المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وبعد سنوات الفراق ، لازلت أردد : رحمك الله ياعمَّاه ... !



الباحث عن الحق
22 Apr 2007, 08:11 AM
لم يغمض لي هذه الليلة جفن ؛ ولم يرتح لي هذا اليوم بال ، عبرة في العين تكاد تخرج ، وشوق عجيب أجده في نفسي لعمِّي الراحل منذ قرابة العشر سنوات ، هذا الرجل الذي أحبه حبًّا كبيرا جدًّا ؛ لاأخفي - يشهد الله - أني أحبه أكثر من والدي وأخوتي ؛ وكل من خفق قلبي حبا له في هذا الزمن ، شمعة في حياتي انطفأت أمام عيني ، وسراج كان يضيء لي شيئا ليس بالهين من طريق السعادة قد خبا على مرأى ناظري .

رحمه الله تعالى ... !

لي ذكريات جميلة لاتنسى مع هذا الانسان ؛ كيف لاأنسى تلك الرحلات التي يأخذني فيها معه ؛ عاش شريفا يعيش وأهله من عمل يده ؛ كان يعمل سائقا لـ ( تريلة ) أو شاحنة الحمولة ؛ متعهدًا لجلب الأعلاف من شعير ونحوه من المنطقة الشرقية إلى منطقتنا ؛ فطلبت منه أن أرافقه ، لكنه رفض خشية علي من قسوة السفر ، ومع الإصرار والبكاء والإزعاج وواسطات الوالد والوالدة والجدة والجد ... والعائلة الكريمة ؛ وافق - رحمه الله تعالى وطيب ثراه - على أخذي معه ، وبدأت معه رحلات جميلة ؛ صارت اليوم ذكريات يحتويها قلب يخفق شوقا لمرأى هذا الرجل ، وحنين يحز في الفؤاد .

كان طوال الطريق يجعلني على السرير العلوي خلف السائق ، وقبل أن ننطلق ؛ يذهب إلى الجمعية ويشتري مالذ وطاب من الحلويات والفشار ومجلات الأطفال وكل مايسلي طفلا في مثل سني ( كنت في أوائل المرحلة الابتدائية ) ، ثم ننطلق في رحلتنا من منطقتنا إلى المنطقة الشرقية ؛ كان - رحمه الله - يؤنسني بحديثه وكلامه وطرافته ؛ وكنا نستمع إلى الراد ( الراديو ) ونستأنس بجميل البرامج الإذاعية ؛ فلا ملل في الطريق ، وحين نصل إلى الدمام ؛ يذهب بالشاحنة إلى المصنع لكي يتم التحميل عليها ، ونذهب نتجول بالأجرة في المدينة ، من البحر إلى الأماكن الترفيهية إلى أرقى المطاعم البحرية وأطيبها ، إلى مقابلة من نعرفهم من أقارب ... سقى الله تلك الأيام الجميلة .

وهكذا في جميع الرحلات التي آخيته فيها ، كان نعم الأنيس - رحمه الله تعالى - .

مشاهد أخرى تعرض أمامي ، أرى فيها طفلا يتجه إلى منزله شاحب الوجه ، مرتعد الفرائص ، غمره خوف عظيم ، قد علق شنطة المدرسة على ظهره ، ويحمل في يده المتراخية من الخوف تقرير المدرسة الابتدائية الشهري ؛ وفيها مايخفض الرأس ، ويحل المصيبة على رأس والده ووالدته ، وفيه مايجعل أيدي الوالد والوالدة تنهال عليه بالضرب الشديد ، ولماذا لاتضربه ؛ وقد نال علامة الممتاز الكاملة إلا في مادة واحدة قد نال فيها 14 من 15 !! يالها من مصيبة ؛ فلا يجد الطفل إلا أخته لتذهب بالتقرير إلى الوالدين ، أما هو فيتجه إلى المخزن في الدور الثاني من البيت ويختبئ بين الخزائن والتحف والفرش القديمة ؛ وقد بلغ منه الخوف والقلق والرعب مبلغا عظيما ، ليفاجأ بعد وقت طويل بصوت رقيق يناديه باحثا عنه ، وليزيده اطمئنانا فإنه يعده بألا يلمسه أحد نهائيا ؛ فيقفز الطفل من مكانه متجها بسرعة إلى مصدر ذلك الصوت ؛ فإذا عمُّه الحبيب الرقيق يضمه إليه ويرفعه ؛ ولايني يخفف عنه الرعب الذي أصابه ، ويدفع عنه الخوف ، ويذهب به إلى أمه التي تشتعل غضبا ، وإلى والده الذي يكظم غيظه ؛ ويأخذ منهما الوعود الإلزامية بألا يصيب حبيبه الثائر الصغير أي مكروه ؛ فيذهب الخوف ، ويطمئن الطفل ..... حرم الله النار على ذلك الوجه الصبوح .

عاش عصاميا يأكل من تعب يده ، لم يركب السيارات الفارهة ، ولم يسكن القصور ؛ بل وحتى لم يمتلك بيتا ؛ ومع قلة ذات اليد إلا - وأشهد الله على هذا - أنني لرهبتي من أبي لم أكن أطلبه ، فكنت أذهب إلى عمي ، فيدخل يده في جيب الصدر ويقدم لي مافيه ؛ عشرة ريالات ، خمسين ريال ، مائة ... لم يكن يهتم أبدًا ، وكم عاتبه والدي على هذا فلم يكن يهتم ولايبالي ، كانت سيارته ( galant ) غمارة واحدة ، قديمة جدا وبالكاد تمشي ... ، لاأنسى ذلك الموقف الذي حصل معي قبل أشهر وأثر فيَّ بشكل كبير ؛ حيث كنت أمشي بسيارتي المرسيدس في مدينتي وقت الظهيرة ، فتوقفت فجأة ، وحاولت جهدي لأشغل المحرك ففشلت ، وكان الجو حارًّا جدًّا ؛ فنزلت من السيارة وركلتها برجلي ، ثم اتكأت عليها ، وحانت مني التفاتة سريعة نحو مبنى قريب لازال قيد الانشاء ؛ فلمحت سيارة عرفتها بسرعة فاتجهت إليها ؛ فإذا هي سيارة عمي - رحمة الله عليه - ، وقد مر على وفاته تسعة سنوات ، وإذا السيارة عليها شعار احدى المؤسسات ..... إنها هي ؛ سحبت نفسي إلى سيارتي وركبتها ، وأخذت أنتفض بلاوعي من البكاء الشديد ، رحم الله ذلك الوجه وحرمه على النار .

كان دائمًا مايأخذ جدي ( في التسعينات من عمره ) وجدتي أيضا ويتجول بهما في البر من الصباح حتى الليل ؛ أذكر رجوعهم إلى البيت في وقت متأخر وقد انشرحت صدورهما ، قبل مدة كنت جالسًا عند جدي - أطال الله عمره بصحة وعافية وطاعة - فتنهد عميقا وذكر أن عمي - رحمه الله تعالى - دخل عليه يومًا في احدى أيام رمضان ، واقترح عليه بأن يفطرا في البر ؛ فوافق جدي ، يقول : فأخذنا فطورا ( دَسِمًا ) وخرجنا للبر وأفطرنا ثم صلينا . دمعت عين جدي حين حديثه وأخذ يردد : الله يرحمه ... الله يرحمه .

ليتني قريب من الصور التي يمتلئ بها منزلنا ، لكنت نشرت بعضها ، صور كثيرة تجمعني به رحمه الله تعالى ، طلبت من والدتي يومًا أن أشاهد الصور التي تجمعنا به طيب الله ثراه ، فأتت بها ، وأثناء انتقالي بين الصور ؛ كانت أمي تستظل معي تحت الذكريات التي تنبع من هذه الصور ، كانت تنتقل بينها وتدعو لعمي بالجنة ، ثم دمعت عينها ، وقالت : الله يشهد إنه كان يحبك أكثر من أولاده ، وأنه كان يقدمك عليهم حبا وعناية واهتمامًا ورحمة . قلت في نفسي ولازلت أقول : وأنا - والله يشهد - لازال حبي له راسخا في قلبي رسوخ الجبال ، ولساني لازال يدعو له في السجود وفي كل أوقات الإجابة ، وليس في هذا رياء ؛ بل هو الحق والفخر .... والحب .

قبل وفاته بليلة واحدة ، أخبرته زوجته بأن أحد أجهزة تسخين المياه قد تعطلت ؛ وأنه يلزم أن يصلحها في الغد ، تقول : فابتسم وقال ( بالعامية ) : ماتدرين ياأم فلان لو مانلحق على بُكرا ... !

في الأربعين من عمره ، وفي ظهيرة آخر اثنين من شهر شعبان لعام 1419 هـ كان يوم الوداع ، وآه والله من يوم الوداع ، إن كان من سبب يجعلني أتمنى أن أكون شاعرًا ؛ فلأرثي هذا الرجل النقي الخلوق المتدين .

وهكذا .. تجد لكل واحدٍ منا شخص يحبه حبا كبيرًا ؛ لما رأى وعايش من ذلك الشخص من محبة وتقدير واحترام ، فكان عاقبة الأمر محبة جميلة علقت في قلوبنا ، وفتح لأبواب الأمل الثلاث التي يدخل الخير عبرها إلى صحيفة أعمال الميت ؛ العلم النافع والصدقة الجارية والدعاء له ، وتأثيرٌ ينعكس على شخصيتك ، بالنسبة إلي فقد انعكست تصرفات عمي معي ؛ فأجد من نفسي الحب الشديد لأبناء الأخ وأبناء الأخت ؛ لي ابنة أخت أجد في قلبي حبا كبيرًا لها ، وأستمع في لغة عينها حين تعلق بصرها نحوي نفس الحديث الذي كنت أجده في نفسي حين أعلق بصري نحو عمي رحمة الله عليه .

أسأل الله العظيم بمنه وكرمه أن يغفر لعمِّي ، وأن يجعل له مالعباده المؤمنين في القبر ويوم الحشر ، وأن يعتق رقبتي ورقبته ورقبة كل أحبابي والمسلمين جميعًا من النار ، وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى . آمين

وصلى الله على الحبيب وسلم .

رفحاوي
22 Apr 2007, 03:09 PM
اللهم امين ...

اللهم صل وسلم على حبيبك محمد ...

يا أخي كل منا نتذكر اقارب سبقونا الى الاخرة ونحن اليهم ...

لكن ليس من ديدن المسلم تذكر الاحزان دائما والاسهاب في ذلك ...

القروي
22 Apr 2007, 04:49 PM
الحمدلله
اسأل الله العلي العظيم ان يرحم اموات المسلمين اجمعين وان يتجاوز عن ذنوبهم ويجعلهم مع البرره الكرام
كما قال الاخ رفحاوي كل واحد في هذه الدنيا لابد ان مر عليه فراق والد او عم او اخ او الجميع والله ياخي
انني اقراء ماسطرته وان رأسي احس انه تشنّج وانغرز من قمقمّت الهامه لأنه ذكرنا بما نحن غافلين عنهم
اغلب الوقت يأخي من حقك ان تذكر اعز الناس اليك وان تترحّم عليه وكذلك من يقراء من الواجب ان يترحّم
على اموات المسلمين هذه سنّة الله في خلقه هذا راحل وذاك نازل الى ان تقوم الساعه فالحمدلله
على مادبّر وسنه لخلقه وعمّك مدرسه لك في التعامل مع والديك نسأل الله ان يعينك على رضاءهما
والبر بهما وما اسعد المرء حينما يحضر والديه ويبر بهما في حياتهما وفي مماتهما فهو السعيد
اللهم ارحم اموات المسلمين اللهم ارحم اموات المسلمين اللهم ارحم اموات المسلمين الهمنا الله واياك
قول الحق والعمل به وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين .

ذيب حرض
22 Apr 2007, 05:05 PM
اللهم أرحم عم الباحث عن الحق وارحم جميع المسلمين

الوسام
23 Apr 2007, 12:19 AM
اللهم امين ...

اللهم صل وسلم على حبيبك محمد ...

يا أخي كل منا نتذكر اقارب سبقونا الى الاخرة ونحن اليهم ...

لكن ليس من ديدن المسلم تذكر الاحزان دائما والاسهاب في ذلك ...



عين المنطق يارفحاوي.....وبعدين حط له براد ماء برفحاء وكثر له من الدعاء مع كل صلاة وحج له وأن شاءالله وفيت وكفيت

ليث
23 Apr 2007, 12:51 AM
الله يبارك فيك اخوي الباحث عن الحق