يا رحمة الله على ذلك اليوم !
السلام عليكم ورحمة الله
هذا موضوعي الأخير المنشور في صحيفة الوئام الألكترونية بتاريخ 1/3/2009 وهو في الصفحة الرئيسية في قائمة الكتاب . الرابط : http://www.alweeam.com/news/articles...how-id-934.htm
يا رحمة الله على ذلك اليوم !
هذه قصة أتيت أرويها بعد أن ارتوت عيناي منها ، حتى سال الدمع من
القلب قبل أن ينحدر على الخد ، وترقرقت مشاعر الألم ، فاشتعلت
أضلعي واستجمع قلبي ألوان الأحزان ! وصاحت الدنيا الهادئة فما
تحركت قلوب البشر ! وأين لعمري مشاعر الرحمة في تلك الليلة !
***
أيتها القلوب .....
كنت مسافراً من شرق المملكة إلى شمالها ، وكل ما أرسلت قلبي في
دنيا الأحلام ، جاء من ينبهني ، ويزعجني ، ويعيد إلي الآلام ، مثلما
يفعل منبه الجوال حينما تضعه على " غفوة " أما غفوتي فكان
يزعجها " أنتبه أمامك تحويله " وصارت سيارتي مع الشارع كالثعبان
في لعبة المتاهات !
***
حتى إذا انبلج نور حفر الباطن من بعيد وتعانقت مع أنوار القيصومة في ليل
أسود بارد ، وأمّلت الوصول ، ووعدت نفسي بالراحة ، فإذا أنوار ترتجف من
قريب على يسار الشارع ، وصلت ... نزلت .... ودخلت مع الناس إلى مسرح
الكارثة ، والتقطت عيناي صورة حزينة فيها ثلاثة نائمين على صفحة أرض
باردة بين أنين الألم ، ولسعة الشتاء ، وقسوة المصيبة ، امرأتان
ورجل ! ورابعة جالسة تنظر إلى النائمين ، وتبكي وتأن بصوت مرتفع !
والناس يركضون من كل مكان !
فهل أفزعتكم الصورة ! فهذا طيفها ، أما حقيقتها فمعي !
***
وانتظرنا نترقب سيارة الإسعاف بين مقرب ومبعد ، وصرنا كالنمل
عند حبات الشعير في حركة سريعة لا تهدأ بين أولئك النائمين تحت
دثار السماء الباردة المكشوفة ! حتى جاء الغوث ، واستبشرنا بالفرج ،
جاءت سيارتي إسعاف وليست واحدة ، ونزل المنقذون بسرعة ، وتجسسوا
المرضى ، فحملوا اثنين ، رجل في سيارة ، وامرأة في سيارة أخرى ، ثم
انطلقوا لا يلتفتون إلى شيء !
ففزع الناس يسألون :
أين تذهبون ؟ والباقين !
فلا أحد يجيب !
فعلت الأصوات بين مستنكر وشاتم ، وساخر وراحم .... وحذف رجل
وامرأة من الصورة .
***
وبقيت امرأتان في الصورة ، وبقينا نترقب سيارة الإسعاف ، وامتطى
البعض متون السيارات يترقبون صوت يأتي من بعيد " وي ، وي , وي "
ولكن لا صوت ! فسقطت الجالسة .... وركض الناس إليها ، لا يدرون
ما يفعلون !! ثم قرروا حملها بحوض السيارة ! وركب معها اثنان ، والكل
يجري ورائها وينادي " شوي ، شوي لا تسرع " ! ، واختفت وراء
الظلام ، والله وحده عليم بالمآل !...... وحذفت امرأة من الصورة .
***
وبقيت المرأة الأخيرة في الصورة ، مرمية على الأرض ، تنفخ عليها
السماء بالزمهرير ! اختلطت رجفة الألم مع رجفة البرد مع رجفة المصيبة
وجلس عند رأسها رجل يذكرها بالله والصبر ويطمئنها على ذويها
المحمولين إلى المستشفيات !
ثم سمعنا رجل يقول " المرأة حامل " ، ويا لقسوة الموقف ، ويا لطف الله !
وانتظرنا الفرج فما جاء الفرج ! ووقفت صامتاً ، غابت نفسي في
مسارب الآلام ، وانطوت على حزن عميق ، وكثرت اللمّاذات ؟، وكل
لماذا تحتاج إلى كد العقل بالتفكير ، فإما إجابة أو سؤال يبحث عن الإجابة
، فأين سيارة الإسعاف ! أين سيارة الإسعاف ! وارتفعت الأصوات أين
سيارة الإسعاف !
***
وبقينا واقفين في الصورة طويلاً ، وبقيت واقفاً مع العشرات ، حتى سمعت
صوتاً يناديني .... أبعد سيارتك عن مسار الطريق ، فاستجاب عقلي الظاهر ،
وبقي الباطن يعيش تأملات الصورة وإيحاءات المشهد المتحرك بالمأساة ،
فركبت سيارتي ومن حيث لا أشعر ، واصلت المسير باتجاه القيصومة ثم حفر
الباطن ، وقسماً بالله ما رأيت سيارة الإسعاف !وانتهت الدراما بلا حلقة
أخيرة ، ولكن سمعت فيما بعد أن اثنين ذهبا إلى حياة الخلود ، والآخران في
الطريق . نسأل الرحمن الرحيم للميت الرحمة وللمصاب العافية .
***
هذه الصورة أيها السادة ، أقلبها بين يدي ، وأرفعها لكم لتروها وتشاهدوا
مجمع الآلام بسبب التهاون والتأخر في أداء الأمانة ، أنقلها كما شاهدتها ما
جاوزت ولا تجاوزت والله على ذلك من الشاهدين . وما أريد إشعال فتيل
الإنكار ولكن أريد تنبيه الغافلين ، وإرسال الصورة إلى مكتب المسؤولين .
حمـــــاد الشمري
hammaad@windowslive.com