المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحلة الشام وحلب



salah
25 Jan 2008, 11:57 PM
تحيات طيبات على الجميع وسلام تام
اخترت بعض مقاطع من رحلة قمت بها مؤخرا إلى سوريا لصالح مؤسسة ارتياد الآفاق التي تعنى بالأدب الجغرافي وتحقيق كتبه ومخطوطاته والعناية بأعلامه ورموزه.
آمل أن تتوفّروا على صبر كاف في مطالعتها واغفروا إطالتي.
سأقسم الموضوع إلى فقرات مرقّمة لتسهل قراءته.

1
رغم مرور أكثر من ساعة على الإقلاع و رغم اننا معلقون على ارتفاع نحو ثلاثين ألف قدم فوق صحراء النفوذ الكبرى الا أن العاصفة الرملية تجعل الأشياء تفقد ملامحها على نحو كامل

2
نتف بيضاء من الغيوم تبدو كما لو كانت نديفاً ثلحياً
نتف هائلة مبثوثة على امتداد الأفق الذي يهرول ببياضه إلى الشام
إذا كانت المفازة صحراء يمتنع فيها الفوز والنجاة فإن الصحراء التي تتلامح خلل الندف التي تجعلها الشمس أكثر ابيضاضا لا يمكنها أن تكون مفازة فالأشجار كانت تبدو بخضرتها الداكنة مثل ندوب أبدية في جسد بادية الشام

3
بدأنا الآن بتقشير طبقات الغيوم وصار بوسعي رؤية الطائرة و هي محفوفة بمزيج ثلجي من كل جانب و بزغت على حين غرة فجوة هائلة لم تستطع الندف الصغيرة من سترها و بدت الشام تشف عن نفسها
صار بوسعي رؤية شريط غابي يمتد طويلاً و الأخاديد التي خلفتها السيول في حقب مختلفة تظهر واضحة. و للمرة الأولى منذ بداية الرحلة التي استغرقت نحو ثلاثة ساعات صار بوسعي رؤية طريق اسود متعرج يبدو كما لو أنه جسد يتلوى
الغيوم داكنة ومغبرة وكأنها تنفست الغبار لساعات دون هوادة و في الحقيقة كانت الغبرة في جانبها الذي لا تواجهه الشمس و لقد اكتست بهذا اللون لتشبعها ببخار الماء فقلد عرفت من أحدهم أن الأمطار كانت تهطل طوال نهار الأمس

4
أولى المستوطنات المأهولة بزغت خلل الغيوم التي بدأنا منذ لحظات بتقشير طبقتها الأخيرة
إنها الشام الرحم الذي نضّج شعوباً كثيرة اندفعت إليه في هجرات متلاحقة على امتداد التاريخ .
أرض الإيلاف التي تطرح تيناً و زيتوناً و عنباً أرض اللبن و العسل

5
تلامح جبل الدروز إلى اليسار وهو جبل بركاني يمتدّ حتى يتاخم الأردن.
هناك من يطلق عليه (جبل العرب)، وهاتان تسميتان أطلقتا على المكان ذاته في فترتين تاريخيتين مختلفتين. فتسميته بجبل الدروز شاعت بعد هجرة واسعة إليه قادمة من لبنان في نهاية القرن السابع عشر وبداية الثامن عشر ، واستمرت التسمية متداولة حتى عام 1937. حيث أطلق عليه اسم ( جبل العرب )، وحالياً يتبع إداريا محافظة السويداء.

يرد الجبل في المصادر العربية الموروثة باسم جبل الريان، وهو ترجيح ذهب إليه الجغرافيون العرب وهناك من يرى أنه المقصود بقول جرير:
يا حبذا جبل الريان من جبل
وحبذا ساكن الريان من كانا

وحَبَّذا نَفَحاتٌ مِنْ يَمـانِـيةٍ
تَأْتِيكَ، مِنْ قِبَلِ الرَّيَّانِ، أَحيانا

وجبل الريان تسمية سابقة على تسميته الشائعة في المصادر العربية(جبل حوران) وليس كما ذهب إلى ذلك الباحث الدكتور عبد الله الحلو بأسبقية الثانية على الأولى، وكذلك عُرف منذ القرن الميلادي الحادي عشرالميلادي بجبل بني هلال لأستيطان القبائل الهلالية فيه قبل توجهها إلى شمال أفريقيا في تغريبتها المعروفة، وذكر هذه التسمية ياقوت في معجمه وصاحب المراصد وأبي الفداء.

سألت دليلي إنْ كان الدروز مايزالون يستوطنون الجبل وسفوحه، فقال: لكاااان، هنا في سوريا نعيش على حب الله ، عرب ودروز ومسيحيين ، وأردف وهو يتطلع ناحيتي بطرف عينه وعراقيين، وعرب وأجانب كمان، سوريا مكان لا يمكنك إلا أن تحبه. (الله خلقها هيك، مشان نحبها).

6
بعد دقائق أخرى كنت أشير إلى مجموعة كبيرة من الأبنية المبثوثة في العراء، كانت تبدو وكأنها منقطعة إلى عزلاتها، كل الأشياء في هذا العراء تمارس حيواتها بمعزل عن المكان ومفرداته، فالبيت لا يمكنه أن يكون أكثر من بيت وحسب، والشجرة التي تبدو من نافذة السيارة سوداء مشعّثة وكأن يدا شبحيّة عبثت بخارطتها الوراثية لا يمكنها أن تكون شيئا آخر سوى كونها شجرة تكابد في العراء الذي يمتدّ بعيدا عن سفوح جبل الدروز.
كانت الأرض تخلو من الحدائق أو البساتين التي ربما سيكون وجودها إشارة إلى استمرار حرفة الزراعة لسكان منطقة الحسينية.
نعم، إنها منطقة الحسينية التي يشكّل سكان الجولان والنازحين منه جزءا أساسيا وكبيرا من سكانها ونسيجها الإجتماعي، وبما أنهم يتحدّرون من أصول فلاحية تمتهن حرفتي الزراعة والرعي، إلاّ أن المكان لا يمنح العلامات التي تقودنا إلى تلك الأصول.

دفعني المكان وهيئته إلى السؤال عنه وعن واقعه الخدمي ، فكانت الإجابات التي توصّلتُ بها معزّزة في جوهرها لما ذهبتُ إليه.
يقع تجمع الحسينية إلى الجنوب من مقام السيدة زينب ويبلغ عدد سكانه أكثر من خمسين ألف نسمة..
ويعاني سكانه غياب الخدمات بسبب تبعيته لأكثر من جهة إدارية وتقاذف المسؤوليات وغياب التنسيق. وقد أوضح الكثير من السكان أنهم لا يعرفون من بلدية السيدة زينب التي تشرف إداريا عليها سوى مهندسي وعمال الهدم، حتى أن الأهالي يتداولون طرفا عن العاملين في بلدية السيدة زينب عندما يأتون إلى الحسينية تقع لهم حوادث كثيرة لأنهم لا ينظرون في الغالب أمامهم بل ينظرون إلى الأبنية لمعرفة المخالفات.
يؤكد سكان الحسينية افتقارها لكثير من الخدمات من قبل البلديات المتعاقبة، وذلك بسبب توزّعها بين محافظتي ريف دمشق والقنيطرة التي سارعت إلى إحداث بلدية لتخدم النازحين في تلك المنطقة.
كان هذا الواقع قائما إلى ما قبل فترة وجيزة وما زال جزءا كبيرا منه مستمرا بذات الوتيرة الموجعة.
قبل أن نستدير إلى جهة اليمين حيث الطريق الذي يؤدي إلى ناحية السيدة زينب لمحتُ صبيّا يطاردُ كرةً. كان وحيدا، وانتظرتُ أن يلتحق به صبية آخرون ويشاركونه مطاردته تلك، إلا أن المكان بقي على سكونه، ولولا الطفل لكان كل شيء في الحسينية يدفعني إلى تأكيد مقولة التوحيدي بشأن الفروقات بين المكان والخلاء، وأن كل شيء كان خلاء وعدما قبل ظهور الصبي المباغت الذي منح الحسينية كلّها حياة وحركة وصار الصبي (متمكنا من المكان) بحسب التوحيدي، لأن الكائن وحسب هو من يجعل المكان يخرج على سكونه وتدبّ فيه الحياة.
وعندما انعطفنا جهة (السيدة) شعرتُ بالإمتنان لذلك الصبيّ وكرته.

مراسل الموقع
27 Jan 2008, 04:07 PM
حيا الله مهندس الكلمة صلاح

افتقدناك كثيرا

عودا حميدا

ياهلا وغلا

الزعيم
27 Jan 2008, 04:11 PM
اهلاً وسهلا بعودة الجميل (( صلاح ))

الحمد لله على سلامتك ...

سوف اعود لقراءة الموضوع