المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ((سألني خليجي عن اللعنة التي يسن صبها فوق تلك الجثة !))



متعب فهد
29 May 2007, 10:44 PM
مقال للكاتب حسن مفتي الخفاش الاسود سابقاً منقول

داعب وهم الخلود ومحاربة الشيخوخة الإنسان منذ فجر الخليقة، ولم يكن الحرص على هذا الخلود الأزلي والبقاء على وجه البسيطة حكراً على الإنسان فحسب، بل طلبه عدو الله إبليس من الله جل وعلا لنفسه ( قاَلَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) لا لخيرٍ يرتجى، بل لشرٍ يبتغى، وقرين سوءٍ يجتبى، حيث قال بعد أن حظي بتلك الميزة الفريدة ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين، إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) وقد استعمل عدو الله مع أبي البشر آدم عليه السلام هذا الوهم، وهم الخلود ليزين له الأكل من الشجرة التي حرمها الله عليه، حيث قال تعالى ( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ) وفي سورة طه يقول الله جل وعلا ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى )

وكان الخلود في الأرض أمنيةً كبرى من أماني الكافرين، حيث وصفهم الله جل وعلا بالحرص على الحياة ( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ) وكان الفراعنة من أوائل من سبر أغوار التحنيط والبحث عن أسرار المحافظة على الجسد من البلى ! فبرعوا في ذلك كثيراً، وخلّف تاريخهم الطويل عشراتٍ من الجثث المحنطة لملوكهم وكبار كهنتهم، مع أن بعض جثثهم لم تصمد سحناتها أمام عوامل التعرية والزمن، فاسودّت وجناتها، وجف جلدها فوق عظمها، وفغرت أفواهها في مشهدٍ مأساويٍ معروضٍ أمام زوارٍ المتحف المصري بالقاهرة .

وقد أوقعني حظي العاثر في دفع مبلغٍ من المال للوقوف على بعض تلك الجثث، والتأمل في قسماتها الحزينةٍ التائهة، وأخذ العبرة من مصيرها الميلودرامي، حيث استلقت في سكونٍ بائسٍ تحت مصابيح المتحف، داخل صناديقها الزجاجية الخاصة، لا تملك لنفسها حولاً ولا طولاً أمام الغادي والرائح من الباحثين والمتطفلين والسائحين، وهي التي ملكت الأرض في حقبةٍ من الزمن، وملأت ردهات الكون صراخاً وضجيجاً ! ومن طريف ما وقع لي، أن شخصاً خليجياً سألني عن اللعنة الخاصة التي يسن سوقها لجثمان الملك الفرعوني رمسيس الثاني، والذي ينسب إليه بعض المؤرخين أنه هو الذي ورد ذكره في كتاب الله جلا وعلا، فقلت للسائل : لا أعلم لعنةً خاصةً أو عامةً يسن صبها على رأس هذه الجثة المحنطة، ولا أعرف إلا لعنة الفراعنة التي تخصص في رميها علينا نحن المتطفلين هذا وأمثاله، قلت هذه العبارة وأنا أغمز بعيني اليسرى لرمسيس الثاني !

كان قدماء الفراعنة يحنطون موتاهم، ويحشون لفائف التحنيط بالذهب والأموال وزهرة اللوتس، وتعويذاتٍ سحريةٍ تحتوي لعناتٍ وشتائم خاصةٍ، ثم يحملون بعض تلك الجثث ويضعونها في مركبٍ مع بعض الأطعمة والفواكه، وكم جاريةٍ في بعض الأوقات، ويدفنون تلك الجثث مع المراكب، التي يطلقون عليها اسم مركب الشمس، ويزعمون أنها ستمخر عباب نهرٍ من أنهار الخلود في رحلتها للبحث عن الروح، حتى يستيقظ سعادة الفرعون من سباته العميق ليأكل شيئاً من تلك الأطعمة، وينفق من ذلك الذهب على الفقراء، ويتسرى بجاريتيه !؟ يعني موت وخراب ديار، طغيان في الحياة، واختطاف لأرواح الجواري بعد الممات!

أرد المريدون بالتحنيط تخليد ذكرى عظمائهم، وهذا ما فعلته قبائل المايا في أمريكا الجنوبية، كما فعلته بعض القبائل المغولية، ولم يسلم من هذه المهزلة بعض عظماء آشور، إلا أن هؤلاء كانوا ينتخبون العشرات من الجنود والجواري ليشاركوهم متعة الدفن ووأد الحياة !

كذلك فعل البلاشفة مع عرّاب الشيوعية فلاديمير لينين، حيث حنطوا جسده بمواد خاصةٍ، اعتبروها في حينها سراً عسكرياً لا يجوز نشره أو التطرق إليه، ووضعوه في متحفٍ خاصٍ معرضين جسده لإضاءةٍ خافتةٍ، وبعد عقودٍ من التحنيط لاحظ المشرفون عليه أن قفاه العريض آخذ في التآكل ! ثم سقط الاتحاد السوفيتي وانفراط عقد جمهورياته الشاسعة، فضّنت إدارة المتحف بميزانيتها عن رعاية هذه الجثة المنتنة، وارتفعت أصوات الرفاق بأن ملأ البطون أولى من ترميم هذه النفاية الشيوعية، لقد امتد فساد الذمم الروسية إلى أكل مخصصات رعاية الأموات والعياذ بالله !

وانتقلت عدوى التحنيط من الروس إلى الصينيين، حيث توفي أحد كبار ثوارهم ( نسيت اسمه ) ليطلب مريدوه مساعدةً عاجلةً من الاتحاد السوفيتي لتحنيط جثته، إلا أن السفاح جوزيف ستالين رفض مد يد العون والمساعدة إلى الصينيين رفضاً قاطعاً، بحجة أن تجميد لينين فريد من نوعه ولا يجوز بأي حالٍ من الأحوال تقليده ! مع أن الصينيين أثبتوا براعتهم المتناهية في تقليد كل شيءٍ ومحاكاته، إلا أنهم فشلوا في هذه العملية وبجدارةٍ .

وقفت يوماً على موقعٍ لإحدى الشركات الأمريكية المتخصصة في تجميد الإنسان، وهذا هو عنوان موقعهم لمن أراد أن يتجمد حتى الموت www.alcor.org والتجميد هنا غير التحنيط الذي سمعنا به، إذ تكمن فلسفته المزعومة في ( تزجيج الجسد ) وهي عملية تفوق التجميد الذي نعرفه، حيث يتحول الجسد إلى ما يشبه لوح زجاجٍ بمواد وأجهزةٍ خاصةٍ، ويزعم القائمون على المركز أن هذا التجميد يحفظ الجسد لقرونٍ في ظروفٍ آمنةٍ حتى تحين ساعة إعادته للحياة مرةً أخرى، بعد اكتشاف ترياقٍ مناسبٍ لحل معضلته الصحية القاتلة ( سرطان، أو نقص المناعة المكتسبة، أو سكتةٍ دماغيةٍ ) إلخ تلك الأمراض القاتلة .

والغريب في الأمر، أن المركز يحتوي على حاوياتٍ خاصةٍ بالجثث مختلفة الأحجام والأوزان، وهناك حاويات أخرى صغيرة مخصصة لرأس الإنسان فقط ! لعلهم يأملون في تركيب الرأس على جسدٍ مناسبٍ بعد قرونٍ من شفط جيوب المغفلين والحمقى من عشاق الخلود الكاذب .

يعرّف المركز الأمريكي نفسه لجمهوره من المغفلين على النحو التالي : بتخصصهم في الحقل العلمي التخميني ( ويعترفون بأنهم لا يزالون في مرحلة التخمين ) المتعلق باستخدام التبريد للمحافظة على حياة الإنسان الذي لا يمكنه العيش بمساعدة الطب الحديث. فمهمتهم هي المحافظة على الإنسان لعدة عقودٍ من السنوات مهما طالت إلى أن يتمكن العلم من عكس عملية المحافظة .

يزعمون أن لممارستهم أصل في العلم وأنها ليست دجل ! ويدّعون وجود ثلاثة حقائق مشهورة يمكن للحياة أن تـُوقف ثم تعاد مرة أخرى إذا حُفظت مكوناتها الأصلية، تحفظ الحيوانات المنوية للإنسان بشكل اعتيادي عند درجات حرارة يتمكن من خلالها إيقاف كيميائية الحياة. ولقد بقى بعض البشر على قيد الحياة بعد تجمدهم عند درجات حرارة أوقفت عمل القلب والمخ وكل الأعضاء الأخرى لمدةٍ تتجاوز الساعة الكاملة. فهذه الحالات وغيرها من الدروس التي استفدناها من الأحياء ( الحديث لهم ) تعلمنا أن الحياة ما هي إلا كينونة معينة من الوجود .

يمكن أن يحفظ التزجيج ( وليس التجميد ) الأجسام الحية بشكلٍ ممتاز، تسمح عملية التزجيج وذلك بإضافة خواص كيميائية مركزة وعالية تسمى كريوبروتكتنت ( cryoprotectants) أي الحوافظ الباردة إلى الخلايا بتبريد الأنسجة مع الحيلولة دون تكون الثلج . وعملية التزجيج تمنع تكون الثلج عند درجات تقل عن 120 درجة مؤيةٍ. وقد بات ممكنا الآن تزجيج الأعضاء بحجم مخ الإنسان مع تحقيق درجاتٍ ممتازةٍ من الحفظ بلا تجميد (هنا دلالة على أنهم لا يستطيعون تزجيج كامل الجسم.. ولكن يكتفون بالمخ ) لا أدري أين يحتفظون ببقية الجسد !؟ ربما قاموا ببيعه على محلات الجزارة !

أصبحت طرق إصلاح وترميم الأجسام في المستويات الجزئية قريبة المنال، سيقود ظهور علم تقنيات الجزيئيات إلى اختراع أجهزةٍ قادرة على ترميم وإعادة إنتاج الأنسجة بشكلٍ شاملٍ، بما في ذلك ترميم الخلايا بشكلٍ منفردٍ كل جزئيةٍ في وقتٍ منفصلٍ عن الأخرى. ومستقبل الطب الجزئي سيتمكن نظريا من إعادة كل شخص محفوظ مع عدم المساس بخلايا مخه وذاكرته وشخصيته !

ونظرة الشركة للموت تكمن في هذه المعادلة، يحصل الموت عندما يختل عمل كيمياء الحياة بشكلٍ كبيرٍ، لا تستطيع معه العمليات الاعتيادية من استعادة وظائفها. فالموت لا يعني نهاية الحياة ( بزعمهم ) فلقد استطاع الناس البقاء أحياء بعد توقف وظائف أجسامهم . أما نسبة خلل الوظائف الكيميائية التي يمكن أن تبقى على قيد الحياة فهي تعتمد على تقنيات الطب. يقولون إنه : قبل مائةٍ سنةٍ من الآن، كانت إعادة نبض القلب غير ممكنةٍ. ولذلك عندما يتوقف عمل القلب كان يوصف صاحبه بأنه قد مات.

والآن يعتقد المتخصصين بان الموت لا يحصل إلا بعد 4 إلى 6 دقائق من توقف القلب عن النبض، لأنه بعد مرور دقائق عديدة يصعب إعادة المخ للعمل. لكن مع العلاجات التجريبية الجديدة، أصبح بالإمكان استعادة عمل القلب بعد مضي أكثر من 10 دقائق دون أي إصابة في المخ. وربما تطيل التقنيات المستقبلية لترميم الجزيئات حد استعادة الحياة إلى 60 دقيقة أو أكثر، مما يجعل مسلمّاتنا حول متى يموت الإنسان أمرا من الماضي .

تزعم الشركة أن الموت كما نعرفه الآن سيتغير مفهومه تماماً في المستقبل، وسيكون له تعريف يتناسب مع كل تطورٍ للتكنولوجيا. والتكنولوجيا التي يقدمونها تهدف إلى منع الموت بحفظ أجسام وكيميائية خلايا كافية من جسم الإنسان لاستعادتها حالما يتقدم الطب وتقنياته !

معلومات عامة عن الشركة : أكثر من مائة شخص تم حفظهم بهذه التقنية منذ أن تمت أول عملية في عام 1967 م. أكثر من 1000 شخص استكملوا أوراقهم المالية والقضائية ليقوموا بهذه العملية فيما بعد، وغالباً عن طريق التأمين على الحياة. تكلف العملية حوالي 120000 ألف دولار تقريباً، يقومون بعملية الحفظ بعد لحظاتٍ من توقف القلب عن العمل. حتى قبل توقف عمل المخ !!

( يعني تقريباً يموتونه غصب!! لأنهم لا يحاولون تنشيط عمل القلب ) ولمن أراد مشاهدة عمل فريق الشركة وغرفة العمليات، فعليه بهذا الرابط http://www.alcor.org/AtWork/index.html هذه الأخبار الطريفة ستفرح أحد كبار ليبراليينا، حيث زعم في مقابلةٍ صوتيةٍ له بأنه يعتقد أن العلماء سيوجدون حلاً للموت في يومٍ من الأيام، وأن الأمر لا يمكن أن يبقى كما هو عليه ! حقاً ما أطرف ليبراليينا، عالم فاضية للغاية، تتشبث بالقشة بل بالسراب، لدفع غائلة الموت الحتمي، عن حياتهم العبثية التافهة المتهافتة .

هرطق القوم بما مضى من الترهات والخزعبلات واستجداء إكسير الحياة من كل من هب ودب، وكذّبهم الله جل وعلا في كتابه العزيز ومن أصدق من الله حديثا ( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )

حسن مفتي
كاتب سعودي

عمر بن عبدالعزيز
29 May 2007, 11:21 PM
بورك فيك

وفي كاتب المقال