سبحان الله ... هل هذا التزام واستقامة ؟!!
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) .
إن مما يحزن له القلب ، ويأسى منه الفؤاد ، أن أناسا ممن عرفوا يوما ما بالتدين والخلق والعلم ، وممن كانوا يقطعون أياما ماضية بالعلم والعبادة وحسن التعامل مع الناس وإنكار المنكرات ؛ قد صاروا إلى حال الله يعلم بها ، من تكاسل عن الصلوات وترك لمجالس الذكر والعلم ، وفحش في القول مع هبوط للهمة ، فهل هم ممن فسروا الآية الماضية كتفسير الصوفية المغالين : ( اليقين : درجة تسقط فيها التكاليف عن الإنسان مع بلوغه درجة الإمامة ) الإجابة هي بكل تأكيد : لا . لكن هذا الهبوط يلاحظ غالبا عند تحول الإنسان من مرحلة المراهقة إلى المرحلة التي بعدها والتي يكون فيها المرء أكثر نضجا وتعقلا ( 1 ) ، والذي كان من المفترض أن يكون هذا النضج نقطة تحول الإنسان المستقيم إلى الأفضل ، لكن الملاحظ أن هذه المرحلة أصبحت - مع الأسف - مرحلة تنقية وتصفية ، وخطورتها تكاد تكون أقوى من مرحلة المراهقة ، إذ أنه يبين فيها معدن الإنسان ومقدار قربه من الله - سبحانه وتعالى - عبادة وعلما وأخلاقا.... ونحوها قلبا وقالبا ، وهي مرحلة يستسلم فيها الشاب - غالبا - أمام واقع لايعرفه إلا هو ، وهذا الواقع فيه أمور لاتسر : من ذنوب الخلوات ، و متعة محرمة ، و هواية لاترقى إلى همته ... ونحوها . يصاحب هذا الإستسلام تبديل واضح للهوية والشخصية ظاهرا وباطنا ، فالظاهر : كالملبس بشكل عام لبس العقال تطويل الثوب إلى درجة قريبة من الإسبال ( 2 ) والباطن : فهذا أمر بين العبد وربنا - سبحانه وتعالى - ، ويصاحب هذا الذي ذكرت :
1- كسل في العبادة وفتور عما يصاحبها ، مثل : تجديد الطهارة ، الخشوع والخضوع ، استحضار مراقبة الله عز وجل ... ونحوها .
2- ملل من شخصية الإلتزام التي هو فيها : وهذا في الحقيقة عبارة عن ملل من ادعائه الإلتزام ؛ لأن شخصية الملتزم التي يتقمصها عبارة عن ( التزام أجوف ) ليس بالإلتزام الحقيقي الذي يجلب السعادة بكل ماتحمله من معنى للإنسان .
3- هم وغم : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ) .
في الأخير ينتج عن هذا التحول أمرين :
1- الإنتكاس بشكل عام .
2- الإنتكاس إلى حافة الإلتزام الأجوف ، بحيث تتنزل على أصحاب هذا الإلتزام المزعوم أفكار منطقية دنيئة أو
ما يسمى بـ( الإنفتاح ) أو .... سموه ماشئتم ، فهي في الأخير خطوات شيطانية وبلادة تصاحب هذا الإلتزام تجعل صاحبه لاينكر المنكر ولايأمر بالمعروف ، وكمثال تجده عندما يأتي صاحبه ويقول أمامه : أنا رأيت قناة العربية ، أنا شاهدت قناة الجزيرة ، أنا تابعت فيلما وثائقيا ، أنا شاهدت مقاطع من مسلسل أو فيلم...ونحوها من مجاهرة بالمعصية عيانا بيانا ، ومع ذلك تجد صاحبنا لايحرك ذلك منه ولاشعرة ؛ بل ربما يشاركه ويثني على ماتابع ويطلب منه التفاصيل ، فتأخذهم سكرة ( التثقف !! ) و ( المنطق !! ) و ( الحوار !! ) ... إلخ .
وتجد أرباب هذا الإلتزام يسخرون من أمور ، يظنون في قرارة أنفسهم أنهم كبروا عليها مثل : مجالس الذكر ، توزيع الأشرطة ... ونحو ذلك ، فإن جلسوا مجلسا وأراد أحد الأخوة أن يحول المجلس إلى مجلس ذكر أظهر أصحاب هذا الإلتزام التململ من ذلك وربما وصلوا لدرجة الضحك والإستهزاء ، وإن قال لهم شخص : جزاك الله خير أو أثابك الله أو بارك الله فيك ... ونحو ذلك من مثل هذه الكلمات ؛ وجدت منهم الضحك والإستهزاء ... فظن هؤلاء المساكين أنهم وصلوا لمرحلة رجولية يتكبروا فيها على بعض أخلاقيات الإلتزام .
تجدهم أيضا يتبعون أمورا ربما يكون وجودها والعمل بها أمر معلوم واعتيادي ويقبل النظر فيه ، لكنهم لم يكونوا قد أخذوا بها وقت التزامهم السوي مع علمهم بها في تلك الأيام مثل : التصوير ، الأخذ من اللحية ، التساهل في مشاهدة القنوات المحرمة - ربما بحجة متابعة الأخبار - ، الميل فجأة نحو المقالات والكتابات الفكرية والثقافية المأخوذة من زبالة عقول أناس تجدهم لايعرفون فروض الوضوء وواجبات الصلاة ثم يفكرون....هزلت .
خلاصة هؤلاء :
هجر للقرآن - تساهل في رؤية الحرام وسماعه - تتبع للرخص - بلادة في إنكار المنكر وربما تثبيط للمنكِـر عن إنكاره - تكاسل عن العبادات - قسوة في القلب - بذاءة في اللسان... وغيرها .
نصيحة أخيرة :
ياهؤلاء أنا أخ لكم أنصح نفسي وإياكم بهذه النصيحة المفيدة لمثل هذا الإلتزام ، ووالله كأنها موجهة تماما لمثل هذه الحالة المؤسفة ، وهي ليست كأي نصيحة ؛ إذ هي نصيحة من خير البشرية رسول الهدى صلى الله عليه وسلم الذي لاينطق عن الهوى ، حيث قال عليه الصلاة والسلام :
( إن الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ) ...
والله المستعان ولاحول ولاقوة إلا بالله....
وصلى الله على الحبيب وسلم .
---------------------------------------
( 1 ) لايعني هذا الكلام أنه هو السبب الوحيد في مثل هذه التحولات ، بل هناك أسباب أخرى مثل : الرياء والسمعة وطلب الشهرة ، غيبة العلماء ... وغيرها .
(2) أعلم أن العقال ليس حرام ؛ بل الكلام عنه لوحده تفاهة ، وكذلك أعلم أن هناك أمورا قابلة للأخذ والرد لكن أنا ذكرت ماذكرت بحيث أنه يناسب سياق الموضوع ، فلو أخذته بعيدا عن الموضوع لكان هناك كلام آخر .