المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إلى الـشـبـاب



alazez1423
17 Aug 2003, 12:56 AM
إلــى الشـــــبـاب


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله. أدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، حتى تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. وبعد.....كنا قدمنا الفصل الأول عن البحث الى الشباب واليوم نقدم الفصل الثاني منه ومن الله التوفيق.

الفصل الأول : الشباب

الفصل الثاني : التحديات التي يواجهها الشباب

لماذا التحديات؟

من بعد هزيمة النصارى في الحروب الصليبية التي حدثت منذ أيام العباسيين، أدرك الأعداء من صليبيين ويهود أن الحرب العسكرية وحدها لا تكفي وأنها غير مجدية وأنها لا تستمر، ذلك لأنها توقظ المشاعر المتبلدة، ثم إن الخلافة الإسلامية هي العائق الثاني. لذلك عمل الأعداء على إسقاط الخلافة الإسلامية حامية الدولة الإسلامية والتي كانت تلم شمل المسلمين. وأضعفوا الشعوب المسلمة دينياً وثقافيًّا، حتى تيقنوا من أن عزائم المسلمين قد خارت، فلجأوا إلى الاستعمار لبعض البلاد الإسلامية. لكن في هذه المرّة لم يصطحبوا معهم الجنود والعتاد فقط، بل اصطحبوا معهم العلماء والمفكرين والمستشرقين، واصطحبوا أيضاً الأخلاق والعقائد الهدامة. كل هذا ليبثوا سمومهم داخل المجتمعات.
والشاب إن لم يُبَصَّر من صغره فينشأ محاصرًا بعشرات التحديات الصعبة والمغريات السهلة التي وضعها الاستعمار لتضيع طاقة الشباب فيما لا يفيد، و سأحاول بقدر المستطاع حصر هذه التحديات الخطيرة مقسمًا إياها إلى قسمين:
* تحديات داخلية:
- وسوسة الشيطان.
- الانحلال الخلقي.
- اليأس والقنوط من نصر الله.

* تحديات خارجية:
- الغزو الفكرى.
- الغزو الإعلامى.
- الغزو العسكرى.

وسنبدأ بالتحديات الخارجية لأنها هي التي كونت التحديات الداخلية.

أولا : التحديات الخارجية

الغزو الفكرى :

كانت أوروبا قبل الإسلام نصرانية، وكان القساوسة ورجال الدين الكبار يستغلون تأثر الناس بهم فيستولوا على ممتلكاتهم حتى استحلوا نسائهم بحجج غريبة كهنوتية، وحرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله. ثم حاربوا العلماء بحجة أن علمهم مخالف لأمر الله، حتى أحرقوا أحد العلماء (جاليليو) الذي أثبت كروية الأرض لأن ذلك لا يتفق مع تعاليم الكنيسة، فولّد هذا الكبت الشديد التمرد في النفوس؛ فأشعل الثورات العارمة في كل نواحي أوروبا كالثورة الصناعية والفرنسية.
وتحرك الفلاسفة والمفكرين وعلماء الطبيعة فكفروا بالكنيسة والقساوسة لأنهم أصبحوا رمز التخلف والكبت، وهكذا تطورت الدعوات والثورات التي تدعو إلى فصل الدين عن كل من السياسة والعلم والاقتصاد والمعاملات بل عن الحياة كلها، وحبسوا الدين ورجاله ومحبيه في الكنيسة والأديرة حتى لا تتعطل مسيرة التقدم العلمي! وبُهر الإنسان الأوربي الغربي بمنجزات هذه الثورة على الكنيسة فصار على دربها معظم الناس في أوروبا، وبدأوا يبشرون بها في العالم، وكانت هذه هي بداية الفكر العلماني والنظريات الشيوعية (في الاقتصاد والسياسة) والفرويدية (في علم النفس التحليلي) والفن والمسرح والتحلل الأخلاقي. وقام اليهود بدورهم في كل ما سبق ليخرجوا النصراني من دينه ليسوقوهم كالبهائم كما صور تلمودهم.
ثم التفت اليهود وتلاميذهم إلى العالم الإسلامي فوجدوه تربة خصبة لهذا الفكر المنحل العلماني، ولم يجدوا صعوبة في اختراق الرجل والمرأة والجامعات والمجلات الدورية ووسائل الإعلام وقيادات الفكر والسياسة والبنوك وغيرها، فصبغوها جميعًا بالفكر العلماني وملّكوها للعلمانيين، فساقوا جمهور المسلمين إلى الهلاك. وكانت ترسل البعثات للدراسة فيرجعون بالأفكار الهدامة، فيغيرون أسرهم ومجتمعاتهم، وأصروا على أن يبقى الدين في المسجد وليس له علاقة بالمعاملات ولا الدولة ولا الأحكام القضائية، حتى في شئون الأسرة والزواج والطلاق يسيرون وراء النصارى وهم منهزمون نفسيا وجسديا، حتى دافع بعضهم عن التحلل الخلقي أكثر من النصارى والغرب بل يدافعون عن الشيوعية بعد سقوطها في بلادها. ودعوا لتحرير المرأة بمعنى تعريتها كسبيل وحيد لتعليمها وتقدمها ((يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)).

ولكن قام لله شباب مخلص وعى ما يحدث فنشر الوعي والفهم بين الشباب، فواجههم الأعداء بوسائل شتى منها إثارة الخلافات الفقهية. وصنعوا لهم شعارات جذابة لتضلهم وتفرقهم في جماعات شتى، ومن لم يستسلم لهذه الحيل المنهكة للجهود واجهوهم بالحديد والنار والسجون والتعذيب والنفي وإثارة الشائعات عنهم ليضلوا الناس عن طريق الحق.
يقول أحد الاشتراكيين: (لا مانع من استخدام الدين لهدم الدين، ولا بأس من أداء الزعماء الاشتراكيين بعض الفرائض الدينية للتضليل والخداع)، مع أن الفكر الماركسي يقول أن الدين هو أفيون الشعوب، وانقسم الناس إلى فرق عديدة لكلٍ حجته، واتبع الناس هذه الفرق واختلفوا وتصارعوا وتعصبوا لزعمائهم وشيوخهم، والعدو سعيد جدًا لهذه الفوضى، واعجب معي لقول أحدهم: ( إن محمدا صلى الله عليه وسلم إمام الاشتراكيين، فهو فقير وتبعه الفقراء وحارب الأغنياء وثار عليهم).. ماذا تنتظر من شباب متحمس مع قلة ثقافتهم وفهمهم، وهكذا استغل أعداء الله أخطاء الشباب المسلم أيّما استغلال. واستغل الغزو الفكري ظروف الفقر والمرض ونشروا النصرانية بين لاجئي البوسنة وفقراء أفريقيا وغيرهم.
يقول القس زويمر: (لقد أنشأتم في بلاد الإسلام نشئا لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وإنكم أخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه المسيحية فإن هذا هداية لهم وتكريم، فأصبح الشباب لا يهتم بعظائم الأمور ويحب الراحة والكسل ويسعى للحصول على الشهوات بشتى الوسائل، فإن تعلم فللشهوات، وإن جمع المال فللشهوات، وإن تبوّأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء).
ويقول القس سيمون: (إن الوحدة العربية الإسلامية تجمع أمال الشعوب الإسلامية وتساعد على التخلص من السيطرة الأوروبية والتبشير عامل مهم في كسر هذه الحركة). إن التبشير يجعل الإنسان المسلم غير المثقف شاكاً في دينه، فهم يشككون في مسَلّمات العقيدة مثل الحجاب. ومع الأسف لا يجدون من يرد عليهم مثل هذه الحجج الواهية الباطلة لأنهم منعزلون عن بقية المسلمون في العالم، فأفسدوا الطفلة والشابة والأم ورحم الله الشاعر القائل:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق

فكيف إذا أعدها وسيطر عليها المبشرون وصانعوا الموضات اليهود ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الغزو الإعلامى:

مع قدوم القرن العشرين تنوعت وسائل الإعلام، بل لقد جُعلت لها وزارات في شتى البلدان. فمن وسائل الإعلام: التلفاز، الإذاعة، الراديو، الدش، الإنترنت، المجلات، الجرائد، والنشرات والمطويات والصور… ومع الأسف الشديد فإن أعداء الإسلام لم يدعوا وسيلة من هذه الوسائل إلا نشروا فيها سمومهم الخبيثة التي تخدم مخططاتهم التدميرية. ففي كل وسيلة تجد من يتكلم على الإسلام مشوّهاً إياه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. والأغرب من ذلك أنك ترى من يتكلم باسم المسلمين ولكنه يعكس - قاصدا - تشويه صورة للإسلام والمسلمين. وتراهم كذلك يقفون إلى جنب المستشرقين يشككون في أصول الإسلام وفرضياته أمام العالم أجمع. فتارة يناقشون في فرضية الحجاب، وتارة يشككون في حجية السنة، وأخرى يحللون الربا…

إن الغزو الإعلامي يمكن اعتباره أحد وسائل الغزو الفكري. بل وسيلة كذلك لغزو الدول الإسلامية من الناحية الأخلاقية والمعاملات. فكل تلفاز به عدة قنوات - حتى لو بدون الدش - وكل قناة تتفنن في إظهار أسوأ الأخلاق وتربية النشء عليها. وترى النساء الكاسيات العاريات، والمائلات المميلات تراهم يمثلون مع رجال فقدوا الحياء، ويعرضون على شاشات التلفاز العالمية وقد تراهم يستهزئون بالدين. ثم يُكرمون على مسمع ومشهد من العالم كله، دون أن يتحرك إنسان غيور ليوقف هذا البلاء. لقد أصبح التلفاز أداة لهتك الأعراض، وكشف العورات، ونشر الرذيلة، والفحش والتفحش، والأخلاق الفاسدة، فمنه تتعلم المرأة الجرأة على أبيها وزوجها، ومنه تتعلم الفتاة كيف تـهرب من أبيها لتمارس العلاقات المحرمة مع زملائها الشباب، ومنه يتعلم الطفل الصغير كيف يكذب وكيف يتجرأ على أبيه وأمه. ولم يكتف الأعداء الحاقدون بذلك، بل أنتجوا أفلام الفيديو لأن البرامج التلفازية لا تكفي ولا تؤدي المطلوب!! وجاء الإنترنت وبدلا من أن يكون شبكة للمعلومات المفيدة، أصبح دليلا للفساد الحاضر الحي الذي يشارك فيه من جميع أنحاء الدنيا.

فسد الشباب والبنات والآباء والزوجات، ولم يعد الشباب يهتم إلا بكل وضيع حقير ولا يهتم بعظائم الأمور ولا بأحوال المسلمين؛ فإذا جاءت نشرة الأخبار المختصرة يسارع بإغلاق التلفاز أو يغير القناة باحثًا عن مشهد مثير فاضح أو أغنية ماجنة مُعبرة عما يجول في نفسه المريضة. سهر الشباب لياليهم أمام شاشات التلفاز للفساد ولإتخاذ القدوة الخليعة من الفنانين والفنانات. وفي الإنترنت تجد الحوار بأقذع السباب وأحط الألفاظ كأنه ملهى ليلي فيه جماعة من المخمورين، بدلا من أن يكون حوارًا بناءًا لحل مشاكل الفرد والأسرة والمجتمع والعالم. فيا حسرة على العباد وهم يتقلبون في نار جهنم.... وهم يضحكون لاهية قلوبهم عن كل تذكرة؛ إلا من رحم الله وقليل ما هم؛وهذا ما يريده الأعداء من اليهود والنصارى والشيوعيون والعلمانيون.أما المجلات والنشرات اليومية والأسبوعية والنصف شهرية والشهرية والموسمية فتنشر الفساد كفكر ومقالات وتعليق على أخبار، وصور عارية مثيرة، وتكرم المفسدين اللاهين من الممثلين والممثلات والساسة القدامى المخرفين، وتُعْرِض عن الصالحين و العلماء المخلصين.
إذن ماذا ننتظر من الشباب ؟؟؟ ماذا ننتظر من الشباب أمام هذه المغريات إن لم يحصن ولم يربىمن البداية، وكثيرًا لم تتح له فرصة التعلم الصحيح ولا المربي الواعي لما يدور من حوله، فينجرف وراء تيار الفساد حتى يغرق وقد يموت وهو لا يدري لماذا خلق؟ وإلى أين يذهب ؟وما هي وسيلة الذهاب؟
ويجب كل من في يده وسيلة لمنع هذه المنكرات من أصحاب المحال التجارية مثلا أن يمتنعوا عن بيع هذه المجلات، ومن بيده السلطة في بيته أو مؤسسته يجب أن يتقي الله.
الغزو العسكرى :
بعد أن ضعف تمسك المسلمين بدينهم ونجح اليهود والعلمانيون في إسقاط الخلافة بالدسائس والخيانة، لم يعد هناك من يحفظ هيبة الإسلام والمسلمين. وهكذا بدأت الدول الأوروبية تغزو معاقل المسلمين في كل مكان تحرق وتدمر وتنهب وتقتل، فارتكبت المذابح في كل مكان. ومع هذا تزعم هذه الدول أنها ترعى الحضارة وحقوق الإنسان وتنشر العلم والتقدم، ولم يكن الهدف من الاستعمار العسكري هو توسيع النفوذ والمساحة فحسب، ولكنها تمهد الطريق للغزو الفكري واستغلال الموارد الاقتصادية وإذلال الشعوب التي انتصرت عليهم يوم حطين وخيبر واليرموك وأمثالها.
وكان المستعمرون لا يرحمون طفلا ولا امرأة ولا عجوزا ولا حاملا ولا مريضا، فقتلوا في الصين وروسيا والبوسنة وكوسوفا والشيشان ملايين المسلمين، وفي مصر قتلوا المزارعين واللاجئين العزل، وفي ليبيا اتبعوا فيهم سياسة قتل العُشر من الشعب البريء المظلوم، وفي الجزائر قتل المليون شهيد وما زالت أذنابهم تعيس فسادا في الفقراء، وفي لبنان قتل اليهود الناس في مساكنهم تحت حماية الأمم المتحدة، وأما فلسطين فذاك تاريخ طويل من صبرا وشاتيلا ودير ياسين والخليل والسجون والإبعاد، إلى تصدير الفساد للشعب الفلسطيني وتمكين الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي من إدارة دفة أمور الفلسطينيين.
هذه الجراحات الدامية في جسد الأمة المسلمة قد توهن الشاب وتضعف عزيمته، لكن إيمان الشاب يجب ألا يتزعزع، وسوف نورد في ثنايا البحث حلولاً لمشكلة الانهزام النفسي إن شاء الله.

للكاتب : محمد نور الدين المعداوي