تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الفرح بالعيد...مقال رائع لسلمان العودة



مرضي بن مشوح
18 Nov 2010, 02:45 AM
معظم الأدبيات المتعلقة بالعيد تنقلك من الإحساس بفرحته إلى استذكار آلام الحاضر، أو استدعاء آلام الماضي، أو استحضار مخاوف المستقبل، وكأنها تعمل للقارئ تحصيناً ضدّ الفرح.

وبات هذا من الأغراض التقليديّة لكتابة مقال أو قصة أو قصيدة حول العيد.

وماذا يضيرهم أن ينسى المرء همومه يوماً أو أياماً؛ فيحيا بنشوة الفرح، ويعبث كالطفل البريء، ليجدّد إحساسه بالحياة، وينشّط خلاياه وأنسجته، ويشعر بجزء من معنى وجوده؟

إن ميلاد الإنسان فرحة غامرة لأهله، ومنحة لا يوازيها شكر، ونعمة يعرف قدرها المحرومون منها.

وفي طفولته أفراح لا حصر لها... ثم في بلوغه، وشبابه، وزواجه، وتخرّجه، وتوظّفه، وإنجابه... وهكذا يسير دولاب الحياة.

والمرء يفرح بتفصيلات كثيرة تتعلق به، ولا أحد يلومه، فإذا جاء الفرح العام، والبهجة المشتركة، استدعى الناس الصياح والنّواح، وبدأ التلاوم على الفرح:

لماذا نفرح والأمة تعاني ما تعاني؟!

والذي أراه أن الفرح الصادق من أجود الأدوية لأمراض الأمة؛ لأن الإحساس المفرط بالأزمة لا يساعد على الحلّ، بل يزيد من تفاقمها، ولك أن تتخيّل طيارة تهوي في الفضاء، أو سفينة يعبث بها المواج، أو سيارة اختل توازنها؛ فاختلط حابل الركاب بنابلهم، وبدأ التدبير والتقدير، والعويل الطويل، وتعالت أصوات النسوة والصبية والعجائل، أهذا مما يسهم في دفع الأزمة الطارئة؟

أم تراه يزيد الأمر -كما تقول العرب-: ضِغْثاً على إبّالة؟

وقد سرت عدوى هذا التكدير إلى بعض الخطباء؛ فصارت خطبة العيد خاصة مسرداً للآلام، والمصائب والنكبات، وأحزاناً ودموعاً، وما بقي منها فحديث مستفيض عن المحاذير، وقطع للمعاذير!

والأليق بخطبة العيد أن يطول فيها الحديث عن الرحمة والرجاء والفرح والتسامح، فالناس عقب عبادة وطاعة ونسك، وكان السلف يستحبون ذكر الرجاء في أوقات العبادة، كما ذكره ابن عبد البر وغيره...

ويُذكر فيها ما يناسب المقام من الأمر والنهي بإيجاز.

أما أن تنقلب الآية، فيطول ما حقه أن يقصر، أو يقصر ما حقه أن يطول؛ فليس من الحكمة.

وثمة قوم يزهدون في العيد، ولا يرون فيه ما يستحق الفرح، وكأن الفرح عندهم مؤجّل. لكن إلى متى؟

إن كل الأشياء الكبيرة إذا اقتربت منها وجدتها أصغر مما تظنّ وتتصوّر، حتى النجاحات الخارقة لها حدود، ولها نهاية.

والذي لا يفرح بالصغير لن يفرح بالكبير.

فامنحْ نفسك فرصة الفرحة بالثوب الجديد، والطعام الطيّب، واللقاء الجامع، والمناسبة الكريمة، وشاهد الفرحة في نفوس الصبايا والأطفال؛ فاقتبس منهم وتعلّم كيف تفرح كما يفرحون، وتطرد طيور الهم أن تعشّش في رأسك، ولو حامت حوله.

اسعدْ معهم بلعبهم، وشاركهم براءتهم، واحذرْ أن تظن أن الطفولة مدرسة تخرّجت منها ولن تعود إليها.

لقد كان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يضاحك الأطفال ويمازحهم، ويحضنهم، ويشاركهم ألعابهم، ويسأل أبا عمير عن عصفوره: (ما فعل النُّغَير؟) كما في الصحيحين، ويركبهم معه على الراحلة، أو يقعدهم على فخذه، أو يقبّلهم والناس ينظرون، أو يحملهم في صلاته شفقة عليهم، وربما نزل من المنبر فحملهم على كتفه، أو أطال السجود انتظاراً لصبي تسلل إلى المسجد فرقى على ظهره، كما تعوّد أن يفعل في المنزل!

إن الفرح جزء من الطبيعة الإنسانية ما خُلق عبثاً، وهو يُحمد أو يُذّم أو يُسكت عنه بحسب متعلقه.

فالفرح بنعمة الله وفضله ورحمته وشريعته محمود، حتى جعله الله تعالى من شأن الشهداء: (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ)[آل عمران:170].

والفرح بالظلم والبغي والفساد مذموم: (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)[القصص:76].

وفي حياة الناس أفراح كثيرة لا يُلامون عليها، وإن لم تكن فاضلة، لكنها في دائرة المباح الواسع.

والنفوس المحرومة من الفرح نفوس كنود شقيّة مظلمة، برمت بالحياة، وسئمت تكاليفها، واستسلمت لمشاعر اليأس والكنود والألم؛ فحقها أن تُداوى بجرعات من الأمل الصادق، والرؤية الواقعية، والسعادة الفطرية، ولا شيء يحقق هذا كالإيمان بالله، واستشعار رحمته، والإحسان إلى عباده بالقول والفعل، ولو بإدخال السرور والبهجة على محروميهم ومحاويجهم.

وإن المجتمعات المحرومة من الفرح لهي بؤر للتوتّر والغلظة والجفاف، أو دوائر للعنف، أو محاضن للفشل.

فالفرح ليس سذاجة ولا غفلة ولا موت قلب، ولكنه إحساس إنساني رفيع، يمنح صاحبه تجدّداً وحيويّة واندفاعاً، ويقطع حالات الحزن والإحباط، وينفّس عن القلوب المكلومة والمحتدمة والقاسية!

لا تؤجّل فرحك للمستقبل!

افرح الآن بما تيسّر، وبدون تحفّظ أو تردّد، فرحاً محفوفاً باستشعار رحمة ربك، وعطائه وفضله وقربه!

افرحْ بالأشياء الصغيرة، والصغيرة جداً، والتي تخجل من ذكرها؛ لأنه لا يفرح بها -في ظنك- إلا الصغار، وعُدّ هذا تمهيداً وتدريباً على الفرحة بالإنجاز العظيم...

وليكن إنجازاً يتعلق بشخصك الكريم، وليس انتظاراً أو ترقّباً لمفاجأة غير متوقعة!

ولقد رأيت في تجارب الحياة أن بعض الشباب يحرمون أنفسهم من جزئيات الفرح والبهجة في حياتهم الزوجية، خجلاً أو جهلاً بسبب عدم الخبرة أو التدريب أو الاندماج بين الزوجين، فتصبح حياتهم جامدة، وعلاقتهم جافة، ويظل في داخل الإنسان إحساس بالكبت والحرمان.

ولو تدرّبوا على الجرأة بينهم، وتبادل الإحساس بالفرح، وتعاطيه باطمئنان، ومن غير قلق، أو امتعاض، أو إحساس بالذنب؛ لكان علاجاً وشفاء لمعانٍ مكبوتة.

قال لي أحدهم: منذ عشر سنين تخالجني كلمة، أريد أن أقولها لزوجتي فأتردّد وأحجم!!

هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رغم أن حياته كانت مليئة بالأحداث العظام، والمهمّات الجِسام والتي لو شاء لوظفها لحزن دائم لا ينفكّ عنه؛ إلا أنه كان أعدل الناس في فرحه وحزنه، فلا تحين فرصة مواتية يفرح فيها مع مَن حوله إلا انتهزها وفرح بها، حتى لو كان بين أكابر أصحابه وعلى سفر!

فعن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، وهي جارية، قالت: لم أحمل اللحم، ولم أبدن.

فقال لأصحابه:( تقدّموا ) فتقدّموا.

ثم قال: (تعاليْ أسابقْكِ).

فسابقته؛ فسبقته على رجلي.

فلما كان بَعدُ، -وفي رواية-: فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت، خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: (تقدّموا ) فتقدّموا، ثم قال: (تعاليْ أسابقْكِ).

ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله، وأنا على هذا الحال؟

فقال: (لتفعلِنّ).

فسابقته فسبقني فجعل يضحك، وقال: (هذه بتلك السبقة) رواه أبو داود والنسائي وأحمد وابن حبان وغيرهم، والقصة مجموع الروايات.

يا للعظمة والتواضع!

ولهذا جاء الحديث في القرآن والسنة عن الصلة الزوجية باستفاضة وتفصيل، وربطها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالله في ذكره، وفي ثوابه وأجره.

افرحْ بالتفاصيل كطفل، وتذكرْ أن الله شرع لك الفرحة بإنجاز صوم الشهر، بل بإنجاز صوم اليوم: "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ" رواه البخاري ومسلم.

ثم قرن هذا بالفرحة الكبرى بلقاء من عطش وجاع طاعة له وإخباتاً... (ويومئذ يفرح المؤمنون).

والحمد لله رب العالمين.

ريانه
18 Nov 2010, 04:06 AM
افرحْ بالتفاصيل كطفل،

كلام رائع
مؤخرا ً اصبحت أكثر إستمتاعا ً باللحظه ..
العمر قصير واللحظة التي تذهب لاتعود !!

لك الشكر اخي الكريم وكل من اسعدني وأفادني في هذا المنتدى الرائع

الهامووور
18 Nov 2010, 08:20 AM
مشكووووووووور


اخووووووووووووووي


مرضي

الحارس الذكي
18 Nov 2010, 06:08 PM
مشكووووووو وكلام منطقي

وكل عام وانت بخير

السحيمان
18 Nov 2010, 06:20 PM
مشكووووور سراحه متعووب عليه


وكل عام وانت بخير

ناصر السنّه
18 Nov 2010, 08:29 PM
مشكورعلى هالموضوع

تورش
19 Nov 2010, 01:01 PM
كلمات مضيئة على الدرب للداعيه سلمان العوده .


بالفعل ما ذكره الشيخ سلمان عن بعض الغيوم السوداء , التي تحل على البعض في أيام الفرح العظيمة ,


هي ملحوظه بشكل دارج مع الأسى على ذلك ,


ومن مختلف الأشكال ,

فترى الخطيب تارة يتحدث عن النار واهوالها في خطبة العيد ,

وأحيانا تجد البعض لا يهنئ له العيد , إلا عندما يذرف الدموع جزاافا


على أحباب تحت الثرى ,


والأخرون مشغولون بهمومهم الوهمية عندما سمحوا لها بتعكير صفو فرحهم بعيدهم .


أعتقد أن من أسباب ذلك هي قناعة بعض البشر , بإمكانية حرمان نفسه من الفرح ,

أو عدم جواز ذلك له جراء تفكيره ونظرته المخالفه للجاده .


علما بان ديننا هو دين السرور والفرح ,

ولا ننسى ذلك الحديث عن التوبه , الذي بين فرح الله جل جلاله ( فرحا يليق به سبحانه وتعالى ) بتوبة عبده ,


من الذنب .

وحديث تبسمك في وجه أخيك صدقه , وهو برهان واضح على السرور في هذا الدين العظيم .


سررت كثيرا عن تحدث الشيخ سلمان والقول بأن الإبتسامه

تكون جزء من علاج أعراض الأمه وهذه من المعجزات في هذا الدين الصافي .


شكرا لسلمان العوده على جمال وصفو فكره .


بارك الله فيك مرضي بن مشوح على حسن إختيار النقل ومناسبته للوقت .

كل عام وانت بخير .

بصمة مبدع
19 Nov 2010, 01:10 PM
مقال رائع كعادت الشيخ



مشكور أخوي مرضي

cgs | hero
19 Nov 2010, 01:19 PM
العيد


العيد أصبح في عصرنا الحالي مقتصر على ساعات الصباح الأولى أي أنه من بعد خطبة العيد الى وقت أذان الظهر


وبعد هذا الوقت .... لا عيد

وضف على ذالك أن أكثر الناس في وقتنا الحالي يعتبرون يوم العيد يوم عادي كباقي الأيام

ولا يضيفون له أي لمسه .....

وحجتهم على ذالك

زمان أول تحول

أو

العيد عيد الأولين مو عيدنا

وينسون ماقاله الشاعر

نعيب زماننا والعيب فينا ..... وما لزمننا عيباً سوانا

شكرا لك أخي

شكرا للشيخ سلمان

وكل عام وأنتم بخير

القنديل
19 Nov 2010, 02:31 PM
كعادة الشيخ سلمان


مقال رائع


شكراً لروعة الاختيار

مرضي بن مشوح
20 Nov 2010, 01:30 AM
ريانة، الكابتن، الحارس الذكي،ناصر السنة،بصمة مبدع، عبدالرحمن، القنديل، تورش،السحيمان..

يعطيكم العافية، نورتوا الموضوع، الله يسعدكم، ويجعل أيامك أعيادا.

شمـــاليه
20 Nov 2010, 01:54 AM
اللهم صلي وسلم على رسول الله
مقال رائع لشيخ يعطيه العافيه..

سهرانه
22 Nov 2010, 01:51 AM
سلمت يداك اخوي مرضي بن مشوح
وجزاك الله خير نقل موفق

مرضي بن مشوح
24 Nov 2010, 01:08 AM
شمالية، سهرانة

سعدت بتعليقكما، وفقكما الله لكل خير.

همّام
24 Nov 2010, 01:25 AM
شكرا لك أخي العزيز مرضي

فعلا من لا يحسن العمل في الفرح
كيف يمكنه العمل في الشده