.. ما يهم .. الناسك .. من .. أحكام .. المناسك ..1
الجزء الأول ..
1ـ تعريفه :
لغة : القصد .
شرعاً : قصد بيت الله الحرام لأداء مناسك مخصوصة في وقت مخصوص وزمن مخصوص .
2ـ حكمه :
فرض وأحد أركان الإسلام الخمسة قال تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) ومن السنة حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( بني الإسلام على خمس .. وذكر منها وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلاً )
وهو واجب في العمر مرة واحدة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الحج مرة فما زاد فهو تطوع ) والحكمة تقتضي ذلك للمشقة الحاصلة في السفر للحج ولما يحصل من ازدحام الناس .
ولا يجب كذلك إلا في النذر لحديث ( من نذر أن يطع الله فليطعه ) .
3ـ فرضيته :
فرض في السنة التاسعة من الهجرة ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم إلا في السنة العاشرة .
ومن أنكر فرضيته أو جحد وجوبه فهو كافر مرتد أما من تركه تهاوناً وكسلاً فالصحيح أنه لا يكفر لكنه ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب وتجب عليه التوبة .
وقد اختلف أهل العلم هل يجب على الفور أم التراخي فذهب بعضهم إلى أنه واجب على التراخي لأن الحج فرض في السنة التاسعة ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم إلا في السنة العاشرة وذهب بعضهم وهو المذهب أنه واجب على الفور لقوله صلى الله عليه وسلم ( تعجلوا في الحج ــ يعني الفريضة ــ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له ) ولأن الأصل في الأوامر أنها على الفور . وأما تأخيره صلى الله عليه وسلم الحج فلأنه كان مشغولاً في استقبال الوفود في تلك السنة ولأنه أراد من تأخيره الحج حتى يكون حجه خالصاً ولا يوجد معه أي مشرك في ذلك العام .
4ـ فضله :
ورد فيه فضائل قلّ أن يرد مثلها في العبادات الأخرى فقد ورد أنه سبب لدخول الجنة قال صلى الله عليه وسلم : ( والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) وورد أنه سبب لمغفرة الذنوب قال عليه الصلاة والسلام ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) .
والحج المبرور : ما كان خالصاً لوجه الله ـ ومتبعاً فيه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ـ وترك فيه الرفث والفسوق والجدال ـ وكان بمال حلال ـ ووجود المَحْرَم للمرأة .
لكن مغفرة الذنوب المراد بها الصغائر أما الكبائر فتحتاج إلى توبة قال صلى الله عليه وسلم (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر).
5ـ شروط وجوبه :
1.الإسلام خرج به الكافر .
2.البلوغ خرج به الصغير فلا يجب عليه الحج لكن لو حج صح منه نفلاً ولا تجزئه عن حجة الإسلام فإذا بلغ حج عن نفسه مرة أخرى .
3.العقل خرج به المجنون قال صلى الله عليه وسلم ( رفع القلم عن ثلاث وذكر منهم الصغير حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق )
4.الحرية وخرج به العبد لأنه غير مستطيع ولا يملك نفسه ومشغول في خدمة سيده ولو حج صح منه نفلاً ولا يجزئه عن حجة الإسلام وإن عتق حج عن نفسه مرة أخرى .
5.القدرة والاستطاعة قال تعالى ( ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً ) والمراد بها صحة البدن وأمن الطريق وملك الزاد والراحلة وقد وردت أحاديث تنص على أن الاستطاعة هي ملك الزاد والراحلة قال عنها شيخ الإسلام ( أنها وردت من طرق حسانٍ وموقوفة ومرسلة تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة ) وقلنا أن الحج مفتقر للزاد لطول المكث والراحلة لبعد المسافة .
والمراد بالزاد: أن يملك ما يكفيه مما يصح به بدنه ويكفى من يعول من ورائه زائداً عن الحوائج الأصلي والنفقات الشرعية والديون . المراد بالراحلة: هي المعتبرة التي يتمكن من الذهاب بها إلى مكة وأداء مناسك الحج والرجوع بها إلى أهله سواء كان براً أم بحراً أم جواً .
بقي المَحْرَم هل هو من الاستطاعة أم لا ؟ الصحيح أنه من الاستطاعة فلا يجوز للمرأة أن تسافر للحج العمرة أو غيرهما إلا مع ذي محرم لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) وسواء كانت صغيرة أم كبيرة مع رفقة أو لا . وعليه فلو لم يكن عندها محرم فلا يجب عليها الحج حتى لو كان عندها مال لأنه من السبيل ، وهناك قول لمالك والشافعي أنه إن وجدت المرأة رفقة آمنة فإنه يجب عليها الحج لكنه مخالف للأحاديث والأدلة التي استدلوا بها غير واضحة وهي في مقابلة النص . لكن لو حجت من دون محرم فالصحيح أن حجها صحيح لكنها آثمة .
والمَحْرَم هو: الزوج ومن تحرم عليه المرأة تحريماً مؤبداً بقرابة أو رضاع أو نسب .
6ـ أقسام الناس في الحج:
1. من لا يستطيع الحج لا بماله ولا ببدنه سقط عنه الحج .
2. من لا يستطيع الحج بماله دون بدنه لم يلزمه الحج .
3. من يستطيع الحج بماله دون بدنه وجب عليه أن ينيب من يحج عنه .
4. من يستطيع بماله وبدنه وجب عليه الحج .
7ـ مواقيت الحج :
وهي نوعان : زمانية ومكانية .
فالزمانية : هي أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة وهي المراد بقوله تعالى ( الحج أشهر معلومات )
ولا يصح الحج قبل هذه الأشهر .
والمكانية: هي التي يحرم منها يريد الحج أو العمرة وهي :
1.ذو الحليفة وسمي بذلك لكثرة شجر الحلفاء فيه وهو ميقات أهل المدينة ويسمى الآن أبيار علي وهو أبعد المواقيت عن مكة .
2.الجحفة وهو ميقات أهل الشام ومصر وهو الآن خربة يحرم الناس من رابغ غرباً منها .
3.يلملم وهو ميقات أهل اليمن ويسمى الآن السعدية .
4.قرن المنازل وهو ميقات أهل نجد والطائف ويسمى الآن السيل الكبير .
5.ذات عرق وهو ميقات أهل العراق واختلف فيمن وقته والصحيح أنه النبي صلى الله عليه وسلم ووافقه عمر رضي الله عنه .
قال الناظم: عـرق العراق يلمـلم اليمني وبذي الحليفة يحرم المدني
والشام جحفة إن مررت بها ولأهل نجد قــرن فاستبنِ
* حكم الإحرام من هذه المواقيت : أنه واجب من واجبات الحج ومن تجاوزها ولم يُحْرم وهو يريد الحج أو العمرة فهو آثم .
* حكم من تجاوز هذه المواقيت له أحوال: 1ـ أن يتجاوز هذه المواقيت وهو لا يريد الحج أو العمرة فلا شئ عليه وإن طرأ عليه الحج أو العمرة بعد ذلك أحرم من مكانه . 2ـ أن يتجاوز هذه المواقيت وهو يريد الحج أو العمرة ولم يٍُحرم فإنه يجب عليه الرجوع والإحرام من الميقات فإن عاد وأحرم فلا شئ عليه وإن لم يرجع فعليه دم لأنه ترك واجباً من واجبات الحج .
* من كان دون المواقيت فإنه يحرم للحج أو العمرة من مكانه وأما إن كان من أهل مكة فيحرم للحج من مكانه وللعمرة من الحل .
* هذه المواقيت لأهلها ولمن أتى عليها من غير أهلها فمثلاً ميقات الشامي الجحفة لو أحرم من ذي الحليفة جاز فعله قال صلى الله عليه وسلم ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ) .
* من أحرم قبل هذه المواقيت فإنه انعقد إحرامه لكنه فعل أمراً مكروهاً وقد أنكر عثمان رضي الله عنه على رجل أحرم من خراسان ، وقال الإمام مالك : أخشى في ذلك الفتنة قيل: وأي فتنة؟ قال: أن يلزم نفسه شيئاً لم يلزمه الله عليه .
* من ركب الطائرة فإنه يحرم للحج أو العمرة إذا حاذى أحد هذه المواقيت فيلبس ملابس الإحرام ثم ينوي الإحرام ولا يجوز تأخير الإحرام حتى ينزل إلى مطار جدة .
8ـ سنن الإحرام:
لابد أن نعرف أن المراد بالإحرام هنا هو إرادة الدخول في النسك وليس نية النسك المجردة التي تطرأ على المرء وسمي الإحرام بذلك لأن المسلم يحرم على نفسه بنيته ما كان مباحاً له قبل الإحرام من النكاح والطيب وحلق الرأس وأشياء من اللباس ... والسنن هي :
1ـ الاغتسال والمراد به الغسل الشرعي الذي يكون من الجنابة لأنه صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل.
وأمر أسماء بنت عميس رضي الله عنها حين ولدت ابنها محمد في ذي الحليفة أن تستثفر في ثوب وتغتسل مع أنها نفساء . لكن إن لم يجد الماء أو تعذر عن استعماله فلا يتيمم لأن المقصود من الاغتسال هو التنظف والتهيء للإحرام ذكره الموفق .
2ـ التنظف وهو إزالة الأوساخ عن طريق تقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وهذا لم يرد على أنه سنة عند الإحرام لكنه من النتظف والتجمل وأيضاً لأن هذه الأمور تجمع الأوساخ كان من الأفضل إزالتها ، وعليه إن كانت طويلة أزالها وإلا فلا يلزمه ذلك .
3ـ التطيب عند الإحرام لقول عائشة كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم . والتطيب يكون في الرأس والبدن واللحية دون ملابس الإحرام فإن طيب ثياب الإحرام أزاله وإن طيب بدنه وظهر أثره بعد ذلك فلا يضر .
4ـ التجرد من المخيط وهذه العبارة ليست موجودة لا في الكتاب ولا في السنة وإنما قالها إبراهيم النخعي رحمه الله والمراد بها كل ما خيط على قدر الملبوس عليه أو بعضه وسيأتي معنا في المحضورات .
5ـ لبس إزار ورداء أبيضين والإزار : هو ما يستر أسفل البدن والرداء : هو ما يستر أعلاه ، والسنة فيهما البياض لأنه صلى الله عليه وسلم أثنى على اللباس الأبيض ولأنه أقرب ما يكون إلى الكفن وأيضاً لتوحد المسلمين حتى في اللباس ، ويجوز لبس غير الأبيض مما جرت به العادة . والحكمة من لبس الإزار والرداء للبعد عن الترفّه وظهور الإنسان بمظهر الخاشع الذليل المحتاج إلى رحمة الله وعفوه ، والأفضل فيهما أن يكونا جديدين فإن لم يكونا كذلك فغسيلين .
6ـ الإحرام عقب ركعتين وهو المذهب وتسمى سنة الإحرام والصحيح أنه ليس للإحرام سنة تخصه ـ كما قرر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ـ لكن إن صادف صلاة فريضة أحرم بعدها وإلا أحرم عقب ركعتين ونوى بهما سنة الوضوء أو تحية المسجد .
7ـ الإحرام وهو نية الدخول في النسك وفيه ثلاثة أقوال : قيل عقب الصلاة ، وقيل إذا ركب الدابة، وقيل إذا أحرم في الحديبية واستوت راحلته على البيداء أحرم . وكلها صحيحة رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم والأقرب أن لا يلبي إلا إذا ركب من أجل أن يجعل لنفسه فسحة لعله يتذكر شيئاً نسيه . ثم يذكر نسكه فإن كان مفرداً قال ( لبيك حجاً ) وإن كان قارناً قال ( لبيك حجاً وعمرة ) وإن كان متمتعاً قال ( لبيك عمرة ).
وأما قول (فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ) فالصحيح أنه لا يشرع إلا عند الحاجة وهو الصواب الذي به تجتمع الأدلة لقصة ضباعة بنت الزبير عندما قال لها النبي صلى الله علبه وسلم حجي واشترطي فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فإن على ربك ما استثنيت ، وفائدته: أنه إذا حصل له عذر يمنعه من إكمال النسك فإنه يحل وليس عليه شئ . وأما قول ( فإن حبسني حابس فلي أن أحل ) فإنه إن حصل المانع لا يحل إلا إذا أراد .
8ـ التلبية ومعناها : إجابة بعد إجابة ، وهي سنة عند الجمهور وقد كان الصحابة يرفعون بها أصواتهم حتى تنبح فالسنة رفع الصوت بها للرجال أما المرأة فتسر بها بقدر ما تسمع به جارتها، ويبدأ وقتها من حين الإحرام وينتهي بالنسبة للحاج عند جمرة العقبة يوم العاشر ( النحر ) عند رمي أول حصاة ، وأما المعتمر فينتهي عند الشروع في الطواف . وصفتها قول ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك )
وهناك زيادات وردت عن ابن عمر (لبيك وسعديك والخير في يديك والرغباء إليك والعمل ) .
وعند النسائي ( لبيك إله الحق ) وغيرها،
وهي جائزة لقول جابر رضي الله عنه ( فمنا المكبر ومنا المهلل ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته ) فأقرهم على ذلك .
