المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل ستكسب أمريكا هذه الحرب ???????????????????



بن لادن
12 Dec 2002, 12:37 AM
هل ستكسب أمريكا هذه الحرب

د. سفر بن عبد الرحمن الحوالي
4/10/1423
08/12/2002



والجواب بدون تردد: لا. لن تكسبها ولو جعلت العشر السنين عشرين بل قرنين. إن أمريكا يمكن أن تكسب حرباً عسكرية خاطفة أو طويلة. أما أن تكسب حرباً شاملة فلا. ومن هنا من ثغرة الشمول ينتقض بناؤها على أم رأسها. والسبب توضحه جلياً التجارب الكثيرة من الأمة الإسلامية في كل صراع تلوح فيه شعارات الدين، فلا شيء يستفز المسلمين أكثر من مس العدو جانب الدين أو المقدسات، وقد نمى الوعي الإسلامي بحيث أصبح استخدام الأجواء مساساً بالمقدسات فكيف والإدارة الأمريكية تستفز المسلمين بشعار كشعار "الحرب الصليبية" أو "تجفيف المنابع" وتظن أنها تمتص المشاعر الجياشة بأعمال من قبيل زيارة مركز أو إلقاء غذاء مع الصواريخ المتساقطة!!

إن شعوب العالم الإسلامي خاصة - وشعوب العالم عامة - تستريب من كل خطوة أمريكية وإن جاءت في الاتجاه الصحيح، فكيف وهي تسبح عكس التيار؟ فحين لوّحت بالاعتراف بدولة فلسطينية لم يأبه لها أحد، وحين ألمحت إلى تغييرات في الأنظمة العربية لصالح الديمقراطية وحرية الشعوب لم يصغِ لها أحد. أما حين تتحدث عن الحركات الجهادية في العالم باعتبارها إرهابية فإن المسلمين يتوقعون منها كل شر.

إن المواجهة بين أمريكا والعالم الإسلامي ستكون عنيفة للغاية ومدمرة، وسوف تحدث شروخاً هائلة في الوضع القائم ما لم تتراجع أمريكا عن خطتها الغاشمة وعدوانها المستمر، وهو ما لا يظن بها - على الأقل في المرحلة الراهنة – ومن هنا نرجو أن يكون هذا استدراجاً لها من الله مع كونه ابتلاءً وامتحاناً للمسلمين.

إن الله تعالى قد عَلِمَ حاجة هذه الأمة إلى اليقين والإيمان فجاء بهذا الحادث ليكون آية من عنده على ((أن القوة لله جميعاً)) وأنه تعالى قادر على أن يفعل بكل عدو للإسلام ما فعل ببني النضير الذين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب}

إن هذا الحادث أكبر من كونه هجوماً مباغتاً على قوة عظمى زلزلَ أركانها وأفقدها صوابها، إنه قلبٌ لكل المعادلات ونسفٌ لكل الحسابات التي بنى عليها الغرب الصليبي حضارته وسيطرته وأسباب قوته منذ 500 سنة واكثر أي منذ أن أخرج المسلمين من الأندلس وشرع في كشوفاته الاستعمارية الأولى.

فكل تلك المعادلات والحسابات والأسباب تقوم على التفوق العسكري والحضاري على الخصم في كل ميدان، وهو التفوق الذي بلغ ذروته في المرحلة الأخيرة، حيث لم يعد في إمكان العالم الإسلامي التفكير في مقاومة هذا العدو، الذي تأهل بالتقنية المتطورة ليصنع أشد الأسلحة فتكاً ودماراً، وتوحّد ليصبح معسكراً واحداً من حدود روسيا مع اليابان شرقاً إلى أقصى الجزر التابعة لأمريكا غرباً، وقد استنفد آلاف البلايين ليملك قوى جهنمية ومواقع استراتيجية وثروات طبيعية لا يقبل أن ينافسه أحد في شيء منها.

هذا والعالم الإسلامي يعيش عقدة النقص والتخلف فأنىَّ لـه بجيوش كهذه الجيوش وقوى وموارد كتلك القوى والموارد وهو فقير متخلف في أهم أسباب القوة المادية وهو "التقنية" وأنى له أن ينافس في شيء ما من الميادين والعدو متربص به يحصي أنفاسه ويمتص دمه.

إنها حال مؤلمة لا تبعث إلا على الإحباط واليأس وربما أنتجت شكاً في وعد الله وسوء ظن به بل تكذيباً لما جاء في كتابه – عياذاً بالله – ولكن هذا الحادث جاء ليقول للمسلمين والعالم بوضوح:-

إن القلعة الحصينة التي بناها الغرب في قرون يمكن اختراقها بالحمام الزاجل! وإن الجيوش الغفيرة يمكن هزيمتها بمئات من طالبي الجنة! وأن التقنية مهما تطورت لا يمكن أن تقاوم الروح المعنوية للمؤمنين.

جاء وأمريكا تعمل على قدم وساق لبناء منظومة صواريخ للردع الاستراتيجي، وأقمارها الصناعية ترصد ما فوق الأرض بل ما تحتها من الكنوز، ولكن روحها خاوية من الإيمان بالله مشبعة بالكبر والغطرسة فاستطاعت ثلة قليلة العدد من أبناء العالم المتخلّف أن تدوس أنفها في التراب على مرأى ومسمع من العالم المذهول المصعوق.

سبحان الله! أيّ آية في هذا وأيّ عبرة للمؤمنين؟

لو عقلت أمريكا هذه الآية لسارعت بطلب المغفرة من المسلمين وبادرت بالتكفير عن جرائمها الكبرى ومواقفها المشينة معهم، ولكنَّها – لحكمة عظيمة قدرها الله – ركبت رأسها وشرعت في عدوان من شأنه أن يجعل الملايين في العالم الإسلامي تتحول من حياة المتعة الرخيصة إلى طلب الشهادة على نحو ما فعلت تلك الثلة أو أكثر وربما بوسائل أخطر.

لقد انقلبت كل الخطط والمعايير والمعادلات والحسابات!!

وأصبحت الترسانة الهائلة من الأسلحة – التقليدي منها والنووي و... و... مما لا نعلم – أشبه بأكوام السيارات القديمة أو "الخردة". لقد تم تحييدها في هذا النوع الجديد من الحرب الذي لا يعدو أن يكون مبارزة بين قوى خارقة غير مرئية يملك المسلمون منها ما لانهاية لـه وبين القوى المادية التي يكتظ بها الغرب ولكنها هامدة خاوية لا روح فيها، فهي كالعملاق الضخم الذي يمكن لفيروسات قاتلة أن تنخركبده وهو يستعرض قوته في مصارعة إنسان أنهكه المرض وأجهده الجوع!

(1) أما نحن فلا أطيل بذكر قلة إفادتنا من الأحداث فهي لا تحتاج لدليل، وسبقت الإشارات إلى ذلك هنا ولكن التذكير بسنة الله واجب، والتدارك ممكن، والمؤمن مأمور بأن يدفع القدر بالقدر لا أن يعجز ويتواكل، والفرصة أمامنا كبيرة جداً لاستثمار الحديث في تقويم المسيرة واستكمال عدة النصر والتمكين.

فليسأل كل منا نفسه ماذا عملت؟ وليحرض إخوانه على العمل فهذا خير من الجدل والتلاوم، وها هي ذي إشارات نرجو أن تفيد في هذا الشأن:-

أولاً: يجب أن يكون هذا العدوان مصدر تفاؤل ورجاء لا يأس وخوف. وأسباب ذلك كثيرة سبقت الإشارة إلى بعضها، ومنها:-

أ - عدالة القضية: فالثبات على الموقف العادل نصر بذاته. والجندي المسلم يقاتل عن دينه وأهله من هاجم بلاده ظلماً وعدواناً، والعالم كله يشهد أن أمريكا تسرعت في الاتهام، وبادرت إلى العدوان قبل تقديم الأدلة. وقد صرح بذلك كثير من حلفائها. بل من عقلائها المنصفين. وهذا يبشر بانتقام الله من الظالم ولو بعد حين {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً}.

ب - البغي والغرور اللذان اتصف بها العدو: مستكبراً بقوته، متناسياً قدرة الله عليه، مثلما أخبر الله تعالى عن عاد الأولى: {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة؟ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة}.

د - كشف المنافقين ومرضى القلوب وعبدة الدرهم والدينار والوظيفة والجاه عند الخلق: وهذا خير عظيم، كما حدث يوم أحد ويوم الأحزاب. وما بقي إلا معالجة السماعين لهم من العوام، قال تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب}.

هـ - اتعاظ كثير من الدول المجاورة بما جرى في الأزمات السابقة، ورفضها أو تحفظها في المشاركة هذه المرة: وهذه خطوة جيدة في الطريق الصحيح، ودليل على أن إنكار المنكر يثمر ولو بعد حين، وأن الشعوب بيدها الشيء الكثير.

و - وضوح السبيل ونمو الوعي: وذلك من خلال إجماع العامة على الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين وإدراكهم لمخططات العدو الماكر، وهو ما كان مشوشاً في أزمات سابقة {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة} وقد أدرك العدو ذلك فأخذ زعماؤه يعتذرون وهم كارهون عن فلتات ألسنتهم بما يضمرون.

ز - افتضاح العدو وظهور زيف شعاراته عن الحرية والإنسانية والحضارة وحق الشعوب في تقرير المصير... الخ حتى في تعامله مع مواطنيه من المسلمين. فالآن {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر}.

ح - إيقاف زحف العولمة – ولو إلى حين – وهذه فرصة لالتقاط النفَس والاستعداد لمواجهتها بخطط مدروسة وبرامج محكمة. وقد يؤدي ذلك إلى تركيز الاهتمام على التعامل بين الدول الإسلامية فتكون خطوة ثم تعقبها خطوات بإذن الله.

ط - تجفيف منابع الفساد ومن أهمها السياحة في الدول الغربية، فالمعاملة غير الإنسانية للمسافرين والمقيمين وإن أصابت بعض الصالحين سينفع الله بها كثيراً من الطالحين الذين ينفقون سنوياً عشرات البلايين في أوكار الفساد ومباءات الفجور هناك. فالسعوديون وحدهم أنفقوا سنة 1420 هـ ما بلغ مائة وعشرين ألف مليون ريال!!

ي – إحياء بعض المعالم الشرعية المندرسة مثل فقه "دار الكفر" و "دار الإسلام" والراية والملاحم مع أهل الكتاب والإقامة في بلاد الكفر، والهدنة والعهد، وأحكام عصمة النفس والمال، وكذلك الأحكام المتعلقة بالتحالف أو الاستعانة بالمسلمين على المشركين، وما أشبه ذلك مما سيكون مادة خصبة للاجتهاد والتفقّه ووزن الأمور بميزان الشرع المطهر. ك – ظهور فتاوى محررة – جماعية وفردية – في أكثر بلاد المسلمين واهتمام الغرب بهذه الفتاوى وإقبال الناس عليها، مما يؤصل مرجعية أهل العلم في أمور الأمة