فواز
06 Apr 2003, 05:47 PM
قلت لنفسي في خضم معمعة الأحداث المزعجة. ما سيجري في العراق سيجري وقدر الله واقع، ما له من دافع، لكن بالله ماذا لو حانت ساعة ابن آدم في اي لحظة ورجع الى ربه، ما فائدة انشغاله بكل هذا الصخب، وتذكرت قصة رجل يعمل مراسلا في وزارة، كان صالحا مستور الحال، جادله في احدى الديوانيات احد العصرانيين المتخذلقين، يجادله في آيات الله بغير سلطان أتاه، يقول: اتظن حقا ان الشريعة تصلح لهذا الزمان؟ قال اخونا الصالح، دعني من هذا الجدل، لكن أتظن حقا لو انك مت هذه الليلة، سينفعك هذا الكلام، ودعني أحدثك بقصة قرأتها لاحد الشباب، قال:
أنا شاب كان يظن بأن الحياة مال وفير.. وفراش وثير.. ومركب وطيء.. وغير ذلك كثير.. وها انا اسرد قصتي لعلها توقظ غافلا قبل فوات الاوان... كان يوم جمعة.. وكالعادة لهو ولعب مع الاصدقاء على الشاطىء.. ولكن من هم الاصدقاء.. هم مجموعة من القلوب الغافلة... وقلوب فيها من الظلام ما يطفىء نور الشمس.. وسمعت المنادي ينادي.. حي على الصلاة.. حي على الفلاح.. واقسم بالله العظيم اني سمعت الاذان طوال حياتي.. ولكني لم افقه يوما معنى كلمة فلاح.. وكأنها كانت تقال بلغة لا افهمها مع انني عربي ولغتي العربية.. ولكنها الغفلة.. وكنا اثناء الاذان نجهز انا ورفاقي عدة الغوص وانابيب الهواء.. استعدادا لرحلة جميلة تحت الماء.. وانا ارتب في عقلي برنامج باقي اليوم الذي لا يخلو لحظة من المعاصي والعياذ بالله.
وها نحن في بطن البحر.. سبحان الخلاق فيما خلق وابدع.. وكل شيء على ما يرام.. وبدأت رحلتي الجميلة.. ولكن.. حصل ما لم اتوقع.. عندما تمزقت القطعة المطاطية التي يطبق عليها الغواص بأسنانه وشفتيه لتحول دون دخول الماء الى الفم ولتمده بالهواء من الانبوب. وتمزقت اثناء دخول الهواء الى رئتي.. وفجأة اغلقت قطرات الماء المالح المجرى التنفسي.. وبدأت اموت.. بدأت رئتي تستغيث وتنتفض.. تريد هواء.. الهواء الذي طالما دخل جوفي وخرج بدون ان افهم انه احد اجمل نعم الله علي.. وبدأت ادرك خطورة الموقف الذي لا احسد عليه.. بدأت اشهق واغص بالماء المالح.. وبدأ شريط حياتي بالمرور امام عيني.
ومع اول شهقة.. عرفت كم الانسان ضعيفا.. واني عاجز عن مواجهة قطرات مالحة سلطها الله علي ليريني انه هو الجبار المتكبر.. وانه لا ملجأ منه الا اليه.. ولم احاول الخروج من الماء لاني كنت على عمق كبير.. ومع ثاني شهقة.. تذكرت صلاة الجمعة التي ضيعتها.. تذكرت حي على الفلاح.. ولا تستغربوا ان قلت لكن اني في لحظتها فقط فهمت معنى كلمة فلاح.. ولكن للأسف بعد فوات الاوان.. كم ندمت على كل سجدة ضيعتها.. وكم تحسرت على كل لحظة قضيتها في معصية الله.. ومع ثالث شهقة.. تذكرت أمي.. والحزن الذي يمزق قلبها وانا اتخيلها تبكي موت وحيدها وحبيبها.. وكيف سيكون حالها بعدي.. ومع رابع شهقة تذكرت ذنوبي وزلاتي ويا لكثرتها.. تذكرت تكبري وغروري.. وبدأت احاول النجاة والظفر بآخر ثانية بقيت لي.. فلقد سمعت فيما سبق انه من ختم له باشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله دخل الجنة.
فبدأت احاول نطق الشهادتين.. فما ان قلت اشهـ.. حتى غص حلقي وكأن يدا خفية كانت تطبق على حلقي لتمنعني من نطقها.. فعدت احاول وأجاهد.. اشهــ.. أشهـ... وبدأ قلبي يصرخ ربي ارجعون.. ربي ارجعون.. ساعة.. دقيقة.. لحظة.. ولكن هيهات.. بدأت افقد الشعور بكل شيء.. واحاطت بي ظلمة غريبة.. وفقدت الوعي وانا اعرف خاتمتي.. ووأسفاه على خاتمة كهذه والعياذ بالله.. الى هنا القصة تبدو حزينة جدا.. ولكن رحمة ربي وسعت كل شيء.. فجأة بدأ الهواء يتسرب الى صدري مرة اخرى.. وانقشعت الظلمة.. وفتحت عيني لأجد مدرب الغوص يمسك بي مثبتا خرطوم الهواء في فمي.. محاولا انعاشي ونحن ما زلنا في بطن البحر.. ورأيت ابتسامة على محياه.. فهمت منها انني بخير.. ونطق قلبي ولساني وكل خلية في جسدي وقبلها روحي.. أشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله.. الحمدلله.. الحمدلله... الحمد لله.. وفجأة بدأ قلبي يحدثني قائلا: لقد رحمك ربك بدعاء امك لك فاتعظ.
وخرجت من الماء اخواني واخواتي.. شخصا آخر... وانا فعلا اعني كلمة اخر.. صارت نظرتي للحياة شيئا آخر.. وها انا والحمدلله الان شاب كل ما يرجوه من الواحد القهار.. ان يختم له باشهد ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله لحظة الغرغرة التي اعرفها جيدا.. شاب يريد ان يكون ممن ذكرهم الرحمن في كتابه الكريم قال تعالى في سورة مريم: (الا من تاب وآمن وعمل صالحا فاولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا. جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده مأتيا) انتهت القصة.
قال الرجل الصالح، كان المجادل مندمجا جدا مع القصة، ثم شهق شهقة هو الاخر: فقال: هذه هي المشكلة، عندما تنتهي الحياة، ونواجه حقيقة الموت، فانتم لن تخسروا على كل حال، واما نحن فان كان ما تقولون عن الرجوع للحساب حقا، فيا ولينا ويلاه!!
مقال لكاتب صحيفة الوطن الكويتية .. الشيخ / حامد العلي
في زاويته ( ما وراء الأحداث )
الاحد 6/4/2003
أنا شاب كان يظن بأن الحياة مال وفير.. وفراش وثير.. ومركب وطيء.. وغير ذلك كثير.. وها انا اسرد قصتي لعلها توقظ غافلا قبل فوات الاوان... كان يوم جمعة.. وكالعادة لهو ولعب مع الاصدقاء على الشاطىء.. ولكن من هم الاصدقاء.. هم مجموعة من القلوب الغافلة... وقلوب فيها من الظلام ما يطفىء نور الشمس.. وسمعت المنادي ينادي.. حي على الصلاة.. حي على الفلاح.. واقسم بالله العظيم اني سمعت الاذان طوال حياتي.. ولكني لم افقه يوما معنى كلمة فلاح.. وكأنها كانت تقال بلغة لا افهمها مع انني عربي ولغتي العربية.. ولكنها الغفلة.. وكنا اثناء الاذان نجهز انا ورفاقي عدة الغوص وانابيب الهواء.. استعدادا لرحلة جميلة تحت الماء.. وانا ارتب في عقلي برنامج باقي اليوم الذي لا يخلو لحظة من المعاصي والعياذ بالله.
وها نحن في بطن البحر.. سبحان الخلاق فيما خلق وابدع.. وكل شيء على ما يرام.. وبدأت رحلتي الجميلة.. ولكن.. حصل ما لم اتوقع.. عندما تمزقت القطعة المطاطية التي يطبق عليها الغواص بأسنانه وشفتيه لتحول دون دخول الماء الى الفم ولتمده بالهواء من الانبوب. وتمزقت اثناء دخول الهواء الى رئتي.. وفجأة اغلقت قطرات الماء المالح المجرى التنفسي.. وبدأت اموت.. بدأت رئتي تستغيث وتنتفض.. تريد هواء.. الهواء الذي طالما دخل جوفي وخرج بدون ان افهم انه احد اجمل نعم الله علي.. وبدأت ادرك خطورة الموقف الذي لا احسد عليه.. بدأت اشهق واغص بالماء المالح.. وبدأ شريط حياتي بالمرور امام عيني.
ومع اول شهقة.. عرفت كم الانسان ضعيفا.. واني عاجز عن مواجهة قطرات مالحة سلطها الله علي ليريني انه هو الجبار المتكبر.. وانه لا ملجأ منه الا اليه.. ولم احاول الخروج من الماء لاني كنت على عمق كبير.. ومع ثاني شهقة.. تذكرت صلاة الجمعة التي ضيعتها.. تذكرت حي على الفلاح.. ولا تستغربوا ان قلت لكن اني في لحظتها فقط فهمت معنى كلمة فلاح.. ولكن للأسف بعد فوات الاوان.. كم ندمت على كل سجدة ضيعتها.. وكم تحسرت على كل لحظة قضيتها في معصية الله.. ومع ثالث شهقة.. تذكرت أمي.. والحزن الذي يمزق قلبها وانا اتخيلها تبكي موت وحيدها وحبيبها.. وكيف سيكون حالها بعدي.. ومع رابع شهقة تذكرت ذنوبي وزلاتي ويا لكثرتها.. تذكرت تكبري وغروري.. وبدأت احاول النجاة والظفر بآخر ثانية بقيت لي.. فلقد سمعت فيما سبق انه من ختم له باشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله دخل الجنة.
فبدأت احاول نطق الشهادتين.. فما ان قلت اشهـ.. حتى غص حلقي وكأن يدا خفية كانت تطبق على حلقي لتمنعني من نطقها.. فعدت احاول وأجاهد.. اشهــ.. أشهـ... وبدأ قلبي يصرخ ربي ارجعون.. ربي ارجعون.. ساعة.. دقيقة.. لحظة.. ولكن هيهات.. بدأت افقد الشعور بكل شيء.. واحاطت بي ظلمة غريبة.. وفقدت الوعي وانا اعرف خاتمتي.. ووأسفاه على خاتمة كهذه والعياذ بالله.. الى هنا القصة تبدو حزينة جدا.. ولكن رحمة ربي وسعت كل شيء.. فجأة بدأ الهواء يتسرب الى صدري مرة اخرى.. وانقشعت الظلمة.. وفتحت عيني لأجد مدرب الغوص يمسك بي مثبتا خرطوم الهواء في فمي.. محاولا انعاشي ونحن ما زلنا في بطن البحر.. ورأيت ابتسامة على محياه.. فهمت منها انني بخير.. ونطق قلبي ولساني وكل خلية في جسدي وقبلها روحي.. أشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله.. الحمدلله.. الحمدلله... الحمد لله.. وفجأة بدأ قلبي يحدثني قائلا: لقد رحمك ربك بدعاء امك لك فاتعظ.
وخرجت من الماء اخواني واخواتي.. شخصا آخر... وانا فعلا اعني كلمة اخر.. صارت نظرتي للحياة شيئا آخر.. وها انا والحمدلله الان شاب كل ما يرجوه من الواحد القهار.. ان يختم له باشهد ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله لحظة الغرغرة التي اعرفها جيدا.. شاب يريد ان يكون ممن ذكرهم الرحمن في كتابه الكريم قال تعالى في سورة مريم: (الا من تاب وآمن وعمل صالحا فاولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا. جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده مأتيا) انتهت القصة.
قال الرجل الصالح، كان المجادل مندمجا جدا مع القصة، ثم شهق شهقة هو الاخر: فقال: هذه هي المشكلة، عندما تنتهي الحياة، ونواجه حقيقة الموت، فانتم لن تخسروا على كل حال، واما نحن فان كان ما تقولون عن الرجوع للحساب حقا، فيا ولينا ويلاه!!
مقال لكاتب صحيفة الوطن الكويتية .. الشيخ / حامد العلي
في زاويته ( ما وراء الأحداث )
الاحد 6/4/2003