المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من مذكـ ـ ـ ـ ـ ـراتي الأليمـ ـ ـ ـ ـ ـه....."نهاية رجل "



صمت مغتربة
16 Oct 2007, 12:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهـ....


15 /2 / 1422هـ


الساعة تشير الى الحادية عشر ليلاً...الكل ينتظر أمام باب المنزل ...البعض يقف حائراً والبعض الآخر يقف غير مبالي...

صوت سيارة تقترب من البوابة ....رن جرس الباب ...فُتحت البوابة ...تدخل سيارة خالي لتقترب من باب المنزل ...

يترجل منها خالي ...ومعه والدتي حفظها الله ...يخيم عليهما الصمت ...فالمسافة التي قطعوها كبيرة ...المقعدة الخلفية

للسيارة منبسطة ...يطلبون المساعدة ..نقترب منهم لمساعدتهم ....منهم من يحمل حقائب السفر ...ومنهم من يحمل الأدوية

والعلاجات ...ومنهم خالي الذي حمل والدهـ ...الى الداخل ....


هذا هو جدي ...بعد غياب ثلاثة اشهر عن المنزل ...كان قابعا بالمستشفى العسكري بجدة ...إثر جلطة اصابت

الجزء الأيمن من الدماغ ...شلت بها اطراف نصفه الأيسر ...

يحمله ابنه بين ذراعيه ...يضعه برفق على السرير المجهز له ...كنت اقف صامته ...لولا ان دموعاً أنطقت بها ذلك الصمت

الرهيب ...قمنا جميعا بواجبه تلك الليلة ..لم تذهب والدتي عنه طيلة الوقت ...ظلت بجانبه ..فحالته صعبة للغاية ...

تفرقوا الافراد من عنده تلك الليلة ....جميعهم ذهبوا للنوم ...فبقيت بجانب امي انظر اليها وهي ترعى والدها ...

ولم اتجرأ بسؤالها ...كيف كانت رحلتها ؟؟فالموقف اشد واعظم من ان يسألها احد عن حالها ...

هممت في سحب نفسي شيئاً فشيئاً...فعدت الى غرفتي لاضع رأسي على وسادتي ...وانفجر بها باكية ...

وفي صباح اليوم التالي ..استيقظنا مبكرا على غير العادة ...فالمنزل ملئ بالحركة ...كانو جميع ابناء جدي وبناته

واحفاده امامه ...لأول مرة يجتمع فيها جميع ابناءه ...كم كان يتمنى ان يراهم جميعا وهو في صحته ...؟؟!!

اقتربت من غرفة جدي ..لأسمع هذا الحوار يدور بين خالي ووالدتي ..(سأذكر الحوار بالعامية ):

خالي: لازم يشوف أمي ؟؟

والدتي : اخاف امي يصير لها شئ لا سمح الله ...

خالي: مانقدر نخبي اكثر من كذا على أمي لازم نعلمها ...

انتهى الحوار ...

طبعا جدتي مقعدة من سنة عن هذا التاريخ تقريباً...وسبب مرض جدي ...مرض زوجته ...تذكرت فيها جدي احد الأيام

عندما ندعوه لوجبة الإفطار ...فيجيبنا :لن افطر الا مع رفيقة دربي ...فحزنه عليها كان سبب مرضه ...

بعد ان سمعت الحوار ...دخلت الى غرفة جدتي لاراها على كرسيها المتحرك مستعدة للدخول لرؤية رفيق عمرها

اقتربت منها فقبلت رأسها ...وما ان انتهيت من تقبيلها حتى أتى ابنها ليدفع كرسيها نحو الباب ...

سبقته لغرفة جدي ...اردت ان ارى المشهد ...وماذا سيحصل ؟وجدت جدي على كرسيه ايضاً...دخلت جدتي من الباب

ووضعنا كرسيهما امام بعضهما ...حياة دامت لاكثر من خمسين عام ...عاشو فيها ايامهم حلوها ومرها ...وهاهم الآن

مقعدين ...وكلا ينظر الى الاخر بعين الشفقة ...سبحان الله هذي هي نهايتك ياابن آدم ...

مد جدي يده اليمنى ...ووضعها على يد زوجته ومحبوبته ...وبعدها لم يستطيع الحراك كلياً...ظلت جدتي ترفع صوتها

بذكر الله ...وتدعو له بالشفاء ..وتنهال من عينيها اثمن دمعتين قد رأيتها بحياتي ...دموع العمر ...دموع الاخلاص

دموع الوفاء ...مااقساه من مشهد ...!!!

اعدنا كلا منهم الى مكانه ...وبعد ساعة بالتحديد تناثرت العائلة ...ولم يبقى حول جدي سوى انا ووالدتي واختي

تمد يدها والدتي نحو ابيها لتطعمه ...هناك صوت غريب ينبعث من جدي !! كلما وضعت الطعام بفمه لا يستطيع ان

يتناوله ...الصوت اشبه بالغرغره ..بقيت لمساعدة والدتي ...وذلك الصوت له اكثر من ربع ساعة ولا زال ينبعث منه ..

وبشكل اقوى ...حقيقةً احسست بالرهبة تلك اللحظه ...وذكرت لأمي بأن الوضع مريب ...وهناك امر ما سيحدث

كنت اقف عند رأس جدي ...وامي تطعمه ودموعها تنهمر ...ليس بيدها شي سوى الدموع ...

وفجأه ....حصل الذي لم يكن في الحسبان ....



شخص بصره للسماء ....والتفت ساقيه ...وتغير لونه ...

عرفت حينها انها ساعة الوداع ...صرختُ بوالدتي "وجهيه للقبلة " فقد كان سريره عكس اتجاه القبلة ...

فمن الخوف والرهبة التي شعرتُ بها وشعرت بها والدتي ادرنا السرير وبمن فيه ....ظلت اختي واجمة مكانها بلا حراك

ووالدتي تماسكت تلك اللحظه ..ورددت الشهادة وهي تمسك باصبع والدها السبابة ...وتوجهه للسماء ...

الى ان نطقها سبحان الله ....وبعدها استفرغ من جوفه السائل الذي كان يتناوله في تنهيدة بسيطة خرجت معها روحه

لرب السماء والعباد ...واخر حركة كانت بيده اليسرى التي كانت مشلولة يرتد فيها لحافه على صدره ليغطي بها

نفسهـ ...

تخلل ذلك المشهد صراخ والبحث عن رجل كي يلقنه الشهادة ...ولكن اختفوا الرجال في تلك اللحظه من القرية كلها ..

فسبحان الله الذي صبر قلب والدتي والهمها التفكير في ذلك الوقت الصعب عليها وعلينا جميعاً...


انتهت حياة رجل دامت اكثر من خمسة وثمانين عاماً...رجل كان يبعث الناس على حب الخير ...لسانه لا ينقطع عن ذكر الله

عاش حياته وهو يحيي قرية باكملها ...بأذانه وصلاته ...كان كل شئ وهو موجود مبارك فيه ...هذا الرجل

هو جدي ...رحمه الله واسكنه فسيح جناته ....


بعد سنة من رحيله ...وبالتحديد في عيد الفطر ...كان لدي شريط ذكريات للعيد الماضي ...وبقية الاعياد

ادرت الشريط وقمت بتشغيله ...


ذكريات العيد مااجملها ....ومااجمل من فيها ...:كان جدي يجلس بيننا ...ويضحك معنا ...ويمازح هذا ويلاعب ذاك ...

استوقفتي كلمات قالها اخي الكريم :

"اسمعوا يااخواني في هذا العيد ...راح اقول كلمة وحيدة ....العيد هذا لن يتكرر "

"العيد هذا لن يتكرر "

" العيد هذا لن يتكرر "

تلك كلمات اخي ...ظلت ترن بمسامعي ....قد قالها واصاب في قولها فذلك العيد لم يتكرر ولن يتكرر ...

فلقد فقدنا رجلاً عظيماً بنظري هذه السنة ....









تقبلو تحياتي
صمت مغتربة

رفحاوي
16 Oct 2007, 12:46 PM
الله يرحم جدك ويغفر له ويتجاوز عنه ويسكنه الفردوس الأعلى ...

ما شاء الله عليك قوية وتعرفين تصرفين وقت الأزمة ...

مشكورة يالمغتربة وننتظر منك مذكرات سعيدة ...

صمت مغتربة
16 Oct 2007, 08:48 PM
الله يرحم جدك ويغفر له ويتجاوز عنه ويسكنه الفردوس الأعلى ...

ما شاء الله عليك قوية وتعرفين تصرفين وقت الأزمة ...

مشكورة يالمغتربة وننتظر منك مذكرات سعيدة ...




جزاك الله خير ...مشكور ويعطيك العافية ...

الحياة علمتنا كيف نتصرف ...!!

العفو ....



تحياتي
صمت مغتربة

الحرقاني
16 Oct 2007, 08:52 PM
شكرا لك صمت مغتربة على الموضوع الرائع

المديرالسعودي
17 Oct 2007, 12:25 AM
صمت مغتربه
رحمه الله واسكنه فسيح جناته
ووفقكم الله تعالى

البندق
17 Oct 2007, 12:58 AM
الله يرحم جدك ويغفرله