الزعيم
17 Dec 2006, 11:51 PM
سوّت أرامكو منشآتها في منطقة الحدود الشمالية بالأرض ؛ ولم يتبق من تلك المنشآت الضخمة سوى مستشفى عرعر الذي استأجرته وزارة الصحة ليتم تشغيله خدمةً للأهالي ، علماً بأن الأرض التي كانت تحوي هذه المنشآت لاتزال تسوّر بسورٍ حديدي ، والذي ترى خلفه بين الفينة والفينة بعض المواطنين الذين يعلو الحزن محياهم ، فالذكريات تقتل على مرأىً منهم كل يوم حتى دفنت على أنقاض التابلاين .
قد لايعدو الأمر مهماً لمدينة كالرياض تعج بالمنشآت والتي قد لايدري أهل الرياض أسوي بعضها بالأرض أم لا .. ولكن أنْ يكون المعلم الوحيد الذي كان السبب بعد الله في تكون كل مدن منطقة الحدود الشمالية ويفكك ويهدم ويكسر حتى يصبح أثراً بعد عين فأمرٌ يدعو إلى الحزن وذرف الدموع .. فلماذا يبكي الناس على التابلاين ؟
التابلاين هو الاسم المتعارف عليه لدى أهالي منطقة الحدود الشمالية قاطبة .. والتابلاين هي إحدى شركات أرامكو التي كانت تتولى تشغيل خط الأنابيب الذي ينقل النفط من الظهران مروراً بالصحاري القاحلة في منطقة الوديان حيث أنشئت محطات الضخ في القيصومة والشعبة ورفحاء والعويقيلة وعرعر وحزم الجلاميد وطريف والتي كانت النواة الأولى لمدن منطقة الحدود الشمالية ، ثم يصل خط الأنابيب إلى الأراضي الأردنية ويتجاوزها إلى ميناء صيدا اللبناني على البحر الأبيض المتوسط ، ومن هناك يتم تصديره إلى العالم .
وقد توقف العمل به إبان الحرب الأهلية في لبنان ثم بقي يعمل فقط للمساعدات السعودية للأردن ، ثم توقف نهائياً بعد موقف الأردن من غزو الكويت .
وعندما توقف العمل به إبان الحرب الأهلية في لبنان في العام 1975 بقي يعمل ولكن بصورة أقل وعليه فقد تقلص عدد الموظفين العاملين بالمحطات على طول خط الأنابيب ، فتقاعد بعضهم ونقل البعض الآخر منهم إلى المنطقة الشرقية ، ثم كانت الصدمة الثانية التي تولدت إثر موقف الأردن من الغزو العراقي للكويت فتوقف العمل به نهائياً .. ومع هذا فقد بقيت المحطات شامخةً تتحدى الزمان ، وصامدةً ضد عوامل التعرية .. ولكن الخوف على هذه المنشآت بات هاجساً مريباً لأهالي منطقة الحدود الشمالية .
لقد تولدت علاقة حب بين الناس وبين التابلاين ، فالناس لم يكونوا سوى بدو رحل احتضنتهم التابلاين بعد اتفاقية مع الملك عبدالعزيز رحمه الله فأنشأت لهم مستشفيات ومدارس للبنين والبنات ومراكز للاتصالات السلكية واللاسلكية وأنشأت كذلك مراكز متكاملة لإمارة المنطقة والشرطة والمالية إضافة إلى موارد مياه لإبل وماشية البادية بشكل منظم ، وبَنَتْ كذلك أحياء سكنية متكاملة للعاملين فيها من الموظفين وهذا الأحياء لاتزال موجودة في عرعر ورفحاء وطريف ويطلق الناس عليها عرفاً (حارات الشركة) ، وعليه فقد وَصَلت التابلاين منطقة الحدود الشمالية بالمملكة والعالم عبر الاتصالات وعبر تلفزيون التابلاين الذي كان يبث برامجه لأهالي المنطقة قبل وصول بث تلفزيون المملكة العربية السعودية إليهم بسنوات طويلة .
ورغم كل ماكان فقد بقي المستشفيات هي الأهم في نظر المواطنين لأنها ببساطة بنائها وقلة العاملين فيها تحظى بإدارة أرامكو الأمر الذي جعل منها مستشفيات يشار لها بالبنان ، وفيها كانت تجرى العمليات الجراحية الصعبة (خاصة مستشفى عرعر) وفيها رأى النور جيلٌ بأكمله على امتداد منطقة الحدود الشمالية ، وفي التابلاين تعرف أهلنا على النظام واحترام المواعيد والتعامل الإنساني ، وفي التابلاين النموذج الأمثل للمدينة العصرية التي تطبق النظام بصرامة ، وتحترم الناس وتعطيهم حقوقهم الآدمية كاملة .
وبعد أن أُطلقت رصاصة الرحمة الأخيرة على مستشفى التابلاين في عرعر والذي بقي يقاوم وحيداً ؛ رَكِبَ الناس سياراتهم بحثاً عن العلاج فطافوا أرجاء الوطن السعودي الكبير ثم تجاوزوه إلى الأردن وأصبح لأهالي المنطقة ملفات صحية في المستشفيات الأردنية ، وحتى في الأردن يتهامس المواطنون بأن اذهبوا للمستشفى الفلاني فهو مثل مستشفى التابلاين .!
في العام الماضي زار المنطقة وفد من دارة الملك عبدالعزيز يبحثون عن الأثر والآثار في المنطقة ، وكنت قد حضرت اللقاء الذي طلبوه مع بعض أهالي مدينة عرعر ، فأثرت مسألة التابلاين .. فهي الأثر الأهم للمنطقة بكاملها ، وبالإمكان الاستفادة من المباني الموجودة لتكون الدليل القطعي والوحيد على إنشاء منطقة الحدود الشمالية العصرية ، وقد أيد هذا كل من حضر الاجتماع .. وتقرر الكتابة لأرامكو لتبقي بعض المباني كي يستفاد منها كمقر لقسم الآثار والمتاحف في عرعر ، وذهب الوفد وذهبت آمالنا معه ؛ حتى فوجئنا بالجرارات تجوب المباني وتهدم كل مافي طريقها ، وعليه فقد ثارت حفيظة الناس ألماً وحسرة على أماكن ألفوها فذرفت الدموع واعتصرت الآلام القلوب ، فاتصلت بأحد المسؤولين في أرامكو – طلب عدم ذكر اسمه – فقال : لقد أرسلت أرامكو إلى وزارة التربية والتعليم طالبة منهم الشخوص إلى منشآتها في منطقة الحدود الشمالية ليروا إمكانية الاستفادة منها لتكون مقرات لأقسام الآثار والمتاحف مع الاحتفاظ بملكية الأرض لأرامكو ولم يتم الرد ،! وبناءً على ماتقدم فقد قررت أرامكو هدم منشآتها في المنطقة وتم تنفيذ حكم الإعدام على منشآت عرعر وطريف .
إلى هنا نقف .. فعين الأثر باتت أثراً لاعين له ، ومن لاماضي له لاحاضر له ، وماضينا في منطقتنا الآسرة دُفن ولم يبقَ منه إلا المنشآت الأخيرة في محافظة رفحاء ..
فيا معالي وزير التربية والتعليم
ويا سعادة وكيل الوزارة للآثار والمتاحف
ويا كل مسؤول نعول عليه الأمل بعد الله
هل من وقفة منكم لوقف قتل الأماني والذكريات ؟ هل من وقفة منكم لتكون محافظة رفحاء الشاهد الوحيد الذي يقول للمملكة من هنا بدأنا في منطقة الحدود الشمالية ؟
هل من وقفة منكم لتكون رفحاء الهادئة الحالمة في أقصى الشمال حافظةً للذكرى ؟
هل من أحدٍ يعي أهمية مانقول ليتصل بمن يريد من أهالي منطقة الحدود الشمالية ليسمع من أي من يختاره (عشوائياً) مدى أهمية التابلاين لكل من عاش في منطقة الحدود الشمالية ؟
وهل لصوتنا صدىً يسمع ؟
تحياتي ،،،
مقال للأستاذ : عبدالرحمن عليان الحضري
عرعر
اشكرك اخى عبدالرحمن العليان
على موضوعك الجميل ...
قد لايعدو الأمر مهماً لمدينة كالرياض تعج بالمنشآت والتي قد لايدري أهل الرياض أسوي بعضها بالأرض أم لا .. ولكن أنْ يكون المعلم الوحيد الذي كان السبب بعد الله في تكون كل مدن منطقة الحدود الشمالية ويفكك ويهدم ويكسر حتى يصبح أثراً بعد عين فأمرٌ يدعو إلى الحزن وذرف الدموع .. فلماذا يبكي الناس على التابلاين ؟
التابلاين هو الاسم المتعارف عليه لدى أهالي منطقة الحدود الشمالية قاطبة .. والتابلاين هي إحدى شركات أرامكو التي كانت تتولى تشغيل خط الأنابيب الذي ينقل النفط من الظهران مروراً بالصحاري القاحلة في منطقة الوديان حيث أنشئت محطات الضخ في القيصومة والشعبة ورفحاء والعويقيلة وعرعر وحزم الجلاميد وطريف والتي كانت النواة الأولى لمدن منطقة الحدود الشمالية ، ثم يصل خط الأنابيب إلى الأراضي الأردنية ويتجاوزها إلى ميناء صيدا اللبناني على البحر الأبيض المتوسط ، ومن هناك يتم تصديره إلى العالم .
وقد توقف العمل به إبان الحرب الأهلية في لبنان ثم بقي يعمل فقط للمساعدات السعودية للأردن ، ثم توقف نهائياً بعد موقف الأردن من غزو الكويت .
وعندما توقف العمل به إبان الحرب الأهلية في لبنان في العام 1975 بقي يعمل ولكن بصورة أقل وعليه فقد تقلص عدد الموظفين العاملين بالمحطات على طول خط الأنابيب ، فتقاعد بعضهم ونقل البعض الآخر منهم إلى المنطقة الشرقية ، ثم كانت الصدمة الثانية التي تولدت إثر موقف الأردن من الغزو العراقي للكويت فتوقف العمل به نهائياً .. ومع هذا فقد بقيت المحطات شامخةً تتحدى الزمان ، وصامدةً ضد عوامل التعرية .. ولكن الخوف على هذه المنشآت بات هاجساً مريباً لأهالي منطقة الحدود الشمالية .
لقد تولدت علاقة حب بين الناس وبين التابلاين ، فالناس لم يكونوا سوى بدو رحل احتضنتهم التابلاين بعد اتفاقية مع الملك عبدالعزيز رحمه الله فأنشأت لهم مستشفيات ومدارس للبنين والبنات ومراكز للاتصالات السلكية واللاسلكية وأنشأت كذلك مراكز متكاملة لإمارة المنطقة والشرطة والمالية إضافة إلى موارد مياه لإبل وماشية البادية بشكل منظم ، وبَنَتْ كذلك أحياء سكنية متكاملة للعاملين فيها من الموظفين وهذا الأحياء لاتزال موجودة في عرعر ورفحاء وطريف ويطلق الناس عليها عرفاً (حارات الشركة) ، وعليه فقد وَصَلت التابلاين منطقة الحدود الشمالية بالمملكة والعالم عبر الاتصالات وعبر تلفزيون التابلاين الذي كان يبث برامجه لأهالي المنطقة قبل وصول بث تلفزيون المملكة العربية السعودية إليهم بسنوات طويلة .
ورغم كل ماكان فقد بقي المستشفيات هي الأهم في نظر المواطنين لأنها ببساطة بنائها وقلة العاملين فيها تحظى بإدارة أرامكو الأمر الذي جعل منها مستشفيات يشار لها بالبنان ، وفيها كانت تجرى العمليات الجراحية الصعبة (خاصة مستشفى عرعر) وفيها رأى النور جيلٌ بأكمله على امتداد منطقة الحدود الشمالية ، وفي التابلاين تعرف أهلنا على النظام واحترام المواعيد والتعامل الإنساني ، وفي التابلاين النموذج الأمثل للمدينة العصرية التي تطبق النظام بصرامة ، وتحترم الناس وتعطيهم حقوقهم الآدمية كاملة .
وبعد أن أُطلقت رصاصة الرحمة الأخيرة على مستشفى التابلاين في عرعر والذي بقي يقاوم وحيداً ؛ رَكِبَ الناس سياراتهم بحثاً عن العلاج فطافوا أرجاء الوطن السعودي الكبير ثم تجاوزوه إلى الأردن وأصبح لأهالي المنطقة ملفات صحية في المستشفيات الأردنية ، وحتى في الأردن يتهامس المواطنون بأن اذهبوا للمستشفى الفلاني فهو مثل مستشفى التابلاين .!
في العام الماضي زار المنطقة وفد من دارة الملك عبدالعزيز يبحثون عن الأثر والآثار في المنطقة ، وكنت قد حضرت اللقاء الذي طلبوه مع بعض أهالي مدينة عرعر ، فأثرت مسألة التابلاين .. فهي الأثر الأهم للمنطقة بكاملها ، وبالإمكان الاستفادة من المباني الموجودة لتكون الدليل القطعي والوحيد على إنشاء منطقة الحدود الشمالية العصرية ، وقد أيد هذا كل من حضر الاجتماع .. وتقرر الكتابة لأرامكو لتبقي بعض المباني كي يستفاد منها كمقر لقسم الآثار والمتاحف في عرعر ، وذهب الوفد وذهبت آمالنا معه ؛ حتى فوجئنا بالجرارات تجوب المباني وتهدم كل مافي طريقها ، وعليه فقد ثارت حفيظة الناس ألماً وحسرة على أماكن ألفوها فذرفت الدموع واعتصرت الآلام القلوب ، فاتصلت بأحد المسؤولين في أرامكو – طلب عدم ذكر اسمه – فقال : لقد أرسلت أرامكو إلى وزارة التربية والتعليم طالبة منهم الشخوص إلى منشآتها في منطقة الحدود الشمالية ليروا إمكانية الاستفادة منها لتكون مقرات لأقسام الآثار والمتاحف مع الاحتفاظ بملكية الأرض لأرامكو ولم يتم الرد ،! وبناءً على ماتقدم فقد قررت أرامكو هدم منشآتها في المنطقة وتم تنفيذ حكم الإعدام على منشآت عرعر وطريف .
إلى هنا نقف .. فعين الأثر باتت أثراً لاعين له ، ومن لاماضي له لاحاضر له ، وماضينا في منطقتنا الآسرة دُفن ولم يبقَ منه إلا المنشآت الأخيرة في محافظة رفحاء ..
فيا معالي وزير التربية والتعليم
ويا سعادة وكيل الوزارة للآثار والمتاحف
ويا كل مسؤول نعول عليه الأمل بعد الله
هل من وقفة منكم لوقف قتل الأماني والذكريات ؟ هل من وقفة منكم لتكون محافظة رفحاء الشاهد الوحيد الذي يقول للمملكة من هنا بدأنا في منطقة الحدود الشمالية ؟
هل من وقفة منكم لتكون رفحاء الهادئة الحالمة في أقصى الشمال حافظةً للذكرى ؟
هل من أحدٍ يعي أهمية مانقول ليتصل بمن يريد من أهالي منطقة الحدود الشمالية ليسمع من أي من يختاره (عشوائياً) مدى أهمية التابلاين لكل من عاش في منطقة الحدود الشمالية ؟
وهل لصوتنا صدىً يسمع ؟
تحياتي ،،،
مقال للأستاذ : عبدالرحمن عليان الحضري
عرعر
اشكرك اخى عبدالرحمن العليان
على موضوعك الجميل ...