المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخي المراهق ! رسالة من مراهق سابق .



الباحث عن الحق
24 Jun 2007, 10:53 PM
أخطار دونها أخطار ، وأجواء تمتلئ بعنصر المغامرة ، إنها حياة المراهقة باضطرابها وغرورها ، لكنها واقع مهما طرقت أسماعنا تلك الكلمات التي تهون من التصرفات التي تحدث من قبل أفراد هذه الفئة العمرية ( " بزران " .. " وغدان " .. صغار .. " بُكرَا " يكبرون .. يعقلون .. إلخ ) ، نعم .. لا يزال واقعا نتجرع نتاج أحداثه مُرًّا يومًا بعد يوم ، مهما طرقت أسماعنا أمثال هذه الكلمات .

رسالة أوجهها إلى الأخوة المراهقين ، أطرح فيها واقعا يتكرر كل عام ، بدءا من الاختبارات النهائية إلى تلك الأسابيع التي تُذهب الزَّبَدَ من العلاقات والصداقات والمشاريع جفاء ؛ أعني بها نهاية العطلة الصيفية .

عزمت أن تكون هذه الرسالة مزيلة لغشاء الوهم الذي يعيشه غالب المراهقين ... قدر استطاعتي ؛ لأنني رأيت أن هذا الوهم يستمر معهم حتى تصدمهم حوادث الدهر ، أو تزيل الكهولة عن أعينهم هذه الغشاوة ، أو هداية من الله - تعالى - تنعطف بهم ، والنتيجة واحدة : قطف لثمار مُرَّة أهونها - إن كانت هينة - ضياع إحدى أهم المراحل الزمنية في عمر الإنسان ( سنوات المراهقة ) طرف منها يرتبط بأواخر سنوات الطفولة ، والآخر يرتبط بأوائل سنوات الرشد ؛ تضيع في متاهات الطيش والغفلة واللهو وما هو أعظم وأنكى .

فإلى أخي المراهق أوجه هذه الرسالة ، من أخ لك فارق هذه المرحلة التي تمر بها منذ سنتين فقط ، أنا قريب منك ، للفارق العمري ( البسيط ) ، تدعمني ذكريات أحتفظ بها جيدا ، لا يلزم - بحمد الله تعالى - أن أكون جزءًا من أحداثها ؛ بل كالمراقب لها ، المتدبر للحظاتها ، ومآل أمر أبطالها - إن صح التعبير - .

أخي ... !
فكرت كثيرًا في كتابة هذه الرسالة لك ، ولا أخفي .. لقد كتبتها قبل سنة من الآن لكنني مزقتها ؛ لأنني لم أفلح في كتابتها كما كنت أتصورها ، وفي الحقيقة .. مزقتها لأنني كنت أعاني أثناء الكتابة – بشكل عام – من اعتبارات أخرى لا زلت أعاني منها ، لكن كل هذا لا يهم الآن ؛ فها أنا أكتب إليك هذه الرسالة ، حبي لك ينضح منها ، وحرصي عليك - يشهد الله - هو المحفز على الكتابة ... لك أخي ، ولتذهب تلك الاعتبارات إلى زوايا الإهمال .

أخي .. !
مشاهد كثيرة من المرحلة التي تمر بها أنت ، لا زالت راسخة في ذاكرتي ؛ لأنني – بطبيعة الحال – قد مررت بما تمر به أنت ، ولا زالت هذه المشاهد تزداد رسوخا ، حتى حين فراقي للمرحلة المتوسطة قبل ثمانية سنوات ، وللمرحلة الثانوية قبل أربعة أعوام ؛ لأنها تتكرر كل سنة ، وما يحدث معك وحولك ؛ إنما حدث لعشرات وعشرات من قبلك ، كنت - أخي - كالمراقب لمن عايشتهم ، وأنا اليوم كالمتأمل ، سأروي لك شيئا مما كانوا يعملون ، ثم حالهم بعد مرور هذه السنوات على تلك الأعوام ، وهاتيك المراحل ... ومابين حالهم في تلك الأيام ، وحالهم اليوم ؛ عِبْرة لمتأمل ، وعظة لمتفكر .

في أيام المراهقة والدراسة كثيرًا ما انتهى إلى مسمعنا نصيحة ( جافة ومملة وعتيقة في نظرنا ) يلقيها علينا المدرس أو المدير أو المرشد ؛ بأنهم قد درَّسوا طلابا ، أو دَرَسوا مع طلاب كانوا مشاغبين ومهملين و ( عرابجة ) ؛ فكانت عاقبة أمرهم في متاهات الضياع وأزقة السجون وسبل المخدرات .. إلخ . لكنني هنا لن أتوقف على عاقبة أمرهم فقط ؛ بل أنبه على أمور أخرى مهما بدت – في نظرك أخي – أنها عتيقة أو ثقيلة .. إلا أنها تبقى حقا وواقعا يجب أن تُنبه عليه قبل فوات الأوان ؛ وفواته لا يكون في موتك ، أو سجنك ، أو دخولك عالم الإدمان ... فقط ، كما في تلك النصيحة المتكررة ؛ بل قد يفوت في كل لحظة ذهبية تعيشها في مرحلتك هذه ، والتي أتمنى كما يتمنى كل من هو في مثل سني أن يرجع إليها ، وتمني الرجوع إليها شعور لن تحس به إلا حينما يتقدم بك العمر قليلا ، حينها .. ستحس حقا بما نحس به ، أما وأنت الآن تعيشها ؛ فمهما حاولت الإحساس بأهميتها ، لن تصل إلى شعورنا ، فالعافية تفتقد إذا نزل المرض ، والشباب يُبكى عليه إذا غزا الشيب .

أخي .. !
دعني أبدأ معك وأنت على موعد مع نهاية الاختبارات النهائية ، حيث تظهر فيها بعض المظاهر التي ظاهرها المتعة والأنس ، وباطنها – أحيانا وربما غالبا – شر محض ، وخطر عظيم ، يُرْسَم لمن ركن إلى واقع هذه المظاهر ؛ مستقبلا أسودًا إلا من رحم الله – سبحانه وتعالى - .

دعني أحكي لك - أخي - عن ظاهرة المذاكرة مع من يزعمون أنهم أصدقاؤك ، في المتنزهات ، أو الاستراحات ، أو بعيدًا في أطراف المدينة ... أو في البرّ ، مذاكرة مع الأصدقاء أو مع أصدقاء الأصدقاء ؛ لتجد نفسك أمام صوت أو فعل مباشر أو غير مباشر يدعوك إلى الفحشاء والمنكر والمخدرات ، وإلى العيش في عالم مظلم مع وجوه مظلمة ، حيث الكلام الساقط ، والأفعال الدنيئة ، أصحاب تلك الوجوه المظلمة قد يمهلونك حينا من الوقت ؛ لكي تتجرع كأس السوء التابع لهم على مهل ، لأنهم ربما رأوا من براءتك وصفاء نفسك ما علموا أن كأسهم أكبر من أن تتجرعها مرة واحدة .

ولأنتقل معك - أخي - إلى ظاهرة التفحيط ، شلل " تتميلح " أمام من يرغبون باصطيادهم – ربما تكون منهم - ، ويفعلون المستحيل لكي يصلوا إلى الخطوة الأولى ، وهي ركوبك معهم ، هذا المستحيل الذي يفعلونه هو تلبسهم بلباس الأخلاق الحسنة ، ببسمة ساحرة ذائبة في وجوههم ، وربما رأيتهم يدافعون عنك ، أو كثيرًا ما يتصلون بأصحابك ، وفي كل صباح تراهم ، ولعلك ترى معهم من يدعي صحبتك أو زمالتك ، حقيرًا أو مستضعفًا أمامهم ، قريبًا منك ... فاحذره ، فهذا هو الطُّعْم الذي أرسل لاصطيادك ، وكم رأيت في مراحل دراستي إلى اليوم العديد من الصيادين ، ومثلهم من الطعم ، وضحايا كثيرون لهؤلاء .

وظاهرة الفطور في المطاعم ، هنا ... مَجْمَعٌ خطير للأطراف الثلاثة ، أستطيع أن أسميها " محطة " لوصول الأشرار إلى أهدافهم .

أخي !
ولعلك تعلم من الظواهر والأساليب ما لا أعلم ، وتدري عنها ما لا أدري ، لكن الذي أعلمه .. وتعلمه ، وأراه .. وتراه ، وعايشته منذ سنوات ... وأنت تعايشه الآن ، أن البداية والنهاية مع هؤلاء هي هي .. لم تختلف إلا في بعض الأساليب الجديدة ، البداية اغترار بهم ، إما لادعائهم الأخلاق الحسنة ، والصفاء في السريرة ، أو الوقوع في شبك إغراءاتهم ، في التفحيط ، أو الجوالات الجديدة ، أو الاجتماع على الألعاب الإلكترونية ، أو الإعجاب بالظاهر من تجمعاتهم ، في المطاعم والمقاصف والبوفيهات ، في الاستراحات ، وطلعات البر ، ثم الوقوع معهم إما بشكل مباشر ومفاجئ كاعتداء جنسي مُصَوَّر ، أو غير مباشر كإغرائك للمشاركة معهم فيما ينبه شهوتك ، ولا يقترب من عِرْضك ، كالقصص التي تُسرد ، أو أشرطة الفيديو والقنوات الخليعة ، وبعد الوقوع معهم في أعمالهم القبيحة فإنك تجد نفسك إما ألعوبة بأيديهم يفعلون بك ما يشاءون بوسيلة التهديد والفضح ، ويستفيدون منك كما يرغبون ، عَبْدًا لهم تمامًا ، لكن بلا كرامة ولا مشاعر ولا شخصية ؛ مهان محتقر ، أو أنك تصبح منهم ، تصطاد كما يصطادون ، وتقترف ما يقترفون .. ، وفي الأخير المستمر ؛ سترى نفسك تعيش في ظلمات فوق ظلمات ؛ أخلاق قبيحة ، وتصرفات إجرامية ، وستجد نفسك غريبًا عن الدين ، بعيدًا عن جو الأهل ، سفيهًا بين الرجال ، وتمر عليك عطلة صيفية كاملة بأيامها وأشهرها لا تسمع إلا فاحش القول ، ولا تخطو إلا نحو الحرام ، ولا تنظر إلا لوجوه كالحة سوداء قتلت الأخلاق تمامًا ، ولن تستطيع أن ترى في سماتها أي معنى من معاني حسن الأخلاق ، لا ابتسامة بريئة ، ولا عيون براقة ، ولا كلاما مؤدبًا ، ولن تعيش الأمن أبدًا ، وحتى لباسهم يعكس حالهم .

ألا تنظر – أخي – إلى قومٍ عاشوا كما عشتم ؟ إنهم من حولك ، ولعلك قريب من خبرهم وحال حياتهم ، كانوا مثلكم ؛ واستمروا على ذلك حتى كبروا ، فانتهت حالهم إلى ما ترون ، إما أنهم رجال ( في الظاهر ) لكن قلوبهم لم تزل معلقة على ملاحقة الشهوات ، ووجوههم أكلح وأقبح ، علّق بصرك على أعينهم ثم ليرجع بصرك إلي ، ولتحدثني ماذا قرأت فيها ؟ سأجيب عنك : الخبث ، البلادة ، السخف ؛ إنك تقرأ – يا أخي – مأساة ... مأساة إنسان ضيع عمره وإنسانيته .. وقبل ذلك كله ، ضيع دينه ، تجده رجلا الأصل أن يكون موظفا ، ورب أسرة ، لكنه - في الحقيقة ولسابق النشأة التي ترعرع عليها في المرحلة المراهقة - رجل سفيه ، يحمل قلبا خوايًا ، كما تقول أمي عن هؤلاء : يمتلكون قلوبًا حقيقتها بالونة مليئة بالماء القذر . أو أنهم رجعوا إلى عقولهم بعد فوات شيئا مهما من الأوان ، وتجدهم يصرخون فيكم : أن أنقذوا أنفسكم ، وإليكم الداعية أبو زقم - كمثال - ؛ فلتستمعوا إلى أحاديثه ، لا لتضحكوا معه ؛ بل ركزوا في عينيه ، وفي خطابه ، لتجدوا أنه يصرخ فيكم ، لعل وعسى . أو حال أجلهم ( سواء ختمت حياتهم بسوء أو بشكل عادي ) فطويت صفحة إنسان ، نعم ... إنسان ، لكنه عاش كالحيوان ، أكل وشرب وسعي للذة ونوم .... فقط ، لم ينفع نفسه وأهله ومجتمعه في دينه ودنياه ؛ بل ليته قد كفى شره عن أعراض المسلمين .

تُحْرَم بسبب صحبة أولئك عن المتعة الحقيقية ، والترفيه الجميل في العطلة الصيفية ، في المراكز الصيفية ، حلقات تحفيظ القرآن ، بل تحرم حتى من العلاقات الطاهرة الجميلة مع شباب عقلاء يجتمعون على الترفيه البريء .

وفي الأسابيع التي تَرسم انتهاء العطلة الصيفية ، تظهر – في الغالب – حقيقة تلك الصداقة المزعومة ، والأخوة المزيفة ، وتنجلي عن ضحايا الوهم غشاوةً أعمتهم عن رؤية الصديق الحقيقي ، صافي القلب ، نظيف اللسان ، رجل في أفعاله ، ورائع في تصرفاته ، يقابلك ببسمة صادقة ، ووجه صبوح مريح ، فلا تبدأ – أخي – مع تلك الصحبة السيئة ؛ بل انقطع عنها منذ هذه اللحظة ، وابحث عن الصحبة الصالحة في أخلاقها ، المحافظة على صلواتها .

ابحث عنها منذ الآن ، ولتكن العطلة الصيفية صفحة جديدة ترسم فيها علاقاتك وصداقاتك ... وأخوتك .

وفقك الله تعالى ، وحماك من كل مكروه ، وأرشدك إلى صديق صالح ومخلص ومعين لك في رحلتك .

أخوك المحب /
الباحث عن الحق
مراهق سابق !! http://www.alsamy.net/vb/images/smilies/smile.gif

برق الصواعق
25 Jun 2007, 01:38 AM
جزاك الله خيرا أيها المراهق السابق

كاتب
25 Jun 2007, 08:39 AM
اقتراح بسيط
لا أتوقع أن المراهق سيقرأ مقالاً بهذا الطول وهذا الأسلوب .

لذا فإني أقترح عليك أن تعيد صياغة هذا المقال بأسلوب قصصي أو على شكل "مذكرات" مراهق سابق ، مع ذكر بعض المواقف والطرائف وذكر التفاصيل التي يعشقها المراهق كأسماء السيارات والمكاشيت والأفلام وغيرها ، فيحس المراهق أن من يخاطبه فعلاً عاش مرحلته وقريب حقيقة من بيئته .
ليتم نشره عبر مفكرات أو مذكرات الجوال عن طريق البلوتوث.

فالمقال بالنسبة لأعمارنا نحن رائع بكل المقاييس ، ولكن هل نحن المخاطبون به ؟؟!!


رائع ومتميز

سليمان شعيب
25 Jun 2007, 09:46 AM
:
جميل ماكتبتـ

أستاذي
الباحث عن الـحـق


لي عوده بأذن الله

الباحث عن الحق
26 Jun 2007, 04:07 AM
برق الصواعق ’ أهلا بك أخي الفاضل ، وشكرا على طيب مرورك ، وفقك الله تعالى .

الباحث عن الحق
26 Jun 2007, 06:14 PM
كاتب ’ أهلا بك أخي الفاضل ، أعتقد أنه لو عرضت أمامه لقرأها ، بغض النظر عن طريقة الأسلوب ، والاقتراح الذي ذكرته أفضل من هذا الأسلوب ، خصوصا ( المذكرات ) .. وتفعيل نشرها عن طريق البلوتوث ، أشكر لك طيب مرورك ، وجميل ردك ، وفقك الله تعالى .

الواثق
27 Jun 2007, 12:39 AM
جزاك الله خيرا أيها المراهق السابق

المديرالسعودي
27 Jun 2007, 01:30 AM
الباحث عن الحق
حقا رائع ماذكرت

الباحث عن الحق
08 Jul 2007, 12:11 PM
سليمان ’ أهلا بك أخي الفاضل ، أشكر لك حسن ظنك ، وفقك الله تعالى .

الواثق الشرقاوي ’ وإياك أخي الفاضل ، شكرا على طيب مرورك .

المدير السعودي ’ أشكرك على مرورك أخي الفاضل .