مرضي بن مشوح
17 Apr 2008, 09:44 PM
خداع المظاهر
جميلة هي طرافة وظرافة ولطافة الشاعر أحمد شوقي، وهو يقول في أبياته المشهورة :
برز الثعلب يومًا في ثياب الواعـظـينا
فمشى في الأرض يهذي ويسبُّ الماكرينا
ويقـول الحمـد للـه إلـه العـالمينا
يـا عبـادَ الله توبوا فهو كهف التائبينا
وازهدوا بالطير إن العيش عيش الزاهدينا
واتركوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
لكن كان الديك واعياً مدركاً لحيل الثعلب ومقاصده:
فأجـاب الديك عذرًا يا أضل المهتدينا
بلِّـغ الثعلب عني عن جدود الصالحينا
عن ذوي التيجان مِمَّن دخل البطن اللعينا
أنهـم قالـوا وخير القول قول العارفينا
مخـطئ مـن ظن يومًا أن للـثعلب دينًا
ولا شك أن في زمن الماديات -كزماننا هذا- تكثر فيه الثعالب التي تتزين أو تلبس لبوس النصح للآخرين، ويختلف هذا اللبوس حسب ما نشاهد ونسمع؛ فقد يكون لبوس التدين، أو لبوس الوجاهة والمنصب، أو لبوس المال والتجارة، أو لبوس الفن والثقافة وغير ذلك كثير، إلا أن الديك أوفر حظاً من ضحايا هؤلاء الثعالب، فالديك بإفادته من تجارب وثقافة الأجداد تنبه ونجا من بطن الثعلب، لكن الساحة تشهد بكثرة الضحايا الذين ذهبوا لبطون ثعالب اليوم، بسبب انخداعهم بالمظاهر ومعسول الوعود والكلام، فقد أصبح سمة الكثير من الناس اليوم العناية بالظاهر فقط، ويبالغون فيه، وأحياناً بشكل فج :
ولو لبس ال**** ثياب خز لقال الناس: يا لك من ****!
وهو ****- أعزكم الله- ، ونظر (جالينوس) إلى رجل عليه ثياب فاخرة، يتكلم بكلام فيلحن في كلامه، فقال له: إما أن تتكلم بكلامٍ يشبه لباسك، أو تلبس لباسًا يشبه كلامك. ولذا أصبحنا كثيراً ما نحب الصراحة مادامت تتفق مع آرائنا، ونحب قائلها، فإذا كانت تخالف رأينا فلا أظن أننا سنحبها ولا صاحبها، ولذا تجد أننا نطرب لمن يخدعنا حتى مع علمنا يقينًا بخداعه، أما ذلك الذي أظهر لنا حقيقته ولأن الحقيقة مرة على نفوسنا، فربما نجزع..؟! فهل نحن من يشجع الآخرين على خداعنا، ونضطرهم للبوس غير لباسهم، أم أن طباعهم اللئيمة وجشعهم المستعر هي من علمهم التلون، والمخاتلة. على كلٍ الكلام يطول؛ لكن كل ما تقدم يؤكد أن نحذر أن تخدعنا مجرد المظاهر، ولا يعني هذا إهمال المظهر فليس لنا في الدنيا سوى ما يظهر، والله وحده يتولى السرائر، كما قال : ((وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ))، متفق عليه، لكن الأعمال خِبْر الرجال، فابلوا الرجال بفعالهم وصدقهم، ونعوذ بالله من طبع الحرباء المتلونة.. فخداع المظاهر مرض عصري خطير، آفة وبلية ابتلى به أقوام وأقوام..والله من وراء القصد .
[] إضاءة : إن الكريم إذا تشاء خدعته وترى اللئيم مجرب لا يخدع
المقال للشيخ /ابراهيم الدويش
جميلة هي طرافة وظرافة ولطافة الشاعر أحمد شوقي، وهو يقول في أبياته المشهورة :
برز الثعلب يومًا في ثياب الواعـظـينا
فمشى في الأرض يهذي ويسبُّ الماكرينا
ويقـول الحمـد للـه إلـه العـالمينا
يـا عبـادَ الله توبوا فهو كهف التائبينا
وازهدوا بالطير إن العيش عيش الزاهدينا
واتركوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
لكن كان الديك واعياً مدركاً لحيل الثعلب ومقاصده:
فأجـاب الديك عذرًا يا أضل المهتدينا
بلِّـغ الثعلب عني عن جدود الصالحينا
عن ذوي التيجان مِمَّن دخل البطن اللعينا
أنهـم قالـوا وخير القول قول العارفينا
مخـطئ مـن ظن يومًا أن للـثعلب دينًا
ولا شك أن في زمن الماديات -كزماننا هذا- تكثر فيه الثعالب التي تتزين أو تلبس لبوس النصح للآخرين، ويختلف هذا اللبوس حسب ما نشاهد ونسمع؛ فقد يكون لبوس التدين، أو لبوس الوجاهة والمنصب، أو لبوس المال والتجارة، أو لبوس الفن والثقافة وغير ذلك كثير، إلا أن الديك أوفر حظاً من ضحايا هؤلاء الثعالب، فالديك بإفادته من تجارب وثقافة الأجداد تنبه ونجا من بطن الثعلب، لكن الساحة تشهد بكثرة الضحايا الذين ذهبوا لبطون ثعالب اليوم، بسبب انخداعهم بالمظاهر ومعسول الوعود والكلام، فقد أصبح سمة الكثير من الناس اليوم العناية بالظاهر فقط، ويبالغون فيه، وأحياناً بشكل فج :
ولو لبس ال**** ثياب خز لقال الناس: يا لك من ****!
وهو ****- أعزكم الله- ، ونظر (جالينوس) إلى رجل عليه ثياب فاخرة، يتكلم بكلام فيلحن في كلامه، فقال له: إما أن تتكلم بكلامٍ يشبه لباسك، أو تلبس لباسًا يشبه كلامك. ولذا أصبحنا كثيراً ما نحب الصراحة مادامت تتفق مع آرائنا، ونحب قائلها، فإذا كانت تخالف رأينا فلا أظن أننا سنحبها ولا صاحبها، ولذا تجد أننا نطرب لمن يخدعنا حتى مع علمنا يقينًا بخداعه، أما ذلك الذي أظهر لنا حقيقته ولأن الحقيقة مرة على نفوسنا، فربما نجزع..؟! فهل نحن من يشجع الآخرين على خداعنا، ونضطرهم للبوس غير لباسهم، أم أن طباعهم اللئيمة وجشعهم المستعر هي من علمهم التلون، والمخاتلة. على كلٍ الكلام يطول؛ لكن كل ما تقدم يؤكد أن نحذر أن تخدعنا مجرد المظاهر، ولا يعني هذا إهمال المظهر فليس لنا في الدنيا سوى ما يظهر، والله وحده يتولى السرائر، كما قال : ((وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ))، متفق عليه، لكن الأعمال خِبْر الرجال، فابلوا الرجال بفعالهم وصدقهم، ونعوذ بالله من طبع الحرباء المتلونة.. فخداع المظاهر مرض عصري خطير، آفة وبلية ابتلى به أقوام وأقوام..والله من وراء القصد .
[] إضاءة : إن الكريم إذا تشاء خدعته وترى اللئيم مجرب لا يخدع
المقال للشيخ /ابراهيم الدويش