المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تجربتي في مخيم رفحاء ... احداث السلمان 3



salah
11 Nov 2003, 04:45 PM
سلام عليكم طبتم جميعا اخواتي واخواني

سآخذ بنصيحة اخي همّام والبعض من اخوتي الآخرين فأكتب الموضوع متسلسلا ومعزّزا بروابط المواضيع التي سبقته لتسهل مطالعته مجتمعا في مساحة واحدة

1

ظننت لبعض الوقت ان محنتي في الوصول الى رفحاء كانت شاقة جدا ولا يدانيها في مشقتها شيء آخر حتى سمعت من الناس ما جعلني استصغرها ولا اجرؤ على ذكرها
فمن الناس من فقد اعزّة على قلبه في المسيرة الشاقة , فبعضهم خرج مصابا والجراح تحفر جسده ولم يستطع ان يُكمل ما بدأه , والبعض الآخر خرج دون ان يكون له سابق علم بالصحراء وغياباتها ومفاوزها ومتاهاتها فضلّ طريقه حتى صار نهبا لضواريها ووحوشها
وهناك من تعرّض لأستغلال الأدلاء مع قلّة حيلته
وفي هذا المقام لا استثني من تمّ القاء القبض عليه من قبل السلطات العراقية قبل ان يبلغ غايته , وهؤلاء يقتلون في الحال وتترك جثثهم في العراء دون دفن
كان الأمر شبيها بالأخاديد التي تحفرها السيول في المنحدرات والشعاب قبل ان تتجمع في مكان واحد

كان السلمان هو المكان الذي اجتمعت فيه تلك الجموع بعد كل عذابات الوصول اليه

2

لم يكن مخيم السلمان قد اقفل بوجه الوافدين اليه , ولم يكن محميا بشكل جيد , لذا كان من الصعب التحقق من هوية وانتماءات القادمين , وهذا ماجعل البعض يتصرفون بشكل انفرادي ودون الرجوع الى مرجعية من القوات السعودية او القوات المشتركة التي لم تكن قد ابتعدت كثيرا عن المخيم
فأنشأ الشيخ حسين الشعلان الذي كان عضوا في المجلس الوطني العراقي في عهد صدام لجنة امنية هدفها التحقق من القادمين , وتعاون معه في هذا المجال مجموعة من ابناء قبيلته وبعض اليساريين العراقيين ,
وكانت هذه اللجنة تعمل بقسوة متناهية وتستخدم طرقا مفجعة في تعذيب ضحاياها بل وقتلهم اذا استدعى الأمر , كما كان يؤكد الناجون منها

وهكذا كان حالنا كمن استجار من الرمضاء بالنار

3

كان تمويل المعسكر من المواد الغذائية في البدء من مخازن القوات المسلحة السعودية , ولقد كان وفيرا ولم نعتد عليه مع سنوات التجويع التي فرضها النظام العراقي السابق ليجعل الناس تنشغل في الحصول على قوتها ولاتملك الوقت والطاقة للتفكير في امور اخرى

ولكن الماء كان شحيحا جدا ولا يفي بأقل القليل من حاجة الناس , ورغم العديد من الشكاوى الاّ ان الحال لم يتغيّر في البدء ,
وفي احد الأيام وبعد ان تأخر وصول الماء الى المعسكر ليومين كاملين وصلت مقطورة ماء كبيرة ( وانيت ) , فأندفعت جموع هائلة نحوها وهي تحمل اوان واكياسا وعلب صفيح فارغة , ولكن السائق خشي من الوقوف , فصار يبتعد عن الجموع مسافة طويلة ويترك صنابير الماء مفتوحة وبعد مدة من المطاردة اليائسة استطاع بعض اللاجئين من الأحاطة به من حيث لم يحتسب , وكان مكان توقفه يشرف على قاطعي كربلاء والبصرة , وفي لحظات مباغتة وسريعة اشهر الجنود المرافقون للوانيت اسلحتهم وبدأوا يطلقون النار فوق الجموع التي بدأت تتقاطر وتتكاثف عليه من اجل اخافتهم وتفريقهم ,
وكان بعض من اللاجئين في اوج غضبهم , واخذوا يتصارعون على الصنابير ويكملون احاطتهم للوانيت حتى لا يتمكن من الذهاب بعيدا عنهم , وكلما حاول السائف ان يفلت من الطوق البشري كلّما اشتدّ غضبهم , فأتخذ الجنود قرارا سريعا بتوجيه اسلحتهم هذه المرة الى الناس ذاتهم ’ فسقط بعض القتلى واعداد اخرى من الجرحى , فتفرّق الناس وانطلق الوانيت بعيدا

وفي ذات اليوم جرى تشييع كبير للقتلى وكاد ان يتحوّل الى صراع دام , فلقد اخذ الجنود وضعا قتاليا بأسلحة مشرعة امام زحف عشرات الألوف , لولا تدخّل بعض القادة الميدانيين ذوي الرتب الكبيرة من السعودية والقوات المشتركة وبعض شيوخ العشائر كالشيخ كاظم الريسان والشيخ الساعدي وشيخ جثير
ومنذ ذلك اليوم جرى تخصيص مقطورات اكثر للماء وبذلك انتهت هذه المحنة , رغم انها القت بظلالها الكثيرة والكثيفة في نفوس الناس وقتا طويلا

4

كان تقسيم المعسكر مناطقيا , اي انّ اهل بغداد اجتمعوا في بقعة تفصلهم عن الآخرين وكذلك الحال بأهالي المدن الأخرى , فأهل البصرة في قطاع وكربلاء في قطاع آخر ودواليك مع المحافظات والمدن والأقضية والنواحي والقصبات الأخرى
وكانت هذه في جوهرها محاولة لأعادة صياغة العراق في الذاكرة بعد ان انهار في الواقع

5

سكان المخيم كانوا يمثّلون العراق بشكل كبير , فهم من الشيعة والسنّة وهناك رجل آشوريّ مسيحي قضى سنوات في المخيّم يحمل حقيبة جلدية مليئة بكتب الفلاسفة الألمان الذين كان يعشقهم ورقعة شطرنج ليس في وسع احد ان يهزمه على مربعاتها او يحرّك احجارها كما يفعل , كما ان رجلين تركمانيين ماهرين بأعمال الزخرفة البغدادية والتركية كانا من ضمن الوافدين ,وعشرات العوائل من الأفغان الشيعة , وهؤلاء كانوا من طلبة الحوزة العلمية في النجف

6

لقد تحوّل الشارع في المخيّم الى شارع شيعيّ وتمّ احياء الكثير من الطقوس التي ما انزل الله بها من سلطان ثانية
بل ان هناك ممن لم يكن طيلة حياته ملتزما في امور دينه صار متشدّدا على نحو لايوصف , وليس بأمكان احد مجادلته في الصواب والخطأ من وراء كل مايفعل , وتحوّل هؤلاء الى اداة طيعة بيد البعض من ذوي النفوذ لأرهاب الناس وترويع امنهم , ولكن هذا لايمنع من ان البعض الآخر اتجه الى الله طائعا وخالصا مخلصا في نيته وعمله , وكأن المحنة اظهرت معادن النفوس والقلوب على حقيقتها

اخواني واخواتي هذه الأحداث جرت في مخيم السلمان داخل الحدود العراقية , وبعضها استمر لينتقل معنا الى رفحاء ,
في المرة القادمة سأتحدث عن الأحداث والأعمال وشتى الممارسات التي حدثت في مخيم رفحاء ووصول مكتب يمثل الأمم المتحدة وآخر لهيئة الأغاثة الأسلامية واستفحال ظواهر جمّة كالسحر وتربية الحمام الزاجل وبعض اللقى الأثرية القديمة

وارجو ممن يجد في نفسه القدرة على تصويب ما اقع فيه من سهو او خطأ ان لا يتردّد في ارشادي ابدا وجزاه الله خير الجزاء لقاء عمله

وبأمكان الأخوة الرجوع الى الأقسام السابقة من الموضوع على الروابط التالية

http://www.rafha.com/vb/showthread.php?postid=26468#post26468

http://www.rafha.com/vb/showthread.php?threadid=4788

اخوكم صلاح