المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخاطبة الإلكترونية .. !



خطاب
13 Aug 2002, 10:49 AM
الخاطبة الإلكترونية .. !



كلما اشتدت وطأة التكنولوجيا في اقتصادنا ومجتمعنا ، نجد أن السمة الوحيدة الثابتة في حياتنا هي التغير ؛ فهل حقًّا أصبحت الإنترنت جزءاً جوهرياً من حياتنا حتى أصبحنا نشهد ذلك السيل من المصطلحات والمفاهيم التي يجتمع فيها التقني والإنساني ، من مثل أرامل الإنترنت، وأطفال الإنترنت، وزواج الإنترنت ... ؟
وهل سيزداد تأثيرها في العلاقات الأسرية أبعد من إقامة بعض المستخدمين علاقات غرامية غير شرعية من خلال الإنترنت ، الأمر الذي أثر في العلاقة الزوجية ؛ ما أدى إلى نشوء مصطلح " أرامل الإنترنت " Cyber widows ؛ حيث يعترف 53 % من مدمني الإنترنت بأن لديهم مثل تلك المشاكل، وذلك طبقاً للدراسة التي نشرتها كيمبرلي يونج أستاذة علم النفس بجامعة بيتسبرج في برادفورد بأمريكا ، في مؤتمر مؤسسات علماء النفس الأمريكيين المنعقد في عام 1997م.
أحدثت الإنترنت مشاكل اجتماعية كفقدان بعض العاملين أعمالهم نتيجة ظهور نظم (الإنسان الآلي ، تلقائية المكتب ، النقود الإلكترونية ، المعلومات المنزلية ، الذكاء الصناعي …) أضف إلى ذلك ما أحدثته الإنترنت من آثار سلبية على العمل والصحة والمسؤوليات الاجتماعية ، بل إنها أثرت في تصورات الناس عن الذات البشرية فنشأ "الحب الإلكتروني " و " الجنس الإلكتروني " و " الزواج الإلكتروني " .. !
وإعلانات الزواج عبر الإنترنت ربما سمحت لنا بأن نطلق اسمًا جديداً على الإنترنت هو "الخاطبة الإلكترونية" حيث أضحت الإنترنت توجِد فرصًا كثيرة للتواصل والتعارف بكل أنواعه الجدي منه واللاهي ؛ ما يشكل نمطًا حداثيًّا جديداً من أنماط الحياة الاجتماعية المعاصرة يمكن من خلاله كسر ما تبقّى من تلك القيود التي يفرضها المجتمع والأسرة بخصوص العلاقات بين الجنسين .. وربما يشكل هذا خطوة نحو تحجيم دور الأنماط التقليدية في بناء الأسرة في حالة الزواج ، وهذا يعني نقلة نوعية نحو المجتمع "المفتوح" في إطار "العولمة" التي بدأت تخترق حياتنا الاجتماعية لتعيد صياغتها .
وفي الزواج التقليدي كانت تدور تلك المراحل في سياج "الأسرة"، وتخضع لسلطة الأهل ورقابتهم، ومن ثم لا بد أن تتوفر في الأمر الجدية التامة؛ ما يوفر ضمانات كثيرة للطرفين ، أما في الإنترنت فثمة ثغرات لا يمكن تجاوزها؛ فالخطبة عبر الإنترنت متحررة من أدنى درجات الرقابة، وذلك لطبيعة التواصل "الخفي" بين الطرفين بحيث يختزل بكلمات عبر وسيلة إلكترونية ، قد تؤدي إلى التعلق بالخيالات والأوهام؛ ما يُحدث آثاراً نفسية، وإن تم التوافق فإن تبادل الصور يشكل مشكلة من حيث إمكانية تزوير الاسم والصورة معًا، ولو تجاوزنا "التجاوزات الشرعية" التي تتم في ذلك كله فإنه ليس ثمة معيار منضبط لتبيُّن الصدق من الكذب، فالإحساس والكلمات قد تكون خدّاعة .
لكن ثمة سؤال جدير بالتأمل وهو ما الذي يدفع بالمرء إلى أن يلجأ إلى الإنترنت باحثاً عن زوجة وغير ذلك ؟ ما الذي يحمله على دخول الفضاء الإلكتروني بتطلعاته الإنسانية والنفسية ؟
ربما يكون للتنميط الاستهلاكي الذي كرسته الرأسمالية أثر كبير في التحولات الثقافية والاجتماعية ، وخاصة في مجال العلاقات الناظمة للمجتمع ؛ ففي ظل النظام الرأسمالي تم تَشْييء الإنسان ، ما قلّص من الشحنة التراحمية التي كانت تتمتع بها المجتمعات التقليدية ، حتى تحول إلى ما يشبه " الآلة " التي لا تفارق النسقية الخاوية من الأبعاد الروحية ، الأمر الذي يؤكده شكل العلاقات الأسرية النووية وتهميش الممتدة منها. وفي هذا الوضع يصبح اللجوء إلى الإنترنت وسيلة للبحث عن ذلك المفقود في العلاقات الإنسانية ، ولا بد من أن نلحظ أن الإنترنت جهدت على الدوام في طرح بدائل ورغبات (دردشة - علاقات - إباحية - سيل من المعلومات عن تجارب متنوعة …) ألم يكن ذلك تلبية لحاجة قائمة ؟
لكن هذا لا يبدو العامل الأوحد في هذا السياق ، ففي المجتمعات المغلقة يحرص المبحر في عالم الرغبات على إخفاء هويته وتقمص تلك الشخصية التي يطمح أن يكونها ، أو على الأقل إظهار ذلك الجانب الخفي من شخصيته الذي يصر في العلن على كبته وإخفائه ، فجاءت الإنترنت لتخلق فضاءاً يلائم تلك الرغبات مجتمعة مع المحافظة على الأسرار ، فيغدو الاسم المستعار ترميزًا لعدم المسؤولية عما يصدر عن تلك الذات المتخفية ..
لكن هل نصحو من هذه الغفوة لنجد أن سهولة الاتصال وعولمته لم تفلح في تقريب الناس من بعضها ؛ فالواضح أنه كلما زادت سهولة الاتصال وأدواته تضاءلت العلاقات الإنسانية المباشرة ، وانعكس ذلك على فقر عام في المشاعر ، ولم تقدم التقنية إلا نسيجًا من العلاقات وهميًّا أكثر منه حقيقيًا .


منقول