المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكومة سمّ فيران



رفحاوي
04 Oct 2003, 01:56 AM
كنت في كل مرة أتهرب من زوجتي وأبنائي الصغار بأي حجة عند مطالبتهم لي بشراء ملابس ومستلزمات العام الدراسي الجديد .. كل يوم أقول لهم: الصبح قبل ما أروح الشغل إن شاء الله.. وفي الصباح أتظاهر بالتأخر فأقول لهم: هو ده وقته?! بالليل بإذن الله.. وبالليل بعد عودتي من البنزينة التي أعمل بها عقب انتهائي من الوظيفة الحكومية أكون في حالة «تصعب علي الكافر» ونظرًا لأن أبنائي وزوجتي مؤمنون - وليسوا كفرة - والحمد لله لا أجد جهدًا في إقناعهم بأن فلوس المدارس.. «الصبح بإذن الله».

ظللت هكذا طوال أسبوع إلي أن جاء اليوم الموعود.. من النجمة الأولاد فوق رأسي ومن خلفهم أمهم: اصحي يا بابا اصحي يا بابا.. عايزين نروح نشتري لبس المدارس.
يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم.. هو احنا لسه اصطبحنا.. قالت ابنتي الكبري: الساعة داخلة علي 8 يا بابا.

فنهضت مثل الملدوغ.. يا نهار أبيض.. تأخرت.. بالليل ياولاد لمّا ارجع.. بإذن الله فبادرني أحدهم : علي مين يا سي بابا.. النهارده الجمعة!
فارتددت إلي نفسي خاسئًا: نعم .. النهارده الجمعة?! لأول مرة في حياتي أكره يوم الجمعة.. لا مفر إذن فهذا اليوم هو الأخير قبل دخول المدارس .. أخرجت للأولاد كل ما في جيبي من المرتب ومن بقشيش البنزينة وكان أغلبه عملات صغيرة من عينة الربع والنصف جنيه معظمها فاقد الصلاحية وأغلبها «مزيت».. كل الذي معي أول عن آخر اكتشفت أنه بالعافية يشتري حذاء للبنت الكبري وبنطلونًا لأخيها وزوج شراب للبنت الأصغر وكوتشي صيني للمفعوص الصغير.
الولد الصغير قال لي: يا بابا أنا عايز «مزمزية».
قلت له: اسمها زمزمية يا حبيبي .
قال: أيوه.. عايز مزمزية.
قلت: لما تعرف تنطقها صح.. هجبهالك. نطّ أخوه الأكبر: أنا باعرف يابابا انطقها صح .. هتشتريها لي?
قلت له: أنت كبير وعيب لما تشرب في زمزمية. قال بكل لماضة: لا أنا مش كبير أنا لسه صغير . قلت له: اسمها إيه? قال: زمزمية.
قلت: شفت أديك كبير وبتعرف تنطقها صح.. لو كنت بتقول «مزمزية» كنت تبقي صغير واشتريها لك.

ظللت في شغل الحواة هذا حتي أقنعت زوجتي وأبنائي أن يذهبوا لشراء ما تيسر من مستلزمات المدارس بهذا المبلغ الذي لا نملك سواه علي أن أوفّر لهم باقي المستلزمات بعد عودتي الليلة من البنزينة.. خاصة أن زوجتي أقنعت الأبناء أن أباهم صاحب بنزينة قد الدنيا ولم تفهمهم أني أقوم بتفريغ البنزين بالبقشيش.. دون أجر!
الأولاد وأمهم ذهبوا للموسكي وأنا أفكر في الورطة التي حلت بي.. بعد ساعات قلائل مطلوب مني توفير ما لم استطع توفيره علي مدار العام !
ولم أجد من سبيل غير الانضمام لطابور من سبقوني في مثل هذه الظروف.. ولًمَ لا?! هو أنا أفضل ممن ألقوا بأنفسهم من فوق السطوح?! ودخلت في صراع شديد بيني وبين نفسي.

أقنعتني نفسي الأمارة بالسوء أن أقدم علي الحل الشعبي الذي بات يلجأ إليه الجميع.. لكني أردت أن يكون انتحاري دون أية شوشرة تسبب فضيحة للأولاد- أبناء صاحب البنزينة - أمام زملائهم لذلك فكرت أن تكون موتتي حاجة بيتي من منازلهم.. ليس ثمة ما يدعو للانتحار من فوق البرج أو في النيل.. بلاش فضائح.. إضافة إلي أن هذه الأنواع من الانتحار مكلفة بالنسبة للورثة.. عبد الحميد زميلي حين انتحر العام الماضي قبل عيد الأضحي في مياه النيل كلّف أبناءه فلوسًا كثيرة بسبب استخراج الجثة . والأستاذ عليوه رئيسي في العمل الذي انتحر في رمضان .. وزارة السياحة رفعت دعوي قضائية علي زوجته وأبنائه لأن المرحوم ضرب موسم السياحة, بسبب انتحاره من أعلي الهرم!

إذن ليس أمامي غير الانتحار من منازلهم .. بالفعل قمت بنزع مفتاح السخان - لأنه أعلي تيار كهربائي في الشقة - وأصبح السلك عارييًا.. وتلفظت بالشهادة بعد أن استغفرت الله وأمسكت بالسلك بكلتا يديّ.. آه صرخت بصوت عالي.. لكني لم أمت.. آه نسيت أن إدارة الكهرباء فصلت التيار عن الشقة لأني لم أسدد آخر ثلاث فواتير بعد أن تم رفع قيمة الفاتورة بسبب ضم فاتورة «الزبالة» إلي الكهرباء.. ياللحظ العثر.. ولا يهمك يا سحس.. إن كانت وزارة الكهرباء قد خذلتنا.. فلن تخذلنا وزارة الري.. أملأ البانيو عن آخره.. وأغطّس رأسي بداخله.. موتة آخر جنان.. آه لكن المياه مقطوعة عننا طوال الليل والنهار ولا تأتًي غير ساعة واحدة بعد منتصف الليل.. يعني الموت غرقًا لا ينعم به إلا أصحاب سهر الليالي!

الأنبوبة.. نعم الحل في أنبوبة البوتاجاز.. لكن الأنبوبة تم تغييرها أمس فقط وبكام باتناشر جنيه ! الحق يقال خسارة فيّ أنبوبة بوتاجاز وبعدين الأولاد يقعدوا إزاي من غير أنبوبة?! .. طب حتي الناس اللي جاية تعزي.. ما تشربش فنجان قهوة.. هذا ما تحججت به لنفسي.
لم يعد أمامي غير وسيلة واحدة.. الوسيلة الشعبية لدي جموع المنتحرين «سم الفئران».. استخرجت الجنيه الذي خبأته من أولادي لأذهب به للبنزينة ليلاً وتوجهت به للبقال.
. السلام عليكم
.. وعليكم السلام
. كنت عايز سم فيران.
.. فضحك ثم قال: كان غيرك أشطر.. ما تلقاش يا افندي.
. ليه.. هم منعوه??
.. لا طبعًا بس انت في موسم كل سنة وإنت طيب.. الطلب عليه كتير اليومين دول زي ما انت عارف.
. فقلت متأثرًا: طب وإيه العمل?
.. فردّ : احجز للموسم الجاي وعليك خير.. مصاريف رمضان داخلة.. ها .. أكتب اسمك وتسيب لي عربون?
. فقلت: مفيش عندك حاجة.. قبل رمضان?
.. فقال: امتي يعني?
. قلت: الليلة دي.
.. قال: لا والله.. مافيش
فهممت بالانصراف منكسرًا.. فنادي عليّ: اسمع يا أستاذ.. انت باين عليك طيب وابن حلال وربنا كاتب لك تموت من عندي فرجعت فرحًا : بتتكلم جد?!
فقال: وجدّ الجد.. عندي صنف سم فيران أمريكاني إنما إيه يخلص عليك في تلت دقايق.
فطلعت فيه: يا راجل يا عديم الوطنية.. عايزني استخدم منتج غير محالي .. ما بتسمعش الحكومة وهي كل يوم بتقول شجع صناعة بلدك.. شجع المنتج المحلي?! انتم إيه ما بتحسوش بالمسئولية?!.. افضل طول عمري بشجع المحلي.. يا أخي ده بعدك,

وانصرفت والرجل لا يرد .. ثم استدرت بوجهي تلقاءه.. قلت لنفسي: بما أننا في واحد من أهم مواسم الانتحار.. فأكيد هناك وسائل جديدة تفتقت عنها قريحة أبناء الشعب المصري في الانتحار.. أحسن حل .. اشتري الجورنال أطالع في صحيفة الحوادث أحدث صيحات الانتحار.. أكيد هتفرج بإذن الله . أخذت عيني تقتفي كل خبر أو مقال يشتمل علي لفظ «انتحار», وبين عشرات العناوين والمانشتات استوقفني هذا العنوان «مشروع قانون جديد للمنتحرين».. وفي عنوان بعده «إلزام ورثة المنتحر بضريبة مالية» يقول نص الخبر: نظرًا للارتفاع الملحوظ في نسبة المنتحرين.. قرر مجلس الوزراء في اجتماعه أمس إقرار الصيغة النهائية لمشروع قانون المنتحرين بعد انتهاء مناقشته في مجلس الشعب وموافقة جميع الأعضاء عليه.. وقد أوضح السيد رئيس الوزراء في تصريحاته للصحفيين أن القانون يلزم ورثة المنتحر بدفع ما قيمته 30% من دخل المنتحر منذ بداية عمله وحتي الانتحار.
وأوضح أن المنتحر قد تخلي عن دوره في بناء مجتمعه وتغافل عن واجبه تجاه أمته في مسيرتها النهضوية وقدّم مصلحته الشخصية علي وطنه. وفي رده علي سؤال الصحفيين حول «ما ذنب الورثة في ذلك?» أوضح أنه مثلما يقوم الورثة بصرف التعويضات الكبيرة حالة وفاة المرحوم في حادث عام.. يتحملون أيضًا أعباء تقصير منتحرهم وتخليه عن أمته في مسيرتها النهضوية سقط الرجل مغشيًا عليه وتم نقله إلي المستشفي ولم يتضح بعد سبب الوفاة إلا أن الطبيب كتب في تقريره «يبدو أن المذكور أجهد نفسه في طلب شيء لم يجده.. لذلك مات بحسرته»!!

حسين عبد الظاهر

نقلا عن آفاق عربية

الدب الداشر
04 Oct 2003, 08:46 AM
ماسمعت حجحجي باللي يقوول
فل الحجاج وخل عنك الهواجيس ××× كلً يموووت وحاجته ماقضااهاا

شنكرور حجحجي فرحااوي

رفحاوي
04 Oct 2003, 10:40 PM
دبدوب المحبوب ...

ما سمعت بهالبيت لكن عدي سامعه دانه طلع من افمك
اعجبن اسلوب الكاتب الهزلي لانتقاد تخلف النظام بمصر