المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بـيـن قـلـبـيـن !



الباحث عن الحق
02 Dec 2007, 09:14 PM
يا لهذا القلب إذ ينبض لحياة الجسد، وقد علاه الران؛ وغشته الظلمة، سبحان الله.. تُضخ الحياة من قلب مُربدّ أرهقته نُكت يتتالى سوادها، فلا يعرف صاحبه معروفا ولا ينكر منكرا.. نعم، كيف يحفل بالمعروف وقد هانت لديه شعائر الله جل جلاله، وهجر كتابه الذي كان أغلبه -يوما ما- بين جنبيه، وصارت معاني التقوى والصلاح قمّة يتهيب الصعود إليها.. لا؛ بل هو كسول مسوّف ستمر الليالي والأيام وما بدأ بالصعود نحوها، وإن كان التفكير يغرقه بنصر الأماني المزيفة؛ فقد وصل في أحلامه إلى تلك القمة.. ولعله طار بجناحين عظيمين إلى درجة الصديقين والشهداء والصالحين، والعجيب أنه يفيق ويُصفع بواقع حاله.. فلا يحفل، وإن كان يمنّي نفسه بالاهتمام، تلك أمانيّ لا تغني من الواقع شيئا.

غفل القلب؛ فنال منه العجب والغرور، ورفع منزلة عقله؛ حتى تراه -الغبي- يستسذج معاني الصلاح، ومنازل العبادة والاستعانة، كلّمه عن التقوى.. سيضيق صدره، حدّثه عن صلاة الضحى.. سيتأفف، حُثه على قيام الليل.. الأمر لا يعنيه كثيرًا، ارفع بوجهه كتاب الله -تعالى- الذي يشكو الهجر.. سترى الوجه عبوسا قمطريرا. ثم حوّل الحديث وكلمه عن زبالة الأفكار.. سيزعجك بصوته الجهور، ولعلّك تنكـّه الكلام عبر ربطه بأمور محرّمة لكنها لذيذة.. ستراه يشارك معك في هذه الوجبة الراقية.. المحرّمة، حدّثه عن أي شيء سوى كتاب الله -تعالى-.. سوى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.. سوى آثار السلف وعظاتهم..؛ سيكفهرّ وجهه وينطوي على ذاتهِ ليجدها خاوية على عروشها، فتضيق حاله كأنما يصعد في السماء يستجدي أنفاسا تشرح صدره.. ولا سبيل؛ وتراه بائسا يائسا يقلب كفيه على ما أنفق من وقته على ساقط الأمور.. ولا منقذ.

غفل القلب؛ وإن علاجه بين يدي صاحبه، ويعيشه في يومه وليلته، لكنها الغفلة.. هل أبقت في قلب المسكين عقلا، وفي عقله أناة وفكرا.. لا، إنما انهزم أمام شهوات النفس، وارتكس في غفلتها، لو تأنى لتفكر في حاله، وانتبه لقلبه، ثم سعى في علاجه سعيا، تدفعه إرادة المنيب إلى ربه، وتسحبه نفحات الرحمة التي هبّت عليه يومًا في صلاةٍ خاشعة، وتلاوةٍ باكية.

لكنه لم يتأن أو يتفكر.. إنه قلبٌ مريض.

ويا لقلب ينبض لحياة الجسد والروح، قلبٌ صحيح يضخ دمًا نقيا لسائر الجسد، ويهمي صلاحًا تهتز له الروح الهامدة، ويَحيَى بها عقلا ميْتا، فيُنبت إخلاصًا، ويُربي همّة عالية، وتمتدّ أغصان الصلاح إلى سائر الجسد، الذي يصلح بصلاح القلب، ويفسد بفساده، كما أخبرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فيسارع صاحبه بالخيرات، ويحفل بشعب الإيمان.. فينطق خيرا، ويعمل في سوق التقوى، ولله درّه من تاجر ناجح في ذلك السوق، لا يبالي مع حياة القلب ماذا خسر في دنياه من لذاتها الفانية، ولا يلتفت لدعاة الشر المتقنعين بأقنعة اللهو البريء، والنجاح الدنيوي.. والاعتدال. ثابت لا تذعذعه رياح المغريات، ولا عواصف الفتن الهوجاء، ليس بالخب ولا الخب يخدعه، حياة القلب لا تعني سذاجة الفكر.. هذا هو الأصل الذي ندعى إليه، مع أن الواقع يحمل في بعضه غير ذلك مع بالغ الأسف، ولو كان صاحبه ذا جلد على العلم والقراءة، وذكاء منقطع النظير، وإلا أي سذاجة وسطحيّة أكبر من صاحب دين يتغير عن (التدين لله تعالى) إلى شيءٍ آخر يتذاكى ويشاغب على مجتمعه؛ بسبب كتابٍ سخيف من مفكر خرف، أو متابعةٍ مكثفة لفكر مزعج.. ولو كان ذكيا حقا؛ لفرّق بين مجتمع المتدينين وفكرهم.. والتدين لله تعالى. ولو كان قياسه لحقيقة التدين قائمًا على ميزان القرآن (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) لانتبه لحقيقة حاله.

القلب الحي صاحبه مشغول بصلاح حاله ونفع أمته، فليكن عالمًا أو مفكرًا أو إعلاميا أو كاتبا.. أو أي شيء آخر، هو مسلم ينفع أمته لا يشاغب عليها، إنسان سعيد بقلبه، وانشراح صدره، فيقرب المصحف إليه متى ما رغب بذلك، يتلو آياته، ويتغنى بسوره، لا يهذه هذ الشعر؛ ولا ينتظر آخر الورد، أو نهاية الوقت الذي حدده، ولا يضيق صدره بهذه الجلسة مع كتاب الله؛ بل يجد الأنس كل الأنس بها، ولو أطال الجلوس، وامتد الورد. تقيّ يتنقل بين الباقيات الصالحات لا يشبع من معينها، لطهارة الفؤاد من أدران الشهوات والشبهات، يرى الحياة على حقيقتها، ويعلم حقا أن البشر مع لذاتهم كالأطفال مع ألعابهم، أما اللذات فتفنى غير أن الإثم يحل ويبقى.

مـا سمي الـقـلـب إلا مـن تـقـلبه * * * * والرأي يصرف بالإنسان أطوارا

وصلى الله على الحبيب وسلم.

ذويبان11
02 Dec 2007, 10:37 PM
بارك الله فيك اخي الباحث
كلمات رائعه

المديرالسعودي
02 Dec 2007, 11:10 PM
الباحث عن الحق
سطرت فأبدعت
ومني لك الشكر والتقدير
وبامان الكريم

البندق
03 Dec 2007, 12:15 AM
الله يرحم الحال قلوبنا فطيس

يعطيك العافيه اخي الباحث

مرضي بن مشوح
03 Dec 2007, 02:22 PM
بارك الله فيك اخي الباحث
كلمات رائعه

القنديل
03 Dec 2007, 02:33 PM
إن الحياة حياة القلوب والموت موت القلوب

شكراً لما كتبت أخي الباحث عن الحق

عياده التومي
03 Dec 2007, 06:42 PM
ما أروع أن يتحدث العقل عن القلب

وليس المتحدث بأي عقل ...

يكفيه من الفخر أنه يسكن مملكة الباحث عن الحق

ويكفينا فخراً أن نتتلمذ على يدي هذا العقل

عندما تتحدث بعقلك مبدع

ورائع هو حديث قلبك

لاعدمنا وجودك ...... فلله درك

قال تعالى: (( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ))

نسأل الله وأياك أن نكون من السابقين بالخيرات

الباحث عن الحق
03 Dec 2007, 11:13 PM
ذويبان’ أهلا بك أخي الفاضل، شكر الله لك طيب مرورك.

الباحث عن الحق
05 Dec 2007, 12:27 PM
المدير السعودي’ أهلا بك أخي الكريم، شكر الله لك طيب مرورك، ووفقك.