المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نص رواية طرقة باب. للأستاذ/ سهل الشرعان



فـروان
13 Sep 2007, 02:13 AM
القصة الأولى بعنوان مجرد نظرة
القصة الثانية طرقة باب
أما الثالثة فهي بعنوان الحقيقة

أخترت لكم اليوم
القصة الثانية طرقة باب
ملاحظة . الرواية متوفره عند مكتبة ألوان

النص:

تتسارع الأيام بشكل غريب حتى انك تنسى أنك تدور في فلكها . فلا تمتلك من سرعتها الغريبة إلا أن تجاريها لأنك إن لم تفعل فقد يتعداك الزمن وأنت ما تزال في ذهولك !! ومع مجاراتك للزمن – إن سلمنا بأنك قد فعلت – تتراكم أحداث في ذاكرتك وتموت في مقبرة الذاكرة فتظن أنها انتهت وتلاشت في غياهب المجهول. لكنها ما تلبث أن تعاود الظهور فجأة لتجدها قد بُعثت من ثنايا الذاكرة لتتمثل أمامك فجأة بجميع أحاسيسها وتفاصيله كأنها حدثت بالأمس . وهذا ما حدث لي فعلا عندما بدا شريط الأحداث يمر من أمامي معلنا دخولي إلى بوابة الماضي. كانت الشرارة التي قدحت وأضاءت ذلك المكان المجهول في ذاكرتي والذي ظننت أنه تلاشى وانتهى إلى العدم هو ذلك المقال الذي تصدر إحدى صفحات الجريدة التي استقبلني بها ابني محمد لدى عودتي من الجامعة .كان ذلك اليوم بالذات هو الذي يكون جدولي مثقلا بمحاضرات مارثوانية ألقيها بين ثلاث كليات في الجامعة وأحاضر فيها عند غير المختصين مما يعني حضور أجساد أجبرها الخوف من (الحرمان) على التصنم أمامي كأنها تماثيل فرعونية . أخذت الجريدة وأنا أهش في وجه ابني محمد وارتميت على المقعد وفي يدي الجريدة . ربما مكان المقال البارز وعنوانه الغريب هو الذي جعلني أبدأ به. نظرت إلى الاسم فعرفت صاحبة المقال ...وكيف أنسى ....نادية !! ما أن انتهيت من قراءته حتى انزلت الجريدة واسترخيت وأنا أحاول أن أضبط الصور التي بدات تظهر في ذهني تترا بعد أن مكثت هناك ما يقارب عشر سنوات....
لم أنسى تلك الليلة التي كان الطرق على الباب عنيفا . ومما زاد الطين بلة هو أننا لم نتوقع أحد في تلك الليلة حيث أن جميع الزملاء (العزاب ) قد انفضوا بعد أن تصدقت عليهم بعشاء محلي ينسيهم هم الوجبات السريعة التي كانت تزخر بها الولاية التي كنا ندرس فيها. لبست معطفي واتجهت إلى الباب وأنا اسمع زوجتي وقد كانت حاملا بمحمد آنذاك وهي تتعوذ من الشيطان وتطلب مني آخذ الحذر لأن القتل هو النتيجة الحتمية إذا تأكد السارق أن الذي معك أكثر من ثمن الطلقة ..!!
اقتربت من الباب وقد دجج بجميع وسائل السلامة – بناء على أوامر أم محمد -. نظرت من العين السحرية للباب فرأيت ما لم أتوقع أن أتخيل. أعدت النظر لأتأكد فكان ما رأيته في المرة الثانية مطابق للنظرة الأولى فتاة شابة ذات سحنة عربية تميز وجهها بحبة خال توسطت خدها مما جعلها – وإن اغضب هذا الكلام أم محمد- اكثر جمالا وأناقة .
لم أجد بدا من فتح الباب ففتحته وأنا أسمع ام محمد خلفي تقول وهي مبهورة
" ماذا تفعل"
وما أن فتح الباب حتى بادرتني صاحبة حبة الخال
" السلام عليكم"
ربما لهجتها التي تدل على أنها من نفس بلدنا هي التي جعلتني أقول وأنا أزيل السلاسل التي أصرت أم محمد على أن تغل بها الباب
" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته... تفضلي "
لا ادري لماذا اتجهت عيني إلى محمد وأنا أدعو ضيفتنا للدخول إلى أم محمد والتي رأيتها تتمتم مستغربة
" تفضلي "
أشرت إلى ضيفتنا بالدخول . وما أن رأتها أم محمد حتى أخذتها الدهشة لدرجة أنني خفت أن يحصل لها مكروه فبادرتها وأنا أغمز لها بعيني
" أم محمد ... عندنا ضيفة"
أحسست بالغرابة من هذا للفظ الذي يخرج لأول مرة من فمي . اقتربت أم محمد بهدوء من عقدت الدهشة لسانه مما حدا بي أن أقول ملطفا الجو
" سلمي على الأخت "
نظرت إليها مستفهما . فردت باستحياء
" نادية "
قالت أم محمد بحياء اشد وقد بدا لسانها ينفلت
" حياك الله "
ردت صاحبتنا بابتسامة ودية
" الله يخليك "
قالت بعدها أم محمد ما اكد لي أن الدهشة ما تزال تضرب بأطنابها على تفكيرها :
" سأجهز العصير"
رددت بسرعة بعد ان واقفتها بيدي
" أنا الذي سأجهز العصير "
قالت نادية بصوت متهدج وهي تنظر إلينا
" في الحقيقة أنا .. أنا لا أريد شيئا.. أنا ..أنا " ثم أجهشت بالبكاء بعد أن احتضنت وجهها بكفيها . كان المنظر حزينا وهذا في الحقيقة ما كان ينقص أم محمد مشهد بدايته مرعبة ونهايته حزينة . أخذت أم محمد تحاول التهوين على نادية وهي تبكي معها ... كم هي طيبة أم محمد تحب المشاركة في جميع الأعمال .....حتى في البكاء..!!
لم أرى أفضل من أجهز العصير و أعود وقد هدأ الجميع . وبالفعل عندما عدتُ ومعي العصير كانت ضيفتنا قد تماسكت قليلا . قدمت العصير لأم محمد التي كان أسوا حالا من ضيفتنا . تناولت أم محمد العصير وناولته نادية وهي تعتذر
" المعذرة فهذا ليس الواجب لكن نحن في بلاد لا تعرف الواجب"
هكذا هي أم محمد ، عندما تسيل الدموع من عينيها تسيل الدرر من فمها.
قلت بعد أن هدأ الجووتماسك الجميع :
" والآن هل يمكن أن تحدثينا عن مشكلتك لنرى كيف يمكن أن نساعدك "
حاولت أن تتماسك وقالت بصوت متهدج:
" أنا اسمي نادية وقٌد أرسلني والدي هنا للدراسة "
أكملت أم محمد وهي ما تزال في شاعريتها
" مع زوجك"
ترددت قليلا ثم قالت
" في الحقيقة لا "
" آه أتيت إلى هنا مع أخيك"
" لا . لم يأتي معي أحد "
لم اكن اعرف أن لأم محمد عينان واسعتان إلا في هذه اللحظة فقد اتسعت عيناها واحمر خداها فقالت وهي ما تزال تحاول أن تحافظ على هدوءها
" هل تريدين القول بأن أباك أرسلك إلى هنا... لوحدك "
قالت وهي تنظر إلى الأرض:
" في الحقيقة نعم . ولهذا أنا هنا . لا أعرف كيف أشرح لكم وضعي . لم أشعر بحياتي بمثل هذا الشعور من قبل . كنت قبل أن آتي إلى هنا ادعي الشجاعة أما الآن فإن الخوف يسيطر علي ..بل .. بل .. الرعب .. نعم الرعب هذه أنسب كلمة لحياتي هنا في بلد بدت أشعر أنهم من كوكب آخر ... أنا لا أعرف ماذا أفعل " ثم انفجرت باكية مرة أخرى . لم تشاركها أم محمد البكاء هذه المرة بل لزمت الصمت وقد أخذتها الصدمة إلى عالم آخر . لما رأيت الوضع وصل إلى هذه النقطة قلت لها وأن أحاول أن أبدو هادئا :
" أظن الوقت متأخر لذا يمكننا مناقشة ذلك في الغد إن شاء الله " التفت إلى أم محمد وأنا أقول :
" لماذا لا تجهزين للأخت نادية مكانا تبات فيه"
قالت نادية وهي تمسح الدموع من عينيها:
" أشكركم أنا اسكن في فندق قريب من هنا وسأذهب إليه "
ثارت أم محمد وهي تمثل الأصول العربية :
" فندق ولوحدك ؟! أعوذ بالله . ستسكنين معنا حتى يفرج الله أمرك "
ردت نادية
" شكر لكم . حقيقة لا أعرف كيف أشكركم فقد أزاحت عني هذا الجلسة الكثير من الهموم التي لازمتني في الأيام الماضية حتى أنني فكرت في الانتحار. إلا أنني أشعر الآن بأن أموري تتجه للأحسن خصوصا بوجود أناس مثلكم يشعر المرء بالأمان وهو يعيش بالقرب منهم "
قاطعتها أم محمد وهي ما تزال في ثورتها العربية
" تقصدين معهم "
لو كان هناك جائزة نوبل للكرم لحازت عليها أم محمد بدون منافسة . ردت نادية على هذه الدعوة بقولها مصحوبا بابتسامة
" لا أريد أن ضيق عليكم وأرجو أن تأذنوا لي "
لا ادري لماذا نظرت إلي بعد ذلك ، إلا أنها بعد أن فعلت قلت على الفور :
" أظن الغرفة الشرقية تصلح لأن تكون لضيفتنا . أليس كذلك يا أم محمد "
ردت أم محمد بحزم
" نعم "
كانت هذه هي الضربة القاضية التي جعلت نادية تستسلم وتنقاد طائعة مع أم محمد إلى الغرفة . جلست في غرفتي أفكر فيما حصل حتى دخلت علي أم محمد التي قالت بعد أن أغلقت باب الغرفة
" ليس لهذه البنت إلا واحد من اثنين. زوج أو الديرة "



- يتبع -

فـروان
13 Sep 2007, 02:15 AM
في الصباح اتجهت إلى الكلية وهناك في الكافتيريا وجدت طارق كما توقعت حيث أنه لم يتزوج بعد ولهذا فهو كما اسميه دائما أسير المطاعم. وعل الرغم من كون والده واسع الثراء وقد أرسله للدراسة على حسابه، فإنه لم يتزوج بعد لأنه كما يزعم يحب الحرية. كانت الفطيرة تكاد تختفي بين قبضتيه القويتين إلا أن بقاياها التي لم تظهر على فمه الصغير توحي بوجودها . لم يؤثر غنى والده في طباعه، فهو دائما منبسط مع الجميع حاضر النكتة حازم الرأي إذا حزب الأمر. تعجبني أراءه القوية ولهذا فهو مستشاري الخاص. أخذت مقعدا بجانبه وأنا أحمل معي فطيرتي وقلت له بعد أن سلمت عليه:
"كيف حال فتى المطاعم"
أجاب ويقضم الفطيرة:
"ينتظر دعوة منك"
"حسنا أنت مدعو للغداء هذا اليوم"
قال وهو يضع ما تبقى من الفطيرة جانبا:
"وأخيرا سأذوق طعم الكبسة ثانية. هاه أخبرني ما الذي حصل؟؟
لم أملك إلا أن ابتسم من فطنته
"كيف عرفت أن هناك حدث؟."
قال وهو يمسح فمه بمنديله:
"الأمر بسيط . أولا نفحاتك الحاتمية لا تهب إلا مساء. ثانيا: ليس من عادتك أن تفطر هنا"
رددت بعد أن قضمت فطيرتي
"أحسنت. هناك أمر حدث أحب أن أستشيرك فيه.
"ممتاز، هل تخبرني الآن أم أذهب إلى العجوز إليزا فقد وعدتنا بمحاضرة رائعة عن الأصوات عند الشرق آسيوين"
"أظن أني احتاجك أكثر من آليزا"
وبالفعل أخبرته بما جرى البارحة وعن اجتماع اليوم. وعندما انتهيت من كلامي. قال وهو ينظر إلى قدح الشاي أمامه:
"الناس هنا يحسبون ألف حساب قبل أن يرسلوا أبناءهم للشرق الأوسط، وهذا الأحمق يرسل ابنته إلى هنا. لا بد من الاتصال به"
أخذت نفساً عميقا وأنا أقول:
"هل تتوقع أنَّ منْ يرسل ابنته بالطائرة وتقر عينه وبينهما آلاف الأميال، هل تتوقع أن يقتنع بمجرد مكالمة"؟؟
"أنا لا أعرف ما هي ردة فعله ولست ملزماً بتحليلها وإنما أنا ملزم بردة فعلي وتحليلي"
هذا هو طارق كما عرفته. يتخذ قراره بكل جرأة ولا تهمه العقبات. اتصلت بأم محمد وطلبت منها رقم جوال والد نادية. بعد أن حصلت على الرقم نظرت إلى ساعتي فإذا هي تقترب من الثامنة فقلت لطارق:
"الساعة الآن في الديرة تقترب من منتصف الليل"
أجاب طارق بسخرية واضحة:
"هذا يعني ذروة السهر عندهم"
لم أعقب لأنه يعرف تلك المجتمعات أكثر مني. اتصلت على الجوال فرد عليّ صوت أجش يختلط صوته بمجموعة من الأصوات تتحدث خلفه.
"السلام عليكم"
"وعليكم السلام. من معي؟"
"معك سلمان"
"أهلا وسهلا"
كان واضحا من نبرة صوته أنه يقول وماذا تريد؟
"في الحقيقة ابنتك نادية عندي في الشقة مع....."
"نادية! ماذا بها هل حصل لها مكروها؟"
"لا لم يحصل لها إلا كل خير وهي بصحة وعافية، لكن...."
"انتظر. دقيقة"
وبعد لحظات أجابني نفس الصوت لكن بوضوح أكثر وقد اختفت تلك الأصوات التي كان تشوش عليه.
"من أنت وماذا حصل لنادية؟"
"ليس المهم أن تعرف من أنا إنما المهم أن تعرف أني رجل غيور وقد أخذتني الحمية والغيرة وأنا أرى ابنتك لوحدها في هذه البلاد. وفي الحقيقة أظن أنه ليس من الحكمة أن ترسل ابنتك للدارسة لوحدها"
هنا بدأ الرجل يزمجر عالياً
ترى.!! ترى ...؟ ومن أنت حتى تحكم وتقرر!!"
وبنفس القوة أجبته:
"أنا شخص طرقت عليه ابنتك في منتصف الليل وهي تبكي وترجو مساعدته"
بدأت اسمع صوت أنفاسه وهو يقول:
"اسمع هذه ابنتي وأنا أعرف بمصلحتها منك، دعها ولا تتعرض لها"
بدا الغضب يبلغ منتهاه عندي وأنا أقول :
" أتعرض لها!! أترسل ابنتك لتعيش بين ثلاثمائة مليون نصراني وتقول أتعرض لها!! وهل يهمك أن يتعرض لها أحد؟؟"
كان طارق في البداية يهز رأسه موافقاً ولكن عندما وصل الحديث إلى هذه النقطة لم يتمالك نفسه فأخذا الهاتف وقال مباشرة:
" اسمع يا هذا لقد رأيت العديد من الناس هنا تنقصهم الغيرة إلا أنك تفوقت عليهم بنقص في الغيرة والعقل"
أبعد طارق السماعة عن أذنه ونظر إليها وهو يقول بأسى: "تباً. كنت أريد أن أغلق السماعة في وجهه، إلا ّ أنه فعلها قبلي".
في الساعة الثانية بعد الظهر بعد انتهاء محاضراتي لذلك اليوم كنت انتظر طارق في مطعم الكلية وقد أبحرت بي الأفكار شرقاً وغربا. فلا أدري هل كان من المفترض أن نكلم ذلك المخلوق ؟ بدا لي الأمر واضحاً بأننا باتصالنا به زدنا الطين بلة ولكن هل هناك حل آخر ؟؟ . كنت عندما عقدت العزم على السفر لهذه البلاد قد وضعت أمامي جميع الاحتمالات وتوقعت جميع المشاكل إلا هذه المشكلة، فالمصيبة مزدوجة. فهنا مجتمع منحل وهناك ولي أمر فاسد وبينهما فريسة ضعيفة تحاول النجاة. قد أفهم أن بكون هناك رجل فاسد أو أن يكون هناك آخر مفسد ولكن كلاهما يحافظان على عرضيهما ويموتان من دونه. أما أن يأتي من لا يخاف على عرضه وينام قرير العين وابنته تعيش في مجتمع لا يعرف حراماً، بل ولا عيبا، فهذا الذي لا افهمه. أمر آخر حيرني ...أليس لها أم أو أخ أو على الأقل رجل في العائلة عنده غيرة. أكاد أجزم بأنه لو كان أبو جهل يسكن في نفس الحارة وعلم بما حصل لأفنى العائلة عن بكرة أبيها.
"أين ذهبت؟" نظرت فإذا طارق قد وقف أمامي ولم أشعر به.
وقلت وأنا أحاول النهوض: " إلى أبي جهل"
"أظنه لو كان حياً و سمع بقصة صاحبتك لأنتحر"
لا أعرف كيف يفهم بهذا السرعة...
عندما وصلنا إلى البيت وفتحت الباب سلمت قبل الدخول حتى لا تفاجأ ضيفتنا، ولكني عندما دخلت لم أجد العازل الذي صنعته أم محمد ليفصل بين الرجال والنساء. أدخلت طارقا إلى الصالة واتجهت إلى المطبخ وهناك وجدت أم محمد فسألتها عن نادية، فقالت:
"لقد ذهبت"
"ذهبت!!" لماذا؟ وإلى أين؟؟
قالت وهي تعد الشاي والقهوة:
" أما إلى أين فأظنها إلى الفندق. وأما لماذا فقد اتصل بها والدها وقالت لي يبدو أنه غاضب ثم انصرفت"
اتجهت إلى طارق وأخبرته بالخبر فقال وهو يقلب مجلة وجدها أمامه:
"إذن معها جوال. لم أكن أعرف أنه بهذا الحرص"
"والحل؟"
"أما بالنسبة للغداء، فلا تهتم بحصتها، وأما بالنسبة لها هي فلا أظن أنك ستراها في المستقبل القريب"
تركت طارق والتفت ملبيا نداء أم محمد من داخل المطبخ وعندما وصلت وجدتها قد جهزت القهوة والشاي. رأت أم محمد ما بي من الهم فقالت مخففة:
لا عليك لقد عملت كل ما بوسعك . وأظنها ستعود قريباً.
ولكن طارق لم يكن يظن ذلك. نظرت إليها وقد قدح كلامها في رأسي سؤالاً"
"الأمر الذي يحيرني كيف عرفتْ بمكان سكننا ومن الذي دلها علينا؟؟
"سألتها نفس السؤال، فقالت: إنها كانت تسأل من يومين عن عائلات عربية وقد دلت في البداية على عائلة فتحي المصري الذي يسكن في البناية المجاورة فدلوها علينا"
بدأت الأسئلة ترد إلى ذهني بصورة متتابعة وقد وجدت في ذلك سلوى عن التفكير في حالها الآن فقلت:
"طيب. لماذا لم تأتي في وقت مبكر؟"
تقول : إنها بعد أن عرفت أننا من نفس البلد كانت مترددة ، بل إنها قد جاءت ورجعت من عند لباب أكثر من مرة حتى حزمت أمرها وأتت وهي غير مبالية بالوقت أو بأي شيء آخر إلا بأنها لا يمكن أن تعيش لوحدها في مثل هذا المجتمع.
اتجهت إلى الصالة وأنا أتمنى أن أتصل على والدها لأبصق في وجهه.
"يبدو أن الهم على نادية سيقتلك"
نظرت إلى طارق وهو يداعب تمرات لا تخرج في أي مناسبة، فقلت:
" هل تعلم أن النساء نصف المجتمع!!"
قاطعني وهو يصب لنفسه فنجاناً من القهوة:
"الإحصائيات الأخيرة تثبت أن نسبة النساء أكثر من الرجال في العالم"
" وهذا ما يزيد الطين بلة. ماذا تتوقع أن يحصل إذا كانت نسبة نوعية نادية في مجتمعنا عالية؟؟"
"تقصد أبو نادية؟؟"
"ما الفرق؟؟"
الفرق كبير، وهو أن أبا نادية لا بد وأن يكون عنده غير نادية وهو يجهزها الآن للسفر لتلحق بأختها. وأما نادية فلا تستطيع أن تجهز أختها للسفر أي بمعنى آخر لا يمكن أن تجهز أختها لتضيع مثل حالها الآن.
" وهل نترك نادية تضيع؟؟"
"يبدو لي أن عندك مشكلة في استخدام الألفاظ"
"نظرت إليه مستغرباً؟ ماذا تقصد؟"
قال بعد أن ألقى تمرة في فمه
"أقصد أننا لن نترك نادية ولكنها ستتركنا"
وضع طارق فنجانه جانباً وأكمل بصوت هادئ:
"أي بكلمات أوضح أتوقع أن يكون هذا هو آخر العهد بها"
ولم يكن الأمر كذلك، إذا بعد شهر أو شهرين لا أذكر بالضبط أيقظنا طرق على الباب قريباً من منتصف الليل؟. اتجهت إلى الباب وأنا أكاد أجزم بان الطارق هو نادية. نظرت إلى الطارق من خلال العين السحرية للباب فلم أصدق عيني. فتحت الباب بسرعة وأنا أقول
"هل أرسلك أبوك إلى هنا وتشعر بالخوف؟؟
نظر إلي طارق وقال: "تقريباً ولكني لا أشعر بالخوف وإنما بالغضب"
"غضب!! لماذا؟ "

فـروان
13 Sep 2007, 02:17 AM
عندها تذكرت أني لم ادعه للدخول.
"عفواً نسيت، تفضل."
"لم آتي في منصف الليل لأتفضل. قل لي هل لنادية حبة خال على خدها الأيمن؟
غابت عني الذاكرة قليلاً إلا أن حبة الخال كانت مميزة لها.
"نعم" لماذا؟؟
قال وهو يزفر بغضب:
" إذن هي. هيا ألبس وسأنتظرك عند باب البناية."
توجه إلى الدرج بسرعة فسألته
": ماذا حصل؟؟"
توقف في منتصف الدرج وقال لي
": "لقد رأيتها وهي تتأبط ذراع أحد الأوغاد قبل "قليل"
كان الخبر صدمة لي. كأنه لم يخبرني وإنما صعقني. نعم كانت هذه هي النهاية الطبيعية ...أو أن شئت فقل بداية النهاية. وهل المفروض أن نتوقع أن نجدها وهي ممسكة بمصحف؟ ولكن وقوع المصيبة ليس كتوقعها. حتى طارق الذي كان بارداً عندما ذهبت في المرة الأولى لم يكن كذلك الآن. تبا لهذا الأب، ألا يغار؟؟
نظرت إلى أم محمد وأجبت أسئلتها الكثيرة والتي لم أفهم معناها بكلمتين:
"لن أتأخر"
ذهبت مع طارق إلى المكان الذي رآها فيه. لم نتحدث طوال الطريق. كنت ما أزال أوبخ نفسي فأنا السبب... جائتني إلى البيت تطلب مساعدتي وتركتها تذهب ببساطة فقط لأن أباها غضب وأمرها بأن تخرج من عندنا ...كم أنا أحمق وهل يتوقع من ذلك المخلوق انه سيأمرها بقيام الليل وصيام النهار!!
وصلنا إلى المنطقة التي رآها فيها وعلى الرغم من مكوثي في هذه المدينة ثلاث سنوات فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي تطأ فيها قدمي مثل هذه الجهة. كانت المحلات ذات واجهات غريبة وأصوات الديسكو تخرج من بعضها. وأما الناس فهم خليط عجيب من الألوان، فهناك نساء ورجال وهناك من هم بين بين!!لم أملك نفسي من توجيه السؤال لطارق:
" كيف أتيت إلى هنا؟؟"
أجاب وهو ينظر إلى المحلات: لم آتي إلى هنا ولكني رأيتها تتجه إلى هنا بصحبة أحد أبناء الشوارع حيث كنت في بداية الشارع اشتري عشاء.
تمتمت وانا انظر معه إلى المحلات
"جزى الله خيرا ً أم محمد فقد كفتني هذا الأمر"
"تلك هي"
نظرت إلى الجهة التي أشار إليها طارق فإذا بالفعل هي بشحمها ولحمها وأما ثيابها فلا!!
نظرت إلى مرافقها، فإذا هو علج لا اشك في انه لا يعرف أباه وقد نسي أمه. وبهدوء اتجهت إليها وعندما رأتنا علتها الدهشة واضطربت قليلاً. كان ذلك المعتوه ما يزال يتحدث إليها ولكنه لما لم يجد منها تجاوباً، انتبه لوجودنا.
قلت له بهدوء: إنها أختي وأريد الذهاب بها. سكت قليلا ونظر إليها إلا إنها لم تجب. قال طارق موجهاً الحديث إليه بعد ان اقترب منه حتى كاد يلتصق بوجه:
"ما الأمر ؟؟ هل هناك مشكلة؟؟"
جفل الشاب واعتذر ثم ابتعد عنها فانطلقنا بها. لم أشأ أن أتكلم حيث كنت أريد أم محمد أن تتولى المهمة ولكنها بادرت بالهجوم:
"أظن بأنه لا يحق لكما أن تتدخلا في حياتي الخاصة"
تمتم طارق وهو ينظر إلى المباني على جانب الطريق:
"لم أتصور أن هناك من يحفظ الدستور الأمريكي في ظرف شهرين"
أكملت وكأنها لم تسمع تعليق طارق:
"أنا أعرف ما تفكرون فيه إلا أن تفكيركما خاطئ. جون أخ لزميلتي في السكن وقد تعرفت عليه عن طريقها وكان المفروض أن تكون....."
لم تكمل حيث حاصرنا ثلاثة من الشبان رابعهم جون. تمتم طارق بعد أن نظر إليهم:
"وهؤلاء هل هم أصدقاء زميلتك أم أخوة جون؟"
كان واضحا أنهم لم يأتوا لمناقشة مشكلة ارتفاع الضرائب عندهم ولا مشكلة غلاء المهور عندنا. نظرت إلى المنطقة التي نحن فيها فإذا هي شبه خالية من السكان وهذا يدل على اختيارهم الدقيق. تقدم جون وهو يتمتم ساخراً:
"أتظن أنه يحق لك بأن تأخذ صديقتي " ثم التفت إلى أصحابه وصاح ساخرا:
"هيه ما رأيكم يا رفاق يقول بأنها أخته"
قال أحدهم وهو يضغط على عصا في يده: " دعنا نكسر عظامهم ونرسلها في أكياس صغيرة لأهلهم.
هذا ما ينقص أهلنا، بريد به عظامنا مكسرة. اقترب جون وكانت نادية تحاول تهدئته إلا أنه أزاحها عن طريقه. في تلك اللحظات العصيبة تذكرت خلف زعيم الحارة أيام الصبا إذا كان يجمعنا في إحدى الزوايا ويعطينا التوجيهات والنصائح الإرشادية في المعارك والمشاجرات. كانت أهم نصيحة يرددها دائما هي: " إذا جد الجد كن أنت البادئ تكن أنت الفائز " وبناءا على تلك النصيحة فما أن كان جون في مرمى يدي حتى كانت قبضتي قد نشبت بين أسنانه.. وبدأت المعركة. كان من المفترض أن يكون من نصيبي اثنين ومن نصيب طارق اثنين إلا أن ذلك لم يحصل. فقد كان قوتي لا تتحمل إلا نصف واحد من نوعية جون. اشتبكت أنا وجون ولم ادري ماذا حصل لطارق في البداية حيث كنت مشغولا برد اللكمات التي يسددها الثور الذي أمامي. بدأت قوتي تنهار وأنا أتلقى سيلا جارفا من اللكمات ممن كان كما علمت فيما بعد أنه عضو في نادي الملاكمة التابع للجامعة. كنت اسمع صرخات بجانبي وحيث لم إنها لم تكن مني وبالتأكيد لم تكن من الثور الذي أمامي لأنه كان في وضع مريح فقد خمنت أنها تصدر من رفيقي طارق. وبعد لحظة توقف جون عن تسديد القذائف باتجاهي. نظرت إليه فإذا هو قد اشتبك مع طارق. كان طارق هو الذي يصدر الصيحات- وليست الصرخات كما اعتقدت - مع كل لكمة يسددها لجون. نظرت إلى أصحاب جون فإذا الأول منهم قد توسط الشارع بلا حراك وأما الآخر فقط توسط مجموعة من الأخشاب بجانب إحدى المستودعات وأما الأخير فقد جلس على ركبتيه وهو ممسك ببطنه. نظرت إلى طارق وجون وقد أخذ كل منهم موقعه وهو ينظر إلى الآخر. نظر طارق إليه وقال وهو يبتسم( لم افهم إلى الآن كيف استطاع الابتسامه وأمامه ذلك الثور الهائج):
إلى الآن وانأ في وضع دفاعي ولكن الحال سيتبدل يا صاحبي: وما أن أراد الهجوم حتى داهمتنا أصوات سيارات الشرطة قادمة نحونا. اتجه جون بسرعة إلى رفاقه وساعد أحدهم على النهوض بينما ساعد الملتوي الآخر. غادرنا جون ورفاقه وهو يتوعدنا بلقاء آخر. صاح طارق والابتسامة الماكرة تعلو وجهه: " أنا بانتظاركم" ثم التفت إلي وقال:
"لقد أعادوا لي أيام الشباب. توقفت عند الحزام الأسود 2( دان) ولو أكملت لأرسلتهم بأكياس إلى أهلهم."
لم تعد تحملني قدماي فقت وأنا استعد للجلوس على قارعة الطريق متلمسا بعض جراحي:
"وانأ كذلك أعادوا لي ذكريات الحارة"
توقفت سيارتي شرطة بالقرب منا فاقتربوا منا بحذر وسلطوا أضوائهم الكاشفة علينا فأتضح لهم ولنا أنه لا يوجد في المنطقة أحد سوانا. بعد أن تأكد الرقيب أننا عزل اقترب منا ونظر إلى ثم وجه ككلامه لطارق:
"هل صاحبك بخير"
"أظن ذلك لكنه يحتاج لإسعاف"
" هل يمكن أن تشرح لي ما الذي حصل"
"الأمر بسيط تمييز عنصري من بعض الشبان"
هز الرقيب رأسه وقد وجد في لكنة طارق العربية ما يؤيد قوله ثم قال:
" فهمت. هل يمكن أن تتفضل معي أنت وصاحبك إلى مركز الشرطة"
"بكل سرور ولكن بعد أن يتلقى صاحبي العلاج اللازم"
كانت الساعة تشير إلى الخامسة صباحا عندما وصلت إلى الشقة. وعندما وقفت عند الباب تذكرت أنني لم آخذ معي المفتاح فطرقت الباب. وكلمح البصر فتح الباب. نظرت إلى أم محمد ثم شهقت وهي تقول:
"حادث"
رددت بعد إن اتكأت على الجدار
"أظن أن القصة أطول من أن أشرحها عند الباب"

دخلت بعدها واتجهت مباشرة إلى السرير وبعد لحظات دخلت علي أم محمد بصينية ملئت بشتى الانواع من الأدوية الشعبية حملتها إياها جارتنا أم عزيز أشهر عطارة في الحارة. كانت أم محمد تستحثني على ذكر التفاصيل فسردت ما اذكر من أحداث تلك الليلة الرهيبة مع تجاوز بعض الأحداث التي لم أكن فيها بكامل قواي العقلية. تمتمت أم محمد وهي تضع ثلجا على إحدى الكدمات:
"مسكين طارق ليس هناك أحد يعتني به"
لم أستطيع أن أرد زفرة خرجت من صدري وان أقول:
"نعم مسكين"
كان يراودني شعور بان جون ارحم من أم محمد وهي تعارك جروحي.
"وماذا حصل لنادية"
سبب لي ذكر اسمها ألم أكثر من لكمات جون وأدوية أم محمد. نظرت إلى أم محمد ثم قالت وهي تخلط عدة مساحيق لتبدأ جولة جديدة:
"مالك لا ترد"
"لأنني أتمنى أن يكون هذا هو آخر العهد بها"
ولم يكن الأمر كذلك إذ بعد أسبوع أو أسبوعين من الحادثة عدت إلى البيت من الجامعة وعندما حاولت فتح الباب بالمفتاح الذي معي فوجئت بان الباب موصد من الداخل. طرقت الباب، فأطلت علي ام محمد بنظرات حادة ذكرتني بمناقشاتنا الحامية حول ضبط ميزانية المنزل. نظرت إلي طويلا قبل أن تقول:
"نعم"
آخر شيء توقعت أن ترد به علي. إلا أنني قلت وأنا أحاول أن اخفي دهشتي :
"أظن أنها شقتي وأظن أني أعرفك ألست أنت .... زوجتي؟"
"نعم ولكن عندي ضيفة اسمها نادية"
لا ادري لماذا اتجهت يداي مباشرة الى الكدمات التي ما زالت تزين وجهي. أكملت أم محمد وهي تمسك مقبض الباب:
" اقترح أن تقوم بزيارة طارق"

فـروان
13 Sep 2007, 02:18 AM
"هكذا انتم يا معشر المتزوجين تظنون أنكم ملوك وان غيركم يعيش في متاهة"
رددت على طارق وأنا أحاول أن أجد لي مكانا بين أغراضه المبعثرة في كل مكان:
"في الحقيقة هذا هو أحسن وصف للمكان الذي تعيش فيه"
"سلمان"
"سم"
"قطع السلطة"
هذا ما استفدته من نادية إهانات جسدية ونفسية. مازحت طارق وسألته عن جون ألم يحتك بك؟ فرد علي وهو في المطبخ:
"لا أظن أنه يود الاحتكاك بي ما لم يحصل على الحزام الأسود "
لم تخرج نادية من عند أم محمد إلا بعد العصر وخلال ذلك الوقت كنت تحت رحمة طارق والذي لم يدعني حتى أخذ مني موعدين على العشاء يشترط في أحدهما أن يكون في عطلة نهاية الأسبوع . عندما وصلت إلى الشقة وجدت أم محمد قد استقر بها المقام على أريكة طويلة في الصالة. كان خداها المتوردان دليل على أنه كان هناك نقشا حاميا.باغتها قائلا بعد أن جلست أمامها :
"ماذا تظنين؟؟"
نظرت إلى بهدوء ثم استقرت عيناها على مزهرية توسطت المسافة فيما بيننا :
"لا أظن الذي أرسلها إلى هنا بوضعها ، قد رباها على مكارم الأخلاق"
كم هي رائعة أم محمد إذ توصلت إلى نتيجة. كل شيء فيها يبدو رائعاً. عيناها الواسعتان ، شعرها الضارب إلى الحمرة و فمها الضيق الذي يبدي أسناناًً هي أقرب إلى الجواهر إذا رصت إلى بعضها. اقتربت منها وأنا أقول:
"هل من الممكن أن تفصلي قليلاً"
أخذت نفساً عميقا ثم قالت:
"لا أعرف كيف بدأ الحديث إلا أنني حاولت أن أفهمها أن ما قمت به أنت وطارق هو ما كان ينبغي على أبيها وأخيها أن يفعلاه إذا رأوها في نفس الموقف إلا أنها قاطعتني قائلة:
" المشكلة أنكم لا تفهمون الحياة"
"هل من الممكن أن تشرحي لي الحياة"
"الحياة هي أوسع من أن تحشر في جلباب وهي أوسع من أن يسيطر عليها أناس قد حكمت حياتهم الشك والريبة . الحياة بمعنى آخر هي ملك للجميع ولا يحق لأحد أن يمنعها عن أحد"
"اتفق معك في جملتك الأخيرة وهي أن الحياة ملك للجميع ولكن هل يعني هذا أنه يحق لي بما أن الحياة ملك لي أن أتعدى على ملكك في الحياة؟؟
"لا"
"ممتاز. إذن حياتي وحياتك وحياتنا جميعا ينبغي أن تكون تكاملية، أي بمعنى آخر ينبغي على حياتي أنا وحياتك أنت وحياة كل فرد أن أن لا تؤذي حياة الفرد الآخر بل ينبغي أن تفيده وتدفعه للأمام ، وبهذا يرتفع المستوى العام للحياة عند الجميع أليس كذلك؟"
ترددت نادية قليلا ثم قالت: " نعم ... تقريبا"
"لا ليس تقريبا أريد إجابة قاطعة. إذا كان حياتي الخاصة تؤثر سلبا في حياة الآخرين، ألا ينافي ذلك قولك إن الحياة ملك للجميع؟"
"نعم"
"ممتاز. والآن لو أن كل شخص في الحياة فعل ما يحلو له من ملذات، فمثلا عاقر الخمور والمخدرات أو أن تكون فتاة وقد خلعت الحجاب واختلطت مع من ينظر إلى قدميها قبل وجهها وتقع في براثن الزنا أو تلتصق بوحل السحاق....."
"قاطعت نادية الحديث معترضة:
" أنا لم أفعل ذلك"
"ومن قال أني أتحدث عنك يا عزيزتي . أنا أفرض فرضا فقط. أرجع إلى الموضوع فأقول لو أن شخصا فعل ذلك كله، هل يحق لنا أن نتركه بحجة أنه حر في حياته؟؟"
تلكأت قليلا ثم قالت:
"ربما لا "
"تكفيني ربما . طيب لو أن شخصا فعل أحد هذه الأشياء هل تنطبق عليه نفس الإجابة السابقة؟"
"علمت أنها وقعت في الفخ فقالت:
" لماذا تجعلين حرية اللباس قرينة الزنا والسفاح ومعاقرة الخمور والمخدرات؟".
"لأني أعلم كما تعلمين أنت ما يفعل اللباس الفاضح لأنثى بمراهق لا سيما إن كان يتسكع معها في منتصف الليل"
نظرت نادية إليَّ شزرا، فقلت لها معتذرة:
" لا تغضبي مني وأنا أعلم أنك تظنين أننا ننظر للحياة نظرة يملؤها الشك والريبة بعكس الناس هنا حيث أنهم يعيشون على البساطة وإن شئت فقولي الحرية، أليس كذلك؟"
سكتت.
"السكوت علامة الرضا. اسمعي يا عزيزتي كل مشروع ونظرة وفكرة ومنهج في الدنيا له مقياس صادق لا يحتمل اللبس ولا الخطأ"
"ما هو؟"
"النتائج. انظري يا عزيزتي إلى نتائج ما يسمى بالحرية هنا على المستوى الاجتماعي، لا أدري إن كانت كلمة ضياع تكفي أم لا . فالمصابين بالأمراض الجنسية والنفسية تعج بهم المستشفيات، العائلات شبه المدمرة هي الأصل والصحيحة فيهم شاذة. قارني بين هذه النتائج التي تصدرها مراكزهم مع نتائج مجتمعنا "ويا ليت قومي يعلمون"
قطعت أم محمد قصتها ونظرت إليَّ وقالت مبتسمة وهي تغمز بعينها:
" ما رأيك بي، ألا أصلح أن أكون محاضرة في جامعتك؟"
قلت وأنا أبادلها الابتسامة:
" تصلحين بأن تكوني عميدة جامعة المناظرات قسم الفلسفة. والآن هل اقتنعت نادية بما قلتي؟"
ملأت أم محمد رئتيها بالهواء ثم أكملت قصتها:
" لم تقتنع بل قالت: " أنتم تدورون حول أمور عفى عليها الزمن ، الناس هنا وصلوا القمر ، لماذا لا تفتحون أعينكم على الحقيقة ، لقد تقدم الغرب علينا، هم نجحوا ونحن فشلنا . ينبغي علينا أن نتخذ الناجح قدوة هذا من إيجابيات الحياة إلا إذا كنت تنكرين ذلك"
" أنا لا أنكر ذلك، بل في الحقيقة استغرب أن يخرج هذا الكلام منك وقد كنت أظنك ذكية"
انتبهت وكأنها لدغت وقالت.
" ماذا تقصدين؟!
" الأمر بسيط ، أين نحن الآن؟؟"
"في أمريكا "
ممتاز . ما الذي أتى بنا إلى هنا؟"
لم تجب.
"يبدو أن الإجابة صعب. سأجيب عنك هذه المرة. نحن هنا لأننا نعلم أنهم قد تقدموا علينا في العلم، فأتينا لنتعلم ما تقدموا به علينا، وأظن الطريق إلى ذلك العلم هو الدراسة في الجامعات لا الحانات"
ردت نادية وهي تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه:
"الحياة في نظرتكم جافة. كل شيء حرام"
" إن أردت الحقيقة فكلامك قد جانب الصواب لأن كل شيء حلال إلا ما حرم الله. فالأصل الِحل والاستثناء هو التحريم، وأنا أتحداك أن تأتي بشيء قد حرمه الله علينا وليس فيه مفسدة. بل شيء مصلحته أعظم من مفسدته وقد حرم.
قالت وكأنها وجدت لقمة سائغة:
" أنا لا أتكلم عن الله فهو أعلم بمصلحتنا ولكن أتكلم عن نظراتكم أنتم للحياة والحرية.
" عزيزتي إن كان الله أوحى لك بشيء عن حرية المرأة لا نعرفه فجودي به علينا، وإلا فإن النصوص محفوظة وموجودة في متناول الجميع. هذه واحدة والأخرى إن الحرية إذا كانت باباً للفساد الأخلاقي فهي حرام ليس في الإسلام فقط بل في جميع الأديان السماوية"
قالت وقد بدا الغضب يتضح من خلال نبرة صوتها:
" ألم أقل لك إن نظرتكم للحياة يملؤها الشك والريبة"
عزيزتي عندما تذهب المرأة مع الرجل إلى حانة في منتصف الليل فإن ذلك لا يمكن أبداً أن يفسر بأنه محاولة بريئة لكسب صديق ، وإن أردت نصيحتي فعليك بالذهاب فوراً للفحص فالناس هنا موبوءون"
كان الذعر باديا في عينيها. لم تستطيع أن تخفي اضطرابها وتململها. جلست قليلا ثم استأذنت وعندما وصلت إلى الباب، قلت لها وأنا اضغط على يديها:
"عزيزتي نادية، لاحظي أنى لم أذكر في كلامنا آية أو حديثا، ليس استخفافا بهما والعياذ بالله، ولكن لأني رأيت بأن نظرتك للحياة تعتمد على العقل. فأردت أن اثبت لك أن الإسلام يوافق العقل السليم ولا يناقضه. وإن أردت دليلا عقليا على ما قلته لك فما عليك سوى الذهاب إلى أقرب مركز للشرطة واحسبي خلال يوم واحد بلاغات الاغتصاب والسرقة والقتل وغيرها من الجرائم. كم أتمنى يا عزيزتي أن نأخذ من كل شيء أفضله وننتقي لحياتنا أفضل واطهر الأثواب ولا نكون كالثيران تدور في الحلبة بحثا عن خرقة حمراء ترفع لها.
كنت أنظر إلى أم محمد وهي ترفع يديها مصورة الخرقة الحمراء.
كم كنت أتمنى وجودي مع أم محمد وهي تمارس هوايتها في الإقناع.
نظرت إلى أم محمد بعد أن انتهت من سرد قصتها وقالت:
" هاه، ما رأيك؟"
" في الحقيقة بعد هذه المناقشة الشيقة التي أدرتها، أرى أنه من المفروض أن أسألك عن رأيك"
إن أردت رأي فأتوقع أنه سيكون هذا هو آخر العهد بها"
" أخطأ طارق في توقعه وأخطأت أنا أيضا إلا أن أم محمد أصابت الحقيقة فلم نرى نادية فيما بعد.
في ذلك الأسبوع دعوت طارق مكرها لتناول العشاء وعندما أخبرته بزيارة نادية لنا وبما دار قال وهو ينظر إلى صحن الجريش:
" شيء واحد لم اعرفه؟"
" ما هو؟ "
" إذا كانت بالفعل لم تربى على مكارم الأخلاق فلماذا أتت إليكم؟"
" أعود لرأي أم محمد وهو أنها لم تتربى على مكارم الأخلاق وأزيد بأنها لم تتلق التنشئة الاسلامية الصحيحة وذلك لأن الذي تولى تربيتها يحتاج هو الى تربية من جديد هذا واحد.ثانيا لا أظن أن الذي علمها كل ما سمعت هو جون.
تمتم طارق: " ذلك الثور"
" إذا فهي أساسا عندما أتت كانت محملة بتربية تحمل فيها أفكارا منحرفة ولكنها عندما أتت إلى هنا شعرت بالخوف. والخوف عندما يستولى على القلب يغسل القلب من أدران الشهوات والشبهات. ألم تسمع قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (يونس:22) هذا هو حالها فلما ذهبت واطمأنت صار حالها كما قال تعالى في الآية التي بعدها (فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) (يونس:23) تمتم طارق : " والآن هل من المكن أن ننسى نادية ونبدأ بموضوع آخر"
" موضوع .. أي موضوع ؟"
" الجريش"
" الجريش .. الجريش "
رفعت رأسي فإذا ابني محمد قد وقف أمامي .
" أبي. أمي تقول إذا لم تأتي فإنها ستأكل الجريش وتدعك "
هذا هو جريش أم محمد الرائع لم يتغير منذ عشر سنوات . اتجهت الى المغسلة لأغسل يدي وأغسل تلك الذكريات التي ما ظنت أنها موجودة بزخمها في رأسي بعد أن بدأ البياض يشق طريقه على جنبيه . دخلت على أم محمد وأنا أحمل الجريدة ووضعتها أمامها. قالت وهي تعد الأطباق:
" لا تتعب نفسك ليس فيها شيء ، لقد قرأتها"
قلت وأنا أشير بإصبعي على المقال:
" يبدو أن ذاكرتك بدأت تضعف"
نظرت قليلا ثم اتسعت عيناها فجأة ،
"إنها نادية. نعم نادية صاحبتنا، ماذا كان اسم صاحبها؟"
قلت بهدوء:
"جون"
التفتت إلى وهي تغمز بعينيها :
"يبدو أن لك ذاكرة قوية عندما يتعلق الأمر بجون"
نظرت إلى محمد خجلا وكأنه يعرف حكاية جون مع أبيه مع انه لم يولد ساعتها . قالت لي أم محمد وهي تضع طبق الجريش أمامي
" لا عليك لن اخبره"
في المساء زرت طارقا والذي أصبح مديرا لمجموعة والده الاستثمارية . ألقيت عليه الجريدة وجلست احتسي قدحا من الشاي . بعد أن فرغ من قراءة المقال نظر إلي ثم اسمعني المقطع الخير من المقال:
" إذا أردنا أن نلحق بركب الأمم المتقدمة ونساير المجتمعات المتحضرة فينبغي علينا أن نطرح جانبا أطروحات عصر أكل عليها الدهر وشرب"
ألقى الجريدة جانبا ثم قال وهو ينظر إلى السقف متأملا
" أنني أتسائل من أي أصدقائها تعلمت هذا الكلام؟!"


- تمت-
http://www.u11p.com/folder3/U11P_BzuE2aB6Xu.jpg

رفحاوي
13 Sep 2007, 06:20 AM
الله يوفق الجميع لكل خير ...

صمت مغتربة
13 Sep 2007, 06:27 AM
طويله اخوي فروان ...يبيلها نفس وبال رايق ...

شكرا لك على هذ الطرح الجميل ...قرأت بدايتها فكانت جميله..

تحياتي
صمت مغتربه

المديرالسعودي
13 Sep 2007, 01:27 PM
فروان
شكرا لك على عرض القصه
وجزيت خيرا

أمواج الشرقية
13 Sep 2007, 01:50 PM
فروان يعطيك ألف ألف ألف ألف عافيه .. باقي ما قرأتها بس جمعت النص وحفظته ..

تسلم ^_^ ..

ليث
13 Sep 2007, 04:56 PM
جمعت النص للقرائه قريبا


شكرا فروان

فـروان
15 Sep 2007, 03:12 AM
الله يوفق الجميع لكل خير ...

اللهم آمين

شكراً لمرورك

فـروان
15 Oct 2007, 11:27 PM
طويله اخوي فروان ...يبيلها نفس وبال رايق ...

شكرا لك على هذ الطرح الجميل ...قرأت بدايتها فكانت جميله..

تحياتي
صمت مغتربه

شكراً لمرورك

الحرقاني
16 Oct 2007, 03:53 AM
فروان شكرا لك على طرح هذه القصة الجميلة

الوسام
16 Oct 2007, 04:41 AM
قصه جميله وتشكرون أنت وأم محمد على مابذلتموه مع ناديه

فـروان
16 Oct 2007, 09:10 PM
فروان
شكرا لك على عرض القصه
وجزيت خيرا

الــعـــــفــــو