المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غرب وشرق



محب العدل
29 May 2009, 05:54 PM
بقلم إبراهيم العسعس
في كثير من الأحيان تلتقط الحواس مواقف تستدعي النقد، وتؤدي إلى النكد، وتستثير الضحك، وتدفع إلى البكاء. وقد لا تحتمل هذه المواقف مقالة كاملة، أو قد لا يرغب ملتقطها بذلك، إذ يرى أنَّ في خروجها على شكل ومضات أو خفقات أجدى وأبلغ. ومع الأيام يجتمع لديه منها الكثير، فيحار ماذا يصنع بها، ثم يقر قراره على تسريبها للقارئ على أيِّ شكل خرجت، كي يشاركه بنقدها ونكدها، وضحكها وبكائها (على طريقة المضحك المبكي الجريدة السورية التي أوقفها الاستبداد في ستينيات القرن الماضي)، وليحملوا معه (تنكيتها وتبكيتها على طريقة عبد الله النديم رحمه الله)، ولينظروا إلى الأمور (على طريقة أبو نظارة يعقوب صنوع)، وإن كان لا بد من عنوان فليكن: (نقد ونكد)، يتكرر كلما تجمع ما يقتضي النقد والنكد.


* في مطار الدمام، قال لي صديقي الذي حطَّ فيه: ضخم ولا داعي لذلك، فرواده قلّة، باذخ ولا تدري لماذا تضيع الأموال على تلك المظاهر، لكن ليست هنا المشكلة، قال: دخلنا القاعة ولم تكن الأعداد كثيرة، فإذا بشبابيك المرور تخلوا من الموظفين، لا أحد! أين هم؟ لا تدري! فبقينا ننتظر أربع ساعات! كان خلالها يمر أحد الضباط، فيسأل أين الموظفون؟ ويذهب للبحث عنهم ولا يعود! إرهاق، قلق لأنك تتعامل مع المجهول، وقهر لأنك لا تجرؤ على الاعتراض! صديقي لحسن الحظ أو لسوء الحظ مرَّ بمطارات كثيرة، ورأى كيف تتم معالجة أزمات القادمين الكُثر، من خلال موظفين عمليين، قائمين على عملهم بكل جدية وفاعلية. لم يجد هذا الاستهتار واللاأبالية، والاحتقار للإنسان. أين كان الموظف؟! وأين المسؤول عنه؟! قد يكونون مشغولين بالمسامرة، وقد يكونون مجتمعين على مائدة إفطار، وقد يكونون يصلون صلاة الضحى التي لم تقبل منهم!


* النرويج : بلد بارد، صقيعي، صغير، متقدم، شعبه ـ مع أنهم كفرة ـ يقدرون إنسانهم ومن يزورهم! وهو بلد نفطي، فماذا تفعل النرويج بدخلها من النفط؟


تحتفظ بالنسبة الأكبر منه للمستقبل، وتنفق النسبة الأقل على الضروري! يعني على قاعدة: ".. فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون"، تحسباً لسنين شداد "يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلاً مما تحصنون". قبل مدة وجيزة، نشرت النيويورك تايمز أنَّ هؤلاء (البخلاء عديمي النخوة والإنفاق) قرروا وبصعوبة بناء دار للأوبرا وقالوا: لا بأس لنخصص ما يكفي (لاحظ: ما يكفي!!) لبناء هذه الدار!!


* تبرع الرئيس الفلاني، أو الملك العلاني، أو سمو الأمير، بمليون دولار لبناء جناح في مستشفى ما! خبر يتكرر في العالم العربي كثيراً، مرة لمشفى، وأخرى لدار أيتام، وثالثة لمضمار سباق الهجن، ورابعة وخامسة ... فيصفق القطيع مسروراً، وينشد الحمقى أناشيد الولاء! وينسى المغفلون، ولا يسأل الأغبياء: ولكن من أين لسيادته كل هذه المبالغ؟


* بعد استلام الرئيس الأمريكي مهامه، تسلم ثروته للجنة معينة من الحكومة، تستثمر هذه اللجنة أموال الرئيس دون علمه أين، ودون علم أحد أن هذه أموال الرئيس.


وعند استلام الرئيس الفرنسي مهامه الدستورية (الدستورية هذه من عباراتنا التي لا معنى لها في الواقع، فالحاكم عندنا لا علاقة له بالدستور)، المهم : عندما يستلم الرئيس الفرنسي تجرد ثروته، وعندما تنتهي مدته (مدته هذه ليست من مصطلحاتنا، لأن الحاكم عندنا لا توجد له مدة انتهاء صلاحية، فهو لا يحل عنا إلا بالموت أو بالانقلاب)، تجرد ثروته مرة ثانية، ويحاسب على الزيادة .


* أولاد الرؤساء العرب ـ دعك من الملوك والأمراء والشيوخ ـ لهم مطلق الصلاحيات، فهم يحكمون، ويملكون بلا رادع من قانون أو خلق. فأنت تسمع عن مؤسسة القذافي التي يديرها ابن القذافي أنـها قدمت عرضـاً بثلاثة مليارات دولار إلى ذوي ضحايا " لوكربي " ! وأبناء الرؤساء في بلادنا ملأ السمع والبصر يصولون ويجولون، ويعرفهم القاصي والداني .


* عندما ورث بشار ملك أبيه في سوريا، قال أحد المنظرين (من القطيع) بكل وقاحة: لماذا تنقمون علينا انتخاب!! بشار ألم ينتخب الشعب الأمريكي جورج بوش الابن بعد أبيه؟! عجبي.


* في أمريكا، في الغرب كله، الرئيس ضعيف في الداخل، قوي في الخارج.


الحاكم العربي قوي في الداخل، ضعيف في الخارج.


* عندما أراد ملك السويد تركيب صحن لاقط في قصره، فكر في وضع الصحن على سطح القصر. اعترضت الأمة (السويدية بالطبع)، وقالوا له: إن القصر من التراث السويدي، فهو ملك الشعب، ووضع اللاقط على السطح سيشوه منظر القصر، فقال لهم بكل لطف: فماذا أفعل؟ قالوا له: (دبر حالك، بالسويدي طبعاً) ضعه في الحديقة.


لم يختف أحد، لم يسجن أحد، لم يقل صحفي قذر رخيص ـ مثلاً ـ: "أنتم ضد البلد، أيها القابضون من الخارج"، لم يقل أحد هذا، ولا غيره، وفعل الملك ما أراده الشعب.