المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أزمة أخلاق



أبو شذا
23 Jul 2003, 01:26 PM
مدح الله – وهو للحمد أهل – نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله : (( وإنّكَ لعلى خلُقٍ عظيم )) وفي هذه الآية يقول الطبري : يقول الله لنبيه وإنك يا محمد لعلى أدبٍ عظيم ، وذلك أدب القرآن الذي أدّبه الله به ، وهو الإسلام وشرائعه .
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنة ،بيد أن ما نشاهده وما نسمعه من أناس ينتمون إلى الإسلام ليجعلك تحتار فهم يعيشون أزمةً في أخلاقهم يخيّل إليك – أو هو كذلك - أن منهم من لم يأخذ من الإسلام إلاّ اسمه ونزراً يسيراً من شرائعه بما يتفق مع هواه أو اعتاده منذ صغره وإلاّ فهو يعاني مشكلةً عويصة تتمثل في سفالة أخلاقه وبيان عوارها وما علم هؤلاء بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق )) .
وإذا أخذنا الملتزمين كأنموذج نجد أن هناك فئة – وهي قليلة – ليست بمنأى عن هذه الأزمة ، أعلم أن مصطلح ( ملتزم ) غير منضبط للكثيرين بل وأصبح يطلق على الالتزام الظاهري في بعض جوانبه أيضاً ، لكن لو أمعنا النظر في بعضهم وهم محل نظر كثيرين لرأينا أن منهم من كان في بعض أخلاقه من قبل أفضل حالاً منه الآن ، وليس السبب في الالتزام وما يترتب عليه ، وإنما السبب في نظرته المغلوطة لبعض المفاهيم فهو يرى – على سبيل المثال – الابتسامة نوعاً من قلّة المروءة فغادرت الابتسامة محيّاه وأخلفها التجهّم ، وهو يعدّ إجابة الدعوة ومخالطة الناس ذهاباً لهيبةٍ أصبح ينشدها فآثر الاعتزال إلا مع من يوافق هواه .
وإن عرّجنا على كتّاب المنتديات نرى أن فئةً منهم قد سقطوا في امتحان الأخلاق فأصبحت تقرأ الاتهامات والألفاظ البذيئة والجارحة والعبارات السيئة التي تخدش الحياء والمروءة ، تجد أن أحدهم اختفى خلف اسمٍ مستعار ليلقي – فقط – ساقط ألفاظه واتهاماته على الآخرين وليفسّق ويبدّع أو ليمدح هذا ويقدح في هذا ليس إلاّ ، وما إن يختلف مع هذا الكاتب أحد حتى تراه قد نفض كنانته النتنة وراش سهام ألفاظه البذيئة وضاق صدره باختلاف الرأي المتاح والمقبول ليصادر آراء الآخرين وينصّب نفسه خصماً وحكماً وليجعل من رأيه صواباً مطلقاً لا يحتمل النقد .
وإذا قلّبت طرفك في حال من تقلّدوا مناصب أو حازوا شهادةً أو رتبة تجد أنهم في اللحظة التي نالوا فيها ما نالوا قد دفنوا شيئاً اسمه التواضع فأضحى أحدهم لأنه – فقط – أصبح مديراً لدائرة أو مدرسة – مثلاً – يحاول الابتعاد عن إخوانه وزملائه السابقين فلم يعد هؤلاء ذوو الوظائف المتواضعة – بنظره السقيم – أهلاً للجلوس أو الحديث معهم ، بل إنه قد يتحرّج أن يدخل عليه في مكتبه إخوانه من أصحاب الحاجات ويحاول أن يصنع لنفسه برجاً عاجياً ينظر إلى الناس وهم أسفل منه وكأنه قد حاز ما عجز عنه الأوائل ، وهو في حقيقة الأمر لا يعدوا كونه يحمل مركّب نقص يحاول من خلال المنصب أن يعوّض ذلك ، فهؤلاء فئة ابتليت بها الأمة ناهيك عن أصحاب الإمارة والوزارة .
وقد تنكشف أخلاق البعض في مواقف معيّنة فيظهر ما كان يحاول أن يخفيه ويبدي خلافه ومن هذه المواقف البسيطة ما تلحظه في قيادة البعض لسيارته – مثلاً – فتجده غير عابئٍ بالأنظمة وإعطاء الطريق حقه ، وبما تلحظه من البعض في ممارسته للرياضة الجماعية من لسانٍ سليط وكلماتٍ نابية بل ربما وصل به الحال إلى السّبّ والكذب ، وكذا في النقاش والاختلاف ، وكثيراً ما تجد الكذب في عمليات البيع والشراء بين الناس مع ما يصاحب بعضها من غشٍّ وتدليس .
ولعدد من النساء نصيب في هذه الأزمة فإنهن يكثر لديهن السخرية والاستهزاء واللعن وأكثر آفاتهن من اللسان ، وهذا ربما انعكس على أطفالهن من كثرة ما يتردد على أسماعهم من هذه الألفاظ .
لا شك في أن عدداً من الناس لم يفلحوا في أن يتحلّوا بأخلاق الإسلام الفاضلة فتجدهم متباينين في درجة أخلاقهم فهي لدى بعضهم تسوء لدرجة نفور الآخرين منه ، وعند آخرين تجدها واضحةً في نطاقٍ محدّد أو هي تبرز في بعض الصفات دون بعض ، وهي لدى آخرين لا تكاد تستقرّ بحال فهي تتقلّب بتقلّب أمزجتهم ..
بل إن البعض لا يستحيي أن يبرز بوجه الضاحك أمام أخدانه وخلاّنه ثم هو بوجهٍ آخر مع أهله فلا تكاد ترى للابتسامة محلاً على شفتيه البائستين .
فبعض الناس – واعجب من هؤلاء - إمّعة لا يوطّن نفسه أو لاتّاً بمغراف غيره ، أو تراءت لهم أخلاقهم السمجة في برهة عرَضٍ أشبه بعارضٍ خلّب وما حاملو هذه النزوات إلاّ كمريضٍ ظن الجرح اندمل وإنما هو قد رمّ على فساد ، يرتضع أحدهم من أجاج القوم ثم يظن الشهد فاض من أوكية المعصرات ، ويحتطب من أودية الهالكين فيخال السنا قد أسرج من وهج الضياء .
وبعضهم يظهر بمظهرين ، وبعضهم يعجبك في الرّخاء ليس إلاّ ، وآخرون تسير أخلاقهم مع مصالحهم وعقولهم الانتهازية ..
إن حمأة التنافس على متاع الدنيا الفاني أنسى كثيرين سموّ الأخلاق وأغرقهم في مستنقعات السجايا الهزيلة وكبّلهم بقيود طباع الرّعاع القميئة فعزّت النجاة وبعدت حريّة الخلاص وانبرى أناس لرفع السوقة واتهام النبلاء وإلاّ فالعقلاء يمايزون بين ذي الخلق السويّ وبين المربادّ المجخّي .
يقول القس زويمر – رئيس مؤتمر القدس التبشيري – : ( ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن هذا هداية لهم وتكريم، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها ... ) .
ولذا فإن الانسلاخ من الأخلاق هو إيذانٌ بالانهيار الاجتماعي مما يعصف بالاستقرار الأمني والاقتصادي وحتى النفسي .
إنها فئة لم تعطِ للأخلاق الفاضلة اهتمامها كما أعطته لمظهرها وحياتها المادية وشهواتها الفانية فتجد أحدهم لا يسلم من أن يكون فظّاً غليظ القلب جافّ الطّباع عابساً مستكبراً ، أو بذيء اللسان فاحشاً طعّاناً لعّاناً ، أو حسوداً حقوداً يحمل الغلّ بين جنبيه ، أو متلبّساً لبوس السفهاء تابعاً قد نهل كأس الحياة مدهوقةً بالذّلّ مستسمناً كل ذي ورم زلّت به قدمه في وهدة أتون الحتوف .
إننا نسمع عن فئات لا تعطي للأخلاق نصيبها كما تعطيه لملذاتها فنسمع عن أزواج يظلمون زوجاتهم ويرونهن مخلوقاً أدنى ، عليها واجبات وليس لها حقوق والقرآن يُـتلى (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) ؛ ونسمع عن أناس يظلمون من يشتغل عندهم من العمّال مستغلّين غربتهم وضعف لغتهم وحاجتهم والقرآن يُتلى (( ولا تبخسوا الناس أشياءهم )) ؛ بل ونسمع شعوباً بأكملها تتظلّم من تسلّط حكّامها وعدم العدل في الرعية أو القسم بالسويّة والقرآن يُتلى (( اعدلوا هو أقرب للتقوى )) .
إن من أسباب هذا الخلق الرديء هو ما يحمله أهله أصلاً من مرض الفكر وقلّة العقل والبصيرة فتتولّد لديه أفكار مهينة تنعكس على تصرفاته وتعاملاته ، ولذا يجب البدء مع هؤلاء من تصحيح جانب الفكر لديهم قبل تصحيح تصرّفاتهم حتى لا يكون العلاج آنيّاً ينتهي بانتهاء فترة التأثّر ، ثم ننطلق مع هؤلاء في توجيههم نحو التأسي بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم والتحلّي بأخلاق الإسلام الفاضلة فيكون صادقاً نقيّاً فخير الناس ذو القلب المخموم واللسان الصادق ..
إن على المرء أن يكون حسن الخلُق باذلاً للمعروف يتحلّى بكريم الخصال وحميد الفعال من تكافلٍ وتراحم وبذلٍ للمعروف وكرم نفس وطيب معشر وصفاء سريرة ونقاء طويّة وصدقٍ وصبرٍ وعدلٍ وأمانةٍ وتواضع .
وفي الحديث الصحيح: (( أعظم ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق )) أخرجه الترمذي وابن ماجه.
قال ابن القيم في الفوائد: ( جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق في هذا الحديث لأن تقوى الله يصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقِه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته ) .

رفحاوي
23 Jul 2003, 01:53 PM
اخوي / ابو شذا ..

اولا الحمد لله على رؤيتك مرة اخرى بهذا المنتدى الطيب .

ثانيا ... اجدت وافدت بمناقشة الموضوع من جميع جوانبه ... ولا يوجد لدي تعليق سوى الشكر الجزيل لشخصك الكريم على هذا الطرح .

عدت فكان العود احمد .

أبو ريان
24 Jul 2003, 08:41 PM
الأخ الفاضل / أبو شذا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقال رائع يمس جانب من جوانب شخصية الفرد ..

لقد تحولت – بعض – ساحات الحوار في المنتديات إلى ساحات للمعارك , ومستنقعات للكلام الساقط والسب والشتم والفحش في القول , والرسول يقول في حديث أبن مسعود ( ليس المؤمن باللعان , ولا بالطاعن , ولا الفاحش , ولا البذي ) رواه البخاري في الأدب ..

فكم من كذب صريح يخرج مخرج المزاح , وكم من تعليق جر سخرية واستهزاء , وكم من مشاركة لم تسلم من التهكم , وكم من مداخلات ساخرة , وكم وكم وكم .....إلخ تلك المآسي .. قال تعالى (َ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَاب )

أما عند اختلاف وجهات النظر فحدث ولا حرج عن الكلمات النائية , والسب والشتم المقذع , والخروج عن أدب الحوار , بل تعداه إلا القول بغير علم وإصدار الكلام من غير التفكير في مضمونة وما يترتب عليه ..
اِحفَظ لسانَكَ أيُّهـا الإنسـانُ *** لا يَلـدغَنَّـكَ إنَّـه ثُعبــانُ
كم في المقابِرِ من لديغِ لِسانِه *** كانت تهابُ نِزالَهُ الشُجعانُ

أيها الاخوة نريدُ حواراً موضوعياً يرى الحسنات والسيئات في نفس الوقت , يعطي لكلا الطرفين فرصة التعبير , ويكون مستعداً لقبول رأي الطرف الآخر ..

أليس من المحزن أن يتفرج علينا الآخرون ونحن ( نتهاوش ) ونتطاحن ونتماسك بالأيدي لا تماسك المتعاونين المتناصرين , ولكن تماسك المتعاركين المتقاتلين .. عل حد قول الشاعر
وأحياناُ على بكرة أخينا ** إذا لم نجد إلا أخانا

عاشقة الجهاد
25 Jul 2003, 02:26 AM
أخواي الكريمان

كتبتما فأجدتما وأفدتما بارك الله فيكما ونفع بعلمكما
ولا شلت يمين خطت هنا لتنفع الناس

جزيتم خيرا

فواز
25 Jul 2003, 02:35 PM
الأخ العزيز / أبو شذا

أولاً أهنئ المنتدى بعودتك ....

ثانياً : أشكرك على هذا الموضوع المهم ..

أخي الكريم .. لقد أجدت في وضع مبعضك على الجرح ..

تطرقت إلى أزمة الأخلاق في المنتديات .. وقلت : " وإن عرّجنا على كتّاب المنتديات نرى أن فئةً منهم قد سقطوا في امتحان الأخلاق فأصبحت تقرأ الاتهامات والألفاظ البذيئة والجارحة والعبارات السيئة التي تخدش الحياء والمروءة ، تجد أن أحدهم اختفى خلف اسمٍ مستعار ليلقي – فقط – ساقط ألفاظه واتهاماته على الآخرين وليفسّق ويبدّع أو ليمدح هذا ويقدح في هذا ليس إلاّ ، وما إن يختلف مع هذا الكاتب أحد حتى تراه قد نفض كنانته النتنة وراش سهام ألفاظه البذيئة وضاق صدره باختلاف الرأي المتاح والمقبول ليصادر آراء الآخرين وينصّب نفسه خصماً وحكماً وليجعل من رأيه صواباً مطلقاً لا يحتمل النقد ... )


من المفروض علينا .. أن نتجنب هؤلاء .. ولا نرد على كلامه وتهجمهم على الأخرين ..

أبو شذا
27 Jul 2003, 02:45 PM
الأخ ( رفحاوي ) : لك الشكر .

الأخ ( أبو ريان ) : ما أشرتَ إليه من حال بعض كتّاب المنتديات وما وصلوا إليه من تردّي في الأخلاق لهو أحد أبرز مظاهر أو أمثلة الأزمة التي أشرتُ إليها في هذه الأيام وهؤلاء الكتّاب يعدون مثلاً فاضحاً لمستوى الأزمة التي نعايشها ، وقلَّ أن تجد منتدى يسلم من كتابات لا خطام لها ولا زمام ، ويحلو للبعض أن يكشف عوار فكره المريض على ساحة حوار يقرؤها الآلاف من الناس ، بل ويطلق الاتهامات جزافاً دونما تثبّت ولا هدف سوى ما يدور في فكره المعوجّ ، وقد أشرتَ أنت إلى بعض مظاهر هذه الأزمة عند هؤلاء من كلامٍ ساقط وسبٍّ وكذب وخروجٍ عن أدب الحوار ، وهؤلاء يغيب عن أذهانهم أن من أهداف المنتديات تبادل الآراء للوصول إلى نتائج قد تكون غائبةً عن البعض ، بل يعمد البعض إلى مصادرة الرأي الآخر لأنه لا يتفق – فقط – مع هواه ، وهذه فئة تنظر بعينٍ واحدة مع أن لها عينين ، وحتى هذه العين مصابةٌ بالرمد .

الأخت ( عاشقة الجهاد ) : لكِ الشكر .

الأخ ( فواز ) : ما ذكرتَه من تجنّب الرّد على هؤلاء صحيح في حالة خروج النقاش عن حدود الأدب والأخلاق أو في حالة كون الطرف الآخر يجادل ويماري لينتصر لنفسه لا للحق ، وهنا يحسن بالكاتب أن يأتي بردٍّ واضح مفصّل يبيّن ما يراه حقاً ثم لا يلتفت إلى متتبّعي الهوى وأصحاب الجدال بغير الحسنى وذوو الأفكار الشاذّة بما تحمله من مكاره اللسان .

الدب الداشر
03 Aug 2003, 03:42 PM
مشككور حجي ابوشذاا وبارك الله فيك وتسلللم يمييييينك على هالكتااباات

الحمدلله على السلالامه ;)

عابر سبيل
05 Aug 2003, 01:27 AM
لا عطر بعد عروس .......
ولكن بعد اذنك ياابا شذا....... في خاطرة.........

أبو شذا
06 Aug 2003, 05:48 PM
( الدب الداشر ) لكَ الشكر ، وإن كان لي ملاحظة على بعض التسميات ليس هذا محلّها ، مرةً أخرى لك الشكر أيها الأخ الكريم ؛ وأحببتُ هنا أن أعرّج على بعض الخطوات التي ينبغي الأخذ بها في مرحلة التصحيح والمراجعة ..
فأقول عطفاً على ما سبق من الموضوع وكون بعض الناس يحمل أخلاقاً سيئة ، وأن هناك مِن هؤلاء مَن يحاول جاهداً التخلّص منها ، مع اكتساب أخلاقاً حسنة ، فأقول إن هذا الإحساس والشعور هو بدايةُ مرحلةِ تصحيح ينبغي الاهتمام بها ، ومن ثمّ محاولة إسقاطها على أعمال القلوب والأعمال الظاهرة ، وإنَّ وقوف المرء مع نفسه وإعمال فكره في ما يحمله من أخلاق سيئة يجعله في الغالب يعمل في الابتعاد عنها ، فمن وسائل التخلّص من الحقد والغلّ – مثلاً – أن تعلم أن هذا الذي أنت تبغضه وتحقد عليه لن يُضارّ بشيء ولن يضيره ما تحمله وتبقيه بين جنبيك ، بل على العكس أنت مَن ستهتمّ وتغتمّ مما تحمله ناهيك عن حِمل السيئات .
كذلك فإن نزول المرء بنفسه وخلُقه إلى مستوى أصحاب الخلُق السيئ يجعله يمتهن نفسه ، بعكس ترفّعه عن أن يحمل مثل ما يحمل أصحاب الأخلاق المرذولة والمذمومة .
أيضاًً من وسائل تصحيح الأخلاق بل ربما تجنيبها أرذلها التنبّه إلى سلوك الأبناء منذ الصّغر وتوجيههم إلى الصحيح والحميد من الأخلاق .
وهناك دور المربّين والعلماء وأصحاب الإعلام والأقلام في توجيه الناس نحو مكارم الأخلاق وبيان منافعها ، وتحذيرهم من مساوئ الأخلاق وبيان مضارّها .
والكيّس من دان نفسه واشتغل بتصحيح ما فيها ، وإيّاك إيّاك من نكران الجميل وجحد المعروف ونسيان المتفضّل ، فبعض الناس لا يستقيم لك إلاّ بما يتّفق مع هواه ، فلا عليك وإنما ترجو ما عند الله وخلقك الحسن هو هو ولذ سمّّى ( المنفلوطي ) في مؤلفه ( النظرات ) العفيف عنده – في حديثه عن الخلُق – بأنه من يعف في حالة الأمن مثلما يعفّ في حالة الخوف .
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المرء لا يليق به أن تتقلّب أخلاقه بتقلّب أحواله فيكون كمثل مَن قال الله تعالى فيه : (( ومِن الناس مَن يعبد الله على حرف فإنْ أصابه خير اطمأنَّ به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه ... )) .
وعلى الإنسان أن ينأى بنفسه عن الانغماس في علائق الحياة المادية التي تبعده عن السموّ الروحي ، وأن يدرك الإنسان أنه مقبلٌ على حياةٍ أخروية يُجازى فيها على ما عمل ، وأن يحرص على أنواع من العبادة خاصة التي فيها نفع أو إحسان للعباد كبرّ الوالدين وصلة الأرحام والصّدقة وإعانة المحتاجين ، وأن يبذل للناس حقوقهم ويعاملهم بالحسنى (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) ، مع الحرص على معالي الأمور وأنفعها وأدومها والرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه الطبراني : (( إنَّ الله يحب معالي الأمور وأشرافها ، ويكره سفاسفها )) .
وما هناك مثل توحيد الله ومراقبته ورجائه وخوفه يحمل المرء على حسن الخلُق وتزكية النفس ، وليعلم المرء أنه ما لم يكن الدافع الأساس لحسن الخلق الخوف والرجاء من الله فإنه سرعان ما ينكشف كثير من هذه الأخلاق بسبب مصلحة أو منفعة أو خوفٍ أو هوى .
بل إن الأخلاق تعد من الثوابت التي يدعو الإسلام للاهتمام بها وعدم النكوص عنها حتى في أصعب المواقف كالحرب مثلاً فهي في الإسلام لها أخلاقياتها التي ينبغي مراعاتها .
كذلك على المرء أن يقرأ القرآن والسنّة بفهم ويرجع فيما استشكل عليه ، وعليه أن يتجنّب مخالطة القرناء السيئين وأن يصاحب الأخيار ، وأن يقرأ في قصص الصالحين ، وأن يجاهد نفسه ويحاسبها ، وأن يفكّر فيما عند الله عزّ وجل فما عنده خيرٌ وأبقى ، وأن يلزم الدعاء بصلاح الباطن والظاهر وأن يسأل ربّه أن يهديه لأحسن الأخلاق والأعمال فلا يهدي لأحسنها إلاّ هو ، وأن يسأله أن يصرف عنه سيئها فإنه لا يصرف عنه سيئها إلاّ هو – سبحانه - .

( عابر سبيل ) لك الشكر .
ولعلّ الوقت يسنح فنعرّج على ثمرات حسن الخلق وما تعود به من خير وفائدة على النفس والمجتمع .

البدوي
06 Aug 2003, 10:51 PM
ما عندي العود

بس مريت على هالموضوع ، وشفت نفسي ما ني معذور ، ما أقول شئ.

تدري وش أقول ، أقول جزاك الله خير

أبو شذا
07 Aug 2003, 06:47 PM
( البدوي ) وجُزيتَ خيراً .
وأحب أن أذكر على عجالة بعض ثمرات وفوائد الأخلاق الحسنة وأثرها على الفرد والمجتمع فمنها وأهمها :
رضا الله سبحانه وتعالى وإدامة نعمه علينا باتباعنا ما جاء به الإسلام وأقرّه وحمدنا إيّاها .
ومنها الطمأنينة والسكينة التي يجدها المرء في نفسه عند تحلّيه بأخلاق الإسلام الفاضلة .
ومنها بثّ روح الألفة والتآلف بين أفراد المجتمع مما يعود بالفائدة على الجميع حيث تسود روح التعاون والتناصر .
ومنها محبة الناس لذي الخلُق الحسن مما يعكس ما يترتب على هذه المحبة من تواصلٍ وإعانة .
تماسك المجتمعات الذي يؤدي بدوره إلى الانصراف للعمل والإنتاج المثمر البعيد عن المعوقات .
ومنها انتشار الأمن بمفهومه العام وهو شامل للأمن الاجتماعي والاقتصادي والنفسي وغيرها .

هرطمان
09 Aug 2003, 02:50 AM
كاتب رائع كعادته
ياتي وكانه المطر ليغسل القلوب ويبل الريق ويجلى الصدأ
اقف بكل احترام وتقدير لمثل هاذه الكتابات النافعه

أبو شذا
10 Aug 2003, 02:19 PM
الأخ ( هرطمان ) لك الشكر ، وجزيتَ خيراً على حسن ظنّك بأخيك .
ولم يبقَ لي سوى الحديث عن أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلّم وشمائله وإن كان مكان الحديث عن هذا هو في بداية الموضوع إلاّ أنني آثرت الحديث عنه في الآخر ليبقى أثره وليكون مسك الختام ..
وبما أن الحديث عن هذا الموضوع يطول فإنني سأقتضب منه وأُجمِله ذاكراً ما يمكن أن يُرجع إليه في هذا الموضوع ..
فأقول إن للمسلم في رسول الله عليه وسلم أسوةٌ حسنة ، والمتأمّل في أخلاقه عليه الصلاة والسلام يرى بوضوح ثبات تلك الأخلاق وعدم تبدّلها وكونها أخلاقاً تتّسم بطيب المقال وحسن الفعال وكريم الخصال ، فمن أخلاقه صلى الله عليه وسلم : الصدق ، والأمانة ، والتبسّم ، وطلاقة الوجه ، والتواضع ، والرحمة ، والكرم ، والشجاعة ، والحِلم ، والعدل ، والصبر ، والإحسان ، وغيرها الكثير ...
كان علي رضي الله عنه إذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أجود الناس صدراً ، وأصدق الناس لهجة ، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة ، من رآه بديهةً هابه ، ومن خالطه معرفةً أحبّه ... " .
ومن أراد الرجوع لمعرفة الشمائل المحمدية فهناك أكثر من كتاب منها :
زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيّم .
الشمائل المحمدية لأبي عيسى الترمذي .
مختصر الشمائل المحمدية للألباني .
وهناك موسوعة حديثة عنوانها : (نظرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم ) .

فتى الهباس
10 Aug 2003, 03:04 PM
أخي أبو شذا أقدم لك باقة حب وباقة شكر على كتاباتك الرائعه جعلها الله في ميزان حسناتك000

لكن هل من معتبر !!!!!!!!! هنا السؤال؟

أبو شذا
12 Aug 2003, 05:10 AM
الأخ ( فتى الهباس ) بارك الله فيك ، وجزاك خيراً ..
وأقول إن ما ذكرتَه في كلامك المختصر والمفيد من كون المحك هو الاعتبار ، فإني أضيف أن التطبيق الذي يعقب الاعتبار مطلبٌ أساس دون أن نتناسى ما يلحق به ، والسؤال الذي يتلو سؤالك كيف لنا أن نتجاوز مرحلة التلقّي إلى مرحلة التطبيق ؟
ولذلك فإني سأكتب في القريب بإذن الله موضوعاً عن ( إشكاليّة التطبيق ) راجياً من الله السداد ، ولك في الختام جزيل الشكر .