المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [ بين يَدَي أسمائهم ] - تتبعٌ لمن غدوا أحلاما.



الباحث عن الحق
01 Aug 2008, 01:30 PM
فتحت برنامج الكتابة ثم جعلت أكتب أسماء من رحلوا إلى الدار الآخرة وقامت قيامتهم، بينهم قريب من أهل بيتي أو عائلتي أو قبيلتي القريبة، ومنهم خلان وأصدقاء، ويتخللهم أساتذة وجيران وزملاء دراسة.

نسيت نفسي فأخذ القلم يسري بي لأجدني أكتب أسماء من أستحضر من أجدادي، وأسماء من أذكر ممن ماتوا وعلمت بموتهم في خبر عابر في منتدى أو صحيفة أو حادث عارض حتى احتويت مشاهير وملاحدة وعلماء وقومًا أثاروا الدنيا -يوما ما- بضجيجهم.. فوجدتني قد مللت حتى قبضت يدي عن الكتابة ثم جعلت أتأملها !

عشرات الأسماء يجمع بينها اليوم السكون والنسيان، أحسست بغصة تجرعت معها ريقي على ظمئ إلى خُلُق الرحمة الذي تقتله اللامبالاة والبلادة والانشغال بهموم الدنيا وملهيات النفس، لله ما أحقر هذه الدنية التي يدفن فيها هؤلاء وينسى ذكرهم فكأنهم أحلامُ، لله كم ننسى أن حياتنا هذه هي عبارة عن فرصة واحدة يتيمة لن تتكرر أبدًا، دنيا حقيرة تسخر من أهلها حتى وَجَدْتُ من تُهدى له الجائزة الثمينة بعد موته(!).. لماذا لم يصبر حتى يستلم ما سعى لأجله؟!

تأمل هذه الأسماء جعلني أستحضر حمق من يهدف منا إلى شيء يسمى الخلود في هذه الدنيا، أقصد خلود الذكر.. ولأجله يقتل ويصرخ ويغضب ويمرض، والقرآن سيرفع، والأرواح المؤمنة ستذهب بها الريح إلى الخلود الحقيقي، بل سيأتي يوم على هذه الدنية لا تجد فيها من يقول: الله، ثم ترانا -مع ذلك- نتراكض حول أوهام الخلود، وآخر حالنا عراة حفاة خائفين نجتمع يوم القيامة مع الأولين والآخرين والسافلين والعالين؛ نبتغي رحمة من الله تعالى وعفوا، يومٌ لم تغن فيه عن الأنبياء مكانتهم حتى يقول قائلهم (نفسي.. نفسي).

أسماء كثيرة تجعلني أستحضر حقيقة الموت، وأن المنية قادمة لا محالة، وأنني لا أدري أبدًا متى ستأتي، وأنها قد تكون بعد ساعات أو سنوات.. أو الآن، استحضرت أمكنة موت أصحاب تلك الأسماء فشهدت ألا إله إلا الله واستحضرت قوله تعالى : {وما تدري نفس بأي أرض تموت}، تذكرت آخر من مات من هذه الأسماء، زميل دراسة من أهل هذه المدينة مات بعيدا عن أهله.. ووحيدا، ترى هل كان يعلم أنه سيموت هكذا؟! وهل كان يعلم أن الله سيختم له بخاتمة حسنة فيُغسّل ويكفن واصبعه السبابة ثابتة على موضع الشهادة؟!

وللتو خرجت من مدوّنةٍ لأحد الأخوة الذي توفاه الله تعالى في هذا اليوم، وكان قد أنزل موضوعا قبل عدة أيامٍ عن رحلة عمرة قام بها مع أهله إلى مكة المكرمة، وقيّد لحظاتها بالصور، ولكم أن تتخيلوا ما تشاؤون وتفكروا فيما تشاؤون وأنتم تبصرون تلك الصور وهو بين أحبته يبتسم ويضحك ويداعب وبعد أيام قليلة جدا يوسّد الثرى.. ولم يبلغ رمضان مع من سيبلغه.

وتأمل هذه الأسماء يجعلني أشفق على كل متكبر متعال مغرور بماله أو جماله أو مركزه أو فكره وعلمه، أو كل باحثٍ جعل قضيته الكبرى وأهدافه التي يغضب لها ويكافح من أجلها بعيدة كل البعد عن استحضار الثواب والعقاب، بل ربما يكون من شروط سلوك سبيل هذه الأهداف استسذاج الباقيات الصالحات والتعالي على معاني العبادة وإصلاح القلب، والغربة والجفاء بينه وبين صلاة الضحى وتلاوة القرآن وقيام الليل وصيام الأيام البيض، وإيهام النفس أن واقعه الذي ابتعد فيه عن هذه الأمور ماهو إلا ترك لطريق متشدد أو حماسٍ قديم احتوته مرحلة المراهقة وأوائل الشباب أو مجرد مخالفة رأيٍ لطالب علم، أو نصيحة لمطوع، حتى أننا وصلنا إلى مرحلة نظن الموت مجرد شيء مزعج اعتدنا أن يحصل لغيرنا، دون التفكير أن أبصارنا ستخترق زيف الدنيا إلى عالم الغيب حيث الملائكة سينزلون إلينا بحنوط وكفن من الجنة.. أو من النار.

اكتبوا أسماء أمواتكم كاملة وتأملوها جيدًا.. ففيها موعظة لمن كان له قلب،
والتفتوا لقلوبكم.. واصدقوا مع أنفسكم؛ ستقيّمون حالها وحالكم، ولعل جانبا صادقا يقول بعد أن يبصر حقيقة أنفسنا الرثة: ليتنا نموت على دين عجائزنا الصائمات المصليات.

اللهم ارحمهم واغفر لهم وأفسح في قبورهم وكفر عنهم سيئاتهم وأعتق رقابنا ورقابهم من النار، اللهم وبلغنا رمضان وأصلح قسوة قلوبنا.

رابط المقال في المدونة:
http://pen2rebel.jeeran.com/archive/2008/7/635589.html

سعود الشمري
01 Aug 2008, 01:33 PM
اللهم ارحمهم واغفر لهم وأفسح في قبورهم وكفر عنهم سيئاتهم وأعتق رقابنا ورقابهم من النار، اللهم وبلغنا رمضان وأصلح قسوة قلوبنا.


اللهم امييييين يارب العالمين


شكرا لك وجزاك الله خير على المقال الرائعه

عبدالملك الشمري
01 Aug 2008, 01:35 PM
سيدي واستاذي (الباحث عن الحق)
انت كعادتك دائما متميز ورائع .
موضوع مليء ومفعم بالعظة والعبرة .
بارك الله فيك ورحمنا واياك برحمته .

أبو تركي
02 Aug 2008, 02:38 AM
رحمهم الله رحمة واسعة,,, كعادتك الباحث عن الحق متميز ومبدع, لا حرمنا الله قلمك...

عروووبة
02 Aug 2008, 04:27 AM
اللهم ارحمهم واغفر لهم وأفسح في قبورهم وكفر عنهم سيئاتهم وأعتق رقابنا ورقابهم من النار، اللهم وبلغنا رمضان وأصلح قسوة قلوبنا.