الباحث عن الحق
12 May 2008, 05:51 PM
في الجدار تفاصيل كثيرة لم ننتبه إليها..!
***********
لديّ رغبة كبيرة في كتابة أي موضوع لأقطع الوقت الممل، مع استغرابي ممن يقولون أنهم يرغبون بقطع الوقت، والوقت هو عمرك، تريد أن تقطعه حتى ماذا بالضبط؟! هل تريد أن تقطع الوقت حتى تبدأ بقطعٍ آخر له، أم أن لهذا القطع البسيط نهاية قريبة لا نعلمها.. أنت تعلمها؟! وهل الإنسان الفارغ لا يكون بفراغه قد قطع وقتا؟!
من الواضح أنني أحدّث نفسي هنا.. فأنا وحيد في شقتي؛ صحبي قد قرروا إكرام أنفسهم بعطلة أسبوعين من عندهم هذا الفصل الدراسي بزعم أنهم لن يغيبوا في بقية أيام هذا الترم؛ إلى الدرجة التي تجعلهم يذهبون مرغمين إلى الجامعة.. خوف الحرمان، في مشهد متكرر وحجج تعيد نفسها، رددت على أحدهم هذه المرة وقد وضعت يدي على كتفه وأغمضت عيني: يا صاحبي! بعد أربع سنوات في الجامعة أستطيع أن أقول لك بكل بساطة: بل ستغيب، ثم سأراك في نهاية هذا الفصل تتراكض بين أزقة وممرات الجامعة تستجدي الدكاترة أن يرفعوا الحرمان الذي سينزل عليك كالصاعقة.. وستصدم.. وستدهش من نزوله المفاجئ، وما ذاك إلا لأننا نتناسى أخطاءنا التي تعيد نفسها في كل ترم..، وإلا فحالك كما هي حال غيرك تتكرر في كل فصل، تكرر بمشاهدها كلها؛ الدهشة.. الصدمة.. تتبع الدكاترة.. وبعض لحظات الحياة لا زالت تعيد نفسها، ولما نتعلم من بدايتها.. ما علينا!
آخر ما ينقصني حين أكون في شقتي أن أكون مغمورا بقصص الجن والعفاريت التي كانت حديث اليوم في اجتماعنا المتكرر في مطعم الجامعة أنا والأصدقاء الذين جمعني بهم كونهم في مدينتي، وفي الحقيقة أنا لا أعلم حقيقة علاقتي مع بعضهم؛ لذلك فإنني أقول أصدقاء من باب الكسل، فلست بحاجة إلى شرح أنهم –بشكل عام- ليسوا أصدقاء بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.. بعضهم ليس كذلك؛ لأن علاقتي معهم علاقة زيارة رسمية بين الشقق.. وجلسة اعتدناها في مطعم الجامعة.. يعني زمالة عامة؛ لكونهم من مدينتي، ولا أعلم حقيقةَ علاقتي معهم؛ هل -مثلا- لو تقابلت مع أحدهم في مدينتي، هل سأجد هذه العلاقة التي ربطتني به في المطعم.. لا أدري ولا أثق بأنني سأجدها، كالموقف الذي يحصل لك حين تجتمع في مجلس شخص تعرفه، وفي ذات المجلس تجد شخصا آخر لا تعرفه جاء لزيارة صاحبك أيضا لكونه يعرفه، وفي هذا المجلس تجمع بيننا جميعا أحاديث الشباب المعتادة (الدراسة.. السياسة.. الوظيفة.. الزواج.. أحداث المدينة.. وقد تجمعنا أحاديث جدية حول الكتب والفكر.. ونحوها إذا حضرت الشجاعة والجرأة ذلك المجلس)، وقد نتضاحك أنا وصاحبي وذلك الرجل، ولعلني أستمتع معه ويستمتع معي بالحديث.. ومع صاحب المجلس بالطبع، لكنني أثق أن هذه العلاقة ستتوتر إذا واجهت هذا الرجل بعد هذه الجلسة بأسبوع لوحده في مطعم ما وقد جلس ليأكل فيه.. وأنا كذلك سأجلس، تعال عاد وحلل هذا الموقف المحرج البغيض، على أية حال أنا قلت في بداية هذه الفقرة: أنا لست بحاجة للشرح. لذلك لن أشرح لكم ما ذكرت(!!!).. وهذه أيضا(!).
الحمدلله.. لقد غفلت عن قصص الجن المخيفة، لكنني تذكرتها الآن لكونني كتبت أنني غفلت عنها..!!
تبًّا..!
اعذروني -قرائي- فأنا وحيد في شقتي وبحاجة شديدة إلى الثرثرة حول أي شيء، مع العلم أن الوحدة ليست شيئا سيئا جدا.. بل هي سيئة فقط، بلا (جدا)، خصوصا إذا مللت من كل شيء أشغلت نفسك به في وحدتك، ترفيها كان أم أمرًا جادا، ولا أسوأ والله من أن تمل الوحدة فتبحث عن الاختلاط بالناس.. فلا تجد إلى ذلك سبيلا، كأن تكون في مدينة لا تعرف أحدا فيها فتكون محاولة اختلاطك بأهلها وحدة أخرى أكثر عمقا.. وحزنا، وهكذا عندما تكون في معمعة الخلطة فتبحث عن العزلة فلا تجد إليها سبيلا.. كأن تكون مقيّدًا إلى رحلة مع شبابٍ في المركز الصيفي -مثلا- ونحوه..!
قلت في بداية المقال: في الجدار تفاصيل كثيرة لم ننتبه إليها، وأكمل هذا الكلام قائلا: كم ازدرى الجدار من ردد محتقرا في وحدته: أنا منفرد بين أربعة جدران! لقد ظلم نفسه كثيرا، ففي الجدار تفاصيل كثيرة لم أنتبه إليها، منها أنني وجدت على جدار شقتي هذه الأبيات:
إني رأيت مقاتل العشاق ..... ومدامعًا تجري من الأعماق
بحثت عنها عبر العبد الآبق قوقل فلم أجد أثرا لها، فعلمت أن وراءها قلبا عاشقا سكن غرفتي يوما ما، ربنا يخرب بيت عدوه.. كيف سمح لنفسه أن يشخبط على جدار غرفتي، صحيح أنها كانت غرفته لكنها ليست ملكا له، ولو قرأ العقد التابع للشقة لوجد تحذيرا من مثل هذه التصرفات، ولن تشفع له أبياته المحزنة ولو كانت كمعلقة امرؤ القيس.
ملاحظة بالحبر السري: ليس بعيدا عن أبيات هذا الشاب وجدت هذا النظم مكتوبا على الجدار:
وحاولن من غير نفسٍ أن تقم ..... بكل ماليس بحالٍ يستقم
فهذا عنـد شيخنـا يجـوز ..... [غـيـر قابـل للعـرض]
فتذكرت أنني كتبتها قبل سنتين.. فغرقت في صمتي، وحوّلت الموضوع مباشرة بعد تنحنح المشبوه !
وكان تحويل الموضوع إلى لا شيء، حيث وجدتني مكتئبا متأملا في واقعي، مرددا بتألم: لقد مللت.. أريد أن أستلم الوثيقة الجامعية وأستقر موظفا عند أهلي، أريد أن أتوظف وأتزوج وأرزق بالأولاد والبنات (لأجل أهلي.. فقط)، ثم أجلس في مكتبي الذي أتخيل شكله دائمًا، وأقوم بأمرين:
الأول: أنتظر الموت.
الثاني: تأليف كتاب بعنوان (كل شيء بخير).. وربما أغير العنوان إلى (أنا مسيطر على الوضع تمام) كما في ذلك الإعلاني المشهور!
كم أنا ثرثار.. حتى في صمتي؛
اعذروني.. فأنا بين أربع جدران!
قال لي ضميري: استغل فراغك بالأشياء المفيدة..!
قلت: سأقرأ عن ذلك في كتاب [سخافات لا أهتم بها].
تصبحون على خير في كل وقت !
أبو عبدالله
الباحث عن الحق
كتبته الساعة 1,41 صباحًا
ملاحظة/ كتبت المقال في بداية هذا الترم [الفصل] الدراسي وأكملته في هذه الليلة، ونشرها فيها لارتباط المشاعر بين بداية الكتابة و نهايتها.
ملاحظة أخرى/ "أظمتني الدنيا فلما جئتها.......مستسقيا مطرت عليّ مصائبا"
***********
لديّ رغبة كبيرة في كتابة أي موضوع لأقطع الوقت الممل، مع استغرابي ممن يقولون أنهم يرغبون بقطع الوقت، والوقت هو عمرك، تريد أن تقطعه حتى ماذا بالضبط؟! هل تريد أن تقطع الوقت حتى تبدأ بقطعٍ آخر له، أم أن لهذا القطع البسيط نهاية قريبة لا نعلمها.. أنت تعلمها؟! وهل الإنسان الفارغ لا يكون بفراغه قد قطع وقتا؟!
من الواضح أنني أحدّث نفسي هنا.. فأنا وحيد في شقتي؛ صحبي قد قرروا إكرام أنفسهم بعطلة أسبوعين من عندهم هذا الفصل الدراسي بزعم أنهم لن يغيبوا في بقية أيام هذا الترم؛ إلى الدرجة التي تجعلهم يذهبون مرغمين إلى الجامعة.. خوف الحرمان، في مشهد متكرر وحجج تعيد نفسها، رددت على أحدهم هذه المرة وقد وضعت يدي على كتفه وأغمضت عيني: يا صاحبي! بعد أربع سنوات في الجامعة أستطيع أن أقول لك بكل بساطة: بل ستغيب، ثم سأراك في نهاية هذا الفصل تتراكض بين أزقة وممرات الجامعة تستجدي الدكاترة أن يرفعوا الحرمان الذي سينزل عليك كالصاعقة.. وستصدم.. وستدهش من نزوله المفاجئ، وما ذاك إلا لأننا نتناسى أخطاءنا التي تعيد نفسها في كل ترم..، وإلا فحالك كما هي حال غيرك تتكرر في كل فصل، تكرر بمشاهدها كلها؛ الدهشة.. الصدمة.. تتبع الدكاترة.. وبعض لحظات الحياة لا زالت تعيد نفسها، ولما نتعلم من بدايتها.. ما علينا!
آخر ما ينقصني حين أكون في شقتي أن أكون مغمورا بقصص الجن والعفاريت التي كانت حديث اليوم في اجتماعنا المتكرر في مطعم الجامعة أنا والأصدقاء الذين جمعني بهم كونهم في مدينتي، وفي الحقيقة أنا لا أعلم حقيقة علاقتي مع بعضهم؛ لذلك فإنني أقول أصدقاء من باب الكسل، فلست بحاجة إلى شرح أنهم –بشكل عام- ليسوا أصدقاء بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.. بعضهم ليس كذلك؛ لأن علاقتي معهم علاقة زيارة رسمية بين الشقق.. وجلسة اعتدناها في مطعم الجامعة.. يعني زمالة عامة؛ لكونهم من مدينتي، ولا أعلم حقيقةَ علاقتي معهم؛ هل -مثلا- لو تقابلت مع أحدهم في مدينتي، هل سأجد هذه العلاقة التي ربطتني به في المطعم.. لا أدري ولا أثق بأنني سأجدها، كالموقف الذي يحصل لك حين تجتمع في مجلس شخص تعرفه، وفي ذات المجلس تجد شخصا آخر لا تعرفه جاء لزيارة صاحبك أيضا لكونه يعرفه، وفي هذا المجلس تجمع بيننا جميعا أحاديث الشباب المعتادة (الدراسة.. السياسة.. الوظيفة.. الزواج.. أحداث المدينة.. وقد تجمعنا أحاديث جدية حول الكتب والفكر.. ونحوها إذا حضرت الشجاعة والجرأة ذلك المجلس)، وقد نتضاحك أنا وصاحبي وذلك الرجل، ولعلني أستمتع معه ويستمتع معي بالحديث.. ومع صاحب المجلس بالطبع، لكنني أثق أن هذه العلاقة ستتوتر إذا واجهت هذا الرجل بعد هذه الجلسة بأسبوع لوحده في مطعم ما وقد جلس ليأكل فيه.. وأنا كذلك سأجلس، تعال عاد وحلل هذا الموقف المحرج البغيض، على أية حال أنا قلت في بداية هذه الفقرة: أنا لست بحاجة للشرح. لذلك لن أشرح لكم ما ذكرت(!!!).. وهذه أيضا(!).
الحمدلله.. لقد غفلت عن قصص الجن المخيفة، لكنني تذكرتها الآن لكونني كتبت أنني غفلت عنها..!!
تبًّا..!
اعذروني -قرائي- فأنا وحيد في شقتي وبحاجة شديدة إلى الثرثرة حول أي شيء، مع العلم أن الوحدة ليست شيئا سيئا جدا.. بل هي سيئة فقط، بلا (جدا)، خصوصا إذا مللت من كل شيء أشغلت نفسك به في وحدتك، ترفيها كان أم أمرًا جادا، ولا أسوأ والله من أن تمل الوحدة فتبحث عن الاختلاط بالناس.. فلا تجد إلى ذلك سبيلا، كأن تكون في مدينة لا تعرف أحدا فيها فتكون محاولة اختلاطك بأهلها وحدة أخرى أكثر عمقا.. وحزنا، وهكذا عندما تكون في معمعة الخلطة فتبحث عن العزلة فلا تجد إليها سبيلا.. كأن تكون مقيّدًا إلى رحلة مع شبابٍ في المركز الصيفي -مثلا- ونحوه..!
قلت في بداية المقال: في الجدار تفاصيل كثيرة لم ننتبه إليها، وأكمل هذا الكلام قائلا: كم ازدرى الجدار من ردد محتقرا في وحدته: أنا منفرد بين أربعة جدران! لقد ظلم نفسه كثيرا، ففي الجدار تفاصيل كثيرة لم أنتبه إليها، منها أنني وجدت على جدار شقتي هذه الأبيات:
إني رأيت مقاتل العشاق ..... ومدامعًا تجري من الأعماق
بحثت عنها عبر العبد الآبق قوقل فلم أجد أثرا لها، فعلمت أن وراءها قلبا عاشقا سكن غرفتي يوما ما، ربنا يخرب بيت عدوه.. كيف سمح لنفسه أن يشخبط على جدار غرفتي، صحيح أنها كانت غرفته لكنها ليست ملكا له، ولو قرأ العقد التابع للشقة لوجد تحذيرا من مثل هذه التصرفات، ولن تشفع له أبياته المحزنة ولو كانت كمعلقة امرؤ القيس.
ملاحظة بالحبر السري: ليس بعيدا عن أبيات هذا الشاب وجدت هذا النظم مكتوبا على الجدار:
وحاولن من غير نفسٍ أن تقم ..... بكل ماليس بحالٍ يستقم
فهذا عنـد شيخنـا يجـوز ..... [غـيـر قابـل للعـرض]
فتذكرت أنني كتبتها قبل سنتين.. فغرقت في صمتي، وحوّلت الموضوع مباشرة بعد تنحنح المشبوه !
وكان تحويل الموضوع إلى لا شيء، حيث وجدتني مكتئبا متأملا في واقعي، مرددا بتألم: لقد مللت.. أريد أن أستلم الوثيقة الجامعية وأستقر موظفا عند أهلي، أريد أن أتوظف وأتزوج وأرزق بالأولاد والبنات (لأجل أهلي.. فقط)، ثم أجلس في مكتبي الذي أتخيل شكله دائمًا، وأقوم بأمرين:
الأول: أنتظر الموت.
الثاني: تأليف كتاب بعنوان (كل شيء بخير).. وربما أغير العنوان إلى (أنا مسيطر على الوضع تمام) كما في ذلك الإعلاني المشهور!
كم أنا ثرثار.. حتى في صمتي؛
اعذروني.. فأنا بين أربع جدران!
قال لي ضميري: استغل فراغك بالأشياء المفيدة..!
قلت: سأقرأ عن ذلك في كتاب [سخافات لا أهتم بها].
تصبحون على خير في كل وقت !
أبو عبدالله
الباحث عن الحق
كتبته الساعة 1,41 صباحًا
ملاحظة/ كتبت المقال في بداية هذا الترم [الفصل] الدراسي وأكملته في هذه الليلة، ونشرها فيها لارتباط المشاعر بين بداية الكتابة و نهايتها.
ملاحظة أخرى/ "أظمتني الدنيا فلما جئتها.......مستسقيا مطرت عليّ مصائبا"