أبو شذا
03 Sep 2003, 09:25 PM
يظن البعض نفسه بمنأى عن هذه الإشكالية ، وحتى نوضح أن كثيرين وقعوا فيها سأضرب هذا المثال البسيط للدخول إلى صلب الموضوع فأقول جاء في الحديث الصحيح : (( مَن قال سبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة حُطّت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر )) . والسؤال الذي يرد : أنت سمعت بهذا الحديث وهذا الأجر العظيم ، فهل قلت هذا الذكر ولو لمرّةٍ واحدة ؟ أم أن الإنسان إذا كان اليوم الآخِر قال ربِّ ارجعون ! ويتمنى أن يعود ولو لبضع دقائق فقط ليقول هذا الذكر .
ضربت هذا المثال لتقريب الصورة وبيان ما نعانيه من إشكالية في التطبيق ، والمتأمل لحياة الناس ولهوهم في هذه الحياة يدرك جليّاً أننا نمر بمرحلة تباين بين ما نتلقاه وبين ما نطبّقه ، فعدد من الناس لا ينقصه علم بصورته البسيطة ولكنه قد يقف عاجزاً من تلقاء نفسه عن عمل ما علِم .
إن متعلقات هذه الإشكالية لها أثرها الفاعل في ابتعاد الإنسان بما يعلمه عن حد التطبيق المرجوّ، فيصبح حاملاً لا عاملاً ويمسي وقد تباينت خطواته بين النظرية والتطبيق فلم يَعُد يقصد مواءمة الحال فيما هي فيه من معارف وثقافات وبين ما يبدو منها وينعكس عليها ، وتقادم العهد لا يعدو عن كونه يصب في جانب النظرية والعلم ليصبح البون شاسعاً قياساً بوقوفه وهو غير قادر على تحويل ما يحمل إلى جانب ذي أثر على واقعه المُعاش .
ولنا أن نتساءل عن حال البعض وهو يدرك فضل القرآن ثم يعجز عن أن يقرأ في يومه ولو لربع ساعة وهي قليلة ، وقس على ذلك خاصةً في العبادات التي لا تتطلب جهداً كبيراً .
وحتى لو أخذنا أعمال الإنسان وواجباته الحياتية المختلفة نجد أن البعض أشكل بل استغلق عليه أن يعمل وينتج ، فلم يعد قادراً على الوفاء بمتطلبات العمل والمعيشة على الرّغم من إمكانية تنظيمها ، مما جرَّ عليه فشلاً في إدارة الوقت .
فأنت ترى الإنسان يعلم بمضارّ الإسراف – مثلاً – وهو واقعٌ فيه ، ويعلم أهمية الصّلة وأثرها وهو بعيدٌ عنها ، وقس على ذلك من إشكاليات بين جانبي النظرية والتطبيق .
وإن أخذت جانب الحوار كنموذج للإشكالية وجدت الناس يعيشون في مأزق فربما علموا عن أدبه وسعة الأخذ والرد في بعض صوره إلاّ أنهم نكصوا عندما أضحوا في معمعة الحوار والاختلاف الممكن فرابهم الرأي الآخر ، وأعياهم الاختلاف فبانوا بصورة هي خلاف التي علِموها ، بل ونظّروا لها .
وفي جانب المعاملة تجد المرء لا يستطيع أن يكيّف تصرفاته بما تلقّاه من زخم معلوماتي وإرشادي ، وتجد مثال ذلك في معاملة الوالدين ، أو معاملة الأزواج لزوجاتهم ، أو العلاقة بين الإخوان والأصدقاء ، أو معاملة الرؤساء لمرؤوسيهم ، وقد يظهر ذلك جلياً في معاملة العمّال الوافدين ، فتجد أن أحد الذين تلقوا علماً بحرمة الظلم - مثلاً - لا يلبث أن يسقط في هذه الوهدة وقد تعزّ عليه النجاة .
إنك لتعجب من إنسان يستطيع – مثلاً – أن يجلس ساعات ليله أمام شاشة التلفاز أو الإنترنت أو مع أصدقائه ، ثم هو يقوم إلى فراشه عاجزاً عن أن يصلي في ليله ثلاث ركعاتٍ لله يوتر بها وهي لا تستغرق منه سوى عشر دقائق ! ونحن إذا تجاوزنا ما قضى به ليله ، فإنه ليس ثمّة من مسوّغ يجعله يهمل أموراً تعود بالفائدة عليه ويعلم فضلها .
يقول عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه : (( كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نتعلمهن ونعمل بهن فتعلّمنا العلم والعمل جميعاً )) ، وهذا هو بيت القصيد أن يكون العمل مرادفاً للعلم وإلاّ ما الفائدة من العلم وحده ، بل هو يكون حجّةً على صاحبه .
ولو أخذنا في جانب العبادات أيضاً – وركزت عليه لتقاعس الناس فيه – الأذكار والأوراد اليومية لعلمنا أن الإنسان ليس مطالب بأن يجعل لها وقتاً طويلاً ، بل هي قابلةٌ للأداء في أوقات هي أشبه بالأوقات الضائعة لدى الناس ، فعند ذهاب المرء للصلاة مثلاً بإمكانه قراءة هذه الأذكار أثناء مشيه أو ركوبه ، وكذلك عندما يقف مثلاً أمام إشارة المرور ، أو عندما يتنقّل داخل البيت ، مع ملاحظة أن الأوراد الخاصة ببعض الأعمال كالخروج من البيت وركوب السيارة ودخول المسجد وكفّارة المجلس يمكن للإنسان أن يعوّد نفسه عليها ، ويستحضر في كل موقف ذكره الخاص به .
وعند هذه النقطة تحديداً أنقل لكم ذكر الفراغ من الطعام وهو : (( الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة )) . تُرى ما هو فضل وأجر هذا الذكر الذي لا يتجاوز زمن قوله عشر ثوانٍ ؟ الأجر كما ورد في الحديث عند أبي داود : (( غُفر له ما تقدّم من ذنبه )) . وهنا تبرز الإشكالية في أعلى صورها عند طرح السؤال التالي : كم مرّةً قلت هذا الذكر ؟
إذن ما السبب في مثل هذه الحالة ، ما آثارها ، وكيف علاجها ؟ أسئلة لن أتطرق إلى إجابتها بصورة مباشرة لأن لكل حالة خصوصيتها أحياناً .. على أن ذلك لا ينفي وجود قواسم مشتركة بين عموم الحالات .
نحن أمام فئتين غالباً ، إما فئة جهلت ولم تعلم وهذه لها حديث آخر ومجال ليس هذا محوره ، أو نحن أمام فئة علمت ولم تطبّق ! وهنا يبرز السؤال : ما السبب ؟
أرجئ الإجابة عن هذا وغيره من المباحث المتعلّقة في جزء آخر لهذا المقال في القريب العاجل بإذن الله تعالى .
ضربت هذا المثال لتقريب الصورة وبيان ما نعانيه من إشكالية في التطبيق ، والمتأمل لحياة الناس ولهوهم في هذه الحياة يدرك جليّاً أننا نمر بمرحلة تباين بين ما نتلقاه وبين ما نطبّقه ، فعدد من الناس لا ينقصه علم بصورته البسيطة ولكنه قد يقف عاجزاً من تلقاء نفسه عن عمل ما علِم .
إن متعلقات هذه الإشكالية لها أثرها الفاعل في ابتعاد الإنسان بما يعلمه عن حد التطبيق المرجوّ، فيصبح حاملاً لا عاملاً ويمسي وقد تباينت خطواته بين النظرية والتطبيق فلم يَعُد يقصد مواءمة الحال فيما هي فيه من معارف وثقافات وبين ما يبدو منها وينعكس عليها ، وتقادم العهد لا يعدو عن كونه يصب في جانب النظرية والعلم ليصبح البون شاسعاً قياساً بوقوفه وهو غير قادر على تحويل ما يحمل إلى جانب ذي أثر على واقعه المُعاش .
ولنا أن نتساءل عن حال البعض وهو يدرك فضل القرآن ثم يعجز عن أن يقرأ في يومه ولو لربع ساعة وهي قليلة ، وقس على ذلك خاصةً في العبادات التي لا تتطلب جهداً كبيراً .
وحتى لو أخذنا أعمال الإنسان وواجباته الحياتية المختلفة نجد أن البعض أشكل بل استغلق عليه أن يعمل وينتج ، فلم يعد قادراً على الوفاء بمتطلبات العمل والمعيشة على الرّغم من إمكانية تنظيمها ، مما جرَّ عليه فشلاً في إدارة الوقت .
فأنت ترى الإنسان يعلم بمضارّ الإسراف – مثلاً – وهو واقعٌ فيه ، ويعلم أهمية الصّلة وأثرها وهو بعيدٌ عنها ، وقس على ذلك من إشكاليات بين جانبي النظرية والتطبيق .
وإن أخذت جانب الحوار كنموذج للإشكالية وجدت الناس يعيشون في مأزق فربما علموا عن أدبه وسعة الأخذ والرد في بعض صوره إلاّ أنهم نكصوا عندما أضحوا في معمعة الحوار والاختلاف الممكن فرابهم الرأي الآخر ، وأعياهم الاختلاف فبانوا بصورة هي خلاف التي علِموها ، بل ونظّروا لها .
وفي جانب المعاملة تجد المرء لا يستطيع أن يكيّف تصرفاته بما تلقّاه من زخم معلوماتي وإرشادي ، وتجد مثال ذلك في معاملة الوالدين ، أو معاملة الأزواج لزوجاتهم ، أو العلاقة بين الإخوان والأصدقاء ، أو معاملة الرؤساء لمرؤوسيهم ، وقد يظهر ذلك جلياً في معاملة العمّال الوافدين ، فتجد أن أحد الذين تلقوا علماً بحرمة الظلم - مثلاً - لا يلبث أن يسقط في هذه الوهدة وقد تعزّ عليه النجاة .
إنك لتعجب من إنسان يستطيع – مثلاً – أن يجلس ساعات ليله أمام شاشة التلفاز أو الإنترنت أو مع أصدقائه ، ثم هو يقوم إلى فراشه عاجزاً عن أن يصلي في ليله ثلاث ركعاتٍ لله يوتر بها وهي لا تستغرق منه سوى عشر دقائق ! ونحن إذا تجاوزنا ما قضى به ليله ، فإنه ليس ثمّة من مسوّغ يجعله يهمل أموراً تعود بالفائدة عليه ويعلم فضلها .
يقول عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه : (( كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نتعلمهن ونعمل بهن فتعلّمنا العلم والعمل جميعاً )) ، وهذا هو بيت القصيد أن يكون العمل مرادفاً للعلم وإلاّ ما الفائدة من العلم وحده ، بل هو يكون حجّةً على صاحبه .
ولو أخذنا في جانب العبادات أيضاً – وركزت عليه لتقاعس الناس فيه – الأذكار والأوراد اليومية لعلمنا أن الإنسان ليس مطالب بأن يجعل لها وقتاً طويلاً ، بل هي قابلةٌ للأداء في أوقات هي أشبه بالأوقات الضائعة لدى الناس ، فعند ذهاب المرء للصلاة مثلاً بإمكانه قراءة هذه الأذكار أثناء مشيه أو ركوبه ، وكذلك عندما يقف مثلاً أمام إشارة المرور ، أو عندما يتنقّل داخل البيت ، مع ملاحظة أن الأوراد الخاصة ببعض الأعمال كالخروج من البيت وركوب السيارة ودخول المسجد وكفّارة المجلس يمكن للإنسان أن يعوّد نفسه عليها ، ويستحضر في كل موقف ذكره الخاص به .
وعند هذه النقطة تحديداً أنقل لكم ذكر الفراغ من الطعام وهو : (( الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة )) . تُرى ما هو فضل وأجر هذا الذكر الذي لا يتجاوز زمن قوله عشر ثوانٍ ؟ الأجر كما ورد في الحديث عند أبي داود : (( غُفر له ما تقدّم من ذنبه )) . وهنا تبرز الإشكالية في أعلى صورها عند طرح السؤال التالي : كم مرّةً قلت هذا الذكر ؟
إذن ما السبب في مثل هذه الحالة ، ما آثارها ، وكيف علاجها ؟ أسئلة لن أتطرق إلى إجابتها بصورة مباشرة لأن لكل حالة خصوصيتها أحياناً .. على أن ذلك لا ينفي وجود قواسم مشتركة بين عموم الحالات .
نحن أمام فئتين غالباً ، إما فئة جهلت ولم تعلم وهذه لها حديث آخر ومجال ليس هذا محوره ، أو نحن أمام فئة علمت ولم تطبّق ! وهنا يبرز السؤال : ما السبب ؟
أرجئ الإجابة عن هذا وغيره من المباحث المتعلّقة في جزء آخر لهذا المقال في القريب العاجل بإذن الله تعالى .