" الاعتكاف "
1 ـ تعريفه : ـ لغة : ـ اللبث والحبس والملازمة كقوله تعالى : {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}الأنبياء52 ، وقال تعالى {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } الأعراف138، وقال تعالى َانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً }طه97 ،
شرعاً : ـ المقام في المسجد على سبيل القربة من شخص مخصوص بصفة مخصوصة .
2ـ حكمه : ـ الاستحباب إلا إذا نذره الإنسان فإنه يجب عليه .
3 ـ أدلة مشروعيته : ـ قول تعالى " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " وما رواه الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ـكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده "
4 ـ أركان الاعتكاف : ـ
أ ـ اللبث في المسجد الذي تقام فيه جماعة إلا إن كان المعتكف امرأة أو معذوراً بترك الجماعة ففي كل مسجد يصح الاعتكاف .
ب ـ النية وهى شرط في العبادات كلها . ج ـ المعتكف د ـ المعتكف فيه .
شروط المعتكف : ـ
أ ـ الإسلام فلا يصح من كافر ب ـ العقل فلا يصح من مجنون .
ج ـ النقاء من الجنابة والحيض والنفاس .
مكان الاعتكاف : ـ لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد واختلف في تعيين المسجد على ستة أقوال : ـ أصحها : ـ أنه كل مسجد تقام فيه جماعه والله أعلم .
5 ـ وقت الاعتكاف : ـ
يصح الاعتكاف في أي وقت من أوقات السنة ، لعدم تخصيص الشارع لذلك وأفضل وقت للاعتكاف في رمضان وأفضله اعتكاف العشر الأواخر …..
وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف العشر الأول من رمضان وكذا العشر الأوسط وكذا العشر الأواخر وكذا العشر الأول من شوال ، حيث اعتكف صلى الله عليه وسلم العشر الأول من رمضان واعتكف العشر الوسطى من رمضان واعتكف العشر الأواخر من رمضان وترك الاعتكاف مرة في العشر الأواخر واعتكف العشر الأول من شوال .
مسألة : ـ متى يدخل المعتكف ومتى يخرج من معتكفه ؟
في هذه المسألة أقوال لأهل العلم الراجح منها أنه يدخل إلى معتكفه قبل غروب الشمس فمن أراد اعتكاف العشر الأواخر دخل المسجد قبل غروب الشمس من يوم عشرين ويخرج منه بعد غروب الشمس . من آخر يوم من رمضان ،
6 ـ ما يفعله المعتكف وما يبطل الاعتكاف : ـ
يشتغل المعتكف بقراءة القرآن وذكر الله تعالى من تسبيح وتهليل وتكبير ونوافل وغيرها من العبادات ، واختلف أهل العلم في قراءة الحديث والفقه هل يشرعان للمعتكف فاستحبها الشافعي وأبو حنفية ولم يستحبها أحمد ومالك ،
والمتأمل لاعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه حبس نفسه على الطاعة ، وترك تعليم الصحابة ولم يجلس لتعليمهم فلو قيل إن اشتغل المعتكف بقراءة القرآن والأذكار والنوافل ، وطلب العلم فطلب العلم عبادة ولم يجلس المعتكف للتدريس والفتيا لكان هذا القول حسناً .
مسائل : ـ
1 ـ قال إسحاق / لا يعود المريض في الاعتكاف الواجب وله أن يشترط عند ابتدائه في التطوع في عيادة المريض ،
2 ـ قال ابن حجر / لو خرج فتوضأ خارج المسجد لم يبطل ويلتحق بهما أي الأكل والشراب و القيء والفصد لمن احتاج إليه .
3 ـ من الحاجات الضرورية التي تدعو المعتكف لخروجه من معتكفه الطعام والشراب إذا لم يكن هناك من يأتيه به والاغتسال إذا لم يكن للمسجد مكان يمكن أن يغتسل فيه .
4 ـ يخرج المعتكف إذا تعينت عليه صلاة الجنازة عليه وكذلك التغسيل .
5 ـ في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت إلا لحاجة " زاد مسلم " إلا لحاجة الإنسان " وفسرها الزهري بالبول والغائط .
6 ـ الخروج إلى الجمعة إذا كان المعتكَف لا تقام فيه جمعة : ـ يجب على المعتكف الخروج إليها وعليه ينبغي التبكير للجمعة ، وهل يبنى أم يستأنف ؟ قولان لأهل العلم الصحيح أنه يبنى ويكمل اعتكافه .
7 ـ يجوز للمعتكف الخروج لقضاء الحاجة وجلب طعامه وشرابه إذا لم يجد من يحمله إليه ويجوز الخروج للغسل إذا لم يكن في المسجد مكان له .
8 ـ يجوز للمعتكف تسريح الشعر وتمشيطه وهو لا ينافي الاعتكاف لفعله صلى الله عليه وسلم .
9 ـ يجوز للمعتكف أن يتخذ خباء أو نحوه في مؤخرة المسجد ليعتكف فيها .
10 ـ يجوز للمعتكف ما فيه تنظيف للبدن كتقليم الأظافر وحلق الشعر وما في معناها مع مراعاة نظافة المسجد .
11 ـ رخص جمهور أهل العلم للمعتكف في البيع والشراء لما لابد منه كالأكل والشرب إلا أنهم اتفقوا على أنه لا يشتغل بالتجارة ولا بالحرفة للاكتساب لأن ذلك ينافي الاعتكاف .
12 ـ قال الحافظ ابن حجر / " جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والقيام معه والحديث مع غيره وإباحة خلو المعتكف بالزوجة وزيارة المرأة للمعتكف "
13 ـ الردة تبطل الاعتكاف ولو كان مزاحاً قال تعالى " لئن اشركت ليحبطن عملك "
14 ـ الخروج من المسجد لغير عذر مبيح لذلك يبطل الاعتكاف .
15 ـ الإحداد يوجب على المرأة الخروج إلى بيت زوجها وتحاد فيه .
16 ـ الحيض يبطل الاعتكاف وكذا النفاس دون الاستحاضة .
17 ـ الجماع يبطل الاعتكاف لقوله تعالى " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " .
18 ـ أما عموم المس لغير شهوة فلا بأس به ولا يبطل الاعتكاف لأن عائشة رضي الله عنها كانت ترجل شعر النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف .
19 ـ إذا باشر المعتكف فيما دون الفرج فيها أقوال : ـ
1 ـ أن المباشرة مبطلة للاعتكاف ولو لم ينزل وهذا رأى مالك وقول للشافعية .
2 ـ أن المباشرة تبطل الاعتكاف إن أنزل وإلا فلا وهذا رأي أبي حنيفة وأحمد واختار هذا صاحب المغني عليه رحمة الله وهذا هو الرأي الراجح ،
3ـ أن المباشرة لا تبطل الاعتكاف مطلقاً واختاره ابن المنذر .
20 ـ المرأة المعتكفة كالرجل بالنسبة للجماع ـ فإن كانت عالمة ذاكرة مختارة بطل اعتكافها وإلا فلا .
21 ـ يشترط في المباشر وهو معتكف لإبطال اعتكافه : ـ العلم والذكر و الاختيار ، فلو كان جاهلاً فاعتكافه صحيح وكذا ناسياً أو مكرها .
22 ـ يجوز للمعتكف أن يتزوج ويزوج لعدم الدليل المانع من ذلك .
7 ـ هل يشترط للاعتكاف صوم : ـ
قولان لأهل العلم الراجح منهما أن الصوم ليس بشرط في الاعتكاف ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العشر الأول من شوال ولم يثبت أنه صامها وهي مشتملة على يوم العيد وصومه حرام ، وروى الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً " ليس على المعتكف صوم إلا أن يجعله على نفسه " إسناده لا بأس به
8 ـ أقل مدة للاعتكاف : ـ
لم يرد تحديد الاعتكاف بمدة محددة ولكن شيخ الإسلام يرى أن مدة الاعتكاف لابد أن تكون طويلة ، وذهب النووي إلى أن المسلم لو أراد الصلاة سن له أن ينوى الاعتكاف وفي قوله نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الانتظار رباطاً ولم يسمه اعتكافاً ، وقد صح عن عمر رضي الله عنه أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة وفي رواية يوماً فلعله يستأنس به فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أوف بنذرك " .
9 ـ قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد : ـ
لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى متوقفاً على جمعيته على الله ولم شعثه بالإقبال بالكلية على الله تعالى فإن شعث القلب لا يلمه إلا الإقبال على الله تعالى . شرع الله الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى وجمعيته عليه والخلوة به والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه بحيث يصيره ذكره وحبه والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته فيستولي عليه بدلها ويصير الهم كله به والخطرات كلها بذكره والتفكير في تحصيل مراضيه وما يقرب منه فيصير أنسه بالله بدلاً عن أنسه بالخلق فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له ولا ما يفرح به سواه فهذا هو مقصود الاعتكاف الأعظم .
والله أعلم.