المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الديمقراطية قادرة علىقمع التطرف



طلال الشمال
16 Nov 2003, 02:03 PM
ليس انبهاراً بالنموذج الغربي، أو طلباً لنسخ تجارب الآخرين كما هي على حالها، بل تصوراً متواضعاً لاسباب حالة الجنوح، نحو التطرف السياسي والعقدي، الذي تشهده المجتمعات العربية والإسلامية دون غيرها،


من المجتمعات على وجه الخليقة هذه الأيام، والوسائل التي قد تحد من هذا التطرف، الذي يقف حائلاً في أغلب الأحيان، بوجه تطور مؤسسات المجتمع على اختلافها سلطوية كانت أو مدنية. بل أكثر من ذلك أنه - التطرف - أصبح في بعض الدول والمجتمعات، مرضاً مستشرياً، يكاد يفعل فعله كالنار في الهشيم، إن لم يكن أكثر من ذلك بكثير لحظة اشتعال فتيله، والأمثلة المحزنة في هذا المجال تارة، والمفجعة تارة أخرى باتت أكثر من أن توصف، وإن يكن لكل حالة على حدة ظروفها وتفسيراتها ومبرراتها الخاصة، أو إذا شئت تعبيراتها المختلفة عن الأخرى، بصرف النظر عن موقفنا منها وتفسيرنا لأسبابها والدوافع أو المرامي الكامنة خلفها. لكن قبل الولوج في تفاصيل القضية الشائكة، بل والمضنية، لا بد من التطرق ولو بشيء من الإيجاز في الدوافع والمسببات، التي تتلخص بالتالي:


أولا: جرت العادة في مجتمعاتنا على المستوى السلطوي بالعمل على تغييب الكثير من الشرائح والفئات الاجتماعية الفاعلة قسراً، بهدف كفها عن دورها من قبل القوى المسيطرة باستخدام كافة الأساليب والطرق ظناً منها ـ أنها بانتهاج مثل هذه الأساليب ستؤمن لنفسها الغلبة، والتي بدورها سترسي حالة من الأمن والاستقرار الاجتماعي،بغض النظر عن الآلام التي ستخلفها، من انعكاسات سلبية ارتكاسية، على حياة الجماعات والأفراد على حد سواء، والتي بدورها، ستؤسس بكل تأكيد، إلى تشكيل تكتلات ضامرة في ظاهرها، متحركة في باطنها ؛تنتظر الظروف والعوامل التي قد تساعدها للتحرك، بهدف التعبير عن وجودها السياسي - الاجتماعي، بجملة من السلوكيات والتعبيرات التي قد تصل أحياناً ببعضها إلى التفكير بالاحتراب، بمعزل عن النتائج المدمرة التي قد تطال، حياة المجتمع ومكوناته وعن الضحايا التي لا تملك إرادة في فتح الصراع أو إنهائه، أو حتى ترشيده.


ثانياً: استئثار بعض الفئات بمعظم روافد الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذه الفئات تزيد في الإساءة وكيل الاتهامات للنظام الحاكم، بل وتزيد من أزماته التي غالباً ما تصل حد الإرباك، لدرجة يصل فيها الأمر بعلم أو بغير علم، إلى دفع الكثير من القوى المتحركة داخل الكتلة الصامتة إلى الخروج عنها أولاً والشروع في اتخاذ مواقف متطرفة، ذات اليمين وذات اليسار ثانياً.


لكن بعيداً عن التوصيفات، للأمراض الاجتماعية التي يعيشها المجتمع العربي والإسلامي، لا بد من الاعتراف أن غياب القوانين الناظمة لحركية المجتمع بشكل عام بغض النظر عن نوعية الحكم السياسي، أو قصورها في بعض الحالات للإجابة عن هذه المشكلة الطارئة أو تلك، قد خلفت الكثير من الصعوبات والمعضلات، وخلقت الكثير من التكتلات الخطيرة على وحدة وتماسك المجتمعات، والتي بدورها فتحت حيزاً لنمو الحركات المتطرفة التي تعاني منها بعض الدول العربية والإسلامية، وبعض دول العالم الثالث بمعزل عن إسلامية تلك الدول أو عدمها، وهي أيضاً أكثر من أن تحصى بداية بآسيا مروراً بإفريقيا وانتهاء بأمريكا اللاتينية.


بات مطلوباً وضع قوانين تعاقدية، بين السلطة والشعب، وبين المؤسسة وكوادرها، وبين الفئات الاجتماعية العلوية والسفلية حسب مفهوم علم الاجتماع بما في ذلك المفهوم التربوي الذي يأخذ بعين الاعتبار الأفراد والجماعات، حكاماً كانوا أم محكومين. أي أننا أصبحنا بحاجة للتفكير جدياً في ظل التغيرات العالمية الكبرى، لانتهاج أساليب مختلفة عن ذي قبل، بمعزل عن اعترافنا بهذه التغيرات أو عدمه، لان الحقائق الكونية لا تقف عند حدود اعترافنا وحسب، بل هي تتعدى ذلك الاعتراف، لتفرض شروطها وإتاواتها علينا، إن شئنا ذلك أم لم نشأ. قد يفهم بعضهم أن هذه الوصفات المعلبة أو الجاهزة، موجهة للنظم السياسية باعتبارها سر المشكلة، واقع الأمر غير ذلك، لانه بات مطلوباً توجيه جل هذه القضايا للشارع العريض الذي أصبح معرضا لتعبئة مشوهة تتجاوز حالة التصالح الاجتماعي، من قبل بعض الاتجاهات والتيارات الحزبية.


وهنا لا بد من التأكيد أو الإيضاح أيضاً،أن ما يطرح هذه الأيام، من شعارات زائفة، والتي تقف عند حدود الديمقراطية السياسية فحسب، مجرد تضليل للجمهور أو للكتلة الصامتة، فالديمقراطية شرطها توفر العامل الاجتماعي، الذي يؤمن لقمة الخبز وينهض بالأعباء الحياتية اليومية، وهذا العامل لا يتوفر إلا بالمؤسسة والمؤسسة وحدها باعتبارها الأضمن، بل والأكثر قدرة على توفير الاحتياجات الداخلية والخارجية نظراً لسوية انضباطيتها على أقل تقدير. ناهيك على أنها توفر شرط الاستقرار، الذي يعتبر الركيزة الاساسية لتوفير أسس العيش الكريم، بداية من التربية والتعليم، مروراً بوحدة المجتمع وانتهاء بمواكبة التطور المذهل على المستوى الكوني.