رفحاوي
13 Jul 2003, 03:39 PM
موقف البابا من اليهود ومن المسلمين
--------------------------------------------------------------------------------
كانت للبابا يوحنا بولص الثاني، من قبل اعتلاء عرش البابوية علاقات وثيقة بأساقفة ألمانيا، ومن بينهم رئيس الأساقفة الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لسكرتارية شؤون الأديان الأخرى في الفاتيكان، والذي يعتبر مهندس الوثيقة البابوية التي صدرت عام 1965م، وعرفت باسم وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح عليه السلام، وبعد عشرين عامًا، خطا البابا يوحنا بولص الثاني الخطوة التالية في الاتجاه نفسه، فألغى عمليًّا التعديلات التي سبق أن أدخلت على الوثيقة الأصلية، بتأثير اعتراضات الكنائس المسيحية في البلدان العربية في حينه، وأصدر في 24/6/1985م " وثيقة لجنة الفاتيكان للعلاقات الدينية "، التي تضمنت تبرئة سائر أجيال اليهود من دم المسيح، كما تضمنت الربط الوثيق بين اليهود و"إسرائيل" توطئة لما قام لاحقًا من علاقات مباشرة وديبلوماسية. ورافق إصدار الوثيقة الجديدة تعميم جديد بمزيد من تعليمات الفاتيكان لسائر الكنائس الكاثوليكية؛ لتعديل ما ينبغي تعديله من نصوص الصلوات والمناهج المدرسية وغيرها وفقًا للنصوص البابوية.
وزاد على ذلك في 13/4/1986م قيام يوحنا بولص الثاني بزيارة كنيس يهودي في روما، لأول مرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، حيث خاطب سدنته بقوله: "الأحباء الأعزاء والإخوة الكبار"، وكان بينهم الحاخام الأكبر في الكنيست اليهودي، والذي سبق أن التقى به عام 1981م، وجرت بينهما مصافحة اعتبرت تاريخية، إذ كانت الأولى من نوعها بين بابا كاثوليكي وحاخام يهودي، وبالتالي فقد اعتبرت أيضًا خطوة رئيسية على طريق مزيد من التقارب مع اليهود. هذا التقارب إلى درجة " الاندماج " هو ما يمثل روح معاملته لهم طوال 22 عامًا قضاها في الفاتيكان حتى الآن. فلم يترك مناسبة دون القيام بخطوة جديدة، حتى عند زيارته لسراييفو في 13/4/1997م ، كانت الكلمة التي ألقاها في جمع من المسلمين عامة في صياغتها، تورد تعبير الأخوّة في سياق الحديث عن "حوار أخوي " مطلوب، بينما كانت كلمته أمام ممثلي الجالية اليهودية الصغيرة هناك، حافلة بالعواطف الجياشة، وتأكيد الرابطة الوثيقة بين الجانبين، من منطلق الأخوّة مع " شعب الاتحاد " .. والمقصود بالكلمة ما يعتقده اليهود والمسيحيون بشأن اتحاد الرب مع شعبه عند تكليمه موسى عليه السلام.
ويظهر هذا المنطق في سائر الوثائق الكنسية في عهد يوحنا بولص الثاني، والتي أصبحت تركز أكثر من العهود الماضية على اعتماد الكنيسة على كتب العهد القديم / التوراة، وليس العهد الجديد / الإنجيل فقط، وبينما تتحدث وثائق الحوار مع المسلمين وسواهم باعتبارهم أصحاب ديانات أخرى، لا تعترف الكنيسة بأنها سماوية، بل ولا تتردد عن وصف أتباعها بالأعداء الذين يكرهون المسيحيين، تتحدث الوثائق نفسها عن اليهود من منطلق الإخاء المسيحي- اليهودي .
أما في حالة توجيه الكلام إلى فريق يضم اليهود وسواهم، فيتجنب النص بصورة تلفت النظر ذكر وصف الأخوة أو ما يشابهها، بحيث لا تشمل الجميع، كما يلاحظ في الكلمة التي وجهها يوحنا بولص الثاني يوم 22/9/1999م إلى مجموعة من الشبيبة من المسلمين والمسيحيين واليهود من فلسطين المحتلة .
وهذا بعض ما يفسر الترحيب الكبير الذي أظهرته وسائل الإعلام اليهودية يوم وصول البابـا الكاثوليكي إلى الأرض المحتلة، إذ نشرت كبرى الصحف اليومية " يديعوت أحرونوت " على صفحتين معًا صورته أمام جبل نيبو في الأردن قبل يوم واحد، واستخدمت صحيفة معاريف الحروف اللاتينية لترحب به بالمانشيت العريض على الصفحة الأولى، وأصدرت هآرتس اليسارية ملحقًا من 55 صفحة عن البابا الكاثوليكي .. مرحبة به باللغة الانجليزية، وكتبت صحيفة جيروزاليم بوسط تقول :
"إن الثورة السياسية في العلاقات بين الفاتيكان وإسرائيل، بصورتها الاستعراضية عبر زيارة البابا، لا ينبغي أن تكون نهاية المطاف بها في الزيارة نفسها، بل يجب أن تفضي إلى تغيير سياسي متوافق مع المعطيات الدينية، فصحيح أن الفاتيكان لم تعد تردد مطالبتها بتدويل مدينة القدس، ولكنها لم تعلن حتى الآن اعترافها بها عاصمة أبدية لإسرائيل".
إن تصنيف علاقة البابا الكاثوليكي باليهود وبالمسلمين، تحدده نصوص الوثائق الكنسية الصادرة في عهده، وفيها عناصر عديدة جديدة لبيان الفروق في النظرة إلى العلاقتين من حيث الأساس، وفي نوعية التعامل على أرض الواقع، ويمكن إبراز عنصرين رئيسيين من ذلك علاوة على الجانب العقائدي السالف الذكر بشأن "شعب الاتحاد".
العنصر الرئيسي الأول هو غياب ذكر أي كلمة عن التبشير والتنصير في أي وثيقة ذات علاقة باليهود، مقابل التأكيد أن التنصير جزء لا يتجزأ من سائر النشاطات الكنسية بين أصحاب الديانات الأخرى، ولاسيما الإسلام، ويتضح ذلك مثلاً في وثيقة البعثات التبشيرية التي أصدرها البابا يوحنا بولص الثاني في 7/12/1990م، فأكد فيها أن "عنصر التبشير جزء لا ينفصل عن طبيعة الحياة المسيحية وهو الذي يحدّد وجهة الحركة الكنسية"، وقال: "إن الحوار مع الأديان الأخرى هو جزء من رسـالة الكنيسة للتبشير بالمسيحية، وإذا أدى الحوار إلى تعارف متبادل فلا يتناقض ذلك مع التنصير بحد ذاته"، وشرح كيف يوظف الحوار لهذا الغرض.
والعنصر الرئيسي الآخر الذي يميز ما بين العلاقتين، أنه رغم المواقف اليهودية المتطرفة المعروفة تجاه البابا يوحنا بولص الثاني، إلى درجة إعلان اللعنة الأبدية عليه عشية زيارته لفلسطين المحتلة، لا تذكر الوثائق الكنسية كلمة واحدة عن الموقف الذي ينبغي اتخاذه من التطرّف اليهودي تجاه المسيحيين وتجاه سواهم على السواء، أما عند الحديث عن الحوار مع المسلمين فيختلفالأمر تمامًا، كما في الرسالة البابوية إلى رئيس الكاميرون في 14/9/1995م، حيث يقول: "على المسيحيين والمسلمين السعي لدعم حوار خالٍ من أخطار التأويلات الخاطئة والأصولية العنيفة، وأن يرفعوا أصواتهم عاليًا ضد كل إجراء أو تصرف سياسي مخالف لذلك ومضرّ بالحرية الدينية" . وفي الرسالة نفسها حديث مفصل عن " مهمة التنصير الموكولة إلى المدارس والجامعات الكنسية، وأن فتح أبوابها أمام غير المسيحيين يساهم في أداء هذه المهمة عبر الحوار "
--------------------------------------------------------------------------------
كانت للبابا يوحنا بولص الثاني، من قبل اعتلاء عرش البابوية علاقات وثيقة بأساقفة ألمانيا، ومن بينهم رئيس الأساقفة الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لسكرتارية شؤون الأديان الأخرى في الفاتيكان، والذي يعتبر مهندس الوثيقة البابوية التي صدرت عام 1965م، وعرفت باسم وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح عليه السلام، وبعد عشرين عامًا، خطا البابا يوحنا بولص الثاني الخطوة التالية في الاتجاه نفسه، فألغى عمليًّا التعديلات التي سبق أن أدخلت على الوثيقة الأصلية، بتأثير اعتراضات الكنائس المسيحية في البلدان العربية في حينه، وأصدر في 24/6/1985م " وثيقة لجنة الفاتيكان للعلاقات الدينية "، التي تضمنت تبرئة سائر أجيال اليهود من دم المسيح، كما تضمنت الربط الوثيق بين اليهود و"إسرائيل" توطئة لما قام لاحقًا من علاقات مباشرة وديبلوماسية. ورافق إصدار الوثيقة الجديدة تعميم جديد بمزيد من تعليمات الفاتيكان لسائر الكنائس الكاثوليكية؛ لتعديل ما ينبغي تعديله من نصوص الصلوات والمناهج المدرسية وغيرها وفقًا للنصوص البابوية.
وزاد على ذلك في 13/4/1986م قيام يوحنا بولص الثاني بزيارة كنيس يهودي في روما، لأول مرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، حيث خاطب سدنته بقوله: "الأحباء الأعزاء والإخوة الكبار"، وكان بينهم الحاخام الأكبر في الكنيست اليهودي، والذي سبق أن التقى به عام 1981م، وجرت بينهما مصافحة اعتبرت تاريخية، إذ كانت الأولى من نوعها بين بابا كاثوليكي وحاخام يهودي، وبالتالي فقد اعتبرت أيضًا خطوة رئيسية على طريق مزيد من التقارب مع اليهود. هذا التقارب إلى درجة " الاندماج " هو ما يمثل روح معاملته لهم طوال 22 عامًا قضاها في الفاتيكان حتى الآن. فلم يترك مناسبة دون القيام بخطوة جديدة، حتى عند زيارته لسراييفو في 13/4/1997م ، كانت الكلمة التي ألقاها في جمع من المسلمين عامة في صياغتها، تورد تعبير الأخوّة في سياق الحديث عن "حوار أخوي " مطلوب، بينما كانت كلمته أمام ممثلي الجالية اليهودية الصغيرة هناك، حافلة بالعواطف الجياشة، وتأكيد الرابطة الوثيقة بين الجانبين، من منطلق الأخوّة مع " شعب الاتحاد " .. والمقصود بالكلمة ما يعتقده اليهود والمسيحيون بشأن اتحاد الرب مع شعبه عند تكليمه موسى عليه السلام.
ويظهر هذا المنطق في سائر الوثائق الكنسية في عهد يوحنا بولص الثاني، والتي أصبحت تركز أكثر من العهود الماضية على اعتماد الكنيسة على كتب العهد القديم / التوراة، وليس العهد الجديد / الإنجيل فقط، وبينما تتحدث وثائق الحوار مع المسلمين وسواهم باعتبارهم أصحاب ديانات أخرى، لا تعترف الكنيسة بأنها سماوية، بل ولا تتردد عن وصف أتباعها بالأعداء الذين يكرهون المسيحيين، تتحدث الوثائق نفسها عن اليهود من منطلق الإخاء المسيحي- اليهودي .
أما في حالة توجيه الكلام إلى فريق يضم اليهود وسواهم، فيتجنب النص بصورة تلفت النظر ذكر وصف الأخوة أو ما يشابهها، بحيث لا تشمل الجميع، كما يلاحظ في الكلمة التي وجهها يوحنا بولص الثاني يوم 22/9/1999م إلى مجموعة من الشبيبة من المسلمين والمسيحيين واليهود من فلسطين المحتلة .
وهذا بعض ما يفسر الترحيب الكبير الذي أظهرته وسائل الإعلام اليهودية يوم وصول البابـا الكاثوليكي إلى الأرض المحتلة، إذ نشرت كبرى الصحف اليومية " يديعوت أحرونوت " على صفحتين معًا صورته أمام جبل نيبو في الأردن قبل يوم واحد، واستخدمت صحيفة معاريف الحروف اللاتينية لترحب به بالمانشيت العريض على الصفحة الأولى، وأصدرت هآرتس اليسارية ملحقًا من 55 صفحة عن البابا الكاثوليكي .. مرحبة به باللغة الانجليزية، وكتبت صحيفة جيروزاليم بوسط تقول :
"إن الثورة السياسية في العلاقات بين الفاتيكان وإسرائيل، بصورتها الاستعراضية عبر زيارة البابا، لا ينبغي أن تكون نهاية المطاف بها في الزيارة نفسها، بل يجب أن تفضي إلى تغيير سياسي متوافق مع المعطيات الدينية، فصحيح أن الفاتيكان لم تعد تردد مطالبتها بتدويل مدينة القدس، ولكنها لم تعلن حتى الآن اعترافها بها عاصمة أبدية لإسرائيل".
إن تصنيف علاقة البابا الكاثوليكي باليهود وبالمسلمين، تحدده نصوص الوثائق الكنسية الصادرة في عهده، وفيها عناصر عديدة جديدة لبيان الفروق في النظرة إلى العلاقتين من حيث الأساس، وفي نوعية التعامل على أرض الواقع، ويمكن إبراز عنصرين رئيسيين من ذلك علاوة على الجانب العقائدي السالف الذكر بشأن "شعب الاتحاد".
العنصر الرئيسي الأول هو غياب ذكر أي كلمة عن التبشير والتنصير في أي وثيقة ذات علاقة باليهود، مقابل التأكيد أن التنصير جزء لا يتجزأ من سائر النشاطات الكنسية بين أصحاب الديانات الأخرى، ولاسيما الإسلام، ويتضح ذلك مثلاً في وثيقة البعثات التبشيرية التي أصدرها البابا يوحنا بولص الثاني في 7/12/1990م، فأكد فيها أن "عنصر التبشير جزء لا ينفصل عن طبيعة الحياة المسيحية وهو الذي يحدّد وجهة الحركة الكنسية"، وقال: "إن الحوار مع الأديان الأخرى هو جزء من رسـالة الكنيسة للتبشير بالمسيحية، وإذا أدى الحوار إلى تعارف متبادل فلا يتناقض ذلك مع التنصير بحد ذاته"، وشرح كيف يوظف الحوار لهذا الغرض.
والعنصر الرئيسي الآخر الذي يميز ما بين العلاقتين، أنه رغم المواقف اليهودية المتطرفة المعروفة تجاه البابا يوحنا بولص الثاني، إلى درجة إعلان اللعنة الأبدية عليه عشية زيارته لفلسطين المحتلة، لا تذكر الوثائق الكنسية كلمة واحدة عن الموقف الذي ينبغي اتخاذه من التطرّف اليهودي تجاه المسيحيين وتجاه سواهم على السواء، أما عند الحديث عن الحوار مع المسلمين فيختلفالأمر تمامًا، كما في الرسالة البابوية إلى رئيس الكاميرون في 14/9/1995م، حيث يقول: "على المسيحيين والمسلمين السعي لدعم حوار خالٍ من أخطار التأويلات الخاطئة والأصولية العنيفة، وأن يرفعوا أصواتهم عاليًا ضد كل إجراء أو تصرف سياسي مخالف لذلك ومضرّ بالحرية الدينية" . وفي الرسالة نفسها حديث مفصل عن " مهمة التنصير الموكولة إلى المدارس والجامعات الكنسية، وأن فتح أبوابها أمام غير المسيحيين يساهم في أداء هذه المهمة عبر الحوار "