تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اتفاقية سويسرا على البحر الميت: عقد من لا يملك مع من لا يحكم



الدب الداشر
22 Oct 2003, 12:10 AM
د. إبراهيم علوش


يأخذ توقيت وموضوع اتفاقية التسوية النهائية التي وقعتها شخصيات من السلطة الفلسطينية و"إسرائيليون" من حزب العمل أساساً على شاطئ البحر الميت، بدعم وتمويل سويسري وغطاء سياسي رسمي أردني-مصري، شكل مهزلة سياسية مسلية لولا مأساة الأطراف المعنية بها.



وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية المعروفة باسم اتفاقية سويسرا تأتي "لإعادة إحياء عملية السلام والتأكيد على العودة لطاولة المفاوضات" حسب وسائل الإعلام، بعد حلها على ما زعموا كل قضايا التسوية النهائية بجرة قلمٍ (من القدس إلى اللاجئين إلى الحدود إلى الدولة الفلسطينية!)، فإنها تعبر، أكثر ما تعبر، عن أزمة الطرفين الموقعين عليها: السلطة الفلسطينية وحزب العمل "الإسرائيلي" الواقعين، كلٌ بطريقته، بين مطرقة شارون من جهة، وسندان الانتفاضة من جهة أخرى. وهي الأزمة التي دفعت بالطرفين إلى هلوسة الاعتقاد أنهما حلا كل قضايا التسوية النهائية هكذا بكل سذاجة. ولكنها أيضاً الأزمة المعبرة عن مأزق "السلام كخيار استراتيجي" الذي اندفعت فيه بعض الأنظمة العربية أكثر من غيرها.



وخلاصة القول أن كل الأطراف المعنية باتفاقية سويسرا هي أطراف تبحث عن دورها المفقود بعد أن تم تهميشها خلال السنوات الأخيرة بتحول الرأي العام الصهيوني بشكلٍ متزايدٍ إلى اليمين وتعمق قناعة الرأي العام العربي عامة والفلسطيني خاصةً باستحالة وقوع أي سلام "عادل ودائم" مع الطرف الأمريكي-الصهيوني.



وهكذا جاءت التطورات السياسية والميدانية على الأرض، من الجدار العازل إلى التصاعد غير المسبوق للإجرام الصهيوني إلى العمليات الاستشهادية، لتجعل من حزب العمل "الإسرائيلي" والسلطة الفلسطينية شاهدين متآكلين لمرحلة انقضت، بعد أن أسسا بجدٍ واجتهادٍ للمرحلة الجديدة التي تتجاوزهما خلال عقد التسعينات الرمادي.



فقد وصل كلاً من حزب العمل والسلطة الفلسطينية اليوم إلى مفترق طرق، فإما أن يخضع حزب العمل لمنطق الليكود بالكامل فيفقد بذلك هويته وتميزه كقوة سياسية مستقلة، وإما أن يستمر بالاحتضار انتخابياً كما هو الآن. وإما أن تنصاع السلطة بالكامل لرغبات الطرف الأمريكي-الصهيوني دون الاستمرار بمحاولة الإمساك بالعصا من النصف (بما يسقطها بالكامل أمام الشعب الفلسطيني)، وإما أن تنصاع السلطة لصف الانتفاضة، مما يسقطها بالكامل أمام الطرف الأمريكي-الصهيوني، فتفقد بالتالي دورها وهي التي تستقي كل مشروعيتها القانونية من اتفاقية أوسلو.



السلطة الفلسطينية إذن أمام استحقاقات يفرضها الطرف الأمريكي-الصهيوني ليس تفكيك منظمات المقاومة وبنيتها التحتية إلا جزءٌ منها، وحزب العمل أمام استحقاقات تهميش دوره التاريخي في الكيان الصهيوني. واتفاقية سويسرا، على هذه الخلفية، تشبه صراخ الطفل الذي يضرب أقدامه بالأرض ليقول: أنا هنا!



ولكن الحقيقة المرة هي أن الطرفين لن يستطيعا أن يقفزا، بشطحة فانتزيا سياسية، فوق الشروط الموضوعية وموازين القوى التي تفرضها القوى الفاعلة في المعادلة: الحد الأدنى من الطموحات الوطنية عند قوى الانتفاضة، وضرورة القضاء المبرم على الانتفاضة عند الطرف الأمريكي-الصهيوني. وبين هذين النقيضين غير القابلين للتوافق، تبرز اتفاقية سويسرا كنكوص طفولي إلى حضن الطروحات التي لعبت يوماً ما دوراً في تسويغ ما يسمى بعملية السلام وأطرافها، في تجاهلٍ مميتٍ للتطورات السياسية على الأرض التي أوصلت اللعبة إلى نقطة صار المطلوب عندها قطف ثمار "عملية السلام" أمريكياً وصهيونياً أو إسقاط أوهامها عربياً وفلسطينياً: فإما الخضوع الكامل من العرب، شعباً وحكومات، أو تبني خيار المقاومة والانتفاض دون تردد.



وفي أبعادها الأخرى، قد تعبر اتفاقية سويسرا عن الرغبة في دور أوروبي ما، أو عن حاجة الأنظمة العربية لإبقاء وهم السلام حياً عند الناس في الوقت الذي يضيق أمامها حيز المناورة. ولكن اتفاقية سويسرا، بالرغم من كل ذلك، تبقى على خلفية التطورات الإقليمية على الأرض أشبه بمهزلة: فمن جهة تضرب "إسرائيل" سوريا، وتهدد أمريكا إيران، وينفلت الطرف الأمريكي-الصهيوني من عقاله لينفذ تصوراته الإقليمية، ومن جهة أخرى تتصاعد المقاومة العراقية والفلسطينية والمعارضة العربية المتأججة تحت رماد القمع الرسمي. وفي آتون تطور التناقضات إلى هذا الحد، تصبح اتفاقية سويسرا محاولة تنفيس للاحتقان أو مادة للاستهلاك الإعلامي (على نمط معزوفة إحراج شارون ديبلوماسياً) أو مناسبة لتلميع بعض شخصيات التمويل الأجنبي أمام العدسات اللاصقة بالانتهازيين، ولكنها تظل مهزلة قبل كل شيء، حتى في هذه الأبعاد!

لطشه عاااااااااااابره ومن دوووون فلللللللللللتره