تجربتي في مخيّم رفحاء للاجئين 1
تجربتي في مخيم رفحاء
1
السلام عليكم جميعا اخواتي واخواني في المنتدى
اكتب هذا الموضوع على عجل في محاولة للقبض على ذاكرتي بعد سنوات طويلة على خروجي من المخيّم , لذا استميحكم العذر ان سهوت في امر ما راجيا منكم تنبيهي عليه بالتي هي احسن
في هذه الأيام تشهد رفحاء مغادرة آخر افواج العراقيين الذين توافدوا عليها غداة الأنتفاضة الشعبية في شهر آذار ( شعبان )1991
ولعلّ بعضكم لا يعرف الأنتفاضة والظروف التي قادت اليها , لذا سأتحدث عن ذلك بأقتضاب
شديد ..
بدت الأنتفاضة كأمر محتوم بعد انكسار الجيش العراقي وتبدّده وسلوكه مايُعرف اليوم بطريق الموت الذي شهد عملية ابادة عشرات الألوف من افراده حتى وصولهم الى مدينة البصرة , في هذه اللحظة نشأت قطيعة كاملة بين الجيش المقهور واغلب منتسبيه من بسطاء الناس وبين قيادته التي تحصّنت في بغداد ومحيطها مع الخلاصة النوعية للجيش العراقي وهي قوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص وهذه القوات نجت من عملية الأبادة
لم يتردّد احد الجنود المنكسرين بأطلاق النار على وثن كبير لصدام حسين عند مدخل مدينة البصرة , وبفعلته هذه استطاع هذا الجندي البسيط ان يهشّم تاريخا طويلا من الخوف والقهر والذل والهوان في نفوس الناس وقلوبهم , فبادرت ثلّة اخرى بأطلاق النار على اصنام وجداريات كبيرة في ارجاء المدينة حتى تحوّل الأمر من فعل فردي قام به رجل بسيط الى فعل جماعي اشترك في صنعه الجنود العائدون من طريق الموت والناس من سكنة البصرة , وبعد يومين امتدّت تأثيراتها لتشمل المدن المجاورة في الجنوب والوسط العراقي كالناصرية التي بناها ناصر السعدون من قبيلة المنتفق ذات الأصول الجزيرية العريقة ومدينة السماوة التي عُرفت تاريخيا بباديتها اللتي تربط باديتي نجد والشام ويقع سقفها الغربي بصحراء النفود ومدينة واسط التي انشأها الحجاج لتتوسط المصرين الأسلاميين الكبيرين الكوفة والبصرة ومدينة ميسان التي شهدت قيام دولة عربية سبقت الأسلام في ظهورها وكانت لها علاقات وثيقة مع الدويلات العربية الشالية وهي دولة ( مي سيني ) التي يعني اسمها ماء القمر , وامتدت الأنتفاضة لتشمل القادسية التي جرت عندها المعركة الشهيرة والتي قادها سعد بن ابي وقاص على ايام الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتشتهر هذه المدينة التي كان بعضها يتبع الحيرة بأبار العذيب التاريخية , ومدينة النجف والتي سميت بهذا الأسم لأرتفاعها واشرافها على منخفض شهير يسمى بحر النجف والذي اشتهر بكثرة الأديرة ومدينة بابل العريقة والتي تُسمى ايضا ( الحلّة ) لحلول يزيد بن مزيد فيها ومدينة كربلاء التي عُرفت تاريخيا بواقعة الطف التي راح ضحيتها الحسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهما وكذلك شملت الأنتفاضة بعضا من مدينتي بغداد وديالى بالأضافة الى جميع مدن الشمال العراقي ذات الغالبية الكردية والتركمانية والآشورية والكلدانية والأرمنية وذات الأقلية العربية
لقد سقطت اربع عشرة مدينة بشكل كامل بيد الثوار ولم تبق سوى بغداد والرمادي وصلاح الدين وديالى والتي اُطلق عليها لاحقا من قبل وثن العراق المقبور صدام حسين بالمدن البيضاء تمييزا لها عن المدن التي ثارت عليه
ما حدث هو ان الأتفاقات التي عقدت في خيمة صفوان بين قوات التحالف والقادة العراقيين اباحت استخدام الطائرات المروحية في قمع المنتفضين .. اي ان امريكا ساهمت بأجهاض الأنتفاضة وقتلها في مهدها لأسباب متعددة , لعلّ اهمها ان الأنتفاضة لم تكن سوى ردّ فعل مرتجل وغير مدروس وقد تكون ثماره ذات وقع كارثي على العراق ودول المنطقة وذلك بالتخوف من المدّ الشيعي الأيراني المتشدّد الذي قد لاتّتاح له فرصة اخرى واكثر جاذبية من هذه في العبث بالمنطقة ومصائرها وزحف نفوذه اليها وتصدير ثورته
والحق ان هذا الأمر فيه من الأنصاف وبعد النظر شيئا ليس قليلا , ولكنه في الآن ذاته تأسس على حساب قتل وابادة ما يقرب من ثلاثمائة الف عراقي لم يكونوا يحسبوا هذه الحسابات الدقيقة لأن الأنتفاضة كانت فعلا عفويا خالصا وليس سياسيا مهيئا له من قبل
عندها دفع صدام حسين بصفوة جيوشه التي نجت من عمليات الأبادة لقمع المدن الثائرة ودكّها على رؤوس ابنائها , فكان لهم ذلك
ونجا من الناس من استطاع الهرب الى الخارج , فهرب الى ايران ما يزيد على المليون انسان والى تركيا وسوريا والأردن اعداد اخرى , والى السعودية ما ينيف على الستين الف في معسكرين احدهما في مدينة الأرطاوية واشتمل على الجنود ممن اسروا في الحرب ورفضوا العودة الى العراق والآخر في مدينة رفحاء واشتمل على المدنيين في باديء الأمر حتى تمّ الغاء معسكرات الأرطاوية وضمّها الى رفحاء في عام 1992
كيف وصل الناس الى رفحاء ؟ وكم هي عدد المعسكرات واماكنها التي سبقت اقامة مخيم رفحاء وماهو موقف القوات السعودية وما بقي من قوات التحالف ازاء اللاجئين العراقيين ؟
هذا ما سأتناوله في القسم الثاني من الموضوع
خالص مودّتي لكم جميعا
اخوكم صلاح
