.. الصدق ،، الكاذب ..
بسم الله الرحمن الرحيم
أحبتي أعضاء وزوار المنتدى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة وبعد :
.. الصدق ،، الكاذب ..
رأيته يمشي من أمامي ، وكأن على رأسه الطير ، تتوسم فيه كل خير ، وليس في الطريق سوانا ، فلما ولى إذ بي أسمع جلبة وصراخا ، يا لله ما المشكلة ، ما لذي يحصل ؟ وما إن أقبلت حتى رأيت صاحبي قد دخل في عراك حاد مع أحد العمالة الذين يقومون بتنظيف الشوارع ، هرعت على الفور أتلمس الموقف ، وأنظر في القضية وملابساتها ، والعامل يرغي ويزبد ويتحدث بعبارات لغته التي تدل على أنه غاضب جدا ، سألته : ما بك ؟ قال : هذا الولد رمى علي الحجر فضربني به ، هل لأني أنظف الشوارع وأقتضي راتبا بسيطا ، لكني في النهاية إنسان ولي كرامة ، طلبت منه الهدوء ثم التفت إلى صاحبي ، هل قمت بضربه ، قال : لا ، قال العامل : أنت كذاب ، وحلف الولد أنه لم يضربه ، الموقف هنا صعب جدا جدا ، لا تدري من تصدق ، ومن يتبلى على من !! غير أني التمست في كلام العامل الصدق والظلم ، وكدت أصدق الولد بسبب حلفه ، فقلت للشاب : إن كنت أنت الذي ضربته فاعترف ، فالاعتراف بالحق فضيلة وكل بني آدم خطاء والنفس أمارة بالسوء ، فجدد الميثاق وغلظ الأيمان على أنه لم يضرب ذلك العامل ، أخذت أنظر للشارع يمنة ويسرة ، فلا يوجد أحد غيرنا ، قلت للشاب : أترى هذا الحجر قد نزل من السماء ؟ أترى هذا العامل يتقصدك ؟ هل بينك وبينه عداوة ؟ ورحت أطرح عليه بعض الأسئلة عله يخبرني الحقيقة ، ونفضه سيرة كما يقال ، فجأة .. جاءني رجل عيان قد شاهد الحادثة كاملة وكان وقتها جالسا في سيارته ، فأخبر الحقيقة .. وأن الولد هو من ضرب ذلك العامل المسكين ، عندها التفت لذلك الولد فإذا بعلامات الخجل قد بدت واضحة عليه ، فرحت أسأله مرة أخرى ما لذي حملك على ضرب العامل ؟ ما لذي حملك على أن تكذب ؟ ما لذي حملك على أن تحلف أونت تعلم أنك كاذب ؟ والولد لا يجيب قد ملأه الحياء والخجل ، قلت له : تأسف من العامل ، فاعتذر منه ، وقبل منه الاعتذار ، فلما انتهت المشكلة ، أمسكت بالشاب وقلت له : خذ من هذا الموقف درسا لك على أن لا تكذب مرة أخرى ، وبينت له أن الصدق منجاة والكذب مهواة ، وأن لا يغتر بمن حوله من أصدقاء سلموا من العقوبة بسبب كذبهم ، فعقوبة الآخرة لهم بالمرصاد ، أيها الإخوة : سئل عليه الصلاة والسلام أيزني المؤمن ؟ قال : نعم . أيسرق المؤمن ؟ قال : نعم . أيكذب المؤمن ؟ قال : لا .. وشر البلية ما يضحك أننا في زمن تغيرت فيه المفاهيم فمن يصدق الحديث ويخبر الحقيقة يسمى غبيا مسكينا لا يعرف مصلحة نفسه ، ومن يكذب ويفتري يسمى ذكيا ألمعيا يجيد المراوغة والتملص من الآخرين ، ثم إن الصدق من الأشياء التي يتأثر بها أولادنا من خلال تعاملهم معنا ، يطرق باب المنزل ويفتح الابن الباب ويسأل الرجل عن الأب ، فيقول الأب لابنه : أخبره أني لست موجودا ، وربما رن الهاتف وسأل عن الأب فقال لابنه : أخبره أني نائم ، وهكذا يتعلم أولادنا الكذب بسبب أفعالنا ، إن الصدق أيها الإخوة : لا يتمثله إلا أصحاب القلوب الحية والنفوس الأبية ، ولعلنا حين نرى أحرف الصدق ونفكك رموزه يتبين لنا أن الصاد : ترمز لصفاء القلب فالصادق لا يحمل أي حقد أو غل على أحد كي يكون كاذبا ، والدال : ترمز للدقة فالصادق دقيق في معلومته لا يخرجها إلا بعد تأن وتأمل ، والقاف : تزمر للقوة ، فالصادق قوي الشخصية ويواجه الحقيقة بعكس الكاذب الذي يكذب ليتهرب منها .. ويكفي أن الصدق سجية الأنبياء ، وطبع الأصفياء ، وخلق الأولياء ، وجزاء صاحبه جنة عرضها الأرض والسماء . قال الله : هذا يوم ينفع الصداقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ... الآية ) وختاما :
عود لسانك قول الصدق تحظ به .. إن اللسان لما عودت معتاد