المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أمير ومسيرة مملكة



القاروص
25 Dec 2006, 09:09 PM
أمير ومسيرة مملكة



طلال بن عبد العزيز.. سيرة أمير ومسيرة مملكة
الأحد 27-11-1427 هـ 10:42 مساء المراسل : الوكاد


عرض ماهر حسن
استطاع بأقل الإمكانات أن يحول مجتمع الجزيرة العربية من قبائل متنافرة إلي
شعب يعتز بالمواطنة والاستقرار، وفي أجواء هذا التحول السياسي والعمراني نشأ
الأمير طلال
.. الأمير طلال بن عبد العزيز من أكثر الشخصيات العامة في تاريخ العالم العربي
والإسلامي إثارة للجدل بحكم موروثاته الفكرية والعقائدية، وكونه واحداً من
أبرز أفراد العائلة المالكة السعودية..
وكانت مواقفه السياسية في فترة الستينيات وعلاقته بمفهوم «الناصرية» الذي فرض
نفسه في هذه الحقبة التاريخية، نافذة يستطيع المرء أن يطل عبرها علي أفكاره
ومبادئه ورؤيته للأمور.. وصولاً إلي المرتبة التي احتلها عربياً وعالمياً من
واقع الإسهامات الإنسانية والثقافية التي حملت بصماته وأدت إلي ترديد اسمه في
العديد من المناسبات والمحافل الدولية..
ويبقي الحكم علي الأمير طلال رهناً باختراق مناطق معينة في شخصيته والوقوف عند
محطات كثيرة داخل مشوار حياته إذا ما أردنا الخروج برؤية موضوعية وتحليلية
دقيقة لهذا الأمير العربي.
وكان الدكتور صابر طعمية أستاذ مقارنة الأديان في جامعة الأزهر آخر من كتب عن
سيرة الأمير طلال - وليس أولهم - متناولاً جوانب مهمة في شخصيته وتاريخه علي
مدار ٢٠ فصلاً في كتابه الأخير «الأمير طلال.. العالمية في الرؤية
والمنهج».
.. هذه الفصول المتنوعة من حيث ثراء المعلومات وغزارة الإسهامات في مختلف
الشؤون والمجالات صنعت كتاب الدكتور طعيمة الأخير، وقرر طعيمة من خلاله
الإبحار في سيرة هذا الرجل والوقوف عند محطات بعينها في حياته الزاخرة
بالأحداث والإسهامات الإنسانية والسياسية والفكرية.
وعبر هذه المحطات قرر الدكتور صابر طعيمة تسليط الضوء علي جوانب مهمة من
شخصية تنتمي إلي العائلة المالكة السعودية ولا تزال محط أنظار وقرارات من يبحث
عن نماذج بارزة ذات ثقل في دعم الأنشطة الإنسانية المتمثلة في رعاية حقوق
الإنسان وتعزيز دور المجتمع المدني وتنشيط حركة الجمعيات الخيرية لخدمة
الفقراء والمحتاجين والمرضي، وصولاً إلي إسهامات أخري لا يتسع المجال لذكرها
وإن كانت محفورة في ذاكرة التاريخ وتتوارثها الأجيال عبر العقود لتستفيد من
خبراتها وتسير علي دربها من أجل بناء مجتمع أكثر ارتقاء وتطوراً.. وإنسانية!!
.. من هذه الزاوية انطلق الدكتور صابر طعيمة في كتابه الجديد نحو مناطق محددة
في مشوار الأمير طلال.. ورغم أن الدكتور طعيمة حاصل علي الدكتوراه في مقارنة
الأديان من جامعة الأزهر عام ١٩٧٨، حيث يعمل عضواً
بهيئة التدريس، والتحق بالعديد من الجامعات السعودية للعمل بها فضلاً عن
مؤلفاته الدينية المختلفة، فإنه هنا بصدد مساهمة ثقافية خارج تخصصه الأصلي
عندما عكف علي إنجاز كتاب تجميعي لجملة من الحوارات مع الأمير والتغطيات
والمتابعات لزياراته ونشاطاته وإسهاماته بل إعادة قراءة في مقالات الأمير
وآرائه.
وفي افتتاحية الكتاب قدم المؤلف مدخلاً تاريخياً عن المنابع والأصول الفكرية،
في ٣ فصول تناولت الجزيرة العربية والإسلام، والميراث الديني والتاريخي
للملك عبدالعزيز عبر ٣ مراحل تاريخية للجزيرة العربية، وصولاً إلي
الدولة السعودية،
وهذا المدخل في حد ذاته يصلح لأن يكون كتاباً مستقلاً، مفيداً وقيماً حول
تاريخ المملكة العربية السعودية، وصولاً للملك عبدالعزيز آل سعود والد الأمير
طلال، مع التطرق إلي سنوات النشأة الأولي للأمير ووضع الاعتبار للبيئة
وتحولاتها ومنعطفاتها التاريخية للمملكة والمكان الذي نشأ فيه الأمير، وانطبعت
به شخصيته. وتعرض الفصل الأول من الكتاب لنشأة الأمير طلال، بادئاً بسيرة
والده الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود في مطلع القرن الـ١٤
الهجري، وظروف الحياة التي طبعت البشر بطابعها.
واستطاع بأقل الإمكانات أن يحول مجتمع الجزيرة العربية من قبائل متنافرة إلي
شعب يعتز بالمواطنة والاستقرار، وفي أجواء هذا التحول السياسي والعمراني نشأ
الأمير طلال ولعل الأمر الذي ظل مثار إعجاب وفخر الأمير بوالده هو تغيير
المفاهيم السائدة في مجتمع تميز بالبداوة وصولاً إلي مرحلة قيام الدولة
العصرية.
وتحت عنوان «طلال بن عبدالعزيز الرؤي والمواقف»، جاءت المحطة الأولي في قطار
الأمير طلال حيث عرض المؤلف لنشأة الأمير طلال في كنف والده الملك عبدالعزيز
في قلب الجزيرة العربية في مطلع القرن الـ١٤ الهجري، في بيئة كانت
الأعراف والعصبيات القبلية فيها تسيطر علي القبائل البدوية، حيث كانت القبيلة
للبدوي هي أسرته وعالمه، وشيخها هو قاضيها وحاكمها، ولأن الحضر لم يكن يحيط
بالبدوي، حيث الدار الآمنة،
وإنما كان البراح هو حدود حياته فقد طبعه ذلك علي الحذر، وكان الغزو والتقاتل
أحد طباع هذه الحياة فكان البدوي يسترخص حياته كما يسترخص حياة الآخرين، وعلي
هذا كله لم يكن هناك مفهوم للدولة أو النظام، وأصبحت المفاهيم الدينية مختلطة
بالخرافات إلي أن جاء الملك عبدالعزيز وكرّس جهده لنقل مجتمع الجزيرة من قبائل
متناحرة ومتنافرة إلي سياق دولة وشعب ينشد الاستقرار ويعشق البناء والعمران.
وفي أجواء الانتقال بالجزيرة العربية من طور البداوة إلي طور المدنية والنسيج
المدني المتكافل والمتماسك، ولد الأمير طلال ليشهد هذا التحول طفلاً فرأي في
شخص والده بنّاءً ومؤسساً وصانعاً للتاريخ السعودي، ومن ثم فلم يكن مستغرباً
علي الأمير طلال أن يسعي لإحياء وتحديث قيم أبيه ويقتدي بنهجه،
ومن ثم فكان يري في أبيه أكثر من ملك وأكثر من مؤسس لدولة، وأكثر من مصلح
وإمام، حيث أسس مجتمعاً جديداً ونشر الطمأنينة وحارب الجريمة، وقضي علي
أسبابها وامتدت إسهاماته الحضارية لخارج حدود الجزيرة التي أنشأ فيها الدواوين
وسن القوانين وأنشأ المدارس وأسس النظام السياسي ووضع نظم العمل وبني
المستشفيات.
وفي الفصل الثاني من الكتاب ذكر المؤلف ملابسات معرفته بالأمير طلال، وعبر هذا
الاقتراب أمكنه «أي المؤلف» أن يقف علي ما تتميز به شخصية الأمير البارزة التي
تتمتع بحضور دولي فضلاً عن تميز خطابه الثقافي والسياسي وإسهاماته الرفيعة في
مجالات التنمية الاجتماعية والسياسية والثقافية في غير بلد من بلدان العالم
الثالث، وأنه صاحب دعوة وفعل: ثم عرض المؤلف لنشأة الأمير طلال.
وفي الفصل الرابع طرح المؤلف رؤية الأمير لمفهوم الديمقراطية والشوري وقال: إن
حماسه لهذا المفهوم كان مبعثه نشأة الأمير صبياً في مجتمع مدني حيث المؤسسات
والهيئات الاعتبارية ولا يؤمن الأمير بمصادرة رأي مخالف أو نفيه بقدر ما يؤمن
بالحوار الخلاق، وأنه لا ينظر للديمقراطية كشعار يرفعه البعض للمطالبة
بمطالبات فئوية، وإنما بمنظورها الأشمل والأعم حيث الحوار البناء وهو نفسه
الذي قال «كل شيء قابل للحوار إلا الثوابت:
فالإسلام دين المجتمع والأسرة الحاكمة» إذن فالديمقراطية لديه تعني البعد
الأخلاقي والسياسي بحيث ألاَّ تعني هذه الثوابت الجمود وإنما الحرص علي ملاحقة
العصر ومتغيراته وعلي نحو يكفل العدالة والمساواة وكفالة الحقوق للجميع دون
تفرقة وحيث ديمقراطية المجتمع القائم علي المؤسسات ويري في هذه المعادلة
المتوازنة تحصيناً للشريعة ولحاقاً باللحظة الزمنية المعاصرة.
وضمن رؤيته المعرفية، يؤكد عدم الخلط بين سنن العادات وسنن العبادات وهو مؤمن
بالحرية التي تقابلها المسؤولية وفي معرض رؤيته للإعلام المعاصر فإنه يري في
الإعلام الحر الكثير من الإيجابيات والقليل من السلبيات وأخذ قناة الجزيرة
نموذجاً والتي تمني عليها أن تعيد النظر في بعض أساليبها الانحيازية،
وأن تكون أكثر إنصافاً وأن تراعي الأعراف والاعتبارات العربية وخاصة فيما
يتعلق بالموروث الفكري والعقائدي، وأن تحث علي طرح الحلول مثلما تتيح الفرصة
للانتقاد، وفي رؤيته للصحافة العربية قال: إنها ليست بمعزل عن واقعنا العربي
فمثلما يشهد بعض أوجه التراجع والتخلف فهي تشهد ذلك أيضاً ولابد للديمقراطية
والحرية وحرية الصحافة علي وجه الخصوص من ضوابط تحكمها
وفي فصل يحمل عنوان «الأمير طلال والسلام مع إسرائيل» يرد المؤلف علي المزاعم
القائلة بأن الأمير يدعو للتطبيع مع إسرائيل، وأن هذا أبعد ما يكون عن فكر
وعقل الرجل ومشاعره الوطنية تجاه قضايا أمته المصيرية والتاريخية التي لم
يساوم أو يقايض عليها أبداً، وليس معني ذلك أن دعوته للسلام تنطوي علي معني
صريح وواضح للتطبيع مع إسرائيل، وأن قصة دعوته بعض المثقفين لزيارة إسرائيل
إذا أمكن ذلك، قوبلت باستفسار وسوء فهم، فرد الملك عبدالعزيز علي هذا الوسيط
بقوله: هذا الصهيوني يرشيني؟ وقطع الحوار معه فوراً.
ووضع الأمير طلال حملة من المحددات للارتقاء بالتعليم العربي ككل عبر
إستراتيجية متكاملة، منها تطوير مناهج التعليم والعناية باللغات ونشر التعليم
في كل مكان.
أما إشكالية المثقف العربي فيقول الأمير في الفصل الثاني عشر من الكتاب: إن
أزمة المثقف العربي نتاج لما حوله في عالمه العربي، ويجب أن نساعد المثقفين
العرب للخروج من حالة الإحباط، ذلك أن الشعوب لا تنهض إلا بهذه النخبة
الطليعية، وعلينا أن نجمع الرؤي المتفاوتة لهذه النخبة حول مشترك عربي وطني
واحد.
أما عن القومية والإسلام، فيري الأمير طلال أنه ليس بين العروبة والإسلام
تناقض ولا تضاد، فجميعنا يمكننا أن نكون عرباً ومسلمين في ذات الوقت، وهناك
دائرتان، الكبري هي الإسلام والصغري هي العربية.
وعن التيارات الإسلامية التي تعتمد العنف مع آخرين من المسلمين بزعم أنها
تدافع عن الدين، قال الأمير إنه يتعين علينا رفض العنف بكل أشكاله وأساليبه،
سواء كان عنفاً مسلحاً أو فكرياً، ودعا الأمير لإدارة حوار مع رؤوس هذه
الجماعات والتيارات بواسطة العلماء المتخصصين في الدين، علي أن يكون الحوار في
وسائل الإعلام المفتوحة.
كانت هذه مجموعة من المحطات التي استوقفت المؤلف الدكتور صابر طعيمة، ولا شك
أن قطار الأمير طلال بن عبدالعزيز توقف عند محطات أخري وترك بصماته عليها، إلا
أن ما سجله المؤلف في فصول كتابه الأخير وعلي امتداد صفحاته، يشير بكل ثقة
وجدارة إلي رجل يتمتع بـ«عالمية في الرؤية والمنهج».
نقلا عن المصري اليوم 15/12/2006