طالب متوسطة
25 Aug 2009, 03:42 AM
شرح سيد الاستغفار
--------------------------------------------------------------------------------
عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي، اغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت )
الشرح
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومعنى سيد الاستغفار أي أنه يسود ويتقدم كل صيغ الاستغفار الأخرى في الفضيلة والرتبة , وهذا مقرر من كلام من لا ينطق عن الهوى .
والمتأمل فيه يجد أن هذا الدعاء قد أشتمل على التوبة والتذلل والإنابة لله سبحانه وتعالى :
ففيه أقرار من العبد بألوهية الله وذلك في قوله اللهم , و إقرار بربوبيته في قوله أنت ربي , و يقر بوحدانيته في وقوله لا إله إلا أنت , ويقر بأنه عبد مربوب له في قوله خلقتني وأنا عبدك ,
وقوله وأنا على عهدك على قولان :
الأول ( أي أنا على عهدك بالإيمان بك وبملائكته وكتبك ورسلك – أركان الإيمان الستة - )
والثاني : ( أي العهد الذي أخذ من آدم وذريته وذلك في قوله تعالى : " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين " الأعراف : 172 .
وقوله ووعدك أي الوعد الذي وعدتنا إياه وذلك في قوله تعالى : " الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله إني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى اجل مسمى ويؤت كل ذي فضل من فضله وأن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير" هود : 3 ,
فالوعد هو المتاع الحسن في الدنيا , ويؤتي كل ذي فضل من فضله أي دخول الجنة في الآخرة ,
وقوله ما استطعت : أي على قدر استطاعتي , فإنه سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها , والاستطاعة حقيقتها أستفراغ الجهد , أي بذل كل الجهد الذي يمكن بذله وحقيقة الاستطاعة هي أن كل ما كلفنا به إلا وفي مقدورنا فعله , وعليه يجب أن نكون صادقين مع الله في الاستطاعة ,
وقوله أعوذ بك من شر ما صنعت , فيستعيذ الإنسان من شر ذنوبه وتقصيره في أمره سواء كان التقصير في القيام بشكر الإنعام و تقصيره بارتكاب الآثام , فالتقصير لا يقع فقط في أجتراح الآثام بل أيضا في التقصير على شكر الإنعام , ولا يحرم العبد من نعمة إلا بذنب أصابه , والحقيقة أن التقصير واقع ولا محالة في شكر الإنعام فقد قال تعالى : " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " النحل : 18 .
فيستعذ الإنسان بالله سبحانه وتعالى من شر ما صنع أي من شر مغبته وسوء عاقبته , وحلول عقوبته , وعدم مغفرته أو من العود إلى مثله , فيلتجئ إلى الله من شر الأفعال وقبيح الأعمال , ورديء الخصال ,
وقوله أبوء لك بنعمتك أي أقر واعترف بنعمة الله علي فاعترف بعظيم إنعامك وترادف فضلك وإحسانك , بل وتفضلك على بفعل الحسنات ويعلم أنه هو هداه ويسره لليسرى , ولولا توفيق الله لما هداه لها ابتداء ولما يسر له فعلها , , ويقر بذنوبه في قوله أبوء بذنبي , سواء كان ذلك تقصيرا في واجب أو فعل نهي ويتوب منها في قوله فاغفر لي , فهو يسأل المغفرة من الله سبحانه وتعالى من ذلك كله , معترفا بأنه لا يغفر الذنب سواه ,
وكما قال بعضهم: أطعتك بفضلك والمنة لك وعصيتك بعلمك والحجة لك فأسألك بوجوب حجتك علي وانقطاع حجتي إلا ما غفرت لي. فرحمتك واسعة وصفحك كريم , ولا يتعاظمك ذنب أن تغفره , فأنت الغفور الرحيم .
الموضوع عبارة عن تلخيص لجزء من محاضرة بعنوان فن سياسة الذات
وقبسات من كلام شيخ الاسلام في شرح هذا الحديث
لا تنسونا بدعوة بظهر الغيب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفت الأنظار..إلى لطائف سيد الاستغفار
هذا الدعاء العظيم كلما تأمّلت فيه..جاد عليك بكنوزه..
وإليكم بعضا من ذلكم:-
1-تضمن الدعاء جميع أصول ما يذكر المرء به ربه:-
فقوله"لا إله إلا أنت"..كلمة التوحيد..وهي أعظم الذكر كما صح الحديث بذلك "خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله"
وقوله"أبوء لك بنعمتك علي"..معناه(الحمد لله)..وقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :أما إن ربك يحب الحمد..
وقوله"خلقتني"..إلماح يستثير في النفس أن تقول:سبحان الله..قال الله"وفي أنفسكم ألا تبصرون"
وقوله"وأنا على عهدك ووعدك ""..من معاني (الله أكبر)..لأن حقيقة التكبير أن تجعل مراد الله مقدما على سائر المرادات والشهوات
وتقييده لزوم العهد بالاستطاعة في قوله "ما استطعت"..يوميء إلى (لا حول ولا قوة إلا بالله).. والحوقلة" كنز من كنوز الجنة"
أما قوله"اغفر لي"..فجلي أنه استغفار..بمثابة قول المستغفر(أستغفر الله) وما يندرج تحته
وقوله "أعوذ بك من شر"..استعاذة من الشيطان والنفس الأمارة بالسوء..وكل ما يندرج تحت مسمى الشر
قوله "أنت ربي"..اعتراف بتوحيد الربوبية..الذي يقتضي توحيد الألوهية فلهذا قال بعده"لا إله إلا أنت"
-ثم هو متضمن للدعاء"اغفر لي"..مسبوقا بمقدمة مثالية تحاكي سيدة السور "الفاتحة"..فبعد أن أثنى على الله بما هو أهله..وجعل ذلك تقدمة له وشفعة عند الله قال:اغفر لي"..فحري أن يجاب ولا ريب إن دعا خالصا من قلبه..
وبيان ذلك:-
في الفاتحة يقول العبد"الحمد لله رب العالمين"..
فهذا حمد واعتراف بالربوبية المطلقة..وفي الحديث نظيره كما تقدم
وإذا قال العبد ذلك قال الله"حمدني عبدي"
ثم يقول"الرحمن الرحيم"..فيقول الله"أثنى علي عبدي"
وعامة الحديث بألفاظه وسياقه متضمن لمعاني الرحمة.. ومنه قوله"وأنا عبدك"
ثم يقول "مالك يوم الدين"..فيقول الله تعالى مجدني عبدي ولعبدي ما سأل..ونظيره قوله "خلقتني" لأن الخالق هو وحده الخليق أن يكون مالك يوم الدين..قال تعالى"ألا له الخلق والأمر"
وكذلك قوله"لا إله إلا أنت"..
وكذلك قوله"وأبوء بذنبي"..لأن الاعتراف بالذنب للملك..لايكون إلا عن إقرار بسيادته..فأنت تبوء له..لأن يوم الدين يوم الفصل..فتقر بذنبك خضوعا وخشوعا وتوبة وإنابة
ثم يقول "إياك نعبد وإياك نستعين"..ويقابله..قوله في الحديث"وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت"..هذا جزء العبادة أما الاستعانة فنظيرها:أعوذ بك من شر ما صنعت"..لأن الاستعاذة التجاء إلى الله واستعانة به..وهنا-أي بعد "إياك نعبد وإياك نستعين" يقول الله تعالى"هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل"
فيقول"اهدنا الصراط المستقيم"..ونظيره "فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"..ولا شك أن من هداه الله صراطه المستقيم..فهو مغفور له..لكن طلب الهداية سبب..والمغفرة نتيجة..
وثمرة
ولهذا كان الدعاء سيدا..كما كانت الفاتحة أعظم سورة في كتاب الله تعالى
والدعاء السيّد..ينقسم إلى ثلاثة أقسام :-
القسم الأول:اعتراف العبد بصفات الله الكمالية وإقراره بأن الله الخالق الرب وأنه إزاء هذه النعوت:-
القسم الثاني:يظهر افتقاره إليه واعترافه بحق عبادته وأنه لا مندوحة له عن ذلك..لا عن تكليف قسري..ولكن بلهجة الحب والرغبة إليه
وهذا يقتضي أن يقدم بين يدي ربه
القسم الثالث:-الدعاء الخالص المسبوق بالإقرار بالذنب والالتجاء إلى الرب طمعا في الوقاية من شر ما صنعت النفس
ثم خاتمة الدعاء..بالعود على بدء بالاعتراف أنه لا يغفر الذنوب إلى الله..
ويلاحظ أن الدعاء ابتدأ بذكر ربوبية الله ثم ألوهيته ثم ذكر الخلق ثم ذكر العبودية
وهذا التتابع غاية في الترابط والجودة لأن الرب الحقيقي هو المستحق للألوهية من الخلق وما وجد الخلق إلا للعبادة
وهذه العبادة بكل صورها تشق على النفوس فيلزم استجلاب العون لكن الطريق طويلة ومليئة بالمعوقات فناسب أن يستعيذ المرء من شر ما صنع ومرده وسوسة الشيطان وداعي النفس الأمارة بالسوء
ولكن قد يقر الإنسان بذنبه أمام الآخر..دون أن يكون هذا الآخر متفضلا عليه
وقد ينعم أحد على أحد..دون أن يرتكب الأول ما يستدعي اعتذاره واعترافه بخطأ في حقه
فلايكون الافتقار كاملا إلا بكمال المنّة باجتماع الأمرين
فلهذا قال:أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي"
فإذا تم ذلك بذكر نعمة المنعم..كانت الاستعاذة حرية أن تطهر العبد..وتقيه من الذنوب لأنه محاط بالفضل من جهتين..جهة تقصيره بشر ما صنع..وجهة ثبوت نعمة المنعم لا مجرد غفران الذنب والمسامحة..
أما وقد حصل ذلك
أصبح الطريق معبدا جدا أمامه ليقول
اغفر لي..لأنه استكمل عرى الشكر
واختتم الدعاء بإقرار إفراد الله تعالى بأنه الوحيد الذي يغفر الذنوب..
فالعباد مضطرون إليه وحاجتهم إلى عبادته وتقواه أشد من حاجتهم للطعام والشراب..بل الهواء..
هذا والله تعالى أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي، اغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت )
الشرح
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومعنى سيد الاستغفار أي أنه يسود ويتقدم كل صيغ الاستغفار الأخرى في الفضيلة والرتبة , وهذا مقرر من كلام من لا ينطق عن الهوى .
والمتأمل فيه يجد أن هذا الدعاء قد أشتمل على التوبة والتذلل والإنابة لله سبحانه وتعالى :
ففيه أقرار من العبد بألوهية الله وذلك في قوله اللهم , و إقرار بربوبيته في قوله أنت ربي , و يقر بوحدانيته في وقوله لا إله إلا أنت , ويقر بأنه عبد مربوب له في قوله خلقتني وأنا عبدك ,
وقوله وأنا على عهدك على قولان :
الأول ( أي أنا على عهدك بالإيمان بك وبملائكته وكتبك ورسلك – أركان الإيمان الستة - )
والثاني : ( أي العهد الذي أخذ من آدم وذريته وذلك في قوله تعالى : " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين " الأعراف : 172 .
وقوله ووعدك أي الوعد الذي وعدتنا إياه وذلك في قوله تعالى : " الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله إني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى اجل مسمى ويؤت كل ذي فضل من فضله وأن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير" هود : 3 ,
فالوعد هو المتاع الحسن في الدنيا , ويؤتي كل ذي فضل من فضله أي دخول الجنة في الآخرة ,
وقوله ما استطعت : أي على قدر استطاعتي , فإنه سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها , والاستطاعة حقيقتها أستفراغ الجهد , أي بذل كل الجهد الذي يمكن بذله وحقيقة الاستطاعة هي أن كل ما كلفنا به إلا وفي مقدورنا فعله , وعليه يجب أن نكون صادقين مع الله في الاستطاعة ,
وقوله أعوذ بك من شر ما صنعت , فيستعيذ الإنسان من شر ذنوبه وتقصيره في أمره سواء كان التقصير في القيام بشكر الإنعام و تقصيره بارتكاب الآثام , فالتقصير لا يقع فقط في أجتراح الآثام بل أيضا في التقصير على شكر الإنعام , ولا يحرم العبد من نعمة إلا بذنب أصابه , والحقيقة أن التقصير واقع ولا محالة في شكر الإنعام فقد قال تعالى : " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " النحل : 18 .
فيستعذ الإنسان بالله سبحانه وتعالى من شر ما صنع أي من شر مغبته وسوء عاقبته , وحلول عقوبته , وعدم مغفرته أو من العود إلى مثله , فيلتجئ إلى الله من شر الأفعال وقبيح الأعمال , ورديء الخصال ,
وقوله أبوء لك بنعمتك أي أقر واعترف بنعمة الله علي فاعترف بعظيم إنعامك وترادف فضلك وإحسانك , بل وتفضلك على بفعل الحسنات ويعلم أنه هو هداه ويسره لليسرى , ولولا توفيق الله لما هداه لها ابتداء ولما يسر له فعلها , , ويقر بذنوبه في قوله أبوء بذنبي , سواء كان ذلك تقصيرا في واجب أو فعل نهي ويتوب منها في قوله فاغفر لي , فهو يسأل المغفرة من الله سبحانه وتعالى من ذلك كله , معترفا بأنه لا يغفر الذنب سواه ,
وكما قال بعضهم: أطعتك بفضلك والمنة لك وعصيتك بعلمك والحجة لك فأسألك بوجوب حجتك علي وانقطاع حجتي إلا ما غفرت لي. فرحمتك واسعة وصفحك كريم , ولا يتعاظمك ذنب أن تغفره , فأنت الغفور الرحيم .
الموضوع عبارة عن تلخيص لجزء من محاضرة بعنوان فن سياسة الذات
وقبسات من كلام شيخ الاسلام في شرح هذا الحديث
لا تنسونا بدعوة بظهر الغيب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفت الأنظار..إلى لطائف سيد الاستغفار
هذا الدعاء العظيم كلما تأمّلت فيه..جاد عليك بكنوزه..
وإليكم بعضا من ذلكم:-
1-تضمن الدعاء جميع أصول ما يذكر المرء به ربه:-
فقوله"لا إله إلا أنت"..كلمة التوحيد..وهي أعظم الذكر كما صح الحديث بذلك "خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله"
وقوله"أبوء لك بنعمتك علي"..معناه(الحمد لله)..وقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :أما إن ربك يحب الحمد..
وقوله"خلقتني"..إلماح يستثير في النفس أن تقول:سبحان الله..قال الله"وفي أنفسكم ألا تبصرون"
وقوله"وأنا على عهدك ووعدك ""..من معاني (الله أكبر)..لأن حقيقة التكبير أن تجعل مراد الله مقدما على سائر المرادات والشهوات
وتقييده لزوم العهد بالاستطاعة في قوله "ما استطعت"..يوميء إلى (لا حول ولا قوة إلا بالله).. والحوقلة" كنز من كنوز الجنة"
أما قوله"اغفر لي"..فجلي أنه استغفار..بمثابة قول المستغفر(أستغفر الله) وما يندرج تحته
وقوله "أعوذ بك من شر"..استعاذة من الشيطان والنفس الأمارة بالسوء..وكل ما يندرج تحت مسمى الشر
قوله "أنت ربي"..اعتراف بتوحيد الربوبية..الذي يقتضي توحيد الألوهية فلهذا قال بعده"لا إله إلا أنت"
-ثم هو متضمن للدعاء"اغفر لي"..مسبوقا بمقدمة مثالية تحاكي سيدة السور "الفاتحة"..فبعد أن أثنى على الله بما هو أهله..وجعل ذلك تقدمة له وشفعة عند الله قال:اغفر لي"..فحري أن يجاب ولا ريب إن دعا خالصا من قلبه..
وبيان ذلك:-
في الفاتحة يقول العبد"الحمد لله رب العالمين"..
فهذا حمد واعتراف بالربوبية المطلقة..وفي الحديث نظيره كما تقدم
وإذا قال العبد ذلك قال الله"حمدني عبدي"
ثم يقول"الرحمن الرحيم"..فيقول الله"أثنى علي عبدي"
وعامة الحديث بألفاظه وسياقه متضمن لمعاني الرحمة.. ومنه قوله"وأنا عبدك"
ثم يقول "مالك يوم الدين"..فيقول الله تعالى مجدني عبدي ولعبدي ما سأل..ونظيره قوله "خلقتني" لأن الخالق هو وحده الخليق أن يكون مالك يوم الدين..قال تعالى"ألا له الخلق والأمر"
وكذلك قوله"لا إله إلا أنت"..
وكذلك قوله"وأبوء بذنبي"..لأن الاعتراف بالذنب للملك..لايكون إلا عن إقرار بسيادته..فأنت تبوء له..لأن يوم الدين يوم الفصل..فتقر بذنبك خضوعا وخشوعا وتوبة وإنابة
ثم يقول "إياك نعبد وإياك نستعين"..ويقابله..قوله في الحديث"وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت"..هذا جزء العبادة أما الاستعانة فنظيرها:أعوذ بك من شر ما صنعت"..لأن الاستعاذة التجاء إلى الله واستعانة به..وهنا-أي بعد "إياك نعبد وإياك نستعين" يقول الله تعالى"هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل"
فيقول"اهدنا الصراط المستقيم"..ونظيره "فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"..ولا شك أن من هداه الله صراطه المستقيم..فهو مغفور له..لكن طلب الهداية سبب..والمغفرة نتيجة..
وثمرة
ولهذا كان الدعاء سيدا..كما كانت الفاتحة أعظم سورة في كتاب الله تعالى
والدعاء السيّد..ينقسم إلى ثلاثة أقسام :-
القسم الأول:اعتراف العبد بصفات الله الكمالية وإقراره بأن الله الخالق الرب وأنه إزاء هذه النعوت:-
القسم الثاني:يظهر افتقاره إليه واعترافه بحق عبادته وأنه لا مندوحة له عن ذلك..لا عن تكليف قسري..ولكن بلهجة الحب والرغبة إليه
وهذا يقتضي أن يقدم بين يدي ربه
القسم الثالث:-الدعاء الخالص المسبوق بالإقرار بالذنب والالتجاء إلى الرب طمعا في الوقاية من شر ما صنعت النفس
ثم خاتمة الدعاء..بالعود على بدء بالاعتراف أنه لا يغفر الذنوب إلى الله..
ويلاحظ أن الدعاء ابتدأ بذكر ربوبية الله ثم ألوهيته ثم ذكر الخلق ثم ذكر العبودية
وهذا التتابع غاية في الترابط والجودة لأن الرب الحقيقي هو المستحق للألوهية من الخلق وما وجد الخلق إلا للعبادة
وهذه العبادة بكل صورها تشق على النفوس فيلزم استجلاب العون لكن الطريق طويلة ومليئة بالمعوقات فناسب أن يستعيذ المرء من شر ما صنع ومرده وسوسة الشيطان وداعي النفس الأمارة بالسوء
ولكن قد يقر الإنسان بذنبه أمام الآخر..دون أن يكون هذا الآخر متفضلا عليه
وقد ينعم أحد على أحد..دون أن يرتكب الأول ما يستدعي اعتذاره واعترافه بخطأ في حقه
فلايكون الافتقار كاملا إلا بكمال المنّة باجتماع الأمرين
فلهذا قال:أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي"
فإذا تم ذلك بذكر نعمة المنعم..كانت الاستعاذة حرية أن تطهر العبد..وتقيه من الذنوب لأنه محاط بالفضل من جهتين..جهة تقصيره بشر ما صنع..وجهة ثبوت نعمة المنعم لا مجرد غفران الذنب والمسامحة..
أما وقد حصل ذلك
أصبح الطريق معبدا جدا أمامه ليقول
اغفر لي..لأنه استكمل عرى الشكر
واختتم الدعاء بإقرار إفراد الله تعالى بأنه الوحيد الذي يغفر الذنوب..
فالعباد مضطرون إليه وحاجتهم إلى عبادته وتقواه أشد من حاجتهم للطعام والشراب..بل الهواء..
هذا والله تعالى أعلم