المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما أحوجنا لمثل هذا...؟؟



الحرقاني
14 Oct 2007, 05:46 PM
كنت قد شرعت في الكتابة عن شخص له طرح مختلف


لكنه اختلاف تميز وابداع, في زمن كثر فيه المقلدون


وفي خضم بحثي عن هذا الشخص, وجدت مقالا عنه


يفي بالغرض وأكثر, فأحببت مشاركتكم إياه....



سلمان العودة في "حجر الزاوية " لـ سليمان الهتلان



في شهر رمضان، يقدم الشيخ سلمان العودة مثالاً حياً لكيفية تجديد الخطاب الديني

الإسلامي وتلك قضية ملحة للبدء في أي مشروع حضاري في العالمين العربي

والإسلامي. أجدني، بشكل يكاد يومياً، منشداً لمتابعة أطروحات العودة عبر

البرنامج التلفزيوني "حجر الزاوية" على قناة الـ"إم.بي.سي" أكثر ما أدهشني

وأسعدني في خطاب العودة الجديد هو غلبة "الهم التنموي" والارتباط بقضايا

الواقع وبإشكالات التنمية الإنسانية التي نعيشها في العالم العربي.


العودة، عبر برنامجه التلفزيوني، يمتاز بالمتابعة الدقيقة لقضايا الراهن و

بالمعرفة الحقيقية بمواطن الخلل في الثقافة العربية المعاصرة. وهو هنا يعطي

مثالاً حياً على كيفية تجديد الخطاب الديني بلغة عصرية قوامها المعرفة و

الواقعية وفهم المأزق التنموي الحقيقي المُعطل لأي بادرة نهضوية في العالم

العربي.


وفي ظل ردة الفعل الجاهلة تجاه أي دعوة لتجديد الخطاب الديني يقدم العودة

أنموذجاً حياً لمفهوم تجديد الخطاب الديني، فكرة كانت - ولم تزل - مدعاة لكل

أنواع التهم وسوء الظن . فهل في الدعوة إلى معالجة أزمات الأمة الحضارية،

بأبعادها الاقتصادية والفكرية والسياسية والاجتماعية، انتقاص من الدين أو

"تحالف مع الأعداء"؟


قبل أيام تحدث الدكتور العودة بإسهاب وبمعرفة واضحة عن شركة "قوقل"

العملاقة، نشأتها وثقافة العمل فيها، كأحد النماذج العالمية للنجاح والإبداع، و

وضع إصبعه على أحد مواطن أوجاع التنمية: لابد من تشجيع الإبداع والابتكار

وفتح أبواب العمل الخلاق أمام آلاف الشباب من أجل الخروج من "مأزق

التخلف" الذي يعيشه العرب والمسلمون. كأنه يدعونا أن نتعلم من تجارب

النجاح لدى الآخرين والاقتداء بالتجارب الصناعية والإبداعية العملاقة بعيداً

عن تهمة "التبعية" و"العمالة للغرب" التي روج لها طويلاً بعض من أراد

لنا العزلة والانغلاق خاصة كلما جاء حديث عن أهمية الحوار مع "الآخر"

أو الاستثمار في تجارب النجاح والتميز العالمية.


وبعدها بأيام يتلقى العودة اتصالاً مؤثراً من فتاة ليبية ممن تعرضن "لحُقن

الإيدز" في القضية الشهيرة بليبيا، وكانت تثني على خطاب الشيخ الذي ساعدها

على الصبر والصمود في وجه ذلك المرض اللعين. ولم يغفل العودة أو يتجاهل

مسؤوليته كمثقف وإنسان فاعل في محيطه، فدعا بتعقل وموضوعية، لإصلاحات

سياسية تتناسق مع الحاجة الآنية لمزيد من المشاركة والشفافية.


هكذا يمكن للخطاب الديني أن يصبح أداة إيجابية من أدوات النهضة والبناء و

الحياة خاصة وأن قطاعات واسعة من المجتمعات العربية والإسلامية ما زالت

مرتبطة، بأشكال مختلفة، بثقافة متدينة أو محافظة يمكن أن يكون "الخطاب

الديني" من أقوى محفزات التغيير في محيطها. وبمثل هذا الخطاب يقدم الشيخ

العودة أنموذجاً مختلفاً لكيف يمكن توظيف هذه العاطفة الدينية الأصيلة في

مسيرة البناء والنهضة من غير قلق أن تتصادم هذه المسيرة مع قيم الناس

أو عقائدها.


لقد تأخرنا كثيراً في تجديد خطابنا الديني والخروج به من حالة الإغراق في

"الحلال" و"الحرام" إلى دور بناء في التنمية الإنسانية الحضارية، مهمة

عاجلة لن يتصدى لها سوى نماذج واعية بمآزق الأمة وحاجتها للانطلاق،

بقيمها ومفاهيمها، نحو المستقبل. وهنا لابد من التذكير بأن المستقبل القريب

يحمل مفاجآت خطيرة وتحديات حقيقية لن يصمد أمامها غير المحصن بالعلم

وثقافة الإنجاز والمنافسة والإبداع.


الشيخ العودة، في خطابه الرمضاني، يضفي أيضاً وجهاً إنسانياً، كان مغيباً عن

خطابنا الديني ليس فقط بتعامله المباشر والتلقائي مع قضايا الناس وهمومهم

ولكن أيضاً بعفويته وابتسامته وبساطته. لكنني هنا أدعو الشيخ سلمان العودة

أن يتفهم لماذا يتساءل البعض، أسئلة مُلغمة بالشك وسوء الظن، حول

"مصداقية" خطابه الجديد خاصة وهو يؤسس لخطاب ديني مختلف بعد عقود

طويلة من هيمنة خطاب أحادي مليء بالتشاؤم وحذر شديد من أي فكرة جديدة

أو مختلفة. وسلمان العودة نفسه مر بتجربة ثرية في مسيرته لا بد أنها قد

أكسبته قدرة على فهم ردود أفعال الناس تجاه أي موقف مختلف أو فكرة غير

التقليد.


لقد سمعت مؤخراً أسئلة كثيرة حول سلمان العودة من مثل: أهو فعلاً يتبنى

خطاباً جديداً ومختلفاً عما قبل، أم إنه ليس سوى مناور سياسي محترف قد ينقلب

على هذا التوجه في أي لحظة؟ هل الرجل فعلاً يتبرأ من أفعال القاعدة وخطابات

ابن لادن، أم إنه فقط يبحث عن "حيلة" تمكنه من زيارة بعض الدول الأوروبية؟

أم إنه يبحث عن مزيد من الأضواء (و كأن الرجل في حاجة لمزيد من الظهور)؟

ولهذا اقترحت على بعض المشككين في خطاب سلمان العودة أن نؤسس علماً

جديداً نسميه "علم النوايا" ندرس به نوايا الناس ونمتحن عبره نية الشيخ سلمان

العودة ومقاصده ومخططاته!


للتغير والتجديد دائماً ضريبة تُدفع. ولكل فكرة جديدة معارضون ومشككون. و

الخروج من "قفص" التقليد وعقلية "الله لا يغير علينا" مسيرة طويلة وأحياناً

مؤلمة. لكن المأزق الحضاري الذي نكاد نغرق فيه الآن يتطلب مواقف شجاعة

لا تهادن ولا تجامل أو تساير من أجل "جبر الخواطر" أو البقاء في دائرة

"المرضي عنهم". والتاريخ يخلد أولئك الذين يستشرفون المستقبل ويهيئون

مجتمعاتهم لمواجهته بتحد وتفوق. وفي ظني أن الشيخ سلمان العودة، بخطابه

الجديد، يهيئ لظهور "مُجدد" حقيقي ربما أعطى فرصة ثمينة للخطاب الديني

المستنير أن يصبح عملياً واحداً من أهم مقومات النهضة والحضارة ومنقذاً من

مأزق التخلف والجهل والانغلاق.