المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المربون الذين ثبتوا عند حافة السقوط ! [منقول].



الدرب الفاني
18 Aug 2009, 07:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

مضت ركائب الإسلام تنشر الدين وتقاتل من يعترضه في بلاد فارس ، ومن هناك جاء البشير إلى عمر بن الخطاب في المدينة المنورة فقال له : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح أعز الله به الإسلام وأهله ، وأذل به الكفر وأهله .
فحمد الله أمير المؤمنين وقال له : النعمان بعثك ؟
قال البشير : احتسب النعمان يا أمير المؤمنين .( يعني أنه قد قتل )
فبكى عمر واسترجع وقال : ومن ويحك ؟ ( يسأله عن الشهداء )
قال : فلان وفلان ... وعد له ناسا استشهدوا في تلك المعارك ، وسكت قليلا - وكأني به في تلك اللحظات وقد أطرق برأسه ثم رفعه - فقال : وآخرين لا تعرفهم يا أمير المؤمنين !
فبكى عمر رضي الله عنه وقال : \"وما يضيرهم ألا يعرفهم عمر ، ولكن الله يعرفهم \" (1).
وقفت أمام هذه الكلمات العمرية وقوف الخاشع المتبتل ، والحكيم المتأمل ، وقد حركت في فؤادي مشاعر لا أكاد أستبين فصل القول فيها .


ما أجملها من كلمات ! وما أروع ما تحمله من معاني سامية ! معاني لو أخذت بها الأمم لتقدمت وحققت أهدافها ، ولو تأصلت في القلوب لرأيت عظيم النفع الذي يتركه أصحابها، إنها معاني العمل من أجل الله ، ومن أجل أن يراني الله ، ومن أجل أن يعرفني الله ، ومن أجل أن يرضى عني الله ، ما أجملها عندما تكون هذه الكلمة ( ولكن الله يعرفهم ) مبدأ يحملها السائر المخلص في طريق الحياة ، ويستصحبها في الزمان الذي كادت الأمانة أن تقبض من قلوب الناس ، أو قد قبضت ، وبالذات في مجال بناء النفوس وتهذيبها ، في مجال التربية والتعليم ، في تلك المنشآت التي حري بها أن تصنع الأجيال وتبنيها ، ثم تخرجها ركب الحياة ليكون على سواعدها بناء البلاد ونماؤها .


على مدى السنوات الماضية وتعليمنا ماض على قدم وساق ، في تطوير المناهج إضافة وحذفا ، تلوينا وترتيبا ، وفي تطوير المعلمين تدريبا ومتابعة ، وفي تطوير الأنظمة واللوائح صياغة وتهذيبا . ولكن يظل كل ذلك التطوير لا معنى له في الواقع ، ولا فائدة تعود على الطلاب منه ، مادام أن المعلم المتمكن علميا ، والمخلص دينا ؛ غائبا عن ذلك المشهد ، أو نادرا كالمعدن النفيس .


ولقد أحسن د.عبد الكريم بكار عندما قال : " إن صحة المناهج أمر ضروري وحيوي ، ولكن لا ينبغي أن يُظن أن تأثر الطلاب بها يفوق تأثرهم بسلوكيات مربيهم ، أو بوسائل الإعلام . وهذا يلقي على المربين مسؤولية كبرى ، ويدعوهم إلى التفكير في عواقب كل تصرف من تصرفاهم ، أو موقف من مواقفهم \" (2) .


فمن هنا يظل المعدن النفيس نفيسا ، وأعني بهم أولئك النوادر الذين جعلوا التربية هما ، وأخلصوا جهدهم لله ، وعملوا في ظل التجاهل عما يقومون به من جهود تحت مبدأ ( ولكن الله يعرفنا ) . فتراهم يثبتون على مبادئهم كالجبال التي لا تزعزعها الرياح ، ولا تُحبط آمالهم عندما تنصرف الجوائز المادية وشهادات التقدير في مناسبات التكريم العامة إلى غيرهم من أصحاب النشاطات الشكلية . بينما تزل أقدام آخرين فيتوقفون عن العطاء بدعوى أنهم لا يكرمون ، ولا يقدر لهم عمل ..


أيها المربون العظماء ، أيها المعلمون الأخفياء ، أيها الصالحون الأتقياء ، يكفيكم أن تعلموا بأن للعمل إذا أريد به وجه الله لذة ، لا تعدلها لذة ورقة كتبت عليها عبارات الثناء ، ولا درع نقش عليه بريق التميز . ولا تظنون بأنكم تفردتم يتكبد المتاعب ويتحمل المشاق ، فالجميع يتعب ويكابد { لقد خلقنا الإنسان في كبد } (3) ولكن شتان بين الجهدين ، جهد لله وما مكافآت الدنيا إلا تبع غير مقصود ، وجهد آخر للتقدير الدنيوي وليس للآخرة منه أي نصيب ، وقد قال ابن قيم الجوزية كلاما نفيسا يكتب بماء الذهب في استبيان هذا المعنى الكبير حيث قال : \" من رغب عن العمل لوجه الله تعالى ابتلاه الله بالعمل لوجوه الخلق ، فرغب عن العمل لمن ضره ونفعه وموته وسعادته بيده ، فابتلي بالعمل لمن لا يملك له شيئا من ذلك \" (4).


إن كثيرا من أولئك العاملين الذين تلوثت نياتهم - حتى أصبح همهم إبراز النشاط المادي من أجل طلب الثناء والتقدير - تراهم يتكاسلون عن العمل الخفي ، كحضور الحصص ، وإعداد الدروس ( ولا أعني به الإعداد الكتابي بل الإعداد العلمي الذهني ) و يستنكفون عن بذل النصيحة والإخلاص فيها ، و يفتقدون الصبر من أجل ترسيخ القيم الوجدانية في نفوس طلابهم ، لأن النية ليس فيها لله شيء ، ولذلك فهم لا يشعرون بقيمة أعمالهم ولا بأثرها ، وقد حدثني أحد الإخوة الذين عملوا من أجل إبراز النشاط الشكلي ومن الذين كرموا في إحدى المناسبات على مستوى إدارة التعليم قائلا : \" أنني أشعر بأنني لم أعمل شيئا ذا بال بالنسبة للطلاب ؛ إنما هي غرفة حثثت الطلاب على تزيينها باللوحات والكتيبات ذات المواضيع المتنوعة ، وكلفنا ذلك جهد عشرة أيام ، حتى جاء اليوم الموعود الذي يمر فيه مشرف النشاط الزائر من قبل الإدارة ويكتب تقييمه ، وعند ذلك انتهى كل شيء " .


فهنيئا للمربين الصادقين الذين يتفاعلون مع طلابهم على مدار العام ، نصحا وإرشادا ، تربية وتعليما , يحثونهم على القراءة ، ويدلونهم على الكتب , ويكلفونهم بالبحوث النافعة , ويدربونهم على أنواع من المهارات النافعة ، وينفذون عددا من البرامج التي قد لا يهتم بها نشاط المدرسة الشكلي .


إن طريقهم هذا الذي سلكوه ، تعترضه المعوقات ، وتكتنفه الأشواك من كل جانب ، ومع ذلك فهم ثابتون على المبدأ ، رغم فتور البيئة التعليمية من حولهم ، وتهاوي مفاهيمها ، وضياع حقوق بعضهم المعنوية والمادية ، وهم ماضون لا تثنيهم تشويشات الفارغين ، و لا سقطات المثبطين ..... ولعلهم يحبطون في بعض الأحايين ، وقد ينقطعون قليلا ، ولكن ريثما يعودون إلى الساحة بعد أن تستنير قلوبهم بالإخلاص ، وبالمعاني السامية من قول عمر ( ولكن الله يعرفهم ) .

أولئك هم المربون والمربيات الذين ثبتوا عند حافة السقوط ، بينما سقط الآخرون .
ــــــــــــــــــــــــــ

المؤلف محمد بن علي بنان

المصدر شبكة مشكاة الإسلامية

الملك الضليل
18 Aug 2009, 12:16 PM
عافاك الله على هذا النقل الجميل لهذه الكلمات التي تحمل بين طياتها النصيحه برجاء الثبات والا نهوي مع من هوى ونسقط ..



جميل ما نقلت اخوي الدرب الفاني ..


لا عدمناك ..

عز الخوي
18 Aug 2009, 12:19 PM
مشكور يا الدرب الفاني
الله يوفقك موضوع في قمة الروعه
تقبل مروري

تربوي
23 Aug 2009, 01:52 PM
باركــ الله فيكــ ..

kermalk
02 Sep 2009, 04:31 PM
بارك الله بعمرك الرب الفاني والله يوفق الجميع ويهديهم