في لقاء أُجري معه مؤخراً ؛ قال أحد رؤساء التحرير العرب ، بأنه تألم لكاريكاتير نُشر في صحيفته وفات عليه أن يحجبه . ولما انتصف اللقاء قال بأن( الانغلاق والكبت أدّى إلى مجتمعنا بأن يكون أكبر مجتمع مستهلك للمخدرات( ! (انتهى كلامه ). حقيقة أعجب من أناس تتغير مبادؤهم، وتتبدل أحوالهم ، وتتناقض أقوالهم ،في ذات الجلسة . لست ممن يؤمنون بالحرية المطلقة ، لكنني أعتقد بأن حرية الرأي والتعبير هي الأساس في تغيير ثقافة المجتمع ، وأي نهضة حضارية و ثقافية لا بد وأن يسبقها رأي حر ، ثم إن إنكار الظواهر السلبية يزيدها سوءً ويصيرها مرضاً مزمناً صعب العلاج... ففي مجتمعاتنا العربية يكافح الإرهاب الذي يستهدف الأرواح والممتلكات ،ويُنسى الإرهاب الفكري الذي هو أهم أسبابه؛ فلا أعتقد بأن جريمةً تُرتكب بحق المجتمعات أخطر وأقسى من مصادرة الأفكار وحبسها ، فالغازات المحبوسة في باطن الأرض إما أن تنصهر وتخرج حمماً بركانية ،أويزداد ضغطها فتسبب الزلازل ... إن ترسب الأفكار السيئة في العقل تجعله يصدأ ، فلا بد من إظهارها على السطح ومناقشتها بالحوار الهادف والنقد البناء ، بدلاً من إسكاتها وحجبها عن الظهور ، لأن الفكر يحتاج إلى فكر يقابله ، كما أن هناك فئام يهوون الاصطياد في الأماكن المنغلقة والمعزولة كالمنتديات والمدونات وغيرها، وما أكثر ماعلق في شباكهم من الشباب ! . لدفع عجلة التنمية ،واللحق بركب الحضارة ؛ يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا أولاً، ولا بد بأن يكون نقاشنا في المجالس الخاصة ، هو مانجهر به أمام الناس ؛ ولنعبر بأسمائنا الحقيقية كما نعبر بأسمائنا المستعارة في المنتديات . فالواقع أن المجتمعات الديموقراطية تتقدم أكثر من غيرها ؛لأن الإبداع لا يولد إلا من رحم الحرية -كما يقال- . وحين أتحدث عن الإرهاب الفكري ؛ فلا أقصد قمع الحكومات لمفكريها فحسب ، إنما أتحدث عن ثقافة المجتمع كذلك . فمجتمعاتنا عاشت عصوراً مظلمة من الظلم والقهر والاستبداد -بسبب الجهل والتخلف والعادات -، حتى أضحت لا تميز بين الخلاف والاختلاف ،ولا تفرق بين النقد والانتقاد ، الألوان عندها الأبيض والأسود فقط ،فهي لا زالت تردد ( إن لم تكن معنا فأنت ضدنا ) ، لذلك فما أجهلنا بثقافة الحوار !، والقطيعة عندنا تبدأ بالحوار الذي ينتهي أغلبه بالقذف والسب والشتم والتكفير . فإن أراد أحد القطيعة بين العرب طرح موضوعاً للنقاش - تابعوا برنامج الاتجاه المعاكس على الجزيرة إن شئتم -... إنني أعتقد بأن الإعلام هو صاحب الدور الأكبر في تثقيف المجتمعات وتوجيهها ، ولابد من تغيير سياسة الإعلام العربي بما يتناسب مع العولمة والإنترنت . ليُبتعد عن التلميع والتطبيل السمج ، والمبالغات المضحكة ، والبطولات الزائفة ، فالشارع العربي صار أكثر ثقافة ،وأوسع إدراكاً من قبل ، ومصادر الاطلاع تنوعت ،كما أن وسائل الإعلام تعددت ، فلن يبقى إلا الأصدق والأفضل . كفى استخفافاً بالعقول ،وليأمن الناس ليصدُقوا ، شجعوا الناس على فتح الأفواه بدلاً من تكميمها ، اكسروا مقصات الرقيب ...هذا إن أردتم أن تقنعوا مجتمعاتكم بأن الصحافة ليست جزءاً من السلطة، وبأنها فعلاً السلطة الرابعة وصوت الشعب المنافس لصوت الحكومة . قال وزير الداخلية – حفظه الله – عند لقائه برؤساء تحرير الصحف (نحن مع الصحافة نسمح لكم بنشر كل ما تريدون طالما أنكم تتوثّقون منه ). فلماذا لازال البعض يصر على أن يكون ملكياً أكثر من الملك ؟!...
إن استمر في رئاسة تحرير الصحف مثل الذي ذكرت ، سينصرف الناس عن الصحف ، ولن تستخدم في غير لف الساندوتشات، وتلميع الزجاج ، وسد فتحات النوافذ والغرف ......
منقول من الكاتب السعودي شافي بن عايد الوسعان
