salah
25 Nov 2002, 02:49 PM
تحيات طيبات عليكم
نشرت هذه المادة في منتدى الشعر واعيد نشرها هنا لأنها تنتمي في بعض منها الى الشعر وفي بعض آخر الى القصّة وكذلك الى ما يسمّى بأدب السيرة .. وادب السيرة كما لايخفى عليكم له حضور عميق وواسع في الثقافة العربية منذ ايامها الأولى , فلقد اثبت لنا الشعراء الجاهليون طرفا من حياتهم وغزواتهم في سيرهم الشعرية , كذلك الأمر مع بعض الكتاب والفلاسفة العرب والمسلمين كالسيرة التي تركها لنا الغزالي صاحب كتاب الأحياء او سيرة ابن سينا او ابن خلدون في ثنايا كتابه الشهير ( المقدّمة ) . والسيرة نوع ادبي في غاية الخطورة لأننا من خلاله نعرف مختلف الفعاليات الأنسانية والمجتمعية التي تركت تأثيراتها على الكاتب ومجتمعه الذي يعاصره .
وجدت نفسي اكتب شيئا من ذلك , ورغم ان ما اكتبه له طابع شخصي ولكنّه ربما يكون مفيدا في معرفة بعض التأثيرات التي يتركها المجتمع في نفوس ابنائه , حتى بعد ان يكبروا ويكابدوا الحياة ومحنها .لذا اتمنى ان تحملوا موضوعي على هذا المحمل .
هذا الصباح تذكرت الأيام الأخيرة لجدّي بيننا . كان يطيب له بعد صلاة العشاء ان يدعو من بقي على قيد الحياة من اصدقائه القدامى .
ويبدأون الحديث عن شوارع وقرى وحكومات واحداث مرّ عليها زمن طويل ..
واحيانا اخرى كان يحنّ الى اياّمه التي قضاها مع محروت بن هذّال وابيه واخوته عندما كانت مضاربهم في الرزازة والشريعة قبل انتقالهم الى عرعر , والى ايام صحبته لقبائل البدو وعشائرهم ورجالهم الذين كلّما اشتدّت قسوتهم على اعدائهم , كلّما استبدّ بهم الحنين لمعشوقاتهم وصارت قصائدهم تذوب رقّة . كنت صغيرا في تلك الأيام لم اتجاوز العاشرة من عمري وكانت الحرب مع ايران في بداية ايامها .
كان جدي حزينا ويشعر ان الحرب بدأت تسرق مابقي من اصدقائه واولاده واحفاده . كان يبكي بصمت , دون ان يجعلنا نشعر بألمه وحزنه بل كان يصعد الى سطح بيتنا ويصلّي العشاء , ثمّ يقول لنا نحن احفاده الكثيرون بعد ان يحكي لنا شيئا من حكاياته الجميلة : لا اريد احدا غير صلاح معي , كنت حفيده المدلّل والمقرّب وكنت احصل على حلوى كثيرة يخبّؤها في جيوبه الواسعة , ولكن كان يعجبه من امري انني اكتب في دفتر صغير كل ما اسمعه عنه من حكايات واشعار .
وكان اذا فرغ لنفسه وصار وحيدا يبدأ ينشد القصيد :
مدّيت للدنيا حبال طويلة
والدنيا حاشتني من غير حبال
جليب مايمتله من طل و نده
والحجي مايستوي من غير افعال
واذا تذكّر احد اخوته الذين ماتوا جميعهم في حياته , او احد اصدقائه الذين لايعلم اين تقطّعت بهم سبل الحياة ينشد :
الله ياغافر ذنوب المصلين
ياخير كل الأرزاق بيده
طير غدالي ياسكر يفضخ العين
صيده جلايل مايصيد الزهيده
اخوي لو شاف النشامى مجبلين
مدّ الفراش وصحفك النجر بيده
عنده دلال مثل رووس الشياهين
بهارهن والهيل يجلب صعيده
عندما توفي جدّي جاء ناس كثيرون لتعزيتنا بفقده وكان محروت بن هذّال وبعض من ابنائه ممن جاءوا الى مجلس الفاتحة , وكانت المرّة الأولى والأخيرة التي رأيتهم فيها . فلقد كان ابي يرددّ دائما : عندما مات جدكم اخذ كل الخير معه .
هذا الصباح شعرت بحزن كبير وانّا اعدّ اوراقي وموضوع البحث الذي سألقيه , شعرت ان جدي رغم ان الله توفاّه منذ عشرين سنه , غير انّه مازال موجودا معي بصوته الشجي وحنانه الكبير وحزنه الذي صار حزني
واحفاده الذين ماتوا في الحرب او تغرّبوا في المنافي بعيدا عن وطنهم وذكريات طفولتهم .
مودّتي لكم جميعا
صلاح
نشرت هذه المادة في منتدى الشعر واعيد نشرها هنا لأنها تنتمي في بعض منها الى الشعر وفي بعض آخر الى القصّة وكذلك الى ما يسمّى بأدب السيرة .. وادب السيرة كما لايخفى عليكم له حضور عميق وواسع في الثقافة العربية منذ ايامها الأولى , فلقد اثبت لنا الشعراء الجاهليون طرفا من حياتهم وغزواتهم في سيرهم الشعرية , كذلك الأمر مع بعض الكتاب والفلاسفة العرب والمسلمين كالسيرة التي تركها لنا الغزالي صاحب كتاب الأحياء او سيرة ابن سينا او ابن خلدون في ثنايا كتابه الشهير ( المقدّمة ) . والسيرة نوع ادبي في غاية الخطورة لأننا من خلاله نعرف مختلف الفعاليات الأنسانية والمجتمعية التي تركت تأثيراتها على الكاتب ومجتمعه الذي يعاصره .
وجدت نفسي اكتب شيئا من ذلك , ورغم ان ما اكتبه له طابع شخصي ولكنّه ربما يكون مفيدا في معرفة بعض التأثيرات التي يتركها المجتمع في نفوس ابنائه , حتى بعد ان يكبروا ويكابدوا الحياة ومحنها .لذا اتمنى ان تحملوا موضوعي على هذا المحمل .
هذا الصباح تذكرت الأيام الأخيرة لجدّي بيننا . كان يطيب له بعد صلاة العشاء ان يدعو من بقي على قيد الحياة من اصدقائه القدامى .
ويبدأون الحديث عن شوارع وقرى وحكومات واحداث مرّ عليها زمن طويل ..
واحيانا اخرى كان يحنّ الى اياّمه التي قضاها مع محروت بن هذّال وابيه واخوته عندما كانت مضاربهم في الرزازة والشريعة قبل انتقالهم الى عرعر , والى ايام صحبته لقبائل البدو وعشائرهم ورجالهم الذين كلّما اشتدّت قسوتهم على اعدائهم , كلّما استبدّ بهم الحنين لمعشوقاتهم وصارت قصائدهم تذوب رقّة . كنت صغيرا في تلك الأيام لم اتجاوز العاشرة من عمري وكانت الحرب مع ايران في بداية ايامها .
كان جدي حزينا ويشعر ان الحرب بدأت تسرق مابقي من اصدقائه واولاده واحفاده . كان يبكي بصمت , دون ان يجعلنا نشعر بألمه وحزنه بل كان يصعد الى سطح بيتنا ويصلّي العشاء , ثمّ يقول لنا نحن احفاده الكثيرون بعد ان يحكي لنا شيئا من حكاياته الجميلة : لا اريد احدا غير صلاح معي , كنت حفيده المدلّل والمقرّب وكنت احصل على حلوى كثيرة يخبّؤها في جيوبه الواسعة , ولكن كان يعجبه من امري انني اكتب في دفتر صغير كل ما اسمعه عنه من حكايات واشعار .
وكان اذا فرغ لنفسه وصار وحيدا يبدأ ينشد القصيد :
مدّيت للدنيا حبال طويلة
والدنيا حاشتني من غير حبال
جليب مايمتله من طل و نده
والحجي مايستوي من غير افعال
واذا تذكّر احد اخوته الذين ماتوا جميعهم في حياته , او احد اصدقائه الذين لايعلم اين تقطّعت بهم سبل الحياة ينشد :
الله ياغافر ذنوب المصلين
ياخير كل الأرزاق بيده
طير غدالي ياسكر يفضخ العين
صيده جلايل مايصيد الزهيده
اخوي لو شاف النشامى مجبلين
مدّ الفراش وصحفك النجر بيده
عنده دلال مثل رووس الشياهين
بهارهن والهيل يجلب صعيده
عندما توفي جدّي جاء ناس كثيرون لتعزيتنا بفقده وكان محروت بن هذّال وبعض من ابنائه ممن جاءوا الى مجلس الفاتحة , وكانت المرّة الأولى والأخيرة التي رأيتهم فيها . فلقد كان ابي يرددّ دائما : عندما مات جدكم اخذ كل الخير معه .
هذا الصباح شعرت بحزن كبير وانّا اعدّ اوراقي وموضوع البحث الذي سألقيه , شعرت ان جدي رغم ان الله توفاّه منذ عشرين سنه , غير انّه مازال موجودا معي بصوته الشجي وحنانه الكبير وحزنه الذي صار حزني
واحفاده الذين ماتوا في الحرب او تغرّبوا في المنافي بعيدا عن وطنهم وذكريات طفولتهم .
مودّتي لكم جميعا
صلاح