صحبة الليالي مع أبي حامد الغــزالي .
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
قبل كم سنة سمعت أن جيل صلاح الدين كان خريج مدرسة أبي حامد الغزالي ،
ومنذ ذلك الوقت كانت تراودني الرغبة أن أدرس هذا الرجل وأعرف سر تأثيره بجيل النصر
..............
وفعلاً عزمت أن أصحب أبا حامد الغزالي وبدأت أقرأ من كتبه وأقرأ من كتب من كتبوا عنه . فقرأت مقتطفات
من كتاب إحياء علوم الدين وأخرى من تهافت الفلاسفة وسطور في التفكير والمنقذ من الضلال بالإضافة إلى
ما قرأته من أراء للعلماء حوله وخاصة كتاب الدكتور يوسف القرضاوي بعنوان : أبو حامد الغزالي بين مادحيه
وقادحيه . فقد قرأته بالكامل . والآن أصحبه كل يوم مع كتابه العظيم التفكير إلى أن أكمله بإذن الله عز وجل .
....................
أبو حامد الغزالي مجدد القرن الخامس وحجة الإسلام وتلميذ إمام الحرمين أبو المعالي الجويني ، أنبتته تربة
الحضارة الإسلامية التي هيئت للفقراء أن يرتقوا مدارج الشرف والرفعة و الكرامة ، فقد كان أبو يعمل في المغزل
فصار ابنه من أعظم عظماء الإسلام .
................................
مختصر حياته : درس في المدرسة النظامية للسلاجقة ثم بدأ رحلة " الشك " ، فقد مر بأزمة فكرية قوامها "
الشك " دعته أن يترك التدريس ويعتكف عند الجامع الأموي وبقي سنوات على هذه الحال ، وبعد هذه الرحلة
المعقدة زار مكة وأدى العمرة ثم عاد إلى دمشق وبدأ التدريس من جديد .
.......................
درس الفلسفة دراسة عميقة واعتنقها لمدة شهرين ووصف هذه المرحلة بقوله " تلك التي بدأت بفك عرى التقليد ،
والغرق في أتون الشك المنهجي الذي بقي فيه شهرين على مذهب الفلاسفة بحكم الحال لا بحكم المنطق والمقال
حتى شفا الله من ذلك المرض وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثقاً بها
علي من أمن ويقين ولم يكن ذلك بنظم دليل وترتيب كلام ، بل بنور يقذفه الله في الصدور "
.................................
ثم بعد ذلك انقلب على الفلاسفة انقلاب شامل نحج فيه نجاحاً بارعاً ووجه لها طعنة نجلاء قضت
على ازدهار الفلسفة العقلية والإنتقادية وألف فيهم كتابه " تهافت الفلاسفة "
.........................
وفي كتابه إحياء علوم الدين قام بإحياء العلوم الدينية في نفوس المسلمين بدلاً من العلوم الفلسفية ، يقول
القرضاوي " وفي مقدمة الأحياء رأى علم الدين مندرساً ومنار الهدى في أقطار الأرض منطمساً ، ولم يبقى إلا
علم الفتوى في الأحكام الظاهرة أو الجدل للمباهاة والغلبة والإفحام أو السجع المزخرف وأما علم طريق الآخرة
وما درج عليه السلف الصالح فأصبح من بين الخلق مطوياً وصار نسياً منسيا"
...............
ففي هذا الكتاب " إحياء علوم الدين " غاص في أغوار الأنفس ليستخرج منها سخيمة الإيمان وحمل العلماء
مسؤولية فساد الملوك والحكام وفساد العوام وانتقدهم لشتغالهم بعلم الظاهر عن علم الباطن ورصد المجتمع وما
نشأ فيه من ظواهر اجتماعية وأخلاقيه ليست من الدين .
.........................
يأخذ علماء الإسلام على أبي حامد بعض المآخذ ومن أبرزها إيراده للأحاديث الضعيفة وبناء الآراء عليها ،
وأندماجه في طريق الصوفية إندماجاً كاملاً ، هذا مما ينبغى التنبيه عليه وهناك ملاحظات أخرها ذكرها
العلماء نتركها .
.....................
هذه رؤوس أقلام عن مجدد القرن الخامس الهجري ، ولقد بهرني بعقله أولاً المتقد بعلم طريق الآخرة وتعمقه في
الفلسفة وكيف رد عليهم رداً مفحماً على الرغم من أنه يتهم بأنه عطل الإبداع الفلسفي وجاءت مرحلة الجمود
الفلسفي بعد كتابه " تهافت الفلاسفة "
هذا ما يحضرني الآن مما قرأته عن سيرة هذا المجدد العظيم أو ما كتبته من ملخص عن حياته وعلمه ، ولعل الله
أن يجعل لنا طريق عودة للحديث أكثر عن أبي حامد الغزالي .