المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحث في اصل تسمية رفحاء



salah
20 Dec 2002, 09:32 PM
تحيات طيبات عليكم جميعا
اتمنى عليكم ان تمنحوا هذا الموضوع ما يستحقّ من الصبر لمطالعته , فهو محاولة للكشف عن السبب في تسمية رفحاء بهذا الأسم , ولقد استخدمت فيه مناهج مختلفة للوصول الى ما اراه يلامس معنى مفردة رفحاء . هذا البحث كتبته لينشر في دورية متخصّصة لذا فلقد حذفت منه عشرات الشواهد اللغوية والتاريخية وقمت بتبسيط منهجه الأكاديمي ولغته ليكون في مقدورنا جميعا مطالعته وابداء الرأي حوله راجيا من ادارة المنتدى تثبيته لمدة من الزمن ليكون في وسعي مناقشة نتائجه مع الباحثين ورواد موقعنا العزيز , كما سأذكر بعضا من المصادر دون الأشارة الى مظانها كاملة ( خشية من الأنتحال والسرقة ) ولأنني انشره في موقعكم قبل ان ينشر في الدورية المتخصصة , والجهد الذي بذلته وابذله لتنضيج نتائجه وتغليظ خطوطها العامة

سألتكم قبل بضعة شهور منصرمة : من اين جاءت تسمية رفحاء ؟
ولقد اجابني الأخ( ابو رزان ) بأنه اسم لأمرأة سكنت مع ذويها قرب جبل فأكتسب الجبل تسميته منها .. واكّد انها تكتب بطرق ثلاث ( رفحاء , رفحا , رفحه ) وكان لتأكيده هذا اهمية بالغة كما سنرى لاحقا وبعد مدة لفتّ انظار اخوتي في الموقع بضرورة الألتفات الى ما اورده العلاّمة حمد الجاسر في معجمه الجغرافي حول اصل تسمية المدينة , وبالفعل قرأت بعد مدة من دعوتي تعليقا لأخي الأستاذ حماد الرويان نسبه الى علامة الجزيرة حمد الجاسر مفاده ( انه اسم لبئر , وكان من قبل لقويرة صغيرة , ثم اضاف ذات التأكيد السابق من ان اسم رفحاء يعود الى امرأة كانت تقيم قرب جبل يقع في شمال غربي المدينة ولاحقا انتقل الأسم من الجبل الى المدينة التي انشئت قربه فصار اسم المدينة رفحاء )

هذا هو كل ما طرح من مبررات في اصل التسمية .
وفي الحقيقة ان تسمية المدن بأسماء الأعلام امرا ليس جديدا فكلّنا نعرف ان الأسكندرية انما انشئت في عصر البطالسة وهم خلفاء الأسكندر المقدوني ولقد سميت على اسمه وكذلك الأمر مع مدينة الأسكندرية في العراق قرب بابل , اذ كما هو معروف تاريخيا ان الأسكندر توفي في بابل بعد عودته من فتوحاته في آسيا الوسطى , وبابل ذاتها انما سميت بأسم اله سامي قديم ( باب ايل ) وتعني باب الله .. واثينا عاصمة اليونان هي اسم الهة اغريقية .. وتكريت انما يرجع اسمها حسب الأخباريين العرب الى امرأة عربية اقامت في هذة البقعة من الأرض , بالرغم من ان مفردة تكريت هي مفردة آرامية _ سريانية اصلها ( بيث تاكورتا ) اي بيت التجار لأنها كانت تقع على طريق تجاري قديم فأتخذها التجار مكانا لأقامتهم , وذات الأمر مع تسمية السعودية نسبة الى آل سعود الذين بدأوا في عمل جسيم بتوحيد المدن والأرباض ابتداء من قرية الدرعية التي تقع اطلالها قرب الرياض . ومدينة الأعظمية نسبة الى ابي حنيفة ( الأمام الأعظم ) ودواليك .
لا اطيل عليكم الأمثلة بل اردت التأكيد على ان مجرد ايمان البعض من ان مفردة رفحاء يرجع الى اسم امرأة , فأن في هذا تكريما كبيرا للمرأة واشارة صامتة بأهميتها وعظيم شأنها تبعث في النفس اعتزازا بالغا ( خلّي يفرحن اخواتنا في الموقع المرجوجة والحلوة ام قصّة وام احمد وحنان وسوسو والأصيلة والمزيونة والأخريات ) .

ولابدّ من الأشارة , وان كانت اشارة سريعة الى انّ الكتابات المسمارية ( وهي الكتابات التي خلّفها لنا السومريون والأكديون واقوام الشرق القديم الأخرى ) احتفظت لنا بأسم ملكة اسمها ( زابيتي ) كانت تسمّى ملكة العرب وهي معاصرة للملك الآشوري ( تحلا تبليزر الثالث ) في حدود عام 745 قبل الميلاد اي قبل حوالي 1400 سنة قبل الأسلام , وكان ملكها يمتدّ في المناطق التي تشكّل مثلثا من تيماء نزولا حتى صحراء النفود التي هي امتدادا ببادية السماوة وبادية الشام والتي تقع رفحاء في اقصى شمالها الشرقي .

وارى الى ان مجموعة من مدن المنطقة الشمالية الواقعة ضمن حدود امارة عرعر وما جاورها , التي تنتهي بألف مطلقة انما ترجع في امتدادها الزمني الى تلك العصور , لأن الف الأطلاق في بعض اللغات السامية ( الجزيريّة ) القديمة تناظر الف ولام التعريف في اللغة العربية .. واسوق مثلا لذلك اسماء المدن والمناطق التالية : لوقا , وهو اسم علم سامي قديم كان معروفا في شمال الهلال الخصيب , وايضا منطقة لينا ومنطقة بدنا وبئر الحبقا .. وهذه المناطق والأمكنة كما تشاهدون تنتهي بألف مطلقة , وهي علامة التعريف بألارامية والسريانية . ومن الضرورة بمكان التأكيد على ان موطن الأقوام الآرامية قبل هجرتهم الى شمال الهلال الخصيب يقع في المناطق موضع بحثي هذا اليوم كما يؤكد علماء الآثار والحفريات والحضارات القديمة .

وارجع الأن الى اصل مفردة رفحاء فأقول : انني ورغم بحثي المتواصل في المعاجم العربية , لم اجد اثرا للجذر الثلاثي لهذه المفردة ( رفح ) سوى ما ذكره ابن منظور في لسان العرب وكتاب النهاية لأبن الأثير , وقال ( كان عليه السلام اذا رفّح انسانا قال بارك الله عليك ) وفي حديث عمر رضي الله عنه لمّا تزوّج ام كلثوم قال : رفّحوني رفّحوني .. اي قولوا لي ما يقال للمتروّج . وهذا المعنى الذي عالجته معاجمنا لا يؤدي الغرض اللازم لمعرفة اسم المدينة الحالي الذي ارتبط بأسم علم لفتاة او اسم لبئر .

عندها فكرت بمعالجة المفردة من خلال اللغات السامية ( الجزيريّة ) القديمة والتي نشأت قبل آلآف السنين بين الأقوام التي استوطنت الجزيرة منذ عصور موغلة في القدم , وقبل ان افعل ذلك اردت ان اعرف كيف نطقت تلك الأقوام التي سكنت شمالي الهلال الخصيب مدينة ( رفح ) والتي تقع كما لايخفى عليكم في فلسطين : ففي الكنعانية نطقوا رفح ب ( رفيا ) وفي العبرية ( رفّيح ) وعند الأشوريين ( رفيحو ) اما عند قدماء المصريين _ الفراعنة _ فلقد نطقوها ( روبيهوني ) ونطقها اليونان ( رافيا ) ولقد عاملوها كأسم مجرد لا يشتمل على معنى في ذاته . ومعروف ان اقواما عديدة كانت تنقل اسماء مدنها القديمة في مواطنها الجديدة التي تنتقل اليها .. وهذه الحالة لا تختصّ بها جماعات سكانية دون اخرى فلقد عرفتها الأقوام القديمة كما عرفتها الأقوام في العصور الحديثة وتكون في الغالب متزامنة مع الهجرات السكانية الكبرى او الغزوات والفتوح .. فكربلاء مثلا مدينة آشورية وان واحدا من اسمائها نينوى , ونينوى هي احدى عواصم الأشوريين وتقع في شمال العراق ولكن البعض من الآشوريين الذين استوطنوها ارادوا ان ينقلوا جزءا من ذاكرتهم معهم , فكان ان نقلوا اسم عاصمتهم الى المدينة الجديدة التي حلّوا فيها . ومن الأمثلة الحديثة على هذه الظاهرة ما نشاهده في مدينة نيويورك حيث انها تعني ( يورك الجديدة ) لتذكّر المهاجرين الذين استوطنوها بمدينتهم القديمة ( يورك ) الأنجليزية , وكذلك احد احيائها المعروف بأسم هارلم فهو اسم لمدينة هولندية عريقة , والأمثلة على ذلك كثيرة .
وعلى المستوى الشخصي استبعد هذا الأفتراض لعدم شيوع مفردة رفحا في المصادر التي تناولت صفة الجزيرة وطوبوغرافيتها رغم كثرتها ورغم العديد من الخرائط التي توفّرت عليها بقصد ارشادي الى السقف الزمني لهذه التسمية , ولكني قد اتناوله في سياق أخر ومن زاوية لسانية مقارنة انشاء الله .

وهناك احتمالات اخرى لأصل مفردة رفحاء عالجتها من خلال ما يسمّى في فقه اللغة ب ( القلب اللغوي والأبدال ) بأنواعهما . وهذا ما سأدوّنه غدا بأذن الله
لذا فما امامكم اليوم هو القسم الأول من هذه الدراسة التي ارجو تثبيتها وجمع حلقاتها القادمة في مساحة واحدة .
مع خالص مودّتي لكم جميعا

صلاح

salah
26 Dec 2002, 09:30 PM
تحيات طيبات عليكم , اعود لأكمل ماكنت قد بدأته في الجزء الأول وقبل دخولي الى متن الموضوع , اريد التأكيد على انّ ما اكتبه من رأي هو محض محاولة في الوقوف على اصل مادة رفح في التراث المعجمي العربي والسامي في محاولة للوصول ان كانت هي ذاتها اصل تسمية رفحاء ؟

ولأنها المحاولة الأولى من نوعها فلا اعفي نفسي من الخطأ ومفارقة الصواب اذا ما رأيتموه , انه اجتهاد شخصي , ان اصبت فلي اجران وان لم اصب فأجر واحد وحسبي هذا .

اعود ثانية فأقول , عندما نقول ( حماد الرويان ) فهل يجب التعامل معه كأسم علم لا يحمل معنى في ذاته ؟
لا ابدا .. فحمّاد اسم علم على وزن فعّال , وفعّال من اوزان وصيغ المبالغة في اللغة العربية كقولنا : همّام و هذّال و عمّار ...
وجذره الثلاثي ( حمد ) وحمد جذر سامي مشترك ( اي انه موجود في اكثر من لغة جزيريّة قديمة كالعربية والأرامية والبابلية والآشورية والعبرية والكنعانية والفينيقية والعربية الجنوبية والحبشية ...... )

ولقد ورد جذر ( حمد ) للمرّة الأولى بصيغته الثلاثية في التوراة الكنعانية كأسم علم لشخص يحمل مظاهر مقدّسة , وكان هذا قبل ظهور الأسلام بأكثر من 1500 سنة , ولقد خشي من ذلك احبار اليهود لعلمهم ان اسم حمده لرجل ليس من العبران وله شأن روحيّ ولاهوتيّ كبير , لذا حاولوا طمسه ومحوه من التوراة , وهذه اشارة عظيمة الى النبي الكريم محمد ( ص ) وهذا الأمر معروف بين جماعة من علماء اللاهوت ومعروفة ايضا المحاولات التي بذلت لأمحائه وطمسه .
وهنا اريد ان الفت نظركم الى ان الأقلاب في جذر حمد يمنحنا ذات النتيجة ( حمد = مدح ) . لأنني اليوم في معرض الحديث عن القلب اللغوي , وهنا سأحاول ان اعطيكم تصورا عن الأقلاب واثره في العملية الأشتقاقية ,
اوّل من تعامل مع الأقلاب كفنّ اشتقاقي في اللغة العربية هو ابو الفتح بن جني في كتابه الخصائص وسمّاه ( الأشتقاق الأكبر )
ولكن اوّل من عمل به كان استاذه ابو علي الفارسي , اذ كان يستعين به على معرفة اصول الكلم , ومن يعرف كتاب العين للفراهيدي وهو اوّل معجم وضع في اللغة العربية في بدايات عصر التدوين ( توفي الفراهيدي عام 175 هج ) , سيجد انه استخدم في كتابه اسلوب تقليب الجذر الثلاثي على وجوهه الستة والأشارة الى المستعمل منه في كلام العرب وكذلك الى المهمل اي الذي اهملته المعاجم العربية .

فمثلا مادة ( كلم ) فيها خمسة تقاليب مستعملة وهي ( كلم , كمل , لكم , مكل , ملك ) وجميعها تدلّ على القوّة والشدّة اما تقليبها السادس ( لمك ) فقد اهمل لأنه لم يأت في ثبت . وذات الأمر مع مادة ( رفح ) فتقاليبها المستعملة هي : ( رفح و حرف و فرح و رحف و حفر ) وفيها تقليب واحد مهمل وهو ( فحر ) وهي تدلّ على التحوّل والتبدّل من من البعد والتفرّق الى الجمع والألتئام .
فرفح الحاء فيها مبدلة عن الهمزة , اي رفأ والرفاء هو الألتئام والأتفاق والبركة , ورفأ تزوّج والزواج هو الألتئام الذي يحصل بعقد يشتمل على القبول والأيجاب بعد التفرّق والبعد اما ( حرف ) فهو الطرف والجانب وبه سمّي الحرف من حروف الهجاء , فهو لا ينبذ ما فيه من بعد الاّ اذا جمعته الكلمة بين ثناياها فيصبح دالاّ على الشيء بأجتماعه مع غيره , من البعد والأفتراق الى الجمع والألتئام وكذلك ( حفر ) فالحفر هو مفارقة السطح الى العمق , وفي العمق تكمن فائدة الحفر بالوصول الى الماء , وهنا يصنع الحفر الماء الذي هو البركة و ( الفرح ) هو مفارقة الحزن والأبتعاد عنه الى الجذل والبهجة التي فيه, اما ( رحف ) فعن ابن الأعرابي : ارحف الرجل اذا حدّد سكينا او غيره , يقال ارحف شفرته حتى قعدت كأنها حربة , اي صارت , ولا بدّ من انكم لاحظتم التبدّل الذي تحيلنا اليه صيرورة السكين الى حربة ليمنح السكين حالة اخرى من التماسك والقوّة لما اجتمعت به الرهافة , ويرى الأزهري ان الحاء في ارحف مبدلة عن الهاء والأصل ارهف, وسيف مرهف ورهيف اي محدّد .

واودّ في هذا المقام التأكيد على انّ ظاهرة الأقلاب , ظاهرة سامية ( جزيرية ) ولا تختصّ بها العربية وان كانت اكثر غنى واقدر على الأشتقاق والتوليد , فكلنا سمعنا عن عمرو بن معدي كرب وهو من الفرسان و الشعراء المخضرمين , اي ممن ادرك الجاهلية والأسلام , وهو صاحب الصمصامة ( سيفه ) , فهل نمنح انفسنا فرصة لنتأمل اسم ابيه ( معدي كرب ) ما معناه ومن اين جاء ؟
معدي كرب اسم علم مركّب تركيبا اضافيا وهو جملة اسمية تامّة تعني في العربية الجنوبية ( غنيمتي بارك ) وهو خطاب موجّه الى الآلهة لتبارك ما يغنمه من اعدائه . وهنا نرى ان مفردة كرب ادّت معنى ( برك ) وهو جذر المباركة بالأقلاب اللغوي , وكذلك الأمر مع مفردتي : ( جذب و جبذ ) بمعنى سحب و ( اضمحلّ و امضحلّ ) وكلّها تؤدي ذات المعنى او من ذات الوحدة القرابية بين المعاني .
وهناك ايضا ما يعرف بالأقلاب الذي تتوافق فيه لغتان واحيانا اكثر كما في العربية والعبرية او العربية والآرامية والأرامية والأشورية ..... ولتمثيل هذه الحالة سأكتفي بأمثال قليلة للأشارة الى الظاهرة دون الولوج في تفاصيلها , فمثلا مفردة سوسن يقابلها في الأكدية ( سسنو ) ومفردة اسار وهو القيد في العربية يقابلها في الأرامية ( اسرا ) ومفردة ركع تقابلها مفردة ( كرع ) بالعبرية وتؤدي معنى الركوع ايضا.
اما الأقلاب بأسماء المدن والأمكنة فسأكتفي بمنطقة عسير , فهناك مكانان مقلوبان عنها وهما ( سعير ) في وادي ادوم , والمكان الآخر بذات الأسم ايضأ ( سعير ) وتقع في جنوبي منطقة الصحن التي تتصل بالمعانية , وتقع في اقصى الطرف الغربي من بادية السماوة وتمتد الى حتى تتصل بأقصى الطرف الشرقي من صحراء النفوذ حيث تقع رفحاء . وسعير وعسير مفردتان تعطيان معنى الشدّة والعسر , وربما سمّيت سعير بهذا الأسم لحرارتها اللافحة .

اخلص من كل هذه الأمثلة ومختلف الظواهر اللغوية والجغرافية التي حاولت بيانها لكم , ومن اسماء جمهرة واسعة من اسماء المدن والأعلام والألفاظ في المعجمية العربية والسامية , وبعد ان وازنت وقارنت بين مختلف المقدمات التي عرضتها , ان مفردة ( رفحا ) هي مقلوب مادة ( حرف ) والألف قد تكون من بقايا لغوية كانت شائعة في هذه المنطقة , كما في مناطق لوقا وبدنا وبئر الحبقا , ولا استبعد ان تكون موازية لألف ولام التعريف كما وضّحت لكم في الجز الأول من البحث , اما كتابتها مع اثبات الهمزة في نهايتها اي ( رفحاء ) فهو لزياة تفصيحها وتعريبها كما هو الأمر مع مدينة تيماء التي نطقها الآراميون ( تيمو ) وعثر على صيغة اخرى لنطقها في الكتابات التدمرية وهو ( تيمي ) وذات عملية تفصيح اسماء المدن القديمة يمكننا ان نلمسة في اسم مدينة ( الوركاء ) التي كان اسمها في الكتبات السومرية والبابلية القديمة ( اور و احيانا اوروك ) .

ان جذر ( رفح ) وبعد اخضاعه لمبدأ القلب اللغوي في علم الأشتقاق استخرجنا منه جذر ( حرف ) الذي يعني الطرف والشفير والحدّ , ولا يؤدي الحرف معنى الجانب وحسب بل وايضا الوحدة والتفرّد . ففي قوله تعالى ( ومن الناس من يعبد الله على حرف ) الحج -11 اي على وجه واحد , وفي معنى التفرّد الذي تحيلنا اليه المفردة فسأضرب مثلا بالجمل , اذ ان الحرف من صفات الناقة ففي كتاب الأبل يذكر الأصمعي انها الناقة المهزولة ويرى الصغاني في كتاب العباب الزاخر ان الحرف هي الناقة الضامرة تشبيها لها بحرف السيف , وكذلك الناقة العظيمة يشبّهونها بحرف الجبل اي طرفه , وفيها قول لذي الرمة :
جماليّة حرف سنادها يشلّها .... ( الديوان 1 _ 471 ) . وكما ترون فأن هذه الصفات تشمل الناقة اذا تفرّدت في نعت ووصف مخصوص بها .
كذلك اريد ان اشير الى ان رفحاء شهدت احداثا تاريخية كبيرة وتعاقبت عليها اقوام عدّة . ففي عملي على الأطلس التاريخي الذي اعدّه الدكتور حسين نصّار والبحث القيّم الذي انجزه الدكتور طه الهاشمي قبل نحو نصف قرن ومن خلال متابعتي لمسير الجيوش الأسلامية ابان حرب الفتوح استطعت ان اتبيّن مرور مجموعة من الجيوش والسرايا خلال الأرض التي تشغلها رفحاء . ولوجود آبار الماء في ( قارتها ) اي في حرف جبلهاالذي يقع في شمال غربي المدينة , فليس من المستبعد ابدا ان تكون الجيوش التي قطعتها قد اقامت لبعض الوقت وتزوّدت بالماء قبل متابعة مسيرها , خصوصا وان الوصول الى رفحاء كان قد تمّ بعد ان قطعت جزءا كبيرا من صحراء النفود الكبرى . وبأمكاني التأكيد على ان الجيش الذي خرج به سعد بن ابي وقاص يريد العراق قد مرّ بها , وكذلك جيش خالد بن الوليد بعد عودته من الأنبار لفتح دومة الجندل , ومن هنا نشأت التسمية , اي من الآبار التي تقع في حرف الجبل , وقد تكون اعمق تاريخيا , اي ان تكون التسمية من وضع اقوام اخرى استقرت في المنطقة او نزحت اليها من مناطق مجاورة , ومع تقاطر السنين والألسنة والأقوام ومع عمل المخيال الجمعي والذاكرة الشعبية تحوّلت المفردة من حرفا الى رفحا .

ولكي ادفع الرأي الذي ذهبت اليه سأقوم الآن بتعزيزه جغرافيا , فكما علمنا ان الحرف هو الطرف والجانب , فسيكون لموقع رفحا منذ القدم في طرف ( حرف ) الحيرة واحلافها , اي لخم وشيبان وتمتدّ احيانا لتشمل بكر وربيعة , ربما بعض الأثر في نشوء التسمية , كذلك فأن رفحا تقع في طرف الجزء الشمالي الشرقي لصحراء النفود , وايضا فأن موقعها يجمع طرفي الباديتين الكبيرتين السماوة والشام , والطرف كما رأينا هو الحرف والجانب والحدّ .

والرأي الثاني الذي اذهب اليه والذي يعتمد عليكم انتم سكانها واهلها لأقراره او نبذه وتركه , فعند بحثي قبل اشهر في معنى مفردة ( رفحا ) افترضت انها قد تكون اسما لنبات من نباتات البرّ والبوادي , فأخذت اراجع المصادر الأوربية والعربية سواء الحديثة والموروثة , وللأسف لم اقع على اسم نبات له شبه بجذر ( رفح ) ولكني وقفت على نبات آخر وهو ( الحرف ) بضمّ الحاء وقرأت عنه ما توفّر لديّ من معاجم وكتب النبات والطب كمفردات ابن البيطار وقانون ابن سينا وقالوا في صفته : الحرف هو حب الرشاد , واضاف الأزهري انه حب كالخردل , اما ابن سينا فقال عنه انّه شديد الحرافة , والحرافة هي الطعم الحار اللاذع , وذكر معلومة وجدتها تقترب بعض الشيء مما اريد اذ اكّد ان الحرف نبات برّي , اي ينمو في البرّ ويستخدم في تركيب علاجات كثيرة للشعر المتساقط وللورم البلغمي ويستعمل مع الماء والملح ضمادا للدماميل وهو ينفع من عرق النسا , فأذا كان هذا النبات مما ينتشر في رفحاء او برّها او ما جاورها من مناطق واراض فقد يكون تعزيزا آخر للرأي الذي ذهبت اليه من ان الأصل في تسمية رفحا هو الحرف خصوصا وان معاجمنا تخلو ( تماما ) من هذا الجذر بالمعنى الذي يدلّ على المدينة .

اشكر لكم صبركم على مطالعة هذا الموضوع رغم العناء والتعب الذي قد ينالكم منه , ولكنه رأي حاولت ان ادعمه بما توفّر لديّ من رؤية ومصادر مختلفة وبصيرة . وارجو ان اجد من يناقش النتائج التي توصّلت اليها لنبلغ الغاية التي تهمّنا جميعا , وهي الأصل في تسمية هذه المدينة الطيّب اهلها , ومن اراد التحقّق من ايّ ومعلومة ذكرتها , فما عليه سوى ان يراسلني برسالة خاصة وسأذكر له المصدر مشفوعا بمكان وسنة طبعه ورقم المجلد والصفحة ,

اخيرا اهدي هذا الجهد الذي استغرق مني عشرات الأيام والساعات والمصادر لرفحاء واهلها الذين حللت عليهم ضيفا منذ سنين خلت . مع غاية مودّتي لكم جميعا

صلاح

همّام
26 Dec 2002, 11:52 PM
الاخ / صلاح
اشكرك على هذا الجهد الطيب والبحث المضني لجمع هذه المادة العلميه
امتعتنا فيها بمعلومات مفيده

واحب أن أضيف أن نبات الرشاد مما يكثر في المناطق الشمالية
وقريبا من رفحاء هناك أماكن مثل (نقذة , الرديفة , ...)
يكثر فيها الرشاد بشكل ملفت للنظر .

واكرر شكري لك و لتواصلك معنا

salah
27 Dec 2002, 12:40 AM
اخي العزيز همّام

تحية طيّبة . اشكرك على تواصلك معي وسعيك الحثيث لتوضيح ما خفي عنّي , فلقد انتبهت الى ان ابن سينا وابن البيطار ذكرا ان نبات الحرفا مما يكثر في البراري , فحاولت التعرّف على صفته وهيئته التي يكون عليها ومن ثمّ دخوله في ( علم الصيدنة ) كما يسمّيها البيروني وليس ( الصيدلة ) , وها انّ ملاحظتك الثمينة التي اكّدت وجود الرشّاد في رفحاء والمناطق التي تحيطها دفعتني لتعزيز مقولاتي السابقة , واذا ما حصلت على تأكيدات اخرى فأنني اعتبر النتيجة التي انتهيت اليها نتيجة مقبولة وهي اقرب الى الصواب اشاء الله
مع مودّتي الكبيرة واستعدادي الدائم لخدمة اهلنا وموقعنا

صلاح

الملك الضليل
27 Dec 2002, 04:59 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاخ / صلاح

سبب تسمية رفحاء يعود لبنت اسمها رفحاء و كانت تخدم اباها الطاعن بالسن وتجلب الماء من اماكن بعيدة . وعندما توفيت هذه البنت البارة بابيها دفنت بقارة سميت باسمها لاحقا . فسميت القارة باسمها وعندما نشات مدينة رفحاء مع بداية خط الانابيب ( التابلين) سميت بهذا الاسم تقديرا وعرفانا من اهل الشمال الاوفياء لهذه البنت البارة .
والله اعلم.

لي ملاحظة على قولك تحيات طيبات ‍‍‍‍‌‌‍... يا ليت لو استبدلتها بتحية الاسلام. كما لاحظت تعاليك بمنهجك الاكاديمي .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخوك / الذيب الاحمر

salah
27 Dec 2002, 07:24 AM
وعليكم السلام اخي الذيب الأحمر
لو اعدت النظر في الموضوع ثانية لوجدت انني ذكرت سبب التسمية التي ذهبت اليها انت , ولقد اجابني عنها اخوتي في الموقع ( ابو رزان والدب الداشر و حماد الرويان ) كما اوردها علامة الجزيرة حمد الجاسر في معجمه الجغرافي . ولقد ذكرت هذه الأراء مجتمعة ونسبتها الى اصحابها بأمانة. وبأمكانك مطالعة الجزء الأول لترى بنفسك .

ما اريد الوصول اليه : ان كل اسم او مفردة تحمل دلالة في ذاتها ولا يمكن ان تكون هناك مفردة مفرّغة من الدلالة , وضربت مثلا بأسم اخي حماد الرويان في القسم الثاني من البحث لتأكيد هذا الأمر .
اما بالنسبة الى رفحا فأن المعاجم العربية على غزارتها والكتب الأمهات على بالغ ما تحمله من ثروة لغوية , لم تذكر جذر ( رفح ) الاّ وكانت حاؤه مبدلة عن الهمزة .. اي رفأ وليس رفح ولقد اوردت شواهد من السنّّة الشريفة لأسند رأيي . وارجوك حاول بنفسك , فأن وجدت هذا الجذر غير مبدل عن الهمزة فتكون عندها قد اسديت خدمة لنفسك ومدينتك لا يبلغها الثناء .
ولقد عملت بأخلاص لأصل الى النتائج التي رأيتها بنفسك , وليس مهما ان تتفق معي , بل يهمّني اكثر ان تختلف , لأنك بأختلافك ستضيف اليّ ما اجهله ,

اما المنهج الأكاديمي , فأنا اقرّ لك بهذا واعتذر عليه اشدّ الأعتذار ,
رغم انني حاولت تبسيطه وتخليصه من عشرات الشواهد , ولكن لا حيلة لي مع الجفاف الذي يقترن بالبحث الأكاديمي . .. ماذا افعل ؟
ليس في الأمر تعاليا على احد والله على ما اقول شهيد .

اما ( تحيات طيبات ) فأحيلك الى سورة النور الآية 61

اشكر لك وقوفك على المادة وقراءتها .. اخي العزيز

صلاح

الأصيله
28 Dec 2002, 10:08 AM
الاخ صلاح الله يعطيك العافيه
مجهودك واضح في البحث والاشتقاقات اللغويه
واضفت لنا معلومات مفيده واسلوب في البحث راقي

salah
28 Dec 2002, 10:39 PM
اختي العزيزة الأصيلة اشكر لك وقوفك على المادة وحرصك الجميل على قراءتها رغم المشقّة والعناء .
بذلت ما اقدر عليه من جهد , واتمنى ان اكون قد وفّرت لكم مادة تستحقّ المتابعة والنقاش حول نتائجها

اشكرك ايضا وايضا

صلاح

هرطمان
31 Dec 2002, 02:11 PM
عفيه عليك اخوي صلاح

مادة ممتازه وبحث حلو

مشكور ما قصرت:cool:

salah
01 Jan 2003, 02:52 AM
اخي العزيز الهرطمان تمام السلام عليك
اشكرك على كلماتك الرقيقة والجميلة والتي ستكون بلا ادنى شكّ دافعا للأستمرار والتواصل مع هذا المنتدى واهله

ودمت لي اخا وصديقا

صلاح

ابو مصعب
04 Mar 2003, 04:17 PM
كل من تربى في بلد يعشقه ويشتاق اليه حيث الذكريات والايام والليالي حلاوتها والمر منها ولــــــكن رفــــــحـــاء غـــــــيـــــــرر


لو خيروني بين رفحاء وباريس$$$ لاختار رفحاء لو على قص رقبتي


( شاعر منتكس شعرياً)



:p

salah
04 Mar 2003, 07:16 PM
العزيز ابو مصعب
سلام عليك .. طبت
صدقت والله
عشتُ في رفحاء ثلاث سنين وما زلت احنّ اليها والى اهلها
.. ورغم ان عملي في هولندا وفّر لي فرصة ان ارى اكثر العواصم والمدن الأوربية ,, الاّ ان لرفحاء و لمدينة طفولتي منزلة لا تقارن ولا يمكن ان تدانيها مدينة اخرى وان كانت باريس , التي لو رأيتها لأدركت انّ قلبها من حجر

.. ان لمدننا يا ابا مصعب قلبا دافئا يحتضن الغريب قبل القريب

دمت لأخيك صلاح

فاهم
11 Mar 2003, 04:25 PM
الله يعطيك العافية
رفحاء كما قال احد الاخوان هي نسبة لعجوز اسمها رفحاء

رهج السنابك
15 Mar 2003, 01:37 PM
بارك الله فيك اخي صلاح على كل ماتبذله من جهد