغل فكري بما صَنع حتى اقتربت منه وسألته عن ذلك فأجابني:

" قال لي أستاذنا (أبو ليث) أن الله يكتب لي حسنات كثيرة إذا سويت كذا,
وأنا أحب الإستاد (أبو ليث) لأنه رجل طيب ومسكين وأنا أساعده علشان ما يتعب وهو يشيل الحصى"

وهنا سمعنا صوت جرس طابور الصباح فأسرعنا في المشي نحو بوابة المدرسة,

وأثناء قيامنا بتمارين الصباح , شاهدتُ (علي) يدخل متأخراً إلى الساحة ويركض بسرعة نحو الصف الأخير في الطابور,

نظرتُ خلفي أبحث عن المراقب, لكنني لم ألمحه, كنتُ أظن أن(علي) سينال جزاء تأخره عن الطابور,

لكن لحسن الحظ لم يكن المراقب موجوداً ,

وبعد دقائق قليلة رأيت المراقب يخرج من الإدارة ويبدأ جولته في الطابور ويهز عصاه الطويلة,

وبعد أن بدأنا بالسير متوجهين إلى فصول الدراسة قلت ل(علي):

-احمد ربك, ماشافك المراقب..

- بس أنا ما تأخرت كثير!!

- طيب ليش جيت تركض وتلهث؟؟

-- كنت أجمع الحصى الكبيرة, وأحطها على الطريق, وجمعت حصى كثييرة وحطيتها قدام باب المدرسة,

- ليش؟؟

-- بس كذا, أبغى الإستاد( أبو ليث) يتأخر عن الحصة ومايجينا بدري,
بس لا تقول لمساعد وتفتن علي..


-يتبع-

بديع الزمان
09 Dec 2006, 12:45 AM
حكاية من عبق الماضي "الرفحاوي"

-الحلقة الثالثة-

في صباح أحد الأيام في المدرسة تقدم نحوي (علي) يمد يده :

- " أنت صديقنا , لازم تمشي معانا."

فجاء ردي لا يخلو من براءتنا الجميلة والمعهودة:

- " طيب نروح مع مساعد لل(دروازة) ,وندخل داخل, أبغى أتفرج على السينما."

. . . . .

هكذا كنا أصحاباً ثلاثة (أنا ومساعد وعلي) ,


لم نكن نشعر بسرعة الوقت وعجلة الزمان تمضي بنا,

لكن ما كنا نشعر به حقاً هو أننا استمتعنا بكل لحظة من لحظات الطفولة العذبة,


من اللعب في الطرقات, بقرب البيوت إلى التسلل من الشبك للوصول إلى

نادي التابلاين حيث المرح , والبهجة و(السينما), إلى الأيام لتي كنا نقف فيها على أطراف الشارع

المُمهد (الوحيد) ننتظر سيارة (البيدر) لنتعلق بعجلاتها الكبيرة وكأننا في أكبر مدنٍ للألعاب.

وصلنا للمرحلة المتوسطة التي فيها,قويت صداقتنا نحن الثلاثة,

كبرنا, وزادت (شقاوتنا) , أما مساعد فكان يختلف عنا بشيء واحد فقط, أنه كان طموحاً جداً,

كان مساعد متقناً للغة الإنجليزية ومتفوقاُ فيها , اشتغل مترجماً قديراً لمن لايعرف الإنجليزية.

كما أنه أصبح يلبس( بدله) بدلاً من الثوب داخل المدرسة وخارجها,

كان طموحه منذ أن وصلنا للمتوسطة أن يقود سيارة, وفعلاً سلّمه والده سيارة (فورد) موديل (66)

هكذا كانت هيئة مساعد الخارجية (بذلة)ولغة أجنبية,

لكنه ظل محافظاً على الصلاة, ومتميزاً بكرم أخلاقه وحبه للمساعدة..

وطبعاً مساعدته تتضمن أيضاً, أن يوصل بسيارته المدرسين والأصدقاء بكل سرور!!

كنا ندعو مساعد ب(المقرود) لأنه عندما ينوي فعل شيء بنية المساعدة , فإن الموضوع ينقلب على

رأسه, ليتحول إلى مشكلة عويصة, فيصبح مساعد هو الأجدر بأن يُساعد.



صداقتنا امتدت بجذور أعمق إلى المرحلة الثانوية,

وفي المرحلة الثانوية, بدأت تنكشف لنا أمور أخرى في حياتنا,تجعلنا نطيل التفكير فيها,

لتصبح كالمعادلات الرياضية سهلة الحل أحياناً ومعقدة الحل أحايين أخرى,

ونحن-بالبراءة والسذاجة- نُفسر الأمور كما نُحب,

فأصبح يشغلنا أن نقود السيارة,

أن نسافر خارج مدينتنا,

أن نجوب أعماق البراري , لنكتشف الحياة الصحراوية وكل ما اختبأ فيها من إثارة وروعة,

ومساعد (المقرود) يزداد طموحه يوماً بعد يوم,

لكنه مازال ذالك الفتى الطيب الساذج الذي (يغرق في شبر ماء),

* * *

في يوم مشرق, توجهنا في سيارتنا الصغيرة, في رحلة مسلية نجوب فيها صحراء الشمال,

التي ألِفتنا وألِفناها,

كان قائدنا الشجاع(مساعد) قد خطط أن تكون الرحلة ل(فياض قدر),

صحتُ منادياً:

-" علي قول لمساعد محتاج منا عزبة ولا العزبة مجهزة؟ "

-" مساعد محضر كل شي في السيارة من أمس ."

انطلقنا متوجهين لفياض قدر , وبالطبع استمتعنا في الرحلة,كانت سيارتين إحداهما بقيادة مساعد, والأخرى بقيادة (سالم) صديقنا العزيز,

كان مساعد يحب أن يصنع الإثارة من أجل أن يضحك, خاصة في أوقات المتعة كرحلات البر,

وكانت الرحلة لا تخلو من مداعبات مساعد (الثقيلة الظل) لأصدقائه,

أذكر أنه وقف بسيارته في بقعة داخل الصحراء, فنزلتُ أنا وعلي معه, بحجة تفقد المكان ,

إن كان مناسباً للجلوس أم لا,

ابتعدتُ أنا وعلي قلياً عن السيارة, فما كان من مساعد إلا أن فاجأنا بركوبه للسيارة, وانطلاقه بعيداً,

ليتركني وعلي, وسط الصحراء,

ثم ما لبث أن عاد إلينا بعد نصف ساعة تقريباً, مقهقهاً وسعيداً, بإخافته لنا,

لما رأينا أن مساعد في الآونة الأخيرة قد أكثر من هذه الدعابة المزعجة, قرر الجميع –وفي هذه الرحلة- بالذات,

أن يجعلوه يجرب شيئاً مما فعل,

فاتفق الجميع بعد أن هموا بالرحيل وتجهيز الأغراض, أن يغافلوه , وتتحرك السيارتان, لتترك مساعد وحده بلا طعام ولا ماء,

وفعلنا نفذنا الخطة بنجاح, ولم تمضي النصف ساعة, حتى قررنا أن نعود إليه ,

عاد (سالم) للمكان ذاته يبحث عن مساعد,

لكن أين مساعد,

بحث عنه كثيراً, ولم يجده,

حزن كثيراً, فتش وفتش, دار بسيارته في المكان كله يبحث عن مساعد فلم يجده,

وصلتُ أنا بسيارة مساعد, فوجدت سالم, حزيناً بائساً, خائفاً مرعوباً,



أخذنا نتساءل ونوبخ أنفسنا ما لذي فعلناه بذلك البائس, المقرود,

وما أن ركبنا السيارتين بنية البحث مرة أخرى, حتى ظهر لنا مساعد فجأة, من خلف (الرمثة),

وهو يضحك ساخراً بما فعله بنا,

فأيقنتُ حقاً أن الصحراء, لا تخيف مساعد أبداً أبداً..

قررنا بعد ذلك العودة للبلد,

لكن شيء ما حدث, لم يكن في حسبان مساعد,

فلقد تعطلت سيارته في طريق العودة!!

ركبنا جميعاً في سيارة صديقنا(سالم) لنعود للبلد , لكن مساعد قرر أن يبقى ليصلح سيارته!!!

-" كيف تقعد لحالك بالبر تصلح السيارة, ترى الوقت تأخر وماحد بيقعد معك."

- " ميخالف روحوا انتم وانا ألحقكم بعد ما أصلحها"

بالطبع لم نكن ننتظر مساعد حتى يصلح سيارته ويعود إلينا, لكننا قررنا أن لا نناقشه أكثر,

فهو عنيد لا يقبل النقاش,فقررنا أن نعود للبلد, ويعود إليه سالم مباشرة بعد أن يوصلنا,

عدنا للبلدة, وتوجه سالم إليه,

تفاجأ سالم عندما وجد مساعد يقترب من السيارة ثم يبتعد فجأة ليقف بعيداً يطيل النظر إلى سيارته.

ويكرر ذلك أكثر من مرة.

توقف سالم بالقرب منه,

اقترب,

نظر إلى مساعد متعجباً:

- " صلحت سيارتك؟"

-" لا"

- "ليش؟ "

-" ناظر تحت السيارة, شوف وش فيه."


ألقى سالم نظرة بالقرب من (كفرات السيارة) ثم انفجر ضاحكاً لِما رآه فقال:

-" والله صدق من قال عنك مقرود, اللحين تعيي ترجع معانا, وتقعد عشان تصلح سيارتك, أروح وأرجع ألقاك واقف , عشان (القط البرّي) قاعد تحت السيارة؟؟"

وهذا شيء غريب, مساعد لا يخشى البقاء وحيداً في أعماق الصحراء, لكنه لا يستطيع

أن يدافع عن نفسه , أو أن يحمي نفسه حتى من (قط برّي) !!

عاد مساعد مع سالم, تاركاً سيارته في البر,

أخبرتُ الجميع بما حصل معنا,

ضحك الجميع–بما فيهم مساعد- وتوجهنا إلى بيوتنا,

أُحضرت السيارة إلى البلدة,

فبقى مساعد وقتاً- ليس بالقليل- مستلقيا على ظهره , يحاول إصلاح سيارته بلا جدوى !!

وفي صباح اليوم التالي, انتشر خبر خوف مساعد من القطط البرية, في كل مكان, خاصة في

المدرسة ,ولم يسلم مساعد من التعليقات الساخرة والتي كان السبب فيها:

صديقه الصدوق (علي) – بلا شك-


-يتبع-

ذويبان11
09 Dec 2006, 08:34 PM
اللي ماله اول ماله تالي

سهرانه
13 Dec 2006, 11:23 PM
سلمت يدااااااك
ابداع بلا حدود

وعندي سؤال لو سمحت
ماهو الريكيشن ؟

رفحاوي
14 Dec 2006, 12:28 AM
مشكوووووووووووووور يا عمدتنا الغالي ...

الله يطول بعمرك ويحفظك انت واخوياك ...

بانتظار التكملة ...

ويا ليت تطمنا على اخوياك وحياتهم هالحين ...

كان هناك
15 Dec 2006, 02:28 AM
كتبت فأبدعت يابديع ...
أبحرت بنا في عالم الماضي البديع ...
ولازلنا في المرسى أيها الربان ... لنكمل الإبحار ...
فقد مللنا الإنتظار ...

ورق التوت
15 Dec 2006, 04:35 PM
الله يجزاك خير يالعمدة

أنا والليل؟
24 Dec 2006, 01:46 PM
زادك الله إبداعا على طريقة العرض .......
والأسلوب المشوق ....

صمتت الذكرى وتكلم الواقع ومارسنا الروتين الممل ......

الباحث عن الحق
25 Dec 2006, 12:05 PM
كما قال الأخ الفاضل ( أنا والليل ) صمتت الذكرى ونطق الواقع . بانتظار هذا الإبداع الرائع .

متابعون بنهم وشغف !!

بديع الزمان
29 Dec 2006, 08:58 PM
كل عــــــــام وأنتم بخـــــــير
ذويبان11
سهرانة

رفحاوي

عاشق الصحراء

ورقة التوت

أنا والليل؟

الباحث عن الحق


شكراً جزيلاً لكم,

ولمروركم المبهج..

أسعدكم الله..

أنا قريب , انتظروا الحلقات القادمة قريباً -بإذن الله تعالى-

بديع الزمان
29 Dec 2006, 10:18 PM
وعندي سؤال لو سمحت
ماهو الريكيشن ؟


أشكركِ على السؤال أختنا الفاضلة ..

بالنسبة لمعنى الريكييشن فهو يعني (مركز الترفيه)
ونسميه نحن (النادي)

ونادي التابلاين (الريكييشن) كان يقع في الجهة الجنوبية الغربية وفيه:

سوبرماركت صغير نسميه (الكانتين)

مطعم

صالة ألعاب : طاولتين بلياردو وطاولتين تنس

مكتبة

صالة عرض السينما

مسبح

و مساحات أرضية خضراء في الخارج (للغولف)


مرة أخرى شكراً لك أن جعلتيني أصف انادي التابلاين من الداخل..


وهذا ما أتمنى من الجميع أن يستفسر ويسأل كل من غاب عنه شيئاً حتى يكون لحكايتنا زاوية أخرى

نستفيد منها بإذن الله

الدب الداشر
29 Dec 2006, 10:22 PM
حجي بديع .. عوداً حميداً ..


مبدع يا بديع .. مبدع ..


وفقك الله ورزقك بــِــكــراً .. بــُــكرا ... وهل تملك الشجاعة لتؤمن ؟ ...

الفارس الشرقاوي
15 Jan 2007, 11:14 PM
طال الإنتظار ..... ياعمده

بديع الزمان
05 Feb 2007, 11:00 PM
الدب الداشر

الفارس الشقاوي

أشكر لكم عذب المرور,

الأحبة الكرام,

أعتذر بشدة على التأخير,

انتظروني قريباً بإذن الله مع الحلقة الرابعة (المثيرة) ...

الزعيم
28 May 2007, 03:43 PM
الأحبة الكرام,

أعتذر بشدة على التأخير,

انتظروني قريباً بإذن الله مع الحلقة الرابعة (المثيرة) ...



عمدتنا العزيز بديع الزمان

مازلنا ننتظر الحلقة المثيرة ( عسى المانع خير إن شاء الله )

رفحاوي
15 Nov 2007, 02:24 AM
الله يذكرك بالخير يا عمدتنا الغالي ...

ليث
15 Nov 2007, 02:32 PM
ننتظر ياعمده علومك الحلوه!!!!!!!!!!

برق الصواااعق
25 Dec 2007, 04:30 AM
أين أنت ياعمدة الجميع

شمـ هبوب ـاليه
25 Dec 2007, 07:31 AM
الله يعطيك العافيه اخوي العمده

اسلوبك رائع ومثير

طيب باقي الحلقات لا تاخر فيها علينا

فضلا لا مرا

العلياني
03 Mar 2008, 01:10 AM
هذه القصة -المتسلسلة بحلقات - , إهداء لكل شخص,

مشى على تراب رفحاء الحبيبة , وتنفس هواءها , و عاش تحت سماءها ,

مع الشكر الجزيل لكاتب القصة د/ إبداع ابن بديع الزمان..

......................



حكاية من عبق الماضي "الرفحاوي"



-الحلقة الأولى-




في لحظة من لحظات الصمت الهادئ والسكون العميق, أمسكتُ بألبوم الصور المحفوظ داخل درج المكتب-بمفتاح- والذي اعتبره من أثمن ما أملك ,

لأطيع روحي العطشى إلى ما يروي ظمأها من سلسبيل الحياة الذي جَعَلَ عجلة الذكريات في ذهني تدور إلى الوراء بسرعة لا توصف ,لتصل بي

إلى ذلك الزمان (الثمانيني الهجري) في تلك المدينة الصغيرة الواقعة على حدود المملكة مع العراق,

عندما كان اسم (رفحاء) يقترن بمعاني عدة, مازال صداها يتردد في أفئدة أناس عاشوا ومازالوا يعيشون فيها ,

ليوقظ بداخله الحنين إلى تلك الحقبة المميزة من تاريخ مدينتهم الصغيرة,

كانت عيني تنتقل بسرعة من صورة لأخرى , وكأنها تبحث عن شيء ما , عن صورة تحمل عمقاً أكبر بكثير مما تحمله باقي الصور,

وهنا بين الصور, وجَدَتْ عيني ضالتها, فطرب الفؤاد فرحاً, وابتسمت النفسُ سروراً,

هاهي صورته تقبع هنا في هذا المكان والتي- مازالت- تجعلني أُخفق في إخفاء ضحكتي المنطلقة من الأعماق في كل مرة أفتح ألبوم الصور لأطُرب الفؤاد بذكريات

الماضي الجميل التي كان فيها (مساعد) صاحب هذه الصورة ,

بطلاً لكل فصل من فصول حياتنا الزاخرة بالإثارة التي كانت تصنعها لنا روح (مساعد) في قوالب السذاجة الممزوجة بالفكاهة أحياناً,

وبالحزن والألم أحايين أخرى .

ما أسرع الأيام تمضي حتى تنطوي السنة بعد الأخرى, وكأنني ما بعدتُ عن ذلك الزمن طويلاً,

ليس هناك ما أحن إليه بلهفة شديدة أكثر من لهفتي الآن لرؤية ( مساعد) بعد هذا الزمن الطويل,

ما هو حاله وكيف أصبح؟ بعد أن طبع على أرض رفحاء ذكرى حكايته الثرية بعمقها, الفريدة من نوعها.


كم شدتني صورتك يا( مساعد) , وكم سحبتني معها وتغلغلت بي ,حتى استلّتْ المزيد والمزيد من زمان الطفولة والصبا ,

حتى بتُ أعيش لحظاتها بأدق تفاصيلها ,


فما أجمل خيوط الشمس تتلألأ في الأفق في صباحٍ مشرق, فتلامس أسطح بيوتنا القليلة المنثورة في مدينتنا الهادئة.

كانت بيوتاً طينية تقطعها شوارع مرصوفة وغير مسفلتة, بيوتاً متجاورة متناسقة ,وكأنها قد خُططت هندسياً بالمسطرة,

قريبة من بعضها البعض تماماً مثل قلوب ساكنيها, الذين اشتهروا وبلا أدنى شك, بكل الصفات الأصيلة ,


بأنفس محبة للخير, وأرواح بسيطة جميلة خالية من التعقيدات المزعجة التي انتشرت بقوة الآن في عصرنا الحاضر,

تحت تأثير من تصريفات الحياة المتطورة,

التي فرضت على بعض العقول أن تنسلخ انسلاخاً من جمال ماضيها العريق, إلى مرض (التمدن) القاتل.


كان في وسط المدينة جامع واحد كبير (جامع المطوع) في وسط البلد, وسوق شعبي نسميه (سوق العراقيين) نسبة إلى الباعة أصحاب البضائع,


وفي شمال المنطقة, خلف البيوت الطينية, تناثرت بيوت الشَعَر, وسط الصحراء الشمالية على الحدود.



لم تكن بيوتنا الطينية هي البيوت الوحيدة فإلى الغرب منها, كانت بيوت شركة (التابلاين) داخل السور المخصص للشركة,

حيث أنه لا يمكننا العبور إليها إلا عن طريق (الدِروازة),

وهناك يتغير المكان, وكأننا قد أصبحنا في منطقة أخرى,

كانت ستة بيوت مصففة, ثلاثة في جهة وثلاثة في الجهة المقابلة, بينهم شارع مسفلت, وقد كان الشارع الوحيد المسفلت ,

وشوارع قد خُططت بين هذه البيوت ذات الطابع الأمريكي المعروف,

كانت بيوتاً لكلٍ من رئيس المحطة ونائبه وممثل العلاقات للشركة ومدير المستشفى وبيتين للضيافة,

وهناك , إلى الجهة الجنوبية الشرقية من هذه البيوت كانت محطة (مكائن) ضخ البترول التي اعتدنا الاستيقاظ في الصباح الباكر على صوتها المدوي

وصوت "الصْيْت" المزعج.

وعلى بعد أمتارٍ من المكائن إلى الشمال قليلاً,كان النادي, ملعب (الغولف) , المطعم, السينما و مستشفى التابلاين الذي كان سكان رفحاء

يطلقون عليه اسم (الهوسبيتال) كما يُنطق تماماً باللغة الإنجليزية.



لم يكن في نفوسنا شغف لمعرفة العالم خارج مدينتنا الصغيرة, لأننا كنا نشعر بأن العالم بأكمله اجتمع ليتمثل بهوية (التابلاين),

والأكثر من ذلك أننا كنا نعيش بطريقة مختلفة تماماً عما نحن عليه الآن وكأننا لم نكن نحن ذلكم الأشخاص.

كنا نرى في آبائنا مثابرة ونشاط وجدية , ما حظينا بمثلها الآن, كان النظام أساساً لكل شيء في العمل وخارج العمل,


هكذا عشنا حياتنا التي كنا نصفها بالبساطة, والتي فهمنا بعد أن وصلنا إلى عميق ذكرياتها, أنها أدارتنا معها في تياراتٍ من أحداثٍ كانت غاية في الصعوبة والتعقيد.



بقيتُ حوالي النصف ساعة أسبح في أفق الماضي, حتى تنبهتُ لصوت خطوات سريعة تمشي من ورائي, كانت خطوات ابني ذو الأربعة عشر عاماً, يقترب ليشاهد

معي الصور,وبسرعة وبدون انتظار سألني:

-أين صورة(مساعد) يا أبي؟

- وهل تعرف (مساعد)؟

- سمعتك مرة تقول لي أنك تبحثُ عن صورة (مساعد) حتى تُريني صورة الشخص (المقرود في زمانه) , لكنك استلمت اتصال هاتفي , فانشغلتَ قليلاً.

والآن أنا متحمس لأن أرى صورته وأعرف قصته..

-إذن اسمع القصة..




-يتبع-


....................
ملحوظة:

"الحقوق الأدبية لهذه القصة محفوظة مسبقاً,

لكنها تُعرض حالياً في منتديات رفحاء حصرياً"

-بإنتظار ردودكم التي سنستفيد منها حتماً بإذن الله وبانتظار تفاعلكم مع القصة-

أخوكم / بديع الزمان

همّام
18 Apr 2008, 03:53 PM
شكرا عمدتنا الغالي
الغائب عن عيوننا والحاضر في قلوبنا
ننتظر تواصلك

الشمريه
19 Apr 2008, 03:26 AM
ذويبان مشكور كأني اعيش معكم الاذ

الشمريه
19 Apr 2008, 03:27 AM
ذويبان مشكور كأني اعيش معكم الان

flower
19 Apr 2008, 03:29 AM
شي جميل يا ذريبان

الشمريه
19 Apr 2008, 03:52 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
كلام جميل

الشمريه
19 Apr 2008, 04:05 AM
مشكور بديع الزمان