تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الجوف أقدم مناطق الاستيطان البشري في العالم والسديري أطول امير فيها



الواثق
09 May 2007, 09:05 AM
الجوف.. أقدم مناطق الاستيطان البشري في العالم



تعد منطقة الجوف (شمال السعودية)، واحدة من أقدم مناطق الاستيطان البشري، ورغم الدراسات والأبحاث والآثار التي تم الوقوف عليها وكشفت عن فترات تاريخية مهمة عاشتها المنطقة، إلا أن هناك صعوبات تواجه الباحث في الوقوف على تاريخ المنطقة ومعرفة الكثير من المعلومات المفصلة عنها.
ونجح الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري، تاسع أمير للمنطقة في الفترة من 1943 وحتى عام 1990، في جمع تاريخ المنطقة من خلال كتاب حمل اسم (الجوف وادي النفاخ)، وعلل المؤلف اختياره لهذا العنوان «بأنه مقتبس من لقب قديم ومشهور لأهل الجوف، فلقد عرفت بادية شمال الجزيرة العربية الجوف باسم «وادي النفاخ»، بسبب شدة كرم أهل الجوف، وحرصهم الكبير على العناية بضيفهم، كما هي العرب، ونظراً لروعة هذا التراث، ما كان أجمل وضعه عنواناً لهذا الكتاب».

ويشير المؤلف إلى أن الاستيطان البشري في منطقة الجوف يعود إلى عصور موغلة في القدم، وتدل على ذلك الشواهد الآثارية والمخطوطات القديمة، مضيفا بأنه وعلى الرغم من توفر العديد من المصادر التي يستند إليها، إلا أنه يوجد أحياناً بعض الثغرات في السجل التاريخي للمنطقة. ففي العهد الآشوري مثلاً، أو في الفترة المبكرة من ظهور الإسلام، فإن الباحث لا يعدم وجود الكثير من المعلومات المفصلة عن المنطقة. أما عن الفترة التي سبقت الآشوريين، والفترة الممتدة من القرن السابع قبل الميلاد وإلى ظهور الإسلام، فإنه لا يعرف عنها إلاّ القليل جداً، وذلك بسبب ندرة المصادر المدونة ـ حسب المؤلف.

ويسترسل المؤلف فيقول «كذلك الحال في القرن السابع الميلادي، فبينما شهدت المنطقة ازدهاراً كبيراً وأحداثاً مهمة في السنوات الأولى التي تلت ظهور الإسلام، إلاّ أنها أصبحت فجأة لا تمثل مجالاً لاهتمام المؤرخين، حين أصبحوا لا يشيرون إليها إلاّ بين حين وآخر، إشارات عابرة ثم عادت الجوف مرة أخرى، مادة مهمة للمؤرخين والجغرافيين في القرن الثامن عشر للميلاد، وعاد اهتمامهم بها كنتيجة لتوسع سلطة الدولة السعودية».

واعتبر المؤلف أن الباحث يمكنه التغلب على المصاعب التي تصادفه عند تدوين تاريخ منطقة الجوف من حيث وجود الثغرات والفجوات في التسلسل التاريخي إذا درس الشواهد الآثارية وأماكن وجودها، وهي لحسن الحظ كثيرة فيها. «فالفترات التاريخية التي لم تترك مصادر مدونة، نجد أنها خلفت مواقع أثرية لا تزال موجودة بحيث تعوض وتسد الفراغ فهناك بعض المواقع التي استوطنت، وتركت لنا أشكالاً من حجر الصوان، التي استخدمها السكان في تلك الفترة الممتدة من العصر الحجري القديم إلى العصر الحجري الحديث». وتوجد في موقع أثري يُسمى (الرجاجيل)، مجموعات من الأعمدة الحجرية التي تعود إلى (العصر النحاسي) أما في العصور التي سبقت ظهور الإسلام، وكانت الجوف فيها شبه غائبة عن المسرح التاريخي، فقد دلت الأبحاث الآثارية التي أجريت أخيراً، على وجود العديد من النقوش والخزفيات النبطية أيضاً. وهذا يدل على وجود استيطان بشري، عندما كان الأنباط يسيطرون على الأجزاء الشمالية الغربية من الجزيرة العربية، وحكموها من عاصمتهم البتراء في الأردن، فإذا أخذ في الاعتبار توفر المياه في المنطقة، ووجود التربة الصالحة للزراعة، فيمكن القول إن منطقة الجوف كانت مأهولة بالسكان، خلال العصور القديمة الغابرة. حيث كان السكان يمارسون التجارة المهمة، التي انتشرت في شبه الجزيرة العربية، ووصلت إلى باقي أجزاء الشرق الأدنى، وقد امتدت الشبكة التجارية من جنوب غربي الجزيرة العربية، وشملت مكة المكرمة والمدينة المنورة (أو يثرب كما كانت تُدعى قبل ظهور الاسلام)، كذلك ديدان، ومدائن صالح، وتيماء، وقرية الفاو، وجرها.

وشدد المؤلف على أن الميزة التي تمتعت بها الجوف، من ناحية موقعها بالقرب من مدخل وادي السرحان وعلى مداخل الجزيرة العربية وسورية والعراق، جعلها بالضرورة شريكاً مهماً في الحركة التجارية، التي ازدهرت قبل الإسلام وعلى هذا فليس من الغريب وجود شواهد تدل على وجود الأنباط في الجوف، خاصة إذا عُرف أنهم كانوا يحتكرون التجارة في الأجزاء الشمالية من الجزيرة العربية أيام ازدهارها.

وخلص المؤلف إلى أن الجوف بعد ظهور الإسلام تمتعت بقدر من الأهمية كان انعكاساً للانتصارات الإسلامية التي تحققت في مناطق المشرق المختلفة، لكنها سرعان ما فقدت أهميتها التاريخية في القرن الثامن الميلادي، عندما استولى العباسيون على الخلافة من الأمويين ونقلوا عاصمتهم إلى بغداد عام 762م، ومعها فإن جميع طرق المواصلات والطرق التجارية تغيّرت في الجزيرة العربية. ويشير في ذلك إلى أنه بدلاً من الطرق التي كانت تمتد من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها، كانت الجوف تفيد منها بحكم موقعها عليها، فإن العباسيين جعلوا طريق الجزيرة العربية يمتد من العراق إلى المدن المقدسة في الجزيرة مباشرة، وهي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأدخل الكثير من التحسينات على هذه الطرق العظيمة، لمساعدة الأعداد المتزايدة من الحجيج الذين تدفقوا على الأماكن المقدسة ولا تزال هذه الطرق تعرف باسم (درب زبيدة). كذلك اختلف خط سير التجارة أيام العباسيين، فقد أصبحت التجارة تنقل من الشرق إلى الخليج العربي، فالعراق، ومن هناك باتجاه الغرب إلى البحر المتوسط ومصر، وكنتيجة لهذا التحول، فقد فقدت الجوف أهميتها التجارية، بسبب عدم وقوعها على هذه الطرق التجارية.

وعندما بدأت شبه الجزيرة العربية تستعيد مكانتها في القرن الثامن عشر الميلادي، أصبح للجوف أهمية جديدة بحكم موقعها على الحدود، ما بين الجزيرة العربية وبلاد الشام. وكان هذا الموقع ذا أهمية للدولة السعودية الأولى، التي أصبحت الجوف تخضع لها في عام 1792. كذلك بدأ الرحالة الأوروبيون يزورون، سالكين الطرق التي تمتد من الأردن إلى المدن الأخرى، في شمال الجزيرة العربية، ومعه أصبحت الطريق إلى قلب الجزيرة العربية عبر الجوف، هي المفضلة.

ومع أن الجغرافيين استعملوا لفظ الجوف للدلالة على مواضع مختلفة في شبه الجزيرة العربية، إلاّ أن الشهرة اكتسبتها الجوف كونها تقع عند الطرف الجنوبي الشرقي لوادي السرحان، كما ان الجوف يطلق للدلالة على المنطقة عموما، ويطلق على النطاق المحلي بمعنى (دومة الجندل)، والتعريف اللغوي لكلمة الجوف في عدد من المعاجم يعني المطمئن من الأرض.

ويعيش على أرض منطقة الجوف حوالي 300 ألف نسمة وأهم مدنها سكاكا والقريات ودومة الجندل وطبرجل، بالإضافة إلى قرى منها: قارا، والطوير، وصوير، والنبك أبو قصر، وزلوم، وهديب، والشويحطية، والأضارع، وخوعا، والرديفة، والزبارة، والنظايم، وأبو عجرم، والعمارية، وميقوع، وصفان، وهدبان.

وتتمتع المنطقة بشواهد أثرية تدل على قدم مدنها، لعل أبرزها أدوات حجرية لإنسان العصر الحجري القديم الأسفل، ويعود تاريخها إلى مليون ومائتي ألف سنة قبل العصر الحاضر، وذلك في منطقة الشويحطية، كما عُثر على فؤوس وأدوات حجرية في عدد من الأماكن مثل: الشويحطية، ووادي عرعر، ترجع إلى العصر القديم الأوسط. ويؤرخ لهذا العصر الذي يمتد من خمسمائة ألف سنة إلى ما قبل ستين ألف سنة تقريباً، أما العصر (الموستيري)، الذي يبدأ من ستين ألف سنة تقريبا واستمر إلى ما قبل ثلاثين ألف سنة فيبدو نمطه في الصناعات اليدوية المتوفرة بكثرة في منطقة الجوف. حيث عثر على قطع حجرية متفرقة، أو في مجموعات كثيرة في هذه المنطقة، وقد استفاد إنسان (نياندرتال)، الذي عاش خلال تلك الفترة من حجر الصوان في صناعاته اليدوية.

ويمكن الاستدلال على ذلك من وجود بعض الأدوات الصغيرة التي تشبه النصول المصنوعة من هذا الحجر. وقد لوحظ وجود بعض المؤشرات التي تدل على الاستيطان البشري في وادي عرعر إلى الشمال الشرقي من الجوف خلال العصر الحجري المتأخر أيضاً، كما أن هناك شواهد أثرية يستدل عليها في تاريخ المنطقة القديم وتعود إلى العصر النحاسي الذي ربما امتد إلى العصر البرونزي 4000 ـ 2300 سنة. وتتمثل هذه الشواهد في: الدوائر الحجرية، وفن النحت والنقش على الصخور، والأنصبة الحجرية، مثل الرجاجيل، اضافة الى نقوش وجدت على الصخور في سكاكا تعود إلى العصر النحاسي والعصور البرونزية القديمة، أما الأنصبة الحجرية في منطقة الجوف، فخير مثال عليها أعمدة الرجاجيل التي تعود إلى العصر النحاسي.

وتعد أهم الفترات في تاريخ المنطقة من الناحية الأثرية تلك التي امتدت من منتصف الألف الأول قبل الميلاد حتى قبل الإسلام، حيث اكتشفت خزفيات نبطية وبيزنطية في دومة الجندل.

وظهرت منطقة الجوف على مسرح تاريخ المدن في العهد الآشوري، وهناك نصوص مكتوبة ومفصلة تتحدث عنها تعود إلى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد. وتقدم هذه النصوص صورة العلاقات السياسية بين هذه المنطقة والأجزاء الأخرى من العالم القديم. وتشير المصادر الآشورية إلى دومة الجندل بـ (أدوماتو)، أو (أدومو)، كما تشير إلى وقوعها ضمن ممتلكات قبيلة قيدار العربية، كما تبدأ الإشارة الى دومة الجندل في القرن الثالث الميلادي في عهد الملكة العربية الشهيرة (زنوبيا)، ويبدو أن هذه الملكة غزت دومة الجندل، لكن قلعة المدينة كانت حصينة بحيث لم تتمكن من اقتحامها فارتدت خائبة، وقالت قولها الشهير: «تمرد مارد وعز الأبلق»، ومارد هذا هو قصر مارد في دومة الجندل، والأبلق قصر مشهور في تيماء. كما ظهرت المدينة مرة أخرى في السجل التاريخي في القرن الخامس الميلادي عندما سيطر عليها الملك العربي امرؤ القيس، وتبع ذلك ظهور مملكة الأكيدر.

وقد ذكر امرؤ القيس في معلقته الشهيرة كلا من تيماء ودومة الجندل عندما وصف سيلاً أثار الوعول وبث فيها الذعر ودفعها إلى الهرب، تطلب النجاة كل مطلب. والوعول المذعورة الهاربة كالشجر المنكب على ذقنه، وسيلة توسل بها الشاعر لتمثيل عِظم السيل:

فأضحى يسحُ الماء حول كُتيفةٍ ـ يكبُّ على الأذقان دوح الكنهبل ومر على القنّان من نفيانه ـ فأنزل منها العصم من كل منزل وتيماء لم يترك بها جذع نخلة ـ ولا أطماً إلا مشيداً بجندل.

عبد الرحمن السديري تاسع أمير للجوف.. التنمية الثقافية هاجسه والزراعة عشقه وحفظ التراث هدفه

الواثق
11 May 2007, 11:54 PM
الجوف.. أقدم مناطق الاستيطان البشري في العالم



تعد منطقة الجوف (شمال السعودية)، واحدة من أقدم مناطق الاستيطان البشري، ورغم الدراسات والأبحاث والآثار التي تم الوقوف عليها وكشفت عن فترات تاريخية مهمة عاشتها المنطقة، إلا أن هناك صعوبات تواجه الباحث في الوقوف على تاريخ المنطقة ومعرفة الكثير من المعلومات المفصلة عنها.
ونجح الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري، تاسع أمير للمنطقة في الفترة من 1943 وحتى عام 1990، في جمع تاريخ المنطقة من خلال كتاب حمل اسم (الجوف وادي النفاخ)، وعلل المؤلف اختياره لهذا العنوان «بأنه مقتبس من لقب قديم ومشهور لأهل الجوف، فلقد عرفت بادية شمال الجزيرة العربية الجوف باسم «وادي النفاخ»، بسبب شدة كرم أهل الجوف، وحرصهم الكبير على العناية بضيفهم، كما هي العرب، ونظراً لروعة هذا التراث، ما كان أجمل وضعه عنواناً لهذا الكتاب».

ويشير المؤلف إلى أن الاستيطان البشري في منطقة الجوف يعود إلى عصور موغلة في القدم، وتدل على ذلك الشواهد الآثارية والمخطوطات القديمة، مضيفا بأنه وعلى الرغم من توفر العديد من المصادر التي يستند إليها، إلا أنه يوجد أحياناً بعض الثغرات في السجل التاريخي للمنطقة. ففي العهد الآشوري مثلاً، أو في الفترة المبكرة من ظهور الإسلام، فإن الباحث لا يعدم وجود الكثير من المعلومات المفصلة عن المنطقة. أما عن الفترة التي سبقت الآشوريين، والفترة الممتدة من القرن السابع قبل الميلاد وإلى ظهور الإسلام، فإنه لا يعرف عنها إلاّ القليل جداً، وذلك بسبب ندرة المصادر المدونة ـ حسب المؤلف.

ويسترسل المؤلف فيقول «كذلك الحال في القرن السابع الميلادي، فبينما شهدت المنطقة ازدهاراً كبيراً وأحداثاً مهمة في السنوات الأولى التي تلت ظهور الإسلام، إلاّ أنها أصبحت فجأة لا تمثل مجالاً لاهتمام المؤرخين، حين أصبحوا لا يشيرون إليها إلاّ بين حين وآخر، إشارات عابرة ثم عادت الجوف مرة أخرى، مادة مهمة للمؤرخين والجغرافيين في القرن الثامن عشر للميلاد، وعاد اهتمامهم بها كنتيجة لتوسع سلطة الدولة السعودية».

واعتبر المؤلف أن الباحث يمكنه التغلب على المصاعب التي تصادفه عند تدوين تاريخ منطقة الجوف من حيث وجود الثغرات والفجوات في التسلسل التاريخي إذا درس الشواهد الآثارية وأماكن وجودها، وهي لحسن الحظ كثيرة فيها. «فالفترات التاريخية التي لم تترك مصادر مدونة، نجد أنها خلفت مواقع أثرية لا تزال موجودة بحيث تعوض وتسد الفراغ فهناك بعض المواقع التي استوطنت، وتركت لنا أشكالاً من حجر الصوان، التي استخدمها السكان في تلك الفترة الممتدة من العصر الحجري القديم إلى العصر الحجري الحديث». وتوجد في موقع أثري يُسمى (الرجاجيل)، مجموعات من الأعمدة الحجرية التي تعود إلى (العصر النحاسي) أما في العصور التي سبقت ظهور الإسلام، وكانت الجوف فيها شبه غائبة عن المسرح التاريخي، فقد دلت الأبحاث الآثارية التي أجريت أخيراً، على وجود العديد من النقوش والخزفيات النبطية أيضاً. وهذا يدل على وجود استيطان بشري، عندما كان الأنباط يسيطرون على الأجزاء الشمالية الغربية من الجزيرة العربية، وحكموها من عاصمتهم البتراء في الأردن، فإذا أخذ في الاعتبار توفر المياه في المنطقة، ووجود التربة الصالحة للزراعة، فيمكن القول إن منطقة الجوف كانت مأهولة بالسكان، خلال العصور القديمة الغابرة. حيث كان السكان يمارسون التجارة المهمة، التي انتشرت في شبه الجزيرة العربية، ووصلت إلى باقي أجزاء الشرق الأدنى، وقد امتدت الشبكة التجارية من جنوب غربي الجزيرة العربية، وشملت مكة المكرمة والمدينة المنورة (أو يثرب كما كانت تُدعى قبل ظهور الاسلام)، كذلك ديدان، ومدائن صالح، وتيماء، وقرية الفاو، وجرها.

وشدد المؤلف على أن الميزة التي تمتعت بها الجوف، من ناحية موقعها بالقرب من مدخل وادي السرحان وعلى مداخل الجزيرة العربية وسورية والعراق، جعلها بالضرورة شريكاً مهماً في الحركة التجارية، التي ازدهرت قبل الإسلام وعلى هذا فليس من الغريب وجود شواهد تدل على وجود الأنباط في الجوف، خاصة إذا عُرف أنهم كانوا يحتكرون التجارة في الأجزاء الشمالية من الجزيرة العربية أيام ازدهارها.

وخلص المؤلف إلى أن الجوف بعد ظهور الإسلام تمتعت بقدر من الأهمية كان انعكاساً للانتصارات الإسلامية التي تحققت في مناطق المشرق المختلفة، لكنها سرعان ما فقدت أهميتها التاريخية في القرن الثامن الميلادي، عندما استولى العباسيون على الخلافة من الأمويين ونقلوا عاصمتهم إلى بغداد عام 762م، ومعها فإن جميع طرق المواصلات والطرق التجارية تغيّرت في الجزيرة العربية. ويشير في ذلك إلى أنه بدلاً من الطرق التي كانت تمتد من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها، كانت الجوف تفيد منها بحكم موقعها عليها، فإن العباسيين جعلوا طريق الجزيرة العربية يمتد من العراق إلى المدن المقدسة في الجزيرة مباشرة، وهي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأدخل الكثير من التحسينات على هذه الطرق العظيمة، لمساعدة الأعداد المتزايدة من الحجيج الذين تدفقوا على الأماكن المقدسة ولا تزال هذه الطرق تعرف باسم (درب زبيدة). كذلك اختلف خط سير التجارة أيام العباسيين، فقد أصبحت التجارة تنقل من الشرق إلى الخليج العربي، فالعراق، ومن هناك باتجاه الغرب إلى البحر المتوسط ومصر، وكنتيجة لهذا التحول، فقد فقدت الجوف أهميتها التجارية، بسبب عدم وقوعها على هذه الطرق التجارية.

وعندما بدأت شبه الجزيرة العربية تستعيد مكانتها في القرن الثامن عشر الميلادي، أصبح للجوف أهمية جديدة بحكم موقعها على الحدود، ما بين الجزيرة العربية وبلاد الشام. وكان هذا الموقع ذا أهمية للدولة السعودية الأولى، التي أصبحت الجوف تخضع لها في عام 1792. كذلك بدأ الرحالة الأوروبيون يزورون، سالكين الطرق التي تمتد من الأردن إلى المدن الأخرى، في شمال الجزيرة العربية، ومعه أصبحت الطريق إلى قلب الجزيرة العربية عبر الجوف، هي المفضلة.

ومع أن الجغرافيين استعملوا لفظ الجوف للدلالة على مواضع مختلفة في شبه الجزيرة العربية، إلاّ أن الشهرة اكتسبتها الجوف كونها تقع عند الطرف الجنوبي الشرقي لوادي السرحان، كما ان الجوف يطلق للدلالة على المنطقة عموما، ويطلق على النطاق المحلي بمعنى (دومة الجندل)، والتعريف اللغوي لكلمة الجوف في عدد من المعاجم يعني المطمئن من الأرض.

ويعيش على أرض منطقة الجوف حوالي 300 ألف نسمة وأهم مدنها سكاكا والقريات ودومة الجندل وطبرجل، بالإضافة إلى قرى منها: قارا، والطوير، وصوير، والنبك أبو قصر، وزلوم، وهديب، والشويحطية، والأضارع، وخوعا، والرديفة، والزبارة، والنظايم، وأبو عجرم، والعمارية، وميقوع، وصفان، وهدبان.

وتتمتع المنطقة بشواهد أثرية تدل على قدم مدنها، لعل أبرزها أدوات حجرية لإنسان العصر الحجري القديم الأسفل، ويعود تاريخها إلى مليون ومائتي ألف سنة قبل العصر الحاضر، وذلك في منطقة الشويحطية، كما عُثر على فؤوس وأدوات حجرية في عدد من الأماكن مثل: الشويحطية، ووادي عرعر، ترجع إلى العصر القديم الأوسط. ويؤرخ لهذا العصر الذي يمتد من خمسمائة ألف سنة إلى ما قبل ستين ألف سنة تقريباً، أما العصر (الموستيري)، الذي يبدأ من ستين ألف سنة تقريبا واستمر إلى ما قبل ثلاثين ألف سنة فيبدو نمطه في الصناعات اليدوية المتوفرة بكثرة في منطقة الجوف. حيث عثر على قطع حجرية متفرقة، أو في مجموعات كثيرة في هذه المنطقة، وقد استفاد إنسان (نياندرتال)، الذي عاش خلال تلك الفترة من حجر الصوان في صناعاته اليدوية.

ويمكن الاستدلال على ذلك من وجود بعض الأدوات الصغيرة التي تشبه النصول المصنوعة من هذا الحجر. وقد لوحظ وجود بعض المؤشرات التي تدل على الاستيطان البشري في وادي عرعر إلى الشمال الشرقي من الجوف خلال العصر الحجري المتأخر أيضاً، كما أن هناك شواهد أثرية يستدل عليها في تاريخ المنطقة القديم وتعود إلى العصر النحاسي الذي ربما امتد إلى العصر البرونزي 4000 ـ 2300 سنة. وتتمثل هذه الشواهد في: الدوائر الحجرية، وفن النحت والنقش على الصخور، والأنصبة الحجرية، مثل الرجاجيل، اضافة الى نقوش وجدت على الصخور في سكاكا تعود إلى العصر النحاسي والعصور البرونزية القديمة، أما الأنصبة الحجرية في منطقة الجوف، فخير مثال عليها أعمدة الرجاجيل التي تعود إلى العصر النحاسي.

وتعد أهم الفترات في تاريخ المنطقة من الناحية الأثرية تلك التي امتدت من منتصف الألف الأول قبل الميلاد حتى قبل الإسلام، حيث اكتشفت خزفيات نبطية وبيزنطية في دومة الجندل.

وظهرت منطقة الجوف على مسرح تاريخ المدن في العهد الآشوري، وهناك نصوص مكتوبة ومفصلة تتحدث عنها تعود إلى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد. وتقدم هذه النصوص صورة العلاقات السياسية بين هذه المنطقة والأجزاء الأخرى من العالم القديم. وتشير المصادر الآشورية إلى دومة الجندل بـ (أدوماتو)، أو (أدومو)، كما تشير إلى وقوعها ضمن ممتلكات قبيلة قيدار العربية، كما تبدأ الإشارة الى دومة الجندل في القرن الثالث الميلادي في عهد الملكة العربية الشهيرة (زنوبيا)، ويبدو أن هذه الملكة غزت دومة الجندل، لكن قلعة المدينة كانت حصينة بحيث لم تتمكن من اقتحامها فارتدت خائبة، وقالت قولها الشهير: «تمرد مارد وعز الأبلق»، ومارد هذا هو قصر مارد في دومة الجندل، والأبلق قصر مشهور في تيماء. كما ظهرت المدينة مرة أخرى في السجل التاريخي في القرن الخامس الميلادي عندما سيطر عليها الملك العربي امرؤ القيس، وتبع ذلك ظهور مملكة الأكيدر.

وقد ذكر امرؤ القيس في معلقته الشهيرة كلا من تيماء ودومة الجندل عندما وصف سيلاً أثار الوعول وبث فيها الذعر ودفعها إلى الهرب، تطلب النجاة كل مطلب. والوعول المذعورة الهاربة كالشجر المنكب على ذقنه، وسيلة توسل بها الشاعر لتمثيل عِظم السيل:

فأضحى يسحُ الماء حول كُتيفةٍ ـ يكبُّ على الأذقان دوح الكنهبل ومر على القنّان من نفيانه ـ فأنزل منها العصم من كل منزل وتيماء لم يترك بها جذع نخلة ـ ولا أطماً إلا مشيداً بجندل.

عبد الرحمن السديري تاسع أمير للجوف.. التنمية الثقافية هاجسه والزراعة عشقه وحفظ التراث هدفه



اسف لطرح الموضوع لاني اعتقد انه لا يهم حتى الاداره