مما يجلو عن النفس الهموم ,ويبعد عنها الأحزان ,حضور مجالس الإخوان , فحضورها محبب لدى الجميع.. ولن أتحدث اليوم عن مزاياها فإنها معروفة000 ولكن دعوني أحدثكم عن بعض من منغصاتها و مكدراتها .
من هذه المنغصات أيها الأحباب ـ وأعيذكم بالله منه ـ ذلكم الذي يلتهم المجلس منذ أن يحط رحاله فيه إلى أن يرتحل ,لا يترك مجالا لأحد أن يشاركه ولو بكلمة , يريدكم مستمعين, وهوـ فقط ـ المتحدث المفوه الذي وسع كل شيء فهماً , وأحاط بكل شيء دراية وعلماً, وهو الذي يدلي بالرأي السديد والنظرة الثاقبة تجاه ما يحصل في أرجاء المعمورة. وإذا سولت لك نفسك أن تقاطعه فعليك أن تتحين الفرصة و تنتظر وتنتظر حتى يمن الله عليك بسكوته من أجل التقاط النفس لا غير وإلا فإنه سيستأنف على بركة الله بعد ثانيتين فلا تفوتك هذه الفرصة فإن اغتنام الفرص من محامد الرجال ..
اغتنمت هذه الفرصة ذات مرة وقلت لأحدهم : أقترح عليك بعد الانتهاء من كلامك أن ترتاح نصف دقيقة لعل احدنا عنده مشاركة, أو إضافة ,أو اعتراض على ما قلت. فان لم تجد شيئا من هذا فواصل حديثك000 لكن صاحبنا ضحك من هذه (النكتة) ثم انطلق على بركة الله بالدرة التي تليها..و عدت أنا أهز راسي من جديد و أقول : صحيح ..صحيح.!!
ومما يكدر صفو المجالس ذاك الذي ضاقت به أساليب الفكاهة والمرح , وطرق إدخال السرور إلا من التندر بأحد الجالسين و إضحاك الحاضرين عليه ,ولا يكف عن هذا إلا إذا أُلقم حجراً برد مجهز من هذه الردود المسكتة.. حينها فقط سيعرف حدوده ويصبح رجلا من الآدميين.
و منها ذاك الذي نصب نفسه مديرا عاما على الحاضرين .. يأمر وينهى .. و.. (لا تتحدثوا بهذا الموضوع فلا أرتاح لسماعه)!!. و..كأنه هو فقط الذي يشاهد التلفاز ؛ فيدير القنوات على مزاجه و هواه , ويرفع الصوت ويخفضه متى شاء. وان شد الحاضرين شيء ما عرض على الشاشة وسلب عقولهم .. ورن هاتف أخينا في هذه الأثناء فلن يتكرم بالقيام وإجراء مكالمته في الخارج. لااا .. بل في مكانه , ولن يتحرج من كتم الصوت , و ما علينا الا السمع و الطاعة فهو مديرنا العام و الله حسبنا و نعم الوكيل!!
ومنها ذاك الذي وقف لك بالمرصاد في كل كلمة تقولها ؛ يعترض على آرائك ويرى خلاف الذي تقوله دائما. قد أرقته الدقة ؛ فلا يسمع منك كلاما تنقله بالمعنى إلا وأعاده في الحال بالنص و الحرف! ولامك على عدم التثبت في النقل و كأنك أمام هذا الجليس (و أنعم به من جليس!!) في مناقشة لرسالة علمية.!
نعم .. المنغصات كثيرة, وما ذكرته غيض من فيض , وتعرفون الكثير غيرها...
ولكل منا كامل الحق في تجنبها . وبعض الأذكياء إذا دعي لمجلس فإنه يسأل عن الحاضرين فيه خشية أن يذهب ضحية مجالسة أحد هؤلاء الثقلاء.. ولكن؛ هل ينطلي ذكاؤه على الداعي و يظفر بالجواب؟ لا.. بل يواجه هذا السؤال برد غاضب من أمثال: (عندي رجال شرواك) وإن ألح بالسؤال, فإن الرد يقسو قليلاً فيكون: (الرجال ما تنعد). فيأتي المسكين ولسان حاله : "اللهم اجعله خير, أنت وحظك.. صحيح أن حظي تعيس.. لكن صليت الفجر اليوم في جماعة؛ فأنا إذاً في ذمة الله ولن يخذلني الله أبداً"!!!
أقول أحبتي: إن مثل هذه الدعوة يسميها (الفقهاء): دعوة (غرر)!! فلا بد أن يكون المدعو على بينة , و إلا فإن الدعوة لا تصح.!
