المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا تجالسوا اصحاب الاهواء ولا تجادلوهم



رفحاوي
17 Oct 2003, 10:12 PM
يقول الامام الماوردي مفرقا بين الهوى والشهوة: فرق ما بين الهوى والشهوة ان الهوى مختص بالآراء والمعتقدات, والشهوة مختصة بنيل المستلذات. فصارت الشهوة من نتائج الهوى, والهوى اصل وهو اعم. فلذلك من ابتلي بهوى النفس والعياذ بالله عز وجل فهو على خطر عظيم, ويسهل عليه الوقوع في المعاصي والضلال والخروج عن صراط الله عز وجل المستقيم.

وقال الشاطبي رحمه الله فكل مسألة حدثت في الاسلام فاختلف الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا انها من مسائل الاسلام.

اذاً فكل اختلاف في الفروع, لم يؤد الى النزاع ولا البغضاء فهذا من مسائل الاسلام. وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابز والقطيعة علمنا انها ليست من امر الدين في شيء, لا يمكن ان يكون دينا ويأتي بتفريق وتمزيق وبغضاء, هذا ليس من الدين, فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك حدثا احدثوه من اتباع الهوى.

وقد جاء ذم اتباع الهوى في القرآن الكريم العظيم في آيات كثيرة, بل ووصف الله اهل تلك الصفة بأسوأ الاوصاف فقال عز وجل في من اتبع هواه: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه}. لأنه في كل شيء لا يرجع الى القرآن ولا الى السنة, ولا الى اهل العلم انما يرجع الى هواه حتى ولا يرجع الى عقله وانما يرجع الى هواه {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علمٍ وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون} اذا كان انسان تنصحه بكتاب الله وبسنة رسول الله وبكلام اهل العلم فلا ينتصح فعلى ماذا يدل: {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم انما يتبعون أهواءهم ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} لا أضل منه هو اضل الضالين وان اعتقد في نفسه انه اصلح الصالحين والعياذ بالله: {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين} وقال تعالى: {بل اتبع الذين ظلموا اهواءهم بغير علم} يتجرأ بغير علم, ويتجرأ بغير دليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على قتل مسلم وعلى تدمير اموال المسلمين, تجرأ كبير وتجرأ عظيم من غير علم ولا هدى ولا كتاب منير.

وقال تعالى {يا داود إنا جعلناك خليفةً في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى} وما النتيجة اذا اتبع الانسان الهوى: {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} وجاءت الاحاديث كثيرة ايضا في ذم اتباع هوى النفس وترك ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الى اهواء الرجال والعياذ بالله وفي الحديث عن ابي برزة الاسلمي رضي الله عنه انه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مما اخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى) (1).

فكأن الهوى يهدي الى الضلال والعياذ بالله وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: (اللهم اني اعوذ بك من منكرات الاخلاق والاعمال والاهواء) فالاهواء التي تنشعب بالناس في الآراء والمعتقدات وتكون سببا للخروج عن منهج اهل السنة والجماعة, واذا بهم يكفرون كل مسلم حتى العصاة الذين لم يكفرهم رب العزة تبارك وتعالى, ولا نبيه صلى الله عليه وسلم فهم عصاة, والله عز وجل ان تابوا تاب عليهم, فيأتي امثال هؤلاء من الخوارج وغيرهم من اهل الاهواء, فيكفرون مرتكب الكبيرة, وبالتالي يستحلون دمه, لانه كافر والعياذ بالله عز وجل, ضلال يجر الى ضلال.
وفي الحديث عن انس رضي الله عنه انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث كفارات وثلاث درجات وثلاث منجيات وثلاث مهلكات, اما الكفارات فإسباغ الوضوء في السبرات-يعني في الصبح عند اشتداد البرودة- وانتظار الصلوات بعد الصلوات, ونقل الاقدام الى الجمعات واما الدرجات فإطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام واما المنجيات فالعدل في الغضب والرضى والقصد في الفقر والغنى وخشية الله في السر والعلانية واما المهلكات والعياذ بالله عز وجل فشح مطاع وهوى متبع واعجاب المرء بنفسه) (2). فهذه من المهلكات التي تهلك الانسان والعياذ بالله تبارك وتعالى, اتباع الهوى فيظن انه باتباعه للهوى من المجاهدين, ومن الابطال ومن الذين سيفوزون بأعلى الدرجات وهو ينزل في اسفل الدركات وهو لا يدري وهو لا يشعر والعياذ بالله عز وجل وهكذا يكون اتباع الهوى اشد من اتباع الشهوات, واشد عذابا عند الله تبارك وتعالى قال علي رضي الله عنه: ان أخوف ما أتخوف عليكم اثنتان طول الامل واتباع الهوى فأما طول الامل فينسي الآخرة واما اتباع الهوى فيصد عن الحق:
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما ذكر الله عز وجل الهوى في موضع من كتاب الله الا ذمه.

وقال الحسن البصري: لا تجالسوا اصحاب الاهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم. لأن اهواءهم ضالة ضائعة, وبالتالي قد يؤثر عليكم فيجعل في نفوسكم شيئا من ذلك ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم اوصانا في امر المسيح الدجال ان لا يتجادل معه احد, لأنك ان تجادلت معه اغراك واوقعك فيما يكون هلاكك والعياذ بالله وقال الحسن البصري رحمه الله: افضل الجهاد جهاد الهوى. وقال قتادة رحمه الله ان الرجل اذا كان كلما هوي شيئا ركبه وكلما اشتهى شيئا أتاه-لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى فقد اتخذ إلهه هواه كما جاء في الآية.

وقال ابراهيم النخعي رحمه الله: لا تجالسوا اهل الاهواء, فإن مجالستهم تذهب بنور الايمان من القلوب, وتسلب محاسن الوجوه, وتورث البغض في قلوب المؤمنين. لأنها مجالس غيبة ونميمة. وتكفير وتصنيف وتقسيم والعياذ بالله عز وجل فهؤلاء كفرة, وهؤلاء فسقة, وهؤلاء فجرة, هذه مجالس شيطانية لا ينبغي للمسلم ان يحضرها, وتورث البغضة في قلوب المؤمنين. وقال مجاهد رحمه الله ما ادرى اي النعمتين اعظم ان هداني للاسلام, او عافاني من هذه الاهواء. من شدة عظيم فضل هذه النعمة, وقال الشعبي رحمه الله: انما سمي الهوى كذلك لأنه يهوي بصاحبه. وقال الامام الشافعي رحمه الله: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك, خير له من ان يلقاه بشيء من هذه الاهواء. لماذا? لأنها تغيير في الدين, العاصي يعصي على نفسه, اما صاحب الهوى فيغير في دين الله, فلذلك كانت العقوبة اشد عليه, وكانت المعاملة معه بهذه القوة لانه يريد ان يعبث بدين الله, ويأتي بشرع من عند نفسه غير ما جاء به النبي المصطفى الهادي محمد صلى الله عليه وسلم.

وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تبارك وتعالى: صاحب الهوى يعميه الهوى ويصمُّه فلا يستحضر ما لله ورسوله من الامر, ولا يطلبه اصلا ولا يرضى لرضى الله, ولا يغضب لغضب الله ورسوله, بل يرضى اذا حصل ما يرضاه بهواه, ويغضب اذا حصل ما يغضب له بهواه, فلذلك لا يكون قصده اعلاء كلمة الله تبارك وتعالى, وان تكون كلمة الله هي العليا, بل قصده الحمية لنفسه وطائفته والرياء, ليعظم ويثني عليه, او لغرض من الدنيا والعياذ بالله عز وجل, فلم يكن لله غصبه, ولم يكن مجاهدا في سبيل الله, بل ان اصحاب الهوى يغضبون على من خالفهم وان كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله, ويرضون عمن يوافقهم وان كان جاهلا سيئ القصد, ليس على علم ولا حسن قصد, وتصير موالاتهم ومعاداتهم على اهواء انفسهم لا على دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. نسأل الله تبارك وتعالى ان يعصم نفوسنا من الهوى وان يجعل هوانا تبعا لما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم انه على كل شيء قدير نفعني الله وإياكم بهدي كتابه.

د.عبدالله بن علي بصفر
الاستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز

(1) ورواه احمد (19773,19772) وقال محققو المسند رجاله ثقات, ورواه الطبراني في الصغير (511) وابو نعيم في الحلية (2/32).
(2) قال المنذري في الترغيب (637) رواه البزار واللفظ له, والبيهقي وغيرهما وهو مروي عن جماعة من الصحابة واسانيده وان كان لا يسلم شيء منها من مقال فهو بمجموعها حسن ان شاء الله.